«وثائق بنما» زلزال مدّمر يهزّ أسرة مبارك في الصميم… وموجات متتالية من ارتفاعات الأسعار تضرب الأسواق

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»:من المرات النادرة التي تتوحد فيها اهتمامات النظام والأغلبية الشعبية ما عكسته الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 6 إبريل/نيسان عن بدء زيارة الملك سلمان مصر اليوم الخميس ولمدة أربعة أيام، ستتضمن زيارة له لمجلس النواب في إشارة متعمدة منه، بأن تأييده للنظام لا حدود له وسبب الارتياح الشعبي العام هو زوال كل المخاوف التي كانت تتردد عن تأثر العلاقات بين البلدين، بسبب خلافات بينهما حول ثلاث قضايا هي، المواقف من الإخوان المسلمين وسوريا واليمن، وهي خلافات لم ينكرها المسؤولون المصريون من قبل، إلا أنهم أكدوا على عدم تأثر العلاقات بها، وهو ما تؤكده الزيارة وتضع نهاية لكل التكهنات، خاصة أنها ستشهد التوقيع على أربع عشرة اتفاقية.
أما الموضوع الثاني الذي جذب الاهتمام فهو انفجار قضية الأموال المهربة في بنما، وتخص الرئيس الأسبق مبارك وأسرته وعددا من رجال نظامه، وبدأ ظهور تيار شعبي يطالب النظام بعدم الصمت هذه المرة عن المطالبة باستعادة الأموال التي سرقت وتم تهريبها، خاصة وأن البلاد تعاني أزمة اقتصادية طاحنة. ووصل الاهتمام الشعبي بها إلى درجة أن زميلنا الرسام في «الوفد» عمرو عكاشة أخبرنا أمس أنه زار أحد جيرانه من اللصوص المعدمين، فشاهد زوجته تقرأ له في الجريدة عن فضيحة بنما فقال لها وقد استبد به الخوف:
ـ دوري كويس يا ولية أحسن يكونوا صوروني وأنا بسرق غسيل أم بندق جارتنا.
واهتمت الصحف المصرية بسفر وفد من النيابة العامة برئاسة المستشار مصطفى سليمان، ضم عددا من ضباط الشرطة الذين حققوا في مقتل الإيطالي ريجيني إلى إيطاليا، لعرض ما توصلت إليه تحقيقات النيابة والشرطة على المسؤولين الإيطاليين. كما أن الرئيس في اجتماعه مع وفد من الجمعية البرلمانية لحلف الأطلنطي أخبرهم أن مصر تتعامل بشفافية مطلقة في القضية. كما أن الصحف أشارت إلى التصريحات العنيفة التي أدلى بها وزير الخارجية الإيطالي وهدد صراحة باتخاذ إجراءات ضد مصر إذا لم تتعاون بشكل كامل في هذه القضية.
ومن الأخبار اللافتة في صحف مصر أمس ما أعلنته وزارة التموين بأنها ستعد وجبة لبيعها للإفطار في رمضان بسعر مخفض، وإعادة وزير الكهرباء التأكيد على أنه لا زيادة في أسعار الكهرباء بالنسبة للشرائح الثلاث الأولى، وأنه لا انقطاع لها في الصيف، وهو ما يطمئن أصحاب المصانع والمحلات التجارية ومن ينتظرون مسلسلات وبرامج شهر رمضان. كما تواصلت الشكاوى من استمرار اختفاء عشرات الأصناف من الأدوية، والأزمة التي برزت فجأة في الإسكندرية بقرار رئيس حي العجمي تعيين الأمين العام للحزب الإسلامي محمد أبو سمرة، وهو الذراع السياسي لتنظيم «الجهاد» مشرفا على الطرق. وقال ردا على ما تعرض له من هجوم بأن الأمن وافق على ذلك وأن أبو سمرة لم يوجه إليه أي اتهام في قضية دعم الشرعية، وأفرج عنه، لكن محافظ الإسكندرية سارع بإلغاء قرار رئيس الحي، وطبعا لم يكن ممكنا لرئيس الحي اللواء سامي شلتوت أن يقدم على هذا القرار إلا بطلب من الأمن، وكان أبو سمرة نجما في الفضائيات لمناقشاته وأطرفها عندما يكون أمامه صديقنا الشيخ نبيل نعيم مؤسس تنظيم «الجهاد»، وعندما يهاجمه نبيل يصمت أبو سمرة. أما أغرب وأبشع الحوادث فكانت العثور على جثة فتى في الثانية عشرة من عمره في دورة مياه مسجد في قرية الأنشا التابعة لمركز رشيد في محافظة البحيرة، ونجحت الشرطة في التوصل إلى قاتله وهو شاب في السادسة عشرة من عمره سائق توك توك اعترف بأنه خنقه بعد أن مارس معه الشذوذ. وإلى بعض مما عندنا..

