نواكشوط ـ« القدس العربي»: في سابقة غير معهودة في موريتانيا، استمرت حتى ظهر أمس نقاشات ساخنة بين المدونين الموريتانيين المعارضين والمختار ولد اجاي وزير الاقتصاد والمالية في الحكومة الموريتانية إثر تدوينة بشر فيها الوزير يوم السبت الماضي بنهضة وبحبوحة سيلمسها المواطن الموريتاني قريبا في حياته اليومية.
وجاءت تدوينة الوزير التي انشغل بها الرأي العام وتحولت لمسخرة في عالم التدوين الذي تحول لمعارضة محرجة غير مصنفة، بعد سلسلة انتقادات وجهتها المعارضة مؤخرا لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وركزت فيها على الفساد المالي، وبعد حملة للمدونين تحت وسم #»مشاريع وهمية» خصصت لتعداد المشاريع التي تعلن عنها الحكومة دون أن ترى النور.
وأكد وزير المالية الموريتاني في تدوينته «أن وجود معارضة تنتقد وتشكك وتقترح من أجل الوطن و لمصلحة المواطن و لغرض أن تجد الفرصة لتطبيق رؤيتها هو عرض صحي وأمر مطلوب».
«لكن للأسف الكبير، يقول الوزير اجاي، ودون أن أعمم، فإن معارضتنا بعيدة عن أن تلعب هذا الدور، وليس هذا لأنها لم تنتقد النظام إلى حد الإساءة والتجريح، بل لأن ذلك النقد وذاك التجريح افتقدا للصدق وللموضوعية وللبرهان ولأسلوب الخطاب المحترم المسؤول الذي يترك للحوار والنقاش والتعاطي الديمقراطي هامشا ولو قل».
وقال «نبهت لهذه الحقيقة المرة لأقول إني أستحضر، وأنا أكتب هذه السطور، التي تستشرف ديناميكية تحول اقتصادي عميق أعتقد أن البلد على أعتابه، ما سيقوله ويكتبه بعضهم من تشكيك وتسفيه بل وتجريح».
وأضاف الوزير الموريتاني «قد شكك هؤلاء في مشاريع عملاقة بنيوية وملموسة وأثاروا حولها لغطا كثيرا مثل مشروع الحالة المدنية الذي نعتوه بأن هدفه هو تزوير الانتخابات وجمع المال وظلم المواطن، وبرنامج فك العزلة عن عواصم ولاياتنا ومقاطعاتنا وعن مناطق الإنتاج وما أثير حوله من لغط وأن الطرق ليست أولوية وأنها لا تؤكل، ومثل المشاريع الأخرى الكبيرة في مجال الخدمات الأساسية من ماء وتعليم وصحة.»
وانتقد في سياق دفاعه عن النظام، سياسات الحكومات السابقة التي من بين وزرائها معارضون نشطون راهنا، فأكد «أن المشككين استفادوا في حملاتهم التشكيلية من سوء الوضعية التي ترك بعضهم فيها البلد وتأثير ذلك على الرأي العام الذي نفد صبره (وحق له ذلك) والتي يطبعها، غياب أبسط مستوى من البنية التحتية الأساسية، وبطالة مستشرية ومستقبل مظلم ينتظر عشرات آلاف من الشباب الذين يلتحقون كل سنة بسوق عمل مختل التوازن و إدارة مترهلة ينخرها الفساد والرشوة».
وتحدث الوزير عن مجموعة من المشاريع المرتقبة اعتبرها بداية دخول موريتانيا في عصر نهضة اقتصادية كبيرة منها مشروع قناة كرمسين الذي سيضيف ما بين 20 و30 ألف هكتار من الأراضي المروية والذي من المتوقع أن يدخل في الحملة الزراعية المقبلة، ومن هذه المشاريع، مشروع ميناء الصيد التقليدي «تانيت» الذي تتقدم فيع الأعمال ويتوقع تسليمه سنة 2018، ومشروع إنتاج السكر في منطقة «فم لكليتة» الذي من المتوقع أن يتم توقيع اتفاقية تمويله والبدء في العمل فيه خلال السنة الجارية».
وأعلن وزير الاقتصاد الموريتاني عن مشروع بناء مركب سياحي عملاق في نواكشوط على ضفة المحيط مركب من فندقين وعشرات الفلل، كما أعلن عن اكتمال الإجراءات للبدء في بناء مصنع لإنتاج حديد البناء في نواكشوط بتمويل مستثمر أجنبي في إطار التسهيلات المقدمة من الدولة طبقا لقانون الاستثمار».
وتحت وسمي «#مشاريع_وهمية»، و«#لولا_أن_تفندون»، تصدى للوزير عدد من كبار المدونين الاستقصائيين الموريتانيين كان أبرزهم المدون الباز المشهد الذي كتب ردا على الوزير تحت عنوان «في ضيافة التحول الاقتصادي العملاق».
وأكد «أن الاعتراف الوحيد الذي قدمه ولد أجاي هو أن الوطن يخسر دور المعارضة و تأثيرها على الوطن والمواطن وليس النظام بحد ذاته، لكن ما لا يعترف به ولد أجاي الوزير الناطق بالاقتصاد السياسي هو أن النظام هو من يعرقل دور المعارضة ويرفض شراكة المعارضة».
وقال «يتناسى الوزير أن هذا النظام يسيطر منذ عقد من الزمن على مفاصل البلاد ومع ذلك لا شيء يتغير، ترهل اقتصادي شنيع وتضخم يتجاوز المستويات وارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية وتدني قيمة العملة الوطنية بنسبة 30% منذ سقوط ولد الطائع في 2005 وتدني نتائج التعليم والصحة».
وكان الحقوقي عبد الله بيان من بين من ردوا على تدوينة الوزير حيث دون مؤكدا «أنه سيأتي ذلك اليوم الذي تدركون فيه أن هذه المشاريع إما أنها كانت ورقية لا أثر لها على الأرض، أو أنها نفّذت بطريقة فاسدة، جعلتها تخرج مجتزأة وبمواصفات سيئة، لم يطرأ معها على حياة المواطن العادي إلا البؤس والفقر وصعوبة العيش».
وكتب المدون محمد محمود ولد عوان معلقا على تدوينة الوزير «سيكون هذا الوزير في الحقيقة رساما ماهرا و فائق القدرات، إذا استطاع أن يحول الجوع والفقر والبطالة و لهيب الأسعار والنهب الممنهج إلى أدوات يرسم بها صورة وردية لهذا الوطن المغلوب على أمره».
وفي رد على جموع المدونين الذين انهالوا عليه بالنقد والتكذيب، كتب الوزير ولد اجاي «أتأسف أنه لم يناقشني من أثارتهم تدوينتي الأخيرة بأسلوب علمي وبأفكار وبدائل ملموسة، بل مؤسف أنه بدل كل ذلك نهرب إلى الإساءة والتجريح وتجييش العواطف والتهكم والسخرية وقلب الحقائق والبناء على مسلمات غير موجودة في الواقع وتقويل الآخر بكل جرأة ما لم يقله».
وحول موضوع الرشوة كتب الوزير متحديا «بدلا من أن تتهموا الرئيس أو الحكومة بالفساد ها أنا معكم مباشرة وأدير قطاعا من أكثر القطاعات عرضة للرشوة والفساد أحرجوني بحالة رشوة واحدة، بمحاباة مورد أو رجل أعمال واحد من أجل مصلحة شخصية وليكن بعضكم لبعض ظهيرا».
وأضاف «أريد التأكيد مرة أخرى أنني لم أقل يوما أن البلد في نعيم وأن مشاكله قد تم حلها، على العكس من ذلك قلت دائما في نقاشاتي معكم أن البلد مازالت أمامه أشواط طويلة وأن شرائح واسعة تعاني الفقر المدقع وأن أعدادا كبيرة من شبابنا تعاني البطالة وسوء التشغيل، لكني بالمقابل أقول وأجزم أن ما تحقق للبلد في السنوات السبع الماضية هو تحول كبير».
عبد الله مولود