«واشنطن بوست»: السعودية لا تزال كما كانت سجناً لدعاة حقوق الإنسان

حجم الخط
0

لندن – «القدس العربي»: في مقال افتتاحي لصحيفة «واشنطن بوست» تحدثت فيه عن «الجانب المظلم في السعودية الذي يكره ولي العهد تغييره». وقالت إن السعودية كانت حاضرة في منتدى الإقتصاد العالمي في دافوس في سويسرا حيث حاولت تطمين المستثمرين وأكدت على الجانب الثقافي من الطعام والموسيقى فيما أعلن وزير المالية، محمد الجدعان قائلاً: «السعودية اليوم هي مختلفة، وليست مثل السعودية قبل خمسة أعوام». وقام هو والوزراء السعوديون المشاركون في المؤتمر بمديح وتفخيم «رؤية 2030» التي حددت معالم التحديث التي يدعو إليها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان والذي تعهد لقلب الطرق التقليدية الجامدة للمملكة.
وتشير الصحيفة إلى أن الطرق القديمة لا تزال واضحة في المملكة بعيداً عن دافوس، حيث حكم على ناشطين في مجال حقوق الإنسان وهما محمد العتيبي وعبدالله العطاوي بالسجن لأربعة عشر عاماً وسبعة أعوام على التوالي لأنهما حاولا ولفترة قصيرة تأسيس منظمة حقوق إنسان قبل خمسة أعوام رغم استجابتهما لمطالب الحكومة وإغلاقها. وصور محامي الاتهام نشر تقارير عن حقوق الإنسان وتوزيع معلوات على مؤسسات الأخبار والتغريدات على تويتر باعتبارها جريمة. وتعترف الصحيفة أن ولي العهد محق في إرضاء مطالب الجيل الشاب من خلال ملاحقة وقمع الفساد المستشري في البلاد وتنويع الإقتصاد بعيداً عن النفط والحد من سطوة المؤسسة الدينية، والسماح للمرأة بقيادة السيارات وحضور المناسبات الرياضية. وفي داخل كل هذه القرارات يقوم ولي العهد بالإشراف على النظام نفسه اللامتسامح والقمعي تجاه حرية التعبير وحقوق الإنسان والذي كان علامة الأنظمة التي سبقته «وهذا هو الجانب المظلم الذي لا يريد ولي العهد تغييره».
وتعلق الصحيفة أن محاكمة العتيبي والعطاوي تحمل الكثير من الانحرافات الغريبة. فقد قاما مع اثنين آخرين بإنشاء جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان في نيسان (ابريل) عام 2013 وأصدرت عدداً من البيانات على وسائل التواصل الإجتماعي. وتم استدعاؤهما للتحقيق بعد شهر من الإعلان عنها.
ووعدا بإغلاقها وبعد ذلك تقدما بشكل رسمي للحصول على إذن لإنشاء منظمة غير حكومية ورفض طلبهما. وتم تحذير العتيبي والعطاوي من استمرار النشاط في عام 2014. وفي عام 2016 أعيد فتح موضوعهما. وفي آذار (مارس) 2017 سافر العتيبي إلى قطر ومن هناك قرر السفر إلى النرويج طلباً للجوء السياسي حيث استطاع الحصول عليه. وعندما كان يحضر لركوب الطائرة في مطار الدوحة تم اعتقاله وسلم لاحقاً إلى السلطات السعودية. وصدر القرار عليه الأسبوع الماضي من المحكمة الجنائية الخاصة، وهي المحكمة المتخصصة بقضايا الإرهاب والتي تستخدم لإسكات النقاد والمعارضين.
ومن الواضح أن الحكم كان يهدف إلى إرسال رسالة للآخرين الذين يتجرأون ويتحدثون عن حقوق الإنسان. وتقول الصحيفة: «كل الذين انخدعوا بطموحات ولي العهد عليهم أن يلاحظوا كيف استمر التفكير القديم عندما يتعلق الأمر بالحرية والحقوق. فقد تم سجن وجلد رائف بدوي الذي كان يريد مجتمعاً منفتحاً بسبب أفكاره ولا يزال خلف القضبان. فوميض الوعود للمستثمرين الخارجيين في دافوس لن تخفي الحقيقة وهي أن السعودية لا تزال كما كانت قبل خمسة أعوام – قبواً للذين يتجرأون على الحديث بحرية».