من قتل الباحث الإيطالي؟

ونبدأ مع زميلنا في «الأخبار المسائي» (حكومية) خالد العوامي الذي هاجم أمس الأربعاء رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال لأنه رفض إدراج طلب إحاطة عاجل تقدم به النائب محمد بدراوي حول قضية مقتل الباحث الإيطالي ريجيني معللا ذلك بالقول: «أرجوك.. أرجوك مش عاوزين نتكلم في الموضوع ده بالتحديد، لأنه حساس. وقال خالد معلقا: العالم كله يتكلم في قضية ريجيني، برلمانات أوروبا ليست لديها سيرة سوى من قتل ريجيني؟ أصابع الاتهام تكاد تخرم أعيننا يا دكتور عبد العال، كلمات الإهانة للدولة المصرية توجع مسامعنا، ونحن صامتون لا نرى.. لا نتكلم، وإذا صمت البرلمان فمن يتكلم؟ بتنا أمام خيارين يا دكتور عبد العال لا ثالث لهما، إما قتلناه وإما لم نقتله، فإذا كان لدينا مخطئ فلا يعيبنا أن يحاسب».

الأخطر لم يأت بعد

والموضوع نفسه تناوله محمود سلطان رئيس تحرير «المصريون» قائلا: «حتى كتابة هذا المقال، لم يصدر من القاهرة ومن روما، أي بيان بشأن قضية «ريجيني».. الثلاثاء 5/4/2016، كان آخر «فرصة/مهلة» منحتها إيطاليا لمصر لتعلن الأخيرة عن قتلة «ريجيني» بلا لف أو دوران.. وإلا سيكون رد روما قاسيًا. وطوال ليل يوم أمس الأول (الاثنين)، ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تتحدث عن أن إيطاليا، توصلت إلى قتلة «ريجيني».. وأنها حصلت على «تسجيلات» بين رجال شرطة مصريين، استطاعت من خلالها تحديد هوية الجاني بالاسم والرتبة والصورة. فسر ذلك بأنها تسريبات تمهد للتضحية بضابط شرطة، ذكر في اليوم التالي بالاسم نقلاً عن صحف إيطالية وأمريكية.. وهو الضابط ذاته الذي ورط القاهرة في المشكلة، حين أعلن بنفسه، إن ريجيني قتل في حادث سير.. وأعيد نشر «سجله» في التزوير والتعذيب، وإدانة القضاء المصري له في تلك الوقائع. يتردد في أوساط النخبة، كلام يستبعد تورط ضابط الداخلية، في مقتل الباحث الإيطالي.. لأنه ـ بحسب تلك التكهنات ـ لو كان الأمر كذلك، لما تكبدت الدولة بكل مؤسساتها، مشقة «اللف والدوران» والكذب، وما ترتب عليه من خسارة إيطاليا والاتحاد الأوروبي، من أجل التستر على ضابط في الشرطة. التكهنات تتوقع جهة أخرى، تكون على علاقة بالحادث، وأقرب رحمًا للسلطة من الداخلية، أو متقدمة على الأخيرة في التراتبية السيادية، إذ لا يجد مراقبون تفسيرًا لهذه الاستماتة السلطوية، من أجل غلق ملف «ريجيني»، إلا إذا كان الأمر، يتجاوز تصرفًا فرديًا من ضابط شرطة نزق ومتهور وغير مسؤول… ربما تقبل روما بالسيناريو الأخير، فهي لا تريد أن تخسر مصر الشريك الإقليمي المهم.. وفي الوقت ذاته سترضي الرأي العام الإيطالي، بتقديم «الجاني» إلى العدالة. ربما تنتهي الأزمة في الخارج، ولكن المشكلة الأكبر، هي في اليوم التالي، من الإعلان الرسمي عن اسم قاتل ريجيني وهويته الأمنية.. ففي ظل هذه الفوضى والارتباك والظهور بهيئة «مخزية» أمام الرأي العام الغربي، فإن فكرة التضحية برأس أو برأسين أو بثلاثة، للخروج الآمن من الأزمة، يظل مخاطرة غير مأمونة العواقب… فلا مخرج آمن من هذه المحنة، إلا بالصدق وبالشفافية، فهما الحصنان من الانزلاق في متاهة نسأل الله عزل وجل، أن ينجى البلاد والعباد منها».

