لندن- «القدس العربي»: في ربيع عام 2016 علم المسؤولون الأمريكيون في البيت الأبيض أن زعيم حركة طالبان وصل إلى إمارة دبي لقضاء أيام يتسوق فيها ويجمع التبرعات. ومثل وجود الملا أختر منصور وتجوله بحرية في شوارع المدينة التجارية فرصة لا تعوض للقبض على خصم، إلا أن العملية كانت محفوفة بالكثير من المخاطر السياسية والدبلوماسية.
وكان وجوده في دبي بعد فترة قصيرة من مشاركة مسؤولين في حركة طالبان بمفاوضات سرية مع المسؤولين الأمريكيين والحكومة الأفغانية وهو اللقاء الوحيد الذي تم خلال الحرب الطويلة التي تخوضها الولايات المتحدة منذ أكثر من ستة عشر عاما. وكان قرار الملا أختر منصور السماح لمسؤولين في حركته المشاركة في هذه اللقاءات مهما في الطريقة التي تعامل فيها مسؤولو إدارة باراك أوباما مع الفرصة في دبي.
وحسب تحليل صحيفة «واشنطن بوست» الذي أعده ميسي رايان وكريغ جيف فإن سلسلة من سوء الحسابات واحتمال حصول خيانة سمحت لزعيم طالبان بمغادرة دبي بدون ان يتعرض له أحد بسوء حيث سافر إلى إيران أولا ومن ثم إلى باكستان حيث تم استهداف سيارته التي كان يسافر عليها بصاروخ «هيلفاير» من طائرة بدون طيار.
لماذا قتل؟
وتقول الصحيفة إن سماح الولايات المتحدة باغتيال رجل كان مستعدا لجلب حركته إلى طاولة المفاوضات يكشف عن تساؤلات لا تزال تخيم على الحرب منذ بدايتها ولا تزال تقسم إدارة دونالد ترامب ومستشاريه لشؤون السياسة الخارجية. فمتى يكون زعيم طالباني هدفا؟ ومتى يتحول إلى شريك في المفاوضات؟ وكيف ننهي الحرب التي مضى عليها 17 عاما؟
وتعلق الصحيفة أن جهود الولايات المتحدة للحديث مع قادة حركة طالبان في الأيام الأولى للحرب شابها التردد وسوء التواصل والخطوات المتعثرة.
فبعد انهيار حركة طالبان في عام 2001 بفترة قصيرة أمر حامد كرزاي، الذي كان يقود الحكومة الانتقالية وسيطًا له للتحادث مع القادة الذين نجوا من الهجوم الأمريكي وذلك حسبما كشف ستيف كول في كتابه «مديرية أس» والذي حلل فيه التاريخ السري لدور الوكالة المركزية للمخابرات الأمريكية (سي آي إيه). ورفض وزير الدفاع في حينه دونالد رامسفيلد المحادثات وقال إنها «غير مقبولة» فيما تم اعتقال بعض قادة طالبان الذين حاولوا الاستسلام وتم نقلهم إلى معسكر غوانتانامو في كوبا.
وبعد عشرة أعوام من القتال ووفاة عشرات الأولوف من الأفغان وعودة ظهور حركة طالبان بدأت الحكومة الأمريكية سلسلة من محادثات سلام غير منهجية والتي انتهت عام 2012. وتوقفت المحادثات بشكل كامل حتى بداية عام 2016 أي بعد سبعة أشهر من تسمية الملا منصور أختر زعيماً للحركة بعد تأكيد وفاة الزعيم السابق الملا محمد عمر والذي كان زعيم الحركة ومؤسسها ولم يغادر جنوبي أفغانستان إلا نادرا ولم يقابل أي مسؤول من الخارج أثناء حكم حركته لأفغانستان وظل شخصية غير ظاهرة. وتوفي الملا عمر قبل عامين من اعتراف الحركة بوفاته رسمياً عام 2015. وبخلافه فقد كان الملا منصور وزيرًا للملاحة الجوية وهو منصب سمح له بتحصيل عمولات من الأُثرياء العرب الذين كانوا في زيارة لأفغانستان في رحلات صيد بالصقور.
وحسب موقع تابع لحركة طالبان فقد ولد منصور اختر عام 1968 وسافر إلى ألمانيا في التسعينيات من القرن الماضي من أجل شراء آليات لشركة الطيران الأفغاني. وقال مسؤول أمريكي له علاقة بالسياسة الأفغانية «كان يمكنه رشوة الناس ولديه ميول للتحايل على الحسابات». وأضاف أن الملا «كان صانع صفقات». وعلى ما يبدو كانت نزعة المغامرة هي التي جعلته يوافق على محادثات مع الولايات المتحدة في شباط (فبراير) 2016 حيث وعد كل الأطراف إنكار حدوث اللقاء حالة الكشف عنه.
هل تغيرت
ولكن السؤال الذي قسم المسؤولين الأمريكيين وهم يحضرون للقاء السري فيما إن كانت طالبان قد تغيرت خلال سنوات المنفى والتمرد أم لا؟ وهناك من اعتقد في عبارات دبلوماسي أمريكي أن هذه السنوات من القتال حولت طالبان إلى حركة «شرسة وسادية وذكية». وأشار المسؤولون إلى سلسلة من العمليات الانتحارية التي لا تميز وصادق على معظمها الملا أختر منصور وأدت لمقتل ألاف من الأفغان.
وهناك من اعتقد من المسؤولين الأمريكيين أن تفاعل طالبان مع العالم الخارجي أثر على مواقف قادتها وجعلتهم أكثر اعتدالا. واعترف قادة الحركة في لقاءاتهم مع الوفود الأجنبية أنهم ارتكبوا أخطاء عندما كانوا في السلطة وعبروا عن دعمهم لتعليم الفتيات وأكدوا على أنهم لا يريدون البقاء كمنبوذين دوليين. وحصل المسؤولون الأمريكيون على فكرة عن طالبان وما آلت إليه عندما التقوا معها بحضور وفد أفغاني في قطر، التي كانت المكان المختار للقاء شباط /فبراير 2016. وللمصادفة فقد أرسل الأمريكيون وفدا مكونا من نساء حيث عبر عدد من المسؤولين في واشنطن عن قلقهم من عدم تقبل الوفد الطالباني له. ولكن ممثلي الحركة لم يعيروا الأمر اهتماما وافتتحوا اللقاء في مكتبهم في الدوحة بإعطاء مسؤولة الوفد الأمريكي مزهرية من اللازورد حسب بعض المسؤولين المطلعين على مجريات اللقاء. وعندما علق الوفد الأمريكي عن عدم تقديم هدية للوفد الأفغاني اعترفوا بالخطأ وأرسلوا مسؤولا لشراء هدية من محل تجميل قريب وهي حقيبة من عطر الكولون.
بدون انتصار
وتقول الصحيفة أن الولايات المتحدة حاولت طوال سنوات الحرب استخدام القوة لسحق طالبان إلا أنها وبحلول عام 2016 اكتشفت أن استراتيجيتها ليست ناجحة حيث تم تخفيض القوات الأمريكية من 100.000 إلى 10.000 جندي. وعندها بدأ فريق من الخارجية والبيت الأبيض يركزون على العملية السلمية والبحث عن طرق غير تقليدية لتسريع المحادثات.وكان المسؤولون الأمريكيون يعرف أن الملا اختر منصور وعدد من قادة طالبان يزورون دبي بشكل منتظم وحاولوا تحويل الرحلات إلى صالح واشنطن.
ومن هنا اقترحوا استخدامه كورقة مقايضة مقابل تقديم تنازلات من طالبان والراعين لها. وتبنى عدد من المسؤولين الامريكيين مدخلا أكثر خطورة وهو القبض على الملا منصور والضغط عليه للموافقة على المحادثات وبعد ذلك الإفراج عنه. ولم تتقدم الخطط أبعد من الفرضيات عندما اكتشفت المخابرات الأمريكية في دبي. فقد كانت هي المرة الأولى التي يحصل فيها المسؤولون الأمنيون الأمريكيون على معلومات حقيقية عن تحركاته في المدينة. ولو استطاعوا القبض عليه، فستكون أول مرة يتحدثون فيها مع زعيم طالباني من وصول الحركة إلى السلطة عام 1996. وتمحورت المحادثات الأولية داخل البيت الأبيض على الاتصال مع حكومة الإمارات العربية المتحدة والقبض عليه بدون أن يشعروا المسؤولين المحليين في دبي حتى لا يسمحوا له بالهرب. وخرب على المحادثات، معلومات أمنية تشير إلى أن الملا منصور سيغادر دبي سريعا. واستدعت مستشارة الأمن القومي سوزان رايس السفير الإماراتي في واشنطن حيث وعد باستخدام قوات بلاده الأمنية. وبعد دقائق تلقت معلومات أن الملا منصور ركب طائرة متجهة لإيران حيث زادت من سرعتها على المدرج للإقلاع، أو في مرحلة الإقلاع. وطلبت رايس إعادة الطائرة إلا أن الإماراتيين قالوا إن الطلب جاء متأخرا. ولام بعض المسؤولين إدارة اوباما لأنها ناقشت الموضوع طويلا فيما قال آخرون أن الإمارات اخترعت قصة عدم قدرتها على وقف الطائرة.
ويقول بروس ريدل، المحلل السابق في سي أي إيه والذي أشرف على سياسة أوباما في أفغانستان «أسوأ شيء كان سيحدث من وجهة نظرهم هو القبض على الملا منصور في دبي، وفضحهم علنا أنهم كانوا يدعمون الأشخاص الذين يقتلون الجنود الأمريكيين».
ورفض المسؤولون الإماراتيون الذين قاتل جنودهم في أفغانستان التعليق على وجود الملا منصور في بلادهم أو فشلهم بالقبض عليه. مع أنهم اعترفوا بشكل خاص للأمريكيين بوجود الملا منصور في بلادهم. وحسب مسؤول في البنتاغون: «قالوا إنهم لا يفهمون الأمر أو إنه معقد». ويقول المسؤولون الامريكيون إنهم لا يعرفون عن فترة الملا منصور في إيران ولكنه كان هناك للبحث عن داعم مالي يخفف من اعتماد حركته على الباكستان.
الاغتيال
في 20 أيار/ مايو تلقى البيت الأبيض معلومات استخباراتية عن مغادرة الملا منصور إيران والمكان الذي سيوجد فيه في الباكستان. وجاء فيها انه ذاهب للزواج بامرأة جديدة. وقال مسؤول مطلع: «كانت واحدة من الفرص» حيث تم تحريك طائرة بدون طيار ووضعها في مكان الضرب. واتخذ قرار الضربة باراك أوباما. وتقول الصحيفة إن المسؤولين الامريكيين شكوا في التزام الملا منصور بمحادثات سرية خاصة أنه رفض خطة دولية للسلام وواصلت حركته العمليات الانتحارية في كابول وشن الحرب على القوات الأمريكية. وأثبتت هذه العوامل أن الملا منصور لم يكن مهمتا بالسلام حسب الجنرال جون نيكلسون، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان. وكانت هناك حسابات داخلية، حيث خافت الإدارة من الكشف عن أن البيت الأبيض فوت فرصة اغيتال زعيم منظمة قتلت القوات الامريكية والأفغانية. وهناك من المسؤولين الأمريكيين من يعارضون هذه الفكرة ويقولون إن الملا خاطر وأغضب حركته عندما وافق على عقد محادثات سرية مع الأمريكيين والحكومة الأفغانية في الدوحة وهو ما لا يمكن لخليفته فعله. وقال مسؤول أمريكي له علاقة بالسياسة الأفغانية «لم يكن لقتله أي معنى إلا إذا فكرت أنه سيدمر الحركة» و»لا أعتقد أن أحدا كان يظن هذا».
وبعد دخوله الحدود الباكستانية قامت طائرة بدون طيار بضرب صاروخ قتل سائق السيارة الأفغاني وزعيم وكشف عن جواز سفره وأنه زار دبي 13 مرة.
وفي رواية جديدة للمسؤولين الأمريكين فإن الملا منصور قتل لأنه عائق للسلام وهو ما أغضب المسؤولين الذين كانوا يعملون على المفاوضات.
لا نريد المحادثات
بعد أيام من فوز دونالد ترامب في الانتخابات في تشرين الثاني /نوفمبر 2016 أرسلت حركة طالبان رسالة عبر وسيط: إنهم يريدون معرفة إن كان الأمريكيون لا يزالون مهتمين بمحادثات السلام. ورد المسؤولون الأمريكيون أنهم بحاجة لسؤال الرئيس المقبل ومن ثم سيردون عليهم. وجاءت إجابة في الصيف الماضي عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استراتيجيته الجديدة في أفغانستان وهي زيادة حجم القوات الأمريكية إلى 15.000 جندي وزيادة الغارات الأمريكية إلى 500 في الشهر. وقرر البيت الأبيض إغلاق مكتب في وزارة الخارجية يركز على الباكستان وأفغانستان وتسريح فريق صغير من الموظفين المدنيين الذين يعملون على محادثات السلام. ورغم الحد من اتصالات الأمريكيين مع مسؤولي طالبان إلا أنها لم تتوقف. فقد تم وضع خطة لإغلاق مكتب لحركة طالبان في الدوحة على الرف. وصادقت إدارة ترامب العام الماضي على زيارتين لمسؤولي الخارجية إلى مكتب قطر. وكانت الزيارة الأخيرة لأليس ويلز، المسؤولة في وزارة الخارجية عن جنوب ووسط آسيا. وقالت في خطاب ألقته هذا الشهر إن هدف الولايات المتحدة هو «دفع طالبان إلى طاولة المفاوضات». وبدت في بعض الأحيان وكأنها تتحدث لقادة الحركة: «تقول طالبان أنها تطورت كحركة» «أثبتوا هذا، واظهروه بأفعالكم وأنكم جزء من أفغانستان الــجديدة».
… وهل يمكن للكونغرس دفع بن سلمان للخروج من اليمن
في افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» نفسها قالت إن ولي العهد السعودي الإصلاحي والحاكم الفعلي المتهور يمكنه أن يستفيد من حليفته الرئيسية، الولايات المتحدة. فرغم وعوده بالإصلاح الإجتماعي مثل رفع القيود عن المرأة إلا أن محمد بن سلمان بدأ مغامرات خارجية بدون التفكير المتأني لها وعلى رأسها التدخل العسكري الكارثي في الجارة اليمن. ولسوء الحظ فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو غير مهتم بالضغط على الأمير محمد. ففي البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي غمر الرئيس ولي العهد بالمديح متفاخراً في الوقت نفسه بصفقات السلاح التي وقعها السعوديون مع الولايات المتحدة. ولحسن الحظ فقد تلقى الزعيم السعودي لقاءً بارداً في اليوم نفسه في الكونغرس حيث صوّت ممثلو الحزبين على قرار يدعو لوقف الدعم الأمريكي للقوات السعودية في اليمن. وتم طرح مشروع القرار إلا ان المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين أعضاء لجنة الشؤون الخارجية استمعوا لولي العهد. وحسب رئيس اللجنة السيناتور الجمهوري عن تينسي بوب كوركر فإن المشرعين «قاوموا بشدة ودعوا إلى تحرك لما يجري في اليمن وطلبوا (من الأمير محمد) اتخاذ الخطوات الصحيحة».
وتضيف الصحيفة: «كانت هذه الرسالة الصحيحة، فقد أدى تدخل السعودية في الحرب ضد الحركة الحوثية إلى خلق أخطر كارثية إنسانية وجعلت من التهديد الذي كان من المفترض أنها تدخلت لمواجهته اسوأ وليس أحسن. ويحظى الحوثيون بدعم من إيران وقاموا بتقوية هذا التحالف منذ عام 2015 وحصلوا على صواريخ أطلقوها على الرياض». وأضافت أن القصف السعودي المكثف والمدعوم من الولايات المتحدة التي وفرت الوقود في الجو للمقاتلات ومساعدة في اختيار وتوجيه الأهداف أصابت في أكثر من مرة أهدافاً مدنية. وأدى الحصار السعودي للموانيء اليمنية والحصار على مطار العاصمة صنعاء لجلب البلد إلى حافة المجاعة. وتقدم الأرقام التي جمعتها وكالات الولايات المتحدة المتعدد صورة مثيرة للصدمة، فقد قتل أكثر من 10.000 معظمهم مدنيون و 8 ملايين يعانون الجوع ومليون مصاب بمرض الكوليرا وهي أكبر كارثة للمرض في التاريخ الحديث. ورغم هذا فإن الأمير محمد مصمم على مواصلة الحرب.
ويقول السعوديون إن التوصل لحل سياسي في الوقت الحالي ليس ممكناً لأن الحوثيين غير مهتمين وهو تأكيد يجادل المراقبون في صحته. وتقول الصحيفة إن القوات السعودية وإن اتخذت بعض الخطوات لتخفيف المعاناة الإنسانية بعد تصريحات ترامب في كانون الأول/ديسمبر إلا ان الخطوات كما تقول جماعات الإغاثة غير مناسبة. ويطالبون برفع الحصار عن ميناء الحديدة وإعادة فتح مطار صنعاء للطيران التجاري. وتعلق الصحيفة أن الإغاثة والخطوات الأخرى للمفاوضات هي ما يجب على الكونغرس الضغط باتجاه تحقيقها. واتخذ مجلس الشيوخ قرار حول فشل الإدارة الحصول على موافقة الكونغرس تقديم الدعم في اليمن ودعا للانسحاب الأمريكي الكامل. إلا أن مدخلاً أفضل وهو ربط الدعم الأمريكي بتحسين الأوضاع الإنسانية بما في ذلك فتح الموانئ والمطارات والتقدم في مجال المفاوضات. ويمكن للكونغرس دفع بن سلمان للخروج من اليمن والمساعدة على الإصلاح داخل السعودية.
«أوبزيرفر»: اختيار جون بولتون للأمن القومي خطر على العالم
حذرت صحيفة «أوبزيرفر» البريطانية في افتتاحيتها من الخطر الذي يمثله جون بولتون الذي اختاره الرئيس دونالد ترامب مستشاراً للأمن القومي خلفا لجون ماكمستر الذي خرج من منصبه بعد أسابيع من التكهنات. وقالت إن الصقر المتحمس الداعي للحروب الوقائية يناسب اختياره أجندة ترامب القومية (أمريكا أولاً) ولكنه يمثل كارثة على العالم. وقالت إن بولتون «ينتمي إلى عصابة «فرسان الحرب من على الكراسي» الذين يبتهجون عندما يرسلون أبناء الآخرين للقتال والموت في حروب خارجية/أجنبية. ومثل سابقيه جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني وساكن البيت الأبيض الحالي المولع بالقتال، فقد تجنب بولتون القتال في فيتنام عندما كان شابًا، ليس لأنه داعية سلام بل لأنه أصبح وعلى مر السنين داعية حروب وقائية متهوراً وداعماً للتدخلات العسكرية فيما يعتقد أنها دفاع عن المصالح الأمريكية. ورغم الآثار الكارثية لأيديولوجية المحافظين الجديدة التي انتمى إليها والغطرسة الداعية للتصرف بطريقة فردية وقوميته القائمة على شعار أمريكا أولاً إلا أن بولتون نادراً ما اعترف بأخطائه، فلا يزال يدعو لاستخدام القوة وتغيير النظام في كلٍ من كوريا وإيران. فلا يزال يعيش في مستنقع القطب الواحد الذي كان نتاج تفكيره فكلما ارتفع صوته غرق بعمق. وتقول الصحيفة إن العالم قد تغير كثيرًا منذ عام 2003 إلا أن بولتون لم يتغير.
وكما صرخت صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع العام الماضي فبولتون شخصية «خطيرة» جداً واختياره لكي يصبح أكبر مستشاري الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن العالمي قرار سيئ. ولا يحتاج تعيين بولتون لهذا المنصب موافقة من الكونغرس بشكل يثير إلى أن عدم الإهتمام بضوابط الدستور في عهد ترامب. ويحدث كل هذا في وقت حساس. مشيرة الى لقاء مرتقب بين ترامب ورئيس كوريا الشمالية التي تقول إنه لن يكون سوى فرصة سيتسغلها ترامب للظهور. فهذه الجهود التي عملت عليها كوريا الجنوبية لن تنتج ثماراً تبعد العالم عن حافة المواجهة. فبولتون الذي من المفترض أن تكون مهمته إنجاح اللقاء قلل من أهميته باعتباره مضيعة للوقت. ففي الشهر الماضي ناقش في مقال إن توجيه ضربة للنظام الكوري الشمالي شرعي. وعليه فمن المحتمل أن تطالب الولايات المتحدة النظام الكوري الشمالي بوقف برنامجه النووي وتفكيكه، ولهذا فستقوم بلوم الجانب الكوري على فشل الاجتماع. وسيقول بولتون «انظروا، لقد حاولنا» و «لم يعد أمامنا إلا خيار القصف». وتعلق الصحيفة:» نأمل بأن نكون مخطئين، إلا أن العراقيين يعرفون الثمن وبولتون لم يتخل عن نزعاته العدوانية، فالهدف الكبير الثاني سيكون إيران وليس كوريا الشمالية». فمن المؤكد أن ترامب سيتخلى عن الاتفاقية النووية التي وقعت مع إيران عام 2015.
وستؤدي إعادة فرض العقوبات على إيران التي يدعم بولتون فرضها بحماس، الى سلسلة من التداعيات الخطيرة وستؤدي في أسوأ الحالات لتوسيع النزاع السوري الى حرب إقليمية لا يمكن احتواؤها. وأعطت الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل كل المظاهر أنها تزحف نحو حرب مع حزب الله، حليف إيران في لبنان والذي تتهمه بأنه يمتلك صواريخ متقدمة. واشتبكت الطائرات الإسرائيلية في الفترة الماضية مع الحرس الثوري الإيراني خاصة أن إسرائيل تخشى من محاولات محاصرة إيران لها. وشجب ملالي الجمهورية الإسلامية جون بولتون بـ «الراعي للإرهاب» وربما فرحوا بينهم وبين أنفسهم برؤية وضع نزعت فيه القفافيز مع إسرائيل وحليفتها الأمريكية والسعودية وكذا الفلسطينيين، معظهم، يعيشون في غيتو غزو، وقد يكون الشرق الأوسط برميل بارود إلا أن اختيار ترامب لكل من مايك بومبيو، للخارجية وبولتون وكلاهما مؤيدان متحمسان لإسرائيل فإنه يشعل الفتيل الأزرق. وتقول «أوبزيرفر» إن نزعات بولتون العدوانية تشمل السياسة مع الصين وروسيا خاصة أن لديه تاريخاً من التقليل من شأن الحلفاء وتقويض التعاون الدولي ومؤسساته مثل الأمم المتحدة. كل هذا ربما كان مناسباً لأجندة ترامب ضيقة الأفق والمدمرة والداعية للعزلة ولكنها لا تحمل نذر خير للعالم.
«دايلي بيست»: هل اغتال رجل تنظيم «الدولة» في هافانا دبلوماسيين أمريكيين في كولومبيا؟
كتب جيرمي كريت، في موقع «دايلي بيست» تقريراً من كولومبيا تحدث فيه عن محاكمة مواطن كوبي متهم بمحاولة قتل دبلوماسيين في كولومبيا نيابة عن تنظيم الدولة. وأنكر راؤول غاتيريز، 43 عاماً أنه خطط مع تنظيم الدولة العالمي لتفجير مطعم معروف لدى موظفي السفارة الأمريكية والأجانب في العاصمة بوغوتا اسمه «زونا روزا» (المحور الزهري). وسمع غاتيريز يقول عندما اقتيد لقاعة المحكمة: «قلت لك يا رجل، لست إرهابيًا». إلا أن القاضي أمر بحبسه بدون كفالة حتى محاكمته وذلك بناء على قضية قدمتها السلطات المحلية ولقيت مساعدة من مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) والشرطة الإسبانية. وقال النائب العام الكولومبي إن قوات فرض القانون قدمت كنزاً من الأدلة تضم هواتف نقالة تظهر اتصالات ورسائل مشفرة إلى أعضاء في ثلاث خلايا في المغرب وإسبانيا خلال الأسابيع الماضية. ولم يتم القبض بعد على عناصر هذه الخلايا بعد.
وتشمل حزم القنابل التي عثر عليها وجمعت بتمويل من تنظيم الدولة على أربعة أرطال من «سي فور» و12 رطلاً أخرى من الديناميت وكان يقصد استخدامها كجزء من العملية الإنتحارية. وحصل غاتيريز على عمل كغاسل صحون في كافيتريا لكي ينفذ الهجوم الذي كان مقرراً في منتصف آذار (مارس) قبل أن تتدخل الشرطة وتحبطه. ومن بين الرسائل التي تلقاها غاتيريز من المجندين له: «سيفتح الله لك الجنة ونفذها باسم تنظيم الدولة». ويعلق كريت إن اعتقال غاتيريز المواطن الكوبي الذي اعتنق الإسلام قبل فترة أثار نقاشاً حول الدوافع التي دفعت كوبياً من جزيرة تعرف بـ «لؤلؤة الكاريبي» للانضمام لجماعة في الشرق الأوسط معروف عنها قطع رؤوس السجناء المساكين وتفجير الكنوز الأثرية.
مثير للغرابة
ونقل الموقع عن هيرناندو زوليتا، مدير مركز دراسة المخدرات والأمن قوله إن الأمر «مثير للغرابة لأن أمريكا اللاتينية لا يوجد فيها تقاليد إسلامية. ومن ناحية عامة وثقافية فهي بعيدة عن الراديكالية الإسلامية»، وأضاف «ومدهش أيضاً لأنه كاريبي والروح الكاريبية لا تتوافق مع أفكار تنظيم الدولة» «ومن جهة أخرى هناك الكثيرون في أمريكا اللاتينية يكرهون الولايات المتحدة ويحملون القوى الأجنبية مسؤولية الأمراض والمشاكل التي تعاني منها الأمم» في القارة. ويبدو أن غاتيريز قد وقع في معسكر الكارهين للولايات المتحدة. ويقول المحققون إنهم اكتشفوا بالصدفة تصرفاته بما فيها إضافة كلمة «جهادي» على تعليقاته المعادية للولايات المتحدة التي كان يضعها على وسائل التواصل الإجتماعي.
وعاش الكوبي في الولايات المتحدة ويعتقد محامو الاتهام إنه كان يخطط للعودة إلى هناك. وفي تعليقاته قال غاتيريز إنه كرس نفسه لقتال القوات الأمريكية و «النظام الدولي الجديد» و عندما سأله صحافي كولومبي توضيح سبب الكراهية للعم سام أجاب «لنفس السبب الذي يجعلنا نكرههم لأنهم لصوص وغزاة وقتلة». ويرى زوليتا من مركز دراسة المخدرات والأمن أن اختيار بوغوتا لتنفيذ هجوم فيها جاء لأن الحكومة الكولومبية تعتبر من أكبر حلفاء الولايات المتحدة في امريكا اللاتينية. ويعتقد زوليتا أن تعليقات الرئيس دونالد ترامب المعادية لأمريكا اللاتينية ربما كانت وراء تحمس غاتيريز لضرب مصالح أمريكية في القارة وقال: «أعتقد أن خطاب الرئيس ترامب وبعض سياساته أدت لزيادة في المشاعر المعادية للولايات المتحدة» ووصف اللاتينيين بـ «المفجرين القذرين» والحديث عن بناء الجدران يولد العداء والكراهية.
محاولة أولى
ومع أن إيران وحزب الله ناشطان في امريكا الجنوبية إلا أن محاولة تنظيم الدولة هي الأولى ولن تكون الأخيرة حسب المحققين الكولومبيين. وبحسب روبرت بانكر من معهد الدراسات الإستراتيجية في كلية الحرب الأمريكية فإن «أمريكا اللاتينية ستسمح لفرع جديد لتنظيم الدولة فرصة جاهزة لتوليد أموال غير شرعية والحصول على السلاح في ضوء انتاج المخدرات وفرص التهريب وعصابات الأسلحة الموجودة « . وأشار بانكر إلى وجود مساحات واسعة «خارجة عن القانون» والتي توفر للاعبين الأشرار حصانة من العقاب على أفعالهم. وتم ترحيل غاتيريز مرتين من الولايات المتحدة حيث عاد إلى الولايات المتحدة خلال الحدود المفتوحة من الأكوادور. وقال بانكر إن عمليات تجنيد المتعاطفين مع تنظيم الدولة يمكن تجنيدهم عبر هذه المحاور وكذا داخل مدن التنك والغابات التي لم تعد تابعة لسلطة الحكومات في مناطق متعددة من القارة.
وتقول الدكتورة آن سبيكهارد، مديرة المركز الدولي لدراسة العنف المتطرف إن تنظيم الدولة لديه طريقة جذابة للتجنيد بسبب ما يحصل عليه من نتائج على وسائل التواصل الإجتماعي. ويمكن للتنظيم متابعة من أعجبته إعادة التغريدات وشارك فيها مع آخرين وبالتالي غمره بالمواد التي تدفعه للإنضمام. وعندما يجد المجندون أنهم أعجبوا بموادهم يحاولون زيادة الإهتمام منة خلال «قنبلة حب» وبمواد توائم اهتماماتهم والسيطرة عليهم في النهاية. ويجد المجندون في كراهية أمريكا مثل التي عبر عنها غاتريز عاملاً مهماً يستغل للبحث عن جنود جدد.
«كراهية الغرب»
وتقول: «كان تنظيم الدولة جيداً في جذب الذين لديهم كراهية للغرب» وتضيف «عانى الكوبيون في ظل حكومات الولايات المتحدة والسياسات المعادية لكوبا والتي تخدم رسالة تنظيم الدولة». وقال غاتيريز ان المعركة مستمرة رغم القبض عليه فقد «تم زرع البذور». وواحد من الطرق لوقف نمو الشجرة هي معالجة جذور الكراهية والإرهاب على المستوى العالمي من مثل معركة «كسب العقول والقلوب» لمنع التنظيم الوصول إلى أمريكا اللاتينية. ويرى بانكر من كلية الحرب الأمريكية إن هذه الحملة يجب أن تركز على توفير الفرص التعليمية والاقتصادية والأمن وحماية حقوق الإنسان والحريات». ويدعو لزيادة جمع المعلومات مع أن خطوات كهذه محدودة في مناطق واسعة خارجة القانون. فرغم فعالية جمع المعلومات من المخبرين حول المنطقة إلا أنها ليست فاعلة في بعض السيناريوهات.
ويوافق زوليتا، الخبير الكولومبيي مع هذا الرأي وصعوبة منع اختراق التنظيم لدول القارة اللاتينية، «من الصعب لعدم وجود مجتمع مسلم هنا ولأن الإرهابي الكوبي لم يكن مسلمًا» وكل هذا يشير لعدم جدوى العمل الأمني.
إبراهيم درويش