والبعض يشكر الإرهاب!

حجم الخط
1

في «عائد إلى حيفا» سؤال مهم على لسان البطل في حديثه إلى ابنه يقول فيه: «أتعتقد أننا سنظل نخطئ؟ وأن كففنا ذات يوم عن الخطأ، فما الذي يتبقى لديك؟» ربما يمكن ان نعيد صياغة كلمات غسان كنفاني لتصبح جزءا من سياق الواقع في مواجهة السلطة وكل محاولات تسويق القمع والسلطوية، فما الذي سيحدث ان اختفى الإرهاب؟ وان كان البعض يعتقد ان «ضعف الآخرين وأخطاءهم هي التي تشكل حقه في الوجود على حسابهم… وتبرر له أخطاءه وجرائمه» كما يقول كنفاني، فهل يمكن أن يستمر الضعف والخطأ إلى الأبد؟ هل يمكن أن يستمر الظلام والظلم استنادا على حديث الصبر والخوف من التغيير دون لحظة إفاقة حقيقية للأبد؟ وهل يمكن أن تسقط كل مطالب التغيير للأفضل في يد من يستغلها للالتفاف على التغيير وعكس مطالبه كما حدث مع ثورة 25 يناير، أم ان تكرار الأخطاء وإعادة تدوير الوجوه والمبررات من شأنه أن يقلل من قيمة الأخطاء وما تحققه السلطة من مكاسب على حسابها وحساب البشر والوطن؟ تساؤلات مهمة ونحن نتابع الكثير من الأحداث في مصر وكيف تتشابك من أجل إفراز واقع أكثر قسوة في نتائجه على الوطن والمواطن.
الإرهاب، يغذي السلطوية ويتغذى عليها. والسلطوية تتغذى على الإرهاب أيضا كما تغذيه. علاقة نفعية كما يحدث بين بعض الكائنات الحية التي لا تعيش دون بعضها. أما الخسارة فهي عميقة لأنها تدفع من حساب الوطن والمواطن أيا كان المسمى. يصبح الوطن والمواطن جزءا من آلة طحن شقي الرحى فيها عنف الإرهاب وعنف السلطة. ويتحول العنف إلى جزء من المعاناة المتنوعة الأشكال التي تحيط بالبشر، طرف يمارسه كأسلوب حياة، وطرف يستند إليه لممارسة عنف آخر يبرره بأنه رد فعل وضرورة لمحاربة العنف الأول. يموت من يموت على يد عنف الإرهاب، ويموت من يموت على يد عنف السلطة. يعذب من يعذب على يد جماعات الإرهاب سواء انتهى عذابها بالموت أو بالحياة وسط خوف وعذابات التجربة، ويعذب من يعذب في سجون القمع المادية أو قيوده المعنوية التي تكبل حياة البعض ممن يقف خارج دوائر السلطة والمدافعين عنها والمنظرين لأهمية وضرورة وربما جمال القمع وضرورة استمراره وربما ضرورة ممارسة المزيد منه.
يتحول كل حدث إرهابي إلى فرصة لتجديد خطاب أهل الشر، ونحن والآخر، ومخاطر السير وراء مفاهيم الحرية والديمقراطية وضروره إبقاء الزعيم مدى الحياة ومحاسبة كل من يعترض أو ينتقد أو يعمل على كشف الزيف أو الفساد القائم في المشهد. يتحول الإرهاب إلى وسيلة لتأكيد ان المخلص والمنقذ يجب أن يحكم بلا محاسبة، أما المعارض فتتم معاقبته بصور مختلفة ما دام هناك من يصفق ومن يضيف كلمات براقة لتجميل قبح حقيقي وعميق في جدران الوطن والإنسان.
تعود لعبة الكراسي الدوارة إلى الواجهة، ومن قام بالتنظير لقمع وسلطوية سابقة يعود لينظر لقمع وسلطوية لاحقة بمصطلحات تناسب مزاج السلطة وتستخدم العبارات التي تفضلها، فلا تتوقف عند تنظير مفهوم أهل الشر بشكل يراه آخرون علميا، ولا عن محاولة تأكيد ان إصلاح الإعلام يبدأ بصناعة قيصر جديد يختلف عن معناه المتعارف عليه في بعض الدول الغربية ليصبح جزءا جديدا من محاولة ادخال المصطلحات العسكرية على الحياة المدنية، وفي الخلفية يطل بعمق صناعة الطفل العسكري بوصفه المواطن الصالح دون ان يقول لنا أحد ما الذي حدث للوعود التي أطلقت رنانة عن تخليص سيناء من الإرهاب وليس ترحيل البعض منها لعدم القدرة على توفير الحماية اللازمة لهم وهي المهمة المنوطة بالجهات الأمنية التي لا يفترض ان ينتقل دورها للتعليم والإعلام والأخلاق كما ترتفع الأصوات مطالبة من وقت لآخر على حساب أدوارها الأساسية.
تقف في مواجهة تساؤلات وتناقضات المشهد، وتحاول ان تفهم التشابكات القائمة بين إرهاب يهدد حياة النساء والأقباط وكل من يراه مختلفا عن تصوره، وبين خطاب لا يهتم بتلك التفاصيل إلا بقدر ما تخدم خطاب أهل الشر وأحسن من دول الجوار وخطابات التنظير التي تخرج علينا مرتدية ثوب المنهج والعلم في حين تتفق جميعها في التمييز وبناء الجدر وتنميط شكل معين للفرد المتدين أو الفرد المواطن.
لا يقف أحد ليقول لماذا منهج العلم ينفع أن يستخدم لدينا لتأسيس القمع ولا يسمح بتأسيس الحرية والديمقراطية؟ ولماذا يستخدم خطاب القمع والإرهاب لتمرير تغييب الحرية لدينا في مواجهة الآخر الذي يعيش على مبادئ الحرية والديمقراطية ولا يستطيع التقليل من قيمتها في بلده.
تقف أمام ما يحدث في الولايات المتحدة وكيف يرى البعض ما يريد من الصورة الحالية، حيث يهاجم الرئيس الإعلام ويشكك في مصداقيته عندما يقول ما يخالف رؤيته، وكيف يحاول بناء جدران مادية ومعنوية. ولكن لا يقف هؤلاء كثيراً أمام جهود الدفاع عن الحقوق، وحفل توزيع جوائز الأوسكار الذي أصر مقدمه على السخرية بشكل واضح وعلني من سلوك الرئيس القائم على التعامل عبر خدمة الرسائل القصيرة «تويتر» التي تسبب أحيانا مشاكل سياسية واضحة، أو غيره من الممثلين الذين وضعوا شعار الدفاع عن الحريات المدنية وغيرها من مظاهر الرفض والتنديد التي سخر منها الرئيس بعدها بشكل غير مباشر عبر «تويتر» أيضا وليس عبر السجون والاعتقالات أو الاغتيالات السياسية والمعنوية التي تعرف عالمنا جيدا.
تتنوع أخبار سيناء المقلقة، ولكن بدلا من حساب السلطة يتم رفع خطاب الإرهاب. ويرى البعض ان ما يحدث جزء من خطاب تبرير الإرهاب الضروري في مقابلة قيادات من دول غربية حتى لا يرتفع صوت فوق صوت الحرب على الإرهاب وتأكيد ان معركتنا حماية للغرب نفسه وكأن المنطقة مجرد ساحة يتنافس فيها الإرهاب والقمع وأكثر ما يمكن ان نقدمه للعالم ان نخلق مناطق عازلة تغذي الإرهاب في المنطقة وتحمي- نظريا – الغرب المتقدم من نيرانه التي تطال الجميع في هم عربي مشترك مهما تنوعت واختلفت التفاصيل. وكأن الدول الغربية عليها ان تدافع عن الحريات في عالمها وان تقبل بالقمع في عالمنا، وعلى جهود تنظير القمع لدينا، ان تؤكد ان ليس في الإمكان أحسن مما هو كائن، لان الحرب على الإرهاب مفتوحة وصعبة، ولأننا لم ننضج لنستحق الحرية بعد.
لا يقول أحد ان النار لا تطفئ النار بالضرورة وقد تغذيها، ولا ان عقود اتباع منهج التخلي عن الحرية والديمقراطية من أجل الحرب على الإرهاب أو غيره من الشعارات المماثلة لم تولد عالما أفضل بل أنتجت ثورات للتخلص من قمع وفساد قديم.
تتكشف أوجه التناقض من السياسة للاقتصاد، ومن حديث ارتفاع الأسعار بسبب ما سمي تعويم الجنيه لحديث انخفاض قيمة الدولار دون انخفاض الأسعار سواء للسلع أو الخدمات بشكل يتناسب مع التغير الحادث. ولكن من قال ان هناك تناسبا أو فهما حقيقيا بريئا لما يحدث، سواء في سقوط قيمة الجنيه بالطريقة التي حصلت أو ارتفاعه النسبي أمام الدولار؟ أو في الارتفاع المبالغ فيه في أسعار السلع والخدمات التي تجاوز جزء منها قدرة عدد غير قليل في المحروسة على توفير الاحتياجات الأساسية؟ وفي مواجهة مشكلات الإنسان نكتشف أن الدولة تؤمن بالحرية وترفض التدخل في الأسعار هكذا تقول تصريحات رسمية تؤكد حالة التناقض ولا تنفيها.
خطاب الحرية هو سلعة يتم التعامل معها حسب مصلحة السلطة ومن حولها، الحرية ضحية في المجال السياسي وهي وسيلة لتمرير قمع المواطن وانتفاع رجال المال في المجال الاقتصادي. انتقائية التعامل مع الحرية لا تختلف عن انتقائية التعامل مع الإرهاب أو عبارات مثل تحيا مصر أو مقارنات أحسن من بعض دول الجوار التي لا تعرف المقارنة إلا مع السلبيات أينما وجدت، أو المنهج العلمي الذي يتفنن في تنظير السلطوية وضرورتها وكيفية استمرارها.
أما المواطن فعليه ان يدرك اللحظة وان غياب طرف من أطراف العنف القائم لن ينتج عالما أفضل، لان آلة قمع السلطة، مثل الإرهاب، تجد مبررات تنظيرية جديدة وخلف كل قيصر يموت يولد قيصر جديد كما قال أمل دنقل، ولكنه يولد ومعه كل ما يخدمه من عبارات تمرير القمع وخطاب السلطوية. ولكن إلى متى؟ سؤال يظل في الخلفية لان استمرار ما هو غير إنساني وخارج مصلحة الإنسان والأوطان قد يستمر لسنوات ولكن لا يمكن ان يستمر للأبد حتى وأن تكررت المحاولات وتكرر الفشل، لأن كل فشل ينتج عالما أكثر اختلافا ومواطنا أكثر وعيا، كما يخترق جزءا من جدار الصمت والقمع ويحرر جزءا من الذاكرة لغد أكثر اشراقا وسماء أكثر اتساعا ولوطن أكثر حرية وعدلا. 

والبعض يشكر الإرهاب!

عبير ياسين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عيسى بن عمر ـ تونس:

    لِنُبقِ، رغم كل شيء، على روح الأمل غالبة في نفوسنا “لأن استمرار ما هو غير إنساني وخارج مصلحة الإنسان والأوطان قد يستمر لسنوات ولكن لا يمكن أن يستمر للأبد حتى وإن تكررت المحاولات وتكرر الفشل…” كما ورد في المقال الرائع أعلاه.
    أُضِيفُ: لكن بشرط وجود مقاومة أهلية للسلطوية بوجهيها اللذين يعتاشان من بعضهما بعضا، أعني: الوجه النظامي والوجه الإرهابي.
    شكرا للكاتبة المحترمة.

إشترك في قائمتنا البريدية