«بلومبيرغ»: ماذا بعد خروج «النخبة» السعودية من فندق ريتز؟

تساءل موقع «بلومبيرغ» أنه حتى قبل الإفراج عن الوليد بن طلال والمليارديرات الآخرين أعلن المسؤولون السعوديون أن حملة «مكافحة الفساد» التي قاموا بها كانت ناجحة جداً. وكانت السلطات في الطريق لاستعادة 100 مليار دولار في تسويات مالية مقابل إلغاء اتهامات الفساد عن عدد من الاغنياء والمشهورين في المملكة. ولكن مع مغادرة هؤلاء السجن الفاخر فالأسئلة تتواصل وفي ما إن كانت الحملة محاولة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان السيطرة أو عملية لمساعدة الاقتصاد؟ وهل هي نهاية لحملة مكافحة الفساد في أكبر اقتصاديات العالم العربي؟
وتدور الأسئلة حول عدد من أطلق سراحهم ومن بقي منهم؟ ففي مقابلة نادرة مع النائب العام الشيخ سعود المعجب في 21 كانون الثاني (يناير) قال فيها إنه تم الإفراج عن 90 من سجناء «ريتز كارلتون» بعد موافقتهم على تسويات مالية. وقال مسؤول بارز إن العدد سينخفض في نهاية الشهر الحالي. وتم الإفراج في نهاية الأسبوع عن الوليد بن طلال وخالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السابق والأمير تركي بن ناصر الذي تورط في تحقيق بالفساد ببريطانيا والولايات المتحدة. وتساءل الموقع عما سيحدث لمن يرفضون تسويات، مشيراً إلى تصريحات النائب العام في 21 كانون الثاني (يناير) والتي قال فيها إن 95 شخصاً لا يزالون في الريتز ويتلقون أدلة ضدهم.
وقال إن من يرفض التسوية سيحول للمدعي العام ويحاكم كحل نهائي. ولكن السؤال يظل حول الموافقة على التسويات المالية وإن كانت بالضرورة اعترافاً بالذنب؟ وهذا أمر محل للنقاش، لأن الإتهامات ضد الأمير الوليد بن طلال لم يتم الكشف عنها وبشكل رسمي، مع أن مسؤولاً بارزاً قال إن الأمير اتهم وقت سجنه بالرشوة وغسيل الأموال والابتزاز. ولكن الأمير أكد على براءته من التهم في مقابلة مع وكالة أنباء «رويترز» قبل الإفراج عنه وقال إن المعاملة التي تلقاها كانت جيدة.

مخاوف المستثمرين

وخالف المسؤول البارز كلام الأمير حيث قال إن «التسوية لا تحدث إلا بعد اعتراف المتهم بخروقات ووثائق مكتوبة يتعهد بعدم تكرار الفعل، وهذه هي قاعدة عامة لكل من اعتقل بالفساد وليس الوليد بن طلال». وعن المبلغ المطلوب من الأخير قيل في كانون الأول (ديسمبر) إن الأمير رفض مطلب التخلي عن جزء من المملكة القابضة مقابل بقائه على رأس الإدارة.
وكان الأمير متعب بن عبدالله، وزير الحرس الوطني السابق قد دفع مليار دولار كما ذكرت صحف أجنبية لديها معلومات، فيما أجبر وليد الإبراهيم، مدير شبكة أم بي سي للتخلي عن جزء من حصصه، كما قال شخصان عارفان بالموضوع حيث سيعود الإبراهيم لإدارة الشركة كما هو معتاد حسبما قال أحد المصدرين. ولم يكشف عن تفاصيل أخرى. وأثارت الطريقة التي اعتقل فيها رجال الأعمال والنخبة السعودية، بالإضافة لغياب الشفافية مخاوف المستثمرين الخارجيين. وهؤلاء يعتبرون مهمين لخطة الإصلاح الإقتصادي التي يدعو إليها بن سلمان. فمن رأى في الاعتقالات محاولة لتعزيز السلطة فسيظلون ينظرون إليه بهذه الطريقة. أما البقية فيعتبرون أن الإفراج عن الوليد بن طلال والأثرياء الآخرين فسينظرون إليها نهاية لحقبة مثيرة للجدل.
ويقول علي تقي من «بنك رسملة للاستثمار» «لقد حان الوقت لكي يتعامل المستثمرون مع القصة الحقيقية في السعودية». وعن أثر عملية التطهير على الاستثمار، أجاب إن الإستثمار قد يتأثر على المدى القريب نتيجة لعملية التطهير حسبما قال مسؤول بارز في الأسبوع الماضي.
وارتفعت أسهم المملكة القابضة بنسبة 10% بعد الإفراج عنه. ويشير الموقع إلى أن الفساد في السعودية حسب مؤشر الشفافية الدولية لمفهوم الفساد هو 46 نقطة من 100 نقطة. وكان الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن قد دافع عن الفساد كـ «طبيعة إنسانية» في مقابلة «فرونت لاين» عام 2001 وقال لو ذهب مبلغ 50 مليار دولار من 400 مليار دولار لبناء دولة إلى جيوب الآخرين فهذا مقبول.
وكشفت برقيات أمريكية نشرها موقع «ويكيليليكس» عن الطرق التي أثرى فيها الأمراء السعوديون أنفسهم من موارد النفط من خلال اقتطاع نسبة 12.5% منه لميزانية خاصة. لكل هذا فهناك من يشك في تغير المملكة سريعاً. وتساءل الكثير من المحللين عن مدى التغير حيث سمح لمن غادروا ريتز كارلتون إلى مناصبهم وممارسة أعمالهم بشكل عادي. مع أن المسؤولين السعوديين في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس إن عملية التطهير مفيدة للاستثمارات. وقال المدعي العام إن حملة التطهير ستتواصل «هذه مرحلة جديدة» و»سيتم اقتلاع الفساد ولن تتوقف حملة الفساد».

«وول ستريت جورنال»: بن سلمان طلب من الأثرياء دعم إصلاحاته… رفضوا فاعتقلهم وحصل على ما يريد

وفي سياق مختلف عن مكافحة الفساد قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن حملة التطهير بدأت بطلب من النخبة السعودية الثرية المساهمة لدعم الوطن وتعزيز مالية الحكومة. وعندما لم يستجب أفرادها قرر بن سلمان اتخاذ إجراءات متشددة حيث أغرى أعضاءها بالقدوم إلى فندق ريتز كارلتون الفخم في الرياض وتم اعتقالهم وتوجيه اتهام لهم بالرشوة وجرائم أخرى وضعط عليهم للموافقة على ما سمته الحكومة تسـويات مالية.
وكان الأمير الوليد بن طلال، واحداً من المعتقلين الذين أفرج عنهم نهاية الأسبوع. وهو من أثرياء العالم. وحسب مسؤولين سعوديين وافق من أفرج عنهم على تسويات مالية والتنازل عن أسهم في شركاتهم وأعمالهم في بعض الأحيان، فيما لم تستطع التواصل مع الوليد نفسه والذي يقول الأشخاص المقربون منه إنه يتمسك ببراءته. وفي شريط فيديو صوره مع مراسل وكالة أنباء «رويترز» أكد فيه أن عملياته التجارية هي «عملية نظيفة» وأنه سيحافظ على شـركته الممـلكة القـابضة.

100 مليار دولار

وأفرج عن بكر بن لادن الذي تم «تأميم» شركته بشكل فعلي ووليد الإبراهيم صاحب شبكة تلفزيون «أم بي سي». وقال المسؤول السعودي إن من أفرج عنهم وقعوا على وثائق اعترفوا فيها بأخطائهم، ولكنه تجنب مناقشة تفاصيل التسويات المالية.
وطالب المسؤولون السعوديون الوليد بن طلال بمبلغ 6 مليارات دولار ولكن لا يعرف المبلغ الذي تم الإتفاق عليه في النهاية. وأعلن وزير المالية محمد الجدعان قد اعلن الأسبوع الماضي أن الحكومة حصلت على حوالي 100 مليار دولار من 350 معتقلا تقريبا . وقال المسؤول السعودي البارز الذي نقلت عنه أن الباقين وعددهم 40 معتقلا يمكن أن يرسلوا إلى السجن ويقدمون للمحاكمة. وتم نقل بعضهم من فندق الريتز إلى سـجن الحـائر في جـنوب الريـاض.
ووصفت الحكومة السعودية عملية القمع بأنها مكافحة فساد، فيما يرى البعض فيها محاولة للسيطرة على السلطة من الأمير الذي عين وليا للعهد في حزيران (يونيو). ويقول بيل لو من الشركة الإستشارية «غالف ماترز» في لندن إن الأمير محمد «كسر المقاومة من النخبة الإقتصادية والعائلة المالكة». وتقول الصحيفة إن الملك وابنه قاما في الخريف بلقاءات مكثفة مع النخبة الإقتصادية حيث طالبا رجال الأعمال بالمساهمة في إصلاح الاقتصاد والتجديد الاجتماعي وذلك حسب مستشار مقيم في أوروبا.
وأضاف أن الأمير سألهم «ماذا ستعملون لبلدكم؟». ولم يجب المسؤولون السعوديون عن أسئلة تتعلق بهذا الزعم. وتقول الصحيفة إن الطلب جاء في وقت كانت فيه الحكومة تحضر لميزانية ضخمة بـ 260 مليار دولار وفرض الضريبة على السعوديين. وفي وقت متأخر من 4 تشرين الثاني (نوفمبر) طلب من الأمراء ورجال الأعمال الحضور إلى فندق ريتز كارلتون للقاء مهم مع الأمير بن سلمان. وبدلاً من مقابلة الأمير اعتقلوا. ويقول شخص قريب من المعتقلين: «كان واضحاً أن عليهم التعاون وتقديم البيعة « لولي العهد.

أبواب مشرّعة

ولم يسمح للمعتقلين بإغلاق أبواب أجنحتهم حتى تتم مراقبتهم وتم قصر المكالمات على متابعة أعمالهم التجارية ولم يسمح لهم بمناقشة اعتقالهم. ويقول شخص إن الأمير الوليد فوجئ بالاعتقال وطلب من طاقمه توفير ملابس كي يرتديها في المعتقل. وتقول الصحيفة إنه تم الإفراج عن بكر بن لادن بعدما وافق على التخلي عن حصته في الشركة. وقالت مجموعة بن لادن، إنها ستظل شركة خاصة مع أن بعض المساهمين فيها قرروا التنازل عن حصصهم للحكومة. ويشير الاتفاق لنهاية شركة ظلت ولعقود في مقدمة الشركات الإنشائية في المملكة. وساعدت الشركة على توسيع الحرمين في مكة والمدينة وأصبحت الشركة المفضلة لدى العائلة المالكة.
واشتكى المستثمرون الأجانب من الطريقة التي عامل فيها ولي العهد رجال الأعمال والنخبة التجارية مع أن المسؤولين السعوديين قالوا إن تدفق الإستثمار الأجنبي عاد بعد تراجع. وقال الجدعان: «اكتشف المستثمرون أن (حملة الفساد) جيدة للاقتصاد».

«غارديان»: قصة تنظيم «الدولة» ومحاولة التحول من حركة تمرد إلى دولة في الموصل

لا تزال الطريقة التي أدار فيها تنظيم «الدولة» مناطقه محلاً للتحليل. والمثال الذي تقدمه صحيفة «غارديان» يكشف عن صعود التنظيم وسقوطه من خلال محاولته التحول إلى دولة بعد مرحلة التمرد. وفي تقرير من جزءين كتب غيث عبد الأحد وبنى الكاتب رؤيته على يوميات باحث في الصواريخ عن ما جرى في المدينة التي وقعت تحت سيطرة الجهاديين عام 2014 ورغم أنه كان يكتب عن الأسعار والمشاكل مع زوجته إلا انه كتب ملاحظات عن الأحداث التي كانت تتكشف في الموصل.
ففي الأيام الأولى من شهر حزيران (يونيو) 2014 تم استقبال المسلحين بشكل واسع في الموصل والذين كانوا مؤدبين على خلاف الجيش العراقي المتوحش. فقد حرسوا المنشآت العام ومنعوا النهب ورفعوا الحواجز التي خنقت المدينة. وكتب الباحث العلمي» لم تنفجر السيارات بعد ذلك، ولا مناوشات ولا متفجرات بدائية» و»حل السلام أخيراً على الموصل، فهم يسيطرون على الشوارع وخاف الناس. وسمحوا لهم بمغادرة المدينة والمدارس لتدريس المقررات التعليمية». وفي البداية لم يعرف الناس هويتهم هل من رجال العشائر السنية؟ أم هم ضباط بعثيون من جيش صدام السابق؟ جهاديون مثل القاعدة؟ فهذه الجماعات كانت جزءاً من الحياة منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وكانت قبل أربعة أعوام تتقاتل فيما بينها على السلطة في الموصل بحثاً عن الشرعية وتشن الحرب ضد الغزاة الأمريكيين وبعد ذلك ضد الحكومة العراقية.
وفي الحقيقة كانت بعض هذه القوى تتصرف كحكومة ظل تجمع الضريبة وتأخذ نسبة من كل عطاء للبلدية. وكانت تختطف وتقتل من لا يستجيب لمطالبهم. وحسب عزام، المهندس الكهربائي في وزارة الطاقة: «دفعنا نسبة عن كل صفقة ولعقد من الزمان». وكانوا يأخذون نسبة 8% عن كل عطاء حيث كان مدير الدائرة يتلقى مكالمة قبل كل عطاء. وكانوا يقررون من يحصل على العطاء ومن يعين في الوظيفة. ومن لم يدفعوا كانوا يختطفون وتم اختراق كل وزارة حتى الشرطة» و»عندما سقطت الموصل ظهروا على السطح». وبعد يومين حضر أحد أصدقاء عزام إلى الدائرة في زي أفغاني وقدم نفسه على أنه مشرف الدولة الإسلامية.
ويقول عبد الأحد إن انتصارات تنظيم الدولة تتقاصر بالمقارنة مع الموصل والتي تعتبر أكبر هزيمة في تاريخ العراق وسقوط ثاني كبرى مدنه وتشتيت 50.000 من جنوده وعناصر الشرطة والسيطرة على مئات الأطنان من الأسلحة والمعدات والعربات المصفحة. وفي الموصل سيقوم تنظيم الدولة بأكبر محاولة طموحة له وهي التحول من حركة تمرد إلى دولة. وبعد اسبوع أصدر تنظيم الدولة «وثيقته المدنية» مكتوبة بلغة قديمة وكانت حافلة بالإشارات الدينية القيامية حيث هنأ تنظيم الدولة أهل الموصل على «النصر الإلهي». وقدم فيه رؤيته والتي ذكر فيها الشعب بأنه جرب الحكم العلماني والملكي وأخيراً «الحكومة الصفوية» وكلها كانت فاشلة «ونحن الآن في عهد الدولة الإسلامية وحكم إمامنا أبو بكر وسترون بإذن الله الفرق بين الحكومة العلمانية التي تضطهد وتصادر إرادة وطاقات شعبها وتحرمهم من الكرامة وحكمنا الذي يسير على النص المقدس». ومنعت الوثيقة التدخين وطلبت من النساء البقاء في البيوت إلا أن الناس واصلوا التدخين في الشوارع وازدهرت مقاهي النرجيلة وظلت النساء يخرجن بدون حجاب وعادت العائلات التي هربت من الموصل. وكانت «وثيقة المدينة» هي الخطوة الأولى في «الدولة» الإسلامية ولم تظهر في يوم واحد. ووصلت بشكل تدريجي من خلال سلسلة تحركات وبيانات أثرت على قطاع معين من الناس. ويشبه مشروع تنظيم الدولة محاولات يوتوبية اخرى مثل الثورة البلشفية وطالبان- وكانت طريقاً للديكتاتورية. وبدأت أولاً من خلال آيديولوجية اسطورية يتبعها تطهير للمجتمع وغير مقبولة.
وبعد ذلك استخدام القسوة لمنع أية مقاومة. وفي كل هذا اعتمدت على شبكة من المخابرات لدفع السكان على شجب أنفسهم. إلا أن الأنظمة الشمولية لا تستطيع النجاة بناء على الايديولوجية والرعب فهي بحاجة إلى بيروقراطية فاعلة وقوية.
وبدأ تنظيم الدولة بإحصاء شامل في الموصل وتم تسجيل أسماء الجنود والشرطة والممرضين والأطباء والمهندسين والأساتذة مع عائلاتهم. وتم تصنيف كل محل وعقار متجر بناء على هوية صاحبه الدينية. وحسب موظف في وزارة الزراعة: «جاءوا إلينا وفتحوا دفتر الأراضي»، وأضاف: «كانوا يريدون معرفة الأراضي التي يملكها المسيحيون والسنة أو الشيعة. وقلنا لهم إن هذه الوثائق تعود إلى العهد العثماني ولدينا فقط أسماء الملاك ولا يمكننا معرفة دين المالك علاوة على طائفته». وفي أول عملية تطهير بدأت على الطريقة الستالينية حيث قتلوا المقاتلين السابقين والبعثيين وضباط الجيش الذين اختفوا. وبعد اسبوع تم وضع كلمة «ن» أي نصراني على محلات وبيوت المسيحيين. وبعدها صدر بيان يطالبهم باعتناق الإسلام أو دفع الجزية. وبعد ذلك بأسبوع صدر بيان يدعو النساء لارتداء النقاب.
ثم جاءت الخطوة المقبلة وهي بناء حواجز حول المدينة بشكل جعلها سجناً كبيراً تنتشر فيه شعارات «باقية وتتمدد». وبعد تأكيد سلطتها قام تنظيم الدولة بعملية تغيير النظام القائم وإلغاء مؤسسات الحكم وأنشات الدواوين او الوزارات: الصحة والتعليم والأمن والقضاء. وتولى كل ديوان «أمير» كان بعضهم من الأجانب. وكانت الإدارة الجديدة خليطاً بين الإدارة الحديثة واستخدام الرموز والأسماء والزي القديم الذي يعود للقرن السابع الميلادي. ويقول عزام: «كانت الدولة الإسلامية دولة إرهاب ولكنها حديثة» «فقد لبسوا ازياء وتحدثوا كما أنهم عاشوا في الزمن الإسلامي الأول ومن الناحية الإدارية كانوا ممتازين وأداروا الدولة بمهارة».
ويشير عزام لحل أزمة جمع الفواتير الكهربائية حيث أدار الديوان فرنسي- مغربي. وقام التنظيم بتركيب عدادات ذكية و»لم يجرؤ أحد على التمنع عن دفع الفاتورة في كل شهر» واستخدمت الطريقة نفسها في جمع النفايات. وتم تعيين جامع لكل شارع يدفع له السكان. وأصدرت «الدولة» بطاقات يجب دفعها فيما قام المفتشون بزيارة الشوارع. وكانوا «عباقرة» في طرق جمع الأموال وتم وضع البيوت والمحلات المصادرة والأموال المنهوبة تحت إدارة بيت المال. وبيع النفط المستخرج من سوريا لأي شخص استعد لتصفيته. ورغم كل هذا فهناك جانب آخر للتنظيم، أسواق النخاسة والجلد. ويقول الباحث العلمي في يومياته: «يلومنا الناس على عدم الرحيل. قالت لي ابنتي الصغيرة يجب أن نرحل إلى كركوك.. ربما كان علي الاستماع لها لكنني كنت خائفاً من المستقبل».

«واشنطن بوست»: السعودية لا تزال كما كانت سجناً لدعاة حقوق الإنسان

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية