قطاع غزة يعيشُ واقعاً بائساً ومأساوياً ويزداد تدهوراً يوماً بعد آخر، مع استمرار حالة الفراغ السياسي والغياب الكامل للسلطة، واستمرار الحصار المفروض من الجهات الثلاث، إضافة إلى الجمود في المصالحة الداخلية الفلسطينية، فيما يظل السؤال الملح: ما الحل؟ وما هو المستقبل؟
أزمة غزة ليست سوى امتداد لأزمة المشروع الوطني الفلسطيني، التي نشأت في أعقاب انهيار اتفاق أوسلو عام 2000 وفشله في الوصول الى الدولة الفلسطينية، وهي أزمة تفاقمت بعد الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، ومن ثم بمشاركة حركة حماس في انتخابات 2006، وصولاً إلى الانقسام الفلسطيني الذي امتد من السياسة إلى الفصائل إلى الجغرافيا، حتى أصبحت الضفة الغربية هي المكان الأبعد في العالم عن غزة!
بعد التسريبات المتتالية عن «صفقة القرن» التي يطمح لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته الأكثر انحيازاً لإسرائيل، فمن الواضح أن ثمة سيناريو يجري العمل على تنفيذه لفرض حل أو تسوية على الفلسطينيين، وهو ما يعني أن القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل يأتي في هذا السياق، ويُمهد لما سيتم فرضه، كما أن قطاع غزة بكل تأكيد جزء من السيناريو الجاري ترتيبه. ثمة الكثير من التحليلات التي يمكن أن تكون صحيحة فيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة ووجود حركة حماس فيه، لكن أخطرها هو أن يكون لمصر وجيشها دور في القطاع، أو بمعنى آخر أن تكون تسريبات الصحافة الإسرائيلية صحيحة؛ حيث كشفت أن ما يجري من عمليات للجيش المصري في سيناء تحت غطاء «مكافحة الإرهاب» ليست سوى تمهيد لدخول الجيش المصري إلى القطاع، بعد فترة من إحكام الحصار وإنهاك حركة حماس ومعها السكان المحليون، ومن ثم يتم توسيع القطاع باتجاه سيناء، بعد أن يتم إسقاط حكم حماس ومصادرة سلاحها ووضع سلطة سياسية وأمنية بديلة.
ما يعزز هذا التحليل أن اسرائيل عملت طوال العقود الماضية، وما زالت، على سلخ قطاع غزة عن الأراضي الفلسطينية، واكتشفنا خلال السنوات الماضية أن الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة بقرار منفرد من تل أبيب، وبدون أي اتفاق مع الفلسطينيين، لم يكن سوى خطوة في هذا الاتجاه، ومحاولة لسلخ القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية. يُضاف الى ذلك أن غزة كانت سابقاً ولسنوات طويلة تحت الحكم المصري، بل كانت القاهرة أول من أنشأ حكومة فلسطينية في غزة هي «حكومة عموم فلسطين» التي تشكلت في أواخر عام 1948 بقيادة أحمد حلمي الذي كان في الحقيقة «موظفاً» لدى الحكومة المصرية. ثمة الكثير من السيناريوهات المتوقعة والمفترضة بشأن قطاع غزة ومستقبله، وهناك بعض السيناريوهات المجنونة التي لا يمكن أن يقبل بها الشعب الفلسطيني بالمطلق على اختلاف توجهاته السياسية والفصائلية، وكل هذه السيناريوهات تظل خطيرة ما دامت ستُفرض على الفلسطينيين فرضاً من الخارج، وتصبح هذه السيناريوهات بلا قيمة، ولا أي معنى إذا كان بمقدور الفلسطينيين التحرك لعرقلتها وعدم الموافقة عليها.
وعلى هذا الأساس فإن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ومعها الفصائل الفلسطينية، خاصة حركة حماس التي ما زالت تحكم غزة بحكم الأمر الواقع ومقتضى الضرورة.. كل هؤلاء أمام مهمة التحرك لحماية مستقبل الشعب الفلسطيني، وهذا التحرك يجب ألا يقل عن اتخاذ الخطوات التالية:
أولاً: يتوجب تحقيق المصالحة الداخلية فوراً، وإعادة الوحدة السياسية والجغرافية بين قطاع غزة والضفة الغربية، وبين حركتي فتح وحماس، حتى لا يُقال في المستقبل إن غزة تحت حكم حماس، وإنه يُراد إعادة القطاع إلى «السلطة الشرعية»، إذ إن السلطة الشرعية الوحيدة هي الشعب الفلسطيني والفصائل الموحدة هي الممثل لهذا الشعب.
ثانياً: يتوجب تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بما يحتاج ذلك من عمليات ترميم وإصلاح، فهي التي قادت الكفاح طوال العقود الماضية، وهي التي مثلت الفلسطينيين في الداخل والخارج، وهي التي سارت خطواتٍ طويلة في اتجاه تحقيق المشروع الوطني.
ثالثاً: يجب أن يظل خيار حل السلطة الفلسطينية بالكامل والعودة الى مربع ما قبل اتفاق أوسلو 1993 قائماً على الدوام، أو على الأقل التلويح به والتهديد به، لأن الاسرائيليين يجب أن يفهموا بأن السلطة ليست جهاز شرطة مدنية لحمايتهم، ولا هي «روابط القوى» الذي يدير شؤون النفايات والمعاملات المدنية.. وألا أحد يقبل أن تكون السلطة كذلك لا اليوم ولا في المستقبل.
رابعاً: على قيادة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، في منظمة التحرير وخارجها، على اختلاف الفصائل من اليمين الى اليسار، أن تبحث فوراً عن تحالفات دولية جديدة على ضوء المتغيرات في العالم والإقليم، وهنا يدور الحديث عن الصين وروسيا وإيران، وهذه هي البدائل الممكنة عن الولايات المتحدة التي يمكن الرهان عليها ما دام البيت الأبيض أسيراً لترامب وإدارته الموالية لإسرائيل ولاء تاماً.
والخلاصة، هو ألا أحد ينكر بأن الوضع الفلسطيني مأساوي وبالغ الصعوبة والتعقيد، لكن هذا الوضع يحتاج الى جرعة زائدة من التضحية والمرونة والاخلاص والاستعداد المقبل على التنازل لبعضنا بعضا، لأن كل الشعب الفلسطيني (بفتحه وحماسه) في سفينة واحدة وإذا ما غرقت هذه السفينة -لا قدر الله- فلن ينجو أحد من الطوفان.
كاتب فلسطيني
محمد عايش
غزة رمز للشرف والعزة
والذي لا يثيره ما يجري فيها لا شرف له ولا عزة
ولا حول ولا قوة الا بالله