خروج الدولار عن سيطرة الدولة

أما الموضوع الأهم بالنسبة للأغلبية والأخطر بالنسبة للنظام فهو الأزمة الاقتصادية، وكيف ستتمكن الحكومة من اجتيازها، والارتفاعات المتواصلة للأسعار وبيان الحكومة الذي ألقاه رئيس الوزراء أمام مجلس النواب، وأشار فيه إلى القرارات الصعبة التي سيتم اتخاذها وقالت عنه يوم الثلاثاء زميلتنا الجميلة في «المساء» لبيبة شاهين المشرفة على صفحة الاقتصاد: «كان شريف إسماعيل رئيس الوزراء محقاً تماماً عندما اختتم حديثه عن بيان الحكومة أمام مجلس النواب بعبارته الشهيرة «هذا ما يجب أن يتحقق وليس ما يمكن أن يتحقق»،ورغم أن البيان كان يحمل عنوان «نعم نستطيع» وهو ما يتناقض تماماً مع عبارة الختام، إلا أن رئيس الوزراء كان واقعياً وعبّر أفضل تعبير عن إمكانيات حكومته القاصرة عن تقديم أبسط أشكال الحماية للمواطنين، ضد موجات متتالية من ارتفاعات الأسعار، التي ضربت الأسواق خلال الشهور القليلة الماضية، وزادت حدتها خلال الأسابيع الأخيرة، من دون أن تمتد يد الدولة بالرقابة والتنظيم للأسواق، مكتفية بما تقدمه من منافذ توزيع وسيارات الجيش من مواد غذائية بأسعار منخفضة، وعلى الرغم من أهمية هذه الآلية إلا أنها تظل قاصرة عن تغطية احتياجات غالبية المواطنين من طبقة محدودي ومتوسطي الدخل بعد أن امتدت زيادة الأسعار إلى سلع أساسية لا يستغني عنها المواطن المصري مثل، الأرز والسكر والزيت والتي سجلت زيادات كبيرة خلال فترة قصيرة. الأسباب يعود بعضها إلى خروج الدولار عن سيطرة الدولة، وفشلها في كبح جماحه. ويعود بعضها الآخر إلى احتكار السوق ووجود ممارسات غير مشروعة مثل تخزين الأرز لدى التجار، إلى جانب أداء الحكومة السيئ متمثلاً في وزير التموين، الذي لم يقم بتكوين مخزون استراتيجي من الأرز في بداية الموسم، فترك المزارعين فريسة للتجار الذين اشتروا المحصول بأسعار زهيدة، ثم قاموا بتخزينه متوقعين ارتفاع أسعاره على خلفية تخلي وزارة التموين عن المحصول في بداية الموسم، وهو ما حدث بالفعل، حيث سجلت الزيادة ما يتجاوز الـ50٪ خلال نحو شهرين أو أقل، تحت سمع وبصر الحكومة، التي لم تجد حلاً سوى اللجوء لاستيراد الأرز والضغط على سوق النقد الأجنبي لا لشيء سوى عجزها عن مواجهة هذه الممارسات، بدعوى حرية الأسواق. وبعيداً عن «الأكل والشرب» تكرر الوضع ذاته في الكثير من الأسواق المهمة، ففي سوق البناء سجلت أسعار حديد التسليح زيادة كبيرة في أسعار البيع للمستهلك، على الرغم من قيام الدولة بتخفيض سعر الغاز الطبيعي لمصانع الحديد بنحو 40٪ والحجة الجاهزة للمصانع هي الدولار».

التهويش والتهديد بالشعارات

وفي «أخبار» اليوم نفسه قال زميلنا وصديقنا رئيس تحريرها الأسبق جلال دويدار:
«علينا أن نكون مفتوحي العين وألا نسمح بأن نكون فريسة لأي ابتزاز يكون محوره التهويش والتهديد بالشعارات، في خضم هذه المعركة الضارية اقتصادياً وسياسياً ـ التي يجد الانتهازيون فيها فرصتهم ـ يتم استخدام هذه الأسلحة غير المشروعة لتحقيق المنافع والأهداف. الخطير في هذا الأمر التوصل إلى تسخير سلاح الإعلام بكل أنواعه، الذي عليه أن يكون حريصاً فيتجنب الوقوع ضحية لهذه الشعارات بحسن نية، ولا أقول بسوء نية: ليس هناك ما يقال سوى أن الشجاعة والحرص والحذر عناصر مطلوبة في خوضنا لهذه الحرب من جانب البنك المركزي وكل الأجهزة الحريصة على أمن الوطن اقتصادياً».

عاطف زيدان: لماذا نتردد في تطبيق الضريبة التصاعدية؟

وفي العدد نفسه أيضا قال زميله المحرر الاقتصادي عاطف زيدان: «لن تخرج مصر من عثرتها بأداء تقليدي ومحاباة الأثرياء على حساب العدالة الاجتماعية، فوجودنا في مؤخرة دول العالم في أكثر من مجال يتطلب قرارات ثورية وحلولا غير تقليدية. قد يقول بعض رجال الحكومة «العين بصيرة واليد قصيرة»، في إشارة إلى محدودية الموارد، ولهؤلاء أقول إن ما حدث في بلدان كثيرة يؤكد أن من يريد تحقيق نقلة كبيرة يجب أن يتحرك قفزا، أو على الأقل بخطى سريعة. أما عن الحجة «البايخة» وأعني الموارد فأقول بكل ثقة، إن مصر من أغني دول العالم، فلدينا أكبر عدد من مليارديرات العرب! ولدينا كنوز يمكن الاستفادة منها في مضاعفة موارد الدولة، بشرط التوقف عن لعبة القط والفأر، واستسهال مد الأيدي للقريب والغريب بدلا من استغلال الثروات المهملة والقدرات البشرية المكبلة، أين نحن من الاقتصاد غير الرسمي الذي يقترب إنتاجه السنوي وفقا لبعض التقديرات من تريليون جنيه؟ ويمكن بضمه تحقيق عشرات المليارات من الجنيهات كرسوم وضرائب، لماذا لا تسارع الدولة بتحصيل الغرامات المقررة قانونا على مليارديرات أراضي الاستصلاح التي تحولت إلى منتجعات على الطرق الصحراوية وتقدر بـ 150 مليار جنيه؟ ولماذا لا يتم التصالح في مخالفات البناء الآمنة إنشائيا وتشمل نصف مليون وحدة سكنية؟ لماذا نتردد في تطبيق الضريبة التصاعدية».

المصريون شاركوا في تردي أحوال كرامتهم الإنسانية

ونترك «الأخبار» إلى «الجمهورية» الثلاثاء لنكون مع زميلنا زياد السحار، وهو يقول لنا ويذكرنا بتوزيع خالد الذكر الأراضي على الفلاحين المعدمين: «هذه الأفكار الثورية استطاعت أن ترسم طريقها على أرض الواقع من خلال توزيع الأراضي التي اغتصبها الإقطاعيون على صغار الفلاحين، وكانت انطلاقة التصنيع والتأميم والتمصير والقطاع العام وتمثيل العمال والفلاحين في مجلس الأمة ومجالس إدارات الشركات والمصانع، وتعليم أبناء الفقراء بمجانية حقيقية للتعليم في مدارس حكومية، تتوفر فيها جودة التعليم كحقيقة وليس كشعار، كما يحدث هذه الأيام تسيطر فيه مافيا الدروس الخصوصية على منظومة التعليم الأساسي والجامعي، ولكن للأسف لم يصمد هذا الوضع الاقتصادي الاجتماعي الكريم طويلاً، فسرعان ما تدخلت عوامل كثيرة ليست وحدها فقط غياب الزعيم، ولكن المصريين جميعاً كانوا شركاء في تردي أحوال كرامتهم الإنسانية، وأذكر بكثير من الشجن والأسى هذا الفساد الذي ضرب شركات القطاع العام والمصانع الحكومية بأيدي البعض ممن علمتهم الثورة وارتقت بهم إلى هذه المناصب القيادية، ومن مثلوا في مجالس إدارات هذه الشركات، وكان يفترض أن يحافظوا عليها ويرتقوا بهذه التجربة الثورية، ولكن غلبت عليهم المصالح الخاصة واغترفوا من ممتلكات الشعب أموالاً ومكافآت وسيارات وأبهة ومنظرة، حتى تراكمت الديون والخسائر، ما فتح الباب على مصراعيه للبيع والخصخصة على أوسع نطاق للشركات الخاسرة والرابحة معاً حتى صغار العاملين أساءوا لهذه التجربة من خلال الفساد الإداري والإهمال».

«جراب الحاوي» مازال يحوي الكثير من الأفاعي

وإلى القضية التي بدأت تستحوذ على اهتمامات الأغلبية، وهي الخاصة بأموال آل مبارك ورجال نظامه في بنما، حيث كانت «اليوم السابع» يوم الثلاثاء الأكثر من غيرها تغطية للحادث، ولوحظ أن بعض زملائنا اعتبر نشر الوثائق إشارة إلهية، أو كما قال زميلنا وائل السمري: «من يتأمل توقيت ظهور هذه الوثائق سيدرك أن الله يريد الخير لمصر فعلا، فالكثير من رجال أعمال نظام مبارك الذين هم أيضا وزراؤه وسياسيوه متهمون في قضايا فساد وتضخم ثروات، وقد سعى غالبيتهم إلى عقد مصالحات مع مصر في الفترات السابقة، وكانت الحكومات المتعاقبة تخشى من رد الفعل الشعبي على هذه المصالحات، ما أخر الإعلان عنها. أما الآن بعد تردى الأحوال الاقتصادية بشكل غير مسبوق، فقد تهيأ الرأي العام لاستقبال أخبار هذه المصالحات وهو ما حدث بالفعل، لكن للأسف استغل رجال أعمال نظام مبارك لهفة مصر على إتمام صفقات التصالح وتنصلوا من عروضهم السابقة، وبعد أن كان رجل مثل حسين سالم يعرض التنازل عن 14 مليار جنيه ثم 9 مليارات جنيه، صار الآن يفاصل في الخمسة مليارات جنيه، التي يريد أن يتنازل عنها. وفي هذه الأوقات التفاوضية تأتي وثائق بنما لتكشف أن هناك العديد من الأسرار التي لم يتم الإعلان عنها، وربما هناك الكثير من المليارات التي سلبت من عرق المصريين وجهدهم. بعد هذه المستجدات لا أرى بديلا عن إيقاف المفاوضات التصالحية مع رموز نظام مبارك فورا، فمن الواضح أن «جراب الحاوي» مازال يحوي الكثير من الأفاعي، وإن كان لا محالة فلابد ألا تتعهد الحكومة المصرية بعدم الملاحقة مرة أخرى إذا ما تم اكتشاف أصول أو أموال غير المعلن عنها، وأن تجبر الحكومة المصرية رموز مبارك على الإقرار بأنهم وعائلاتهم لا يمتلكون شيئا غير معلن عنه في وثائق التصالح وإن أي شيء يظهر بعد ذلك سيكون من حق الشعب المصري «ماديا» ويقع تحت طائلة القانون المصري جنائيا».

الفاسدون نهبوا ثروة مصر

كذلك أرجع زميله عبد الفتاح عبد المنعم ما حدث لكونه عملا إلهيا بقوله: «يبدو لي أن فضحهم من بنما هي حكمة إلهية، حيث جاءت الفضيحة من بنما ولم يعد الآن أمام كل فاسد في نظام مبارك إلا التنازل عن ثروته الحرام للشعب، التي بمجرد التنازل عنها ستكون حلالا لهذا الشعب، الذي هو في حاجة ماسة لكل مليم، بعد أن نهب الفاسدون ثروات مصر. التقرير الذي سيظل حديث الصحافة لعدة أيام وحمل عنوان «وثائق بنما» يفضح علاء مبارك، يكشف عن امتلاكه لشركة استثمارات «بان وورلد» واستمرار أنشطة شركته، رغم قرار تجميد أموال «آل مبارك» والتسريبات وصفت النجل الأكبر للرئيس الأسبق بعميل فائق الخطورة».

بنما فناء خلفي
للتجارة السوداء

أيضا قال زميله كريم عبد السلام: «عائلة مبارك وحاشيته ورموز نظامه ضمن القائمة الكبيرة للملوك والرؤساء ومشاهير السياسة والرياضة، وشخصيات بارزة أخرى، متورطون بحسب الوثائق المسربة في عمليات «إخفاء ثروات» وتهرب ضريبي وغسل أموال في حسابات سرية في شركات وبنوك لا تخضع لرقابة مالية أو دولية في تلك الدولة الصغيرة «بنما»، التي تعتبر مستعمرة أمريكية بالكامل وفناء خلفيا لكل أنواع التجارة السوداء، المخدرات والسلاح والدعارة، وتسيطر عليه الشركات الأمريكية العملاقة والـ«إف بي آي» معا. الوجه الأبرز ضمن عائلة مبارك في هذه الفضيحة الكبرى هو النجل الأكبر علاء، ولا أدرى ماذا يقول الآن بعد انكشاف أرصدته المخبأة وعملياته السرية لإخفاء ملايين الدولارات في تلك الدولة البعيدة المشبوهة؟ وماذا يقول الآن وصورة جواز سفره مصورة بتفاصيلها، باعتباره عميلا شديد الخطورة ضمن عملاء شركات غسيل وتهريب الأموال العالمية. السؤال البارز الآن ماذا ستفعل الوزارات المعنية وجهاز الكسب غير المشروع مع هذا الزلزال الجديد؟ هل يضطلع مجلس النواب بدوره في إصدار تشريع سريع وواضح يجبر الحكومة على التحرك دوليا ويدعمها أمام البرلمانات الدولية في السعي لاسترداد هذه الأموال المهربة والمستنزفة من ثروات البلد؟».

«نحن في أزمة وعاوزين الفلوس»

كما قال زميله عادل السنهوري في العدد ذاته: «نحن في أزمة وعاوزين الفلوس، كما قال سائق التاكسي، ومصر بالفعل تعيش في أزمات اقتصادية خانقة وتحتاج إلى كل جنيه في هذه الظروف، ونحن لدينا الأجهزة الرقابية الكفء لدراسة الوثائق المسربة الخاصة بمبارك ورجاله وعائلته، وتقديم تقرير رقابي للجهات القضائية ثم التقدم للملاذات الضريبية الآمنة، سواء في جزر كايمن وفيرجن آيلاند في بريطانيا، أو حتى في جزر الكاريبي وبعض جزر جنوب شرق آسيا، فالأموال هي أموال الشعب والفساد بين وواضح. وكما ذكرت الوثائق: «فإن هؤلاء متهمون في قضايا فساد واختلاس من الميزانية العامة المصرية، وهو ما عرقل مسيرة الديمقراطية وجرّد الشعب المصري من فوائد التنمية». والبرلمان مطالب بعد السكوت على الفضيحة الجديدة بأن يمارس دوره الرقابي على الحكومة من أجل عودة الأموال المهربة ومحاكمة الفاسدين».

أصحاب الثراء الحرام

ونغادر «اليوم السابع» إلى «المصري اليوم» وزميلنا وصديقنا محمد أمين وقوله في عموده اليومي «على فين»: «ما تابعناه ليس مجرد دعاية سوداء، نحن أمام زلزال مدمر يضرب أسرة مبارك في القلب، لأنه جاء في التوقيت القاتل ولو تأخر بعض الشيء ربما كنا نبلع رغبة البعض في إعادته بطلاً والترتيب لجنازة عسكرية مهيبة تليق بصاحب الضربة الجوية. الجديد أنه لم يصدر عن صحيفة معادية مثل «الغارديان» وإنما صدر عن صحيفة ألمانية تضم إليه بشار وبوتين أيضا كدفعة أولى لأصحاب «الثراء الحرام»! لم أكن أحتاج بالطبع إلى وثائق تؤكد شبهة الفساد، فنحن نحسُّ الفساد ونشمه ونشعر به ونراه وعندنا أصلاً حكم محكمة يؤكد أن مبارك متورط في فساد قصور الرئاسة، لكن الوثائق في هذه الحالة كاشفة لطبيعة الفساد الذي أصاب مصر في مقتل، وجعلها تتسول بعد عزّ وأظن أن الوثائق فضحت المسكوت عنها لجريمة ثابتة بالوثائق والباسبورتات وأرقام الحسابات وتواريخ الإيداع، وقالت إن علاء وجمال لديهما شركة في «جزيرة العذراء» في بريطانيا ولا يستطيع أي منهما الإنكار إطلاقاً! فهل كنت تتصور مثلاً أن مبارك «على الحديدة»؟ هل كنت تتصور أنه بهذه النزاهة مع أن «صبيانه» الذين عملوا معه أصبحوا مليارديرات و«ديناصورات»؟ هل كنت تتخيل أن أبناءه سيبدأون من الصفر أو سيعيشون من معاش والدهم الفريق الأسبق أو سيفتحون «قهوة»؟ ربما كنت تتصور وربما يقول أبناء مبارك إنها وثائق «مفبركة» لكنها وثائق فضحت كيف سرق «مبارك» أموال الشعب؟ أخيراً ثبت أن مبارك حرامي بالمستندات لا بالشبهات والآن أمام مجلس النواب فرصة ذهبية لاستعادة الأموال المهربة وأمام مبارك أيضا فرصة أخيرة لإبراء ذمته والتنازل عن ثروته الحرام».

فساد عائلة مبارك

وفي «الشروق» قال رئيس تحريرها التنفيذي زميلنا وصديقنا عماد الدين حسين:
«السؤال الجوهري الذي يمكن توجيهه إلى كل المدافعين عن عائلة مبارك هو، لنفترض أن هناك ملاذات ضريبية آمنة وشرعية في أي مكان في الخارج ويلجأ لها أي شخص عادي يريد ألا يدفع ضرائب كثيرة، فما الذي يدفع ابن رئيس جمهورية ليفعل ذلك؟ ولماذا يمارس تجارته في الخفاء؟ يفترض أن يكون الجميع على علم بثروة الرئيس وأولاده كيف اكتسبوها وفي أي مجال أنفقوها، والمنطقي أن ثروة ابن الرئيس يفترض أن تكون في بنوك مصر، وإذا فكر واستثمرها في أي بنوك بالخارج فيجب أن تكون معلنة، وبالتالي على الشعب أن يقلق حينما يكتشف أن لابن رئيس سابق حسابا في بنك مشبوه في الخارج، خصوصا أن ذلك تم أثناء حكم والده. قد لا يكون القضاء قد تمكن من إدانة عائلة مبارك بالفساد باستثناء قضية القصور الرئاسية، لكن ما كشفته «أوراق بنما» قبل يومين يقول بوضوح أن أولاد الرئيس كانوا متورطين في أنشطة مشبوهة، أو على الأقل تحيطها الشبهات. على أنصار مبارك أن يصدقوا الآن أن سياسات وممارسات وفساد هذه الأسرة هو السبب الأساسي في الخيبة والوكسة والأيام السوداء التي نعيشها الآن، وما يزال بعض رموزها يمارسون فسادهم حتى هذه اللحظة».

معارك المثقفين

ومن الاقتصاد ومعاركه إلى المثقفين والنخبة ومعاركها الصاخبة على صفحات الصحف، التي لا يهتم بها الناس بحيث أصبحوا في جانب والناس في جانب آخر لا يريدون الاستماع إليهم، بسبب القضايا الغريبة التي يطرحونها ويتعاركون حولها،
أو كما قال يوم الثلاثاء زميلنا وصديقنا في «الأهرام» صلاح سالم بقوله: «يبرر البعض ما جرى ويجري من محاكمات للمثقفين بتدني مستوى أعمالهم على اختلاف مجال كل منهم وإسهامه الفكري أو الأدبي، وقد يكون هذا صحيحا أقله في حالة أحمد ناجي الذي يبدو عمله فضائحيا، بما قد ينفى عنه الطابع الأدبي. غير أن المشكلة الكبرى التي تثور هنا تتعلق بسؤال رئيس وهو: من الذي يملك الحق في توصيف قيمة المنتج الفكري أو الأدبي؟ فأيا ما كان هذا الشخص أو تلك الهيئة التي يمكن أن توُكل إليهما تلك المهمة سنجد أنفسنا تلقائيا أمام سلطة قمع تمارس الرقابة على ضمير المثقف، من دون ضمان حقيقي لنزاهة ضميرها هي ذاتها فإذا ما قامت بحجب عمل تافه اليوم، فالمؤكد أنها سوف تحجب عملا قيما غدا، وآخر أكثر قيمة بعد غد، وثالثا عظيما في اليوم الذي يليه وهكذا. وإذا ما تم المنع اليوم بحجة الحفاظ على القيم الأخلاقية للمجتمع، وهو هدف جدير فعلا بالاحترام، كما جرى لرواية أحمد ناجي «استخدام الحياة» فقد تم بالأمس حصار ومحاكمة وسجن، بل وقتل الكثيرين بحجة ازدراء الدين، لمجرد أنهم اقتربوا من التراث الديني وقدموا حوله اجتهادات غير مألوفة لا تنسجم مع التيار التقليدي الاتباعي السائد حتى لو اختلفنا مع الأسلوب الزاعق للبعض منهم، كما في حالة إسلام بحيري الذي تبقى أفكاره ليست فقط مقبولة، تلقي هذه الشاعرة بجملة منفلتة، أو يطرح هذا الكاتب رأيا شاذا، ولكن إتاحة أعمالهم من دون تجريم يبقيها ملكا للذوق الفردي، ليقوم الناس بفرزها من دون عنت، وتدريجيا يتم إقصاء الرديء والمنفلت وتكريس الجيد والمفيد في علاقة حرة بين المبدع والجمهور. أما التحريم بالمحاكمة والسجن فلن يؤدي إلا لرواج تلك المنتجات الرديئة ومنفعة ناشريها وإحالة منتجيها إلى أبطال للحرية».

الخطاب الديني ومتطلبات العصر

ومن «الأهرام» إلى «الأخبار» وزميلتنا الجميلة نهاد عرفة التي خاطبت الأزهر وعلمائه قائلة: «لماذا تصرون على حبس البحيري بدلاً من مناقشته بالحق في جو هادئ بعيداً عن الانفعالية؟ إن الحوار وشرح وجهات النظر كان أجدى من النظرة التي ينظرها لنا العالم بها اليوم، وأجدى من أن تطالبوا بمحو كل تسجيلاته من «اليوتيوب» ألا تعلمون أن حساب اليوتيوب حساب عالمي لا يخصنا وحدنا، وأن الأفكار لها أجنحة من الصعب الإمساك بها؟ لقد تعلمنا من الثقافة الإسلامية أن رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، ومن اجتهد وأصاب الحق فله أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة للحق، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد. فالحقيقة نسبية وليست مطلقة لقد تعلمنا من الإسلام التسامح وليس الاستئثار بالرأي وإقصاء الآخر في وقت نحن أحوج للم الشمل والتوحد. وهنا أؤكد على ما قاله مفتي الجمهورية د. شوقي علام مؤكداً على «أن الجدل الذي شهدته وسائل الإعلام سيكون سببًا في إثارة القلاقل والفتن، ويُغذي التطرف والتشدد الديني ويُشوه صورة الدين الإسلامي أمام العالم». وقال أيضا «إن صحيح البخاري ليس كتابا مقدساً ولكنه أصح كتب الحديث التي أجمع عليها علماء الأمة، وأنه من الضروري الآن تبني خطاب ديني شرعي يتماشي مع متطلّبات العصر»..

مختار جمعة: نرفض التطاول
على الأديان أو الناس

وفي يوم الثلاثاء نفسه نشرت «الوطن» على صفحتين كاملتين حوارا مع وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة مع رئيس التحرير ومجموعة من محرري الجريدة قال فيه ردا على أحد الأسئلة: «مطالبات البعض بإلغاء المادة الخاصة بازدراء الأديان، وأرى أن القول الفصل فيها لهيئة كبار العلماء. وأنا في وزارة الأوقاف أعرف حدود اختصاصي جيداً وما يتعلق بالفتوى يرجع لدار الإفتاء، والقضايا الكبرى ترجع لهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث، ونحن في زمن تجاوز القضايا الفردية إلى الفتاوى المؤسسية، ولا يمكن لعاقل فضلاً عن متدين أن يقبل بازدراء الأديان، إذا كنا لا نقبل بازدراء العامة نحن بحاجة إلى صياغة القيم الأخلاقية والإنسانية، ولا نريد الفاحشة والألفاظ السوقية تعم في مجتمعنا، وأي إنسان عاقل يرى أن البلاد بحاجة لاستقرار وليس إلى إرباك أو معارك وبالتالي نرفض التطاول على الأديان أو الناس».

مَنْ بعد إسلام بحيري ينتظر؟

ورغم هذا الكلام المقنع فإنه زميلنا في «المقال» أحمد رمضان الديباوي رفضه في اليوم التالي الأربعاء، أي أمس، بل اتهم الرئيس بأن نيته ليست صافية نحو المثقفين وقال: «مَنْ بعد إسلام بحيري ينتظر؟ الشاعرة والمترجمة فاطمة ناعوت هي الأخرى على سرير معدني في عنبر سجن النساء، تنفيذا للتهمة العقيمة نفسها ازدراء الأديان، خاصة بعد أن أيدت محكمة جنح مستأنف السيدة حكم أول درجة بسبب تغيب ناعوت وسفرها إلى كندا، ولم يعد لها سوى تقديم معارضة استئنافية على الحكم الذي يأتي هو والحكم على بحيري بمباركة من الأزهر، وتتضخم سلطة الكهنوت الديني في مصر يوما بعد يوم. والدولة لم تزل تصر إصرارا غريبا على الزج بالكتاب والمؤلفين والأدباء وكأننا في دولة دينية فجة، وهو ما يجعلنا نتساءل عن صدق نيات الرئيس في أمر التجديد والإصلاح الديني، فإذا كان الرئيس جادا في ذلك الأمر فما على حكومته سوى طلب تعديل المادة 98 / د من قانون العقوبات، التي تخص تلك المادة القميئة من قانون العقوبات».

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية