يحكى أن رجلاً ولد أعمى، وبعد سنوات عاد إليه البصر، للحظة خاطفة تمكن خلالها من رؤية «عُرْف ديك» فقط، ثم عاد مجدداً أعمى. وبما أن كل خبرته البصرية مختصرة على عرف الديك، فقد كان كلما حدثه أحد عن شيء ما قال: هل هو كعُرْف الديك؟
هذا هو حال من يلمح زاوية صغيرة ممتلئة بكتلة لونية باهتة، أسفل اللوحة، لينطلق بعدها يصف دافنشي بالسذاجة، لمجرد أن منظر البسمة الخالدة للموناليزا غاب عنه.
هذا الغياب التام لمعظم المساحة البصرية للموناليزا والحضور التام لـ»لطخة لونية» صغيرة هو الذي جعل دافنشي بلا موهبة لدى من هو أصلاً بلا عينين، ولا بصيرة.
هذا بالضبط ما يحصل اليوم لدى كثير من أصحاب القراءات المبتسرة، التي تعد واحدة من أهم المعضلات التي تواجهنا في تعاطينا، ليس مع النصوص اللغوية واللوحات الفنية وحسب، ولكن في محاولات قراءتنا للمواقف والأحداث.
إنه غياب المشهد الكلي في مقارباتنا، والميل للتركيز المكثف على الجزئيات، ليس للانطلاق منها لفهم الكليات، ولكن للخروج برؤية تتفق مع مسلمات فكرية، وأطر اجتماعية درجنا عليها، ووصلتنا عبر «ميمات» ثقافية ورثناها عن أجداد عاشوا في زمان غير زماننا، ونشعر أننا بالتخلي عنها سنهز أساس المعبد.
هذا بالضبط ما يفعله أولئك الذين لا يقرون في القرآن إلا «واقتلوهم حيث ثقفتموهم»، لينطلقوا في كل المحافل، منددين بـ»دعوة الإسلام إلى العنف، وإلى قتل اليهود والنصارى وغير المسلمين»، كما يفعل الكاتب الأمريكي الإسرائيلي الهوى دانيل بايب، وكما يروق لزميله دوغلاس موري في لندن أن يفعل.
إن الاكتفاء بقراءة هذه الآية، أو هذه الجملة من الآية، على طريقة «هل هو كعرف الديك؟»، يعد خيانة للأمانة العلمية، وضرباً من الغش والخداع لجماهير واسعة من الناس، لأنه ومثلما نبتسر «ولا تقربوا الصلاة» بشكل يوحي بأن القرآن يحرم الصلاة، فإن قراءة «واقتلوهم حيث ثقفتموهم»، بطريقة مجتزأة يخالف السياقات اللغوية للقرآن والمقاصد العليا للإسلام، ويظهر الإٍسلام ديناً يحض على العنف والكراهية والإرهاب، لا أكثر.
لكننا عندما نضع «واقتلوهم حيث ثقفتموهم» في سياقها من الآيات التي سبقتها، والتي تليها، وعندما نقارب «بنيتها النصية»، يمكن أن نضع اليد على الدلالات العميقة لفعل الأمر «اقتلوهم»، ومن هم المعنيون بتنفيذ الفعل، ومن المستهدفون به.
دعونا نقرأ الآيات 190 إلى 193 من سورة البقرة: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. واقتلوهم حيث ثقفتموهم، وأخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل، ولا تقاتلهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين. فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين».
وبقراءة كلية الآيات يتضح أن المقصود من العبارة «واقتلوهم حيث ثقفتموهم» هم «الذين يقاتلونكم»، أي مسلحون مقاتلون، حسب السياق النصي للآيات، وهذا يشير إلى أن سبب القتال غير ديني، بمعنى أن الأمر بقتالهم ليس لأنهم يهود أو نصارى أو كفار، بل لأنهم «يقاتلونكم» في صيغة فعل مضارع مستمر لا يتوقف، وهذه أسباب سياسية لا دينية.
وتؤكد الآية «واقتلوهم حيث ثقفتموهم» أن القتل والقتال هنا هو في حق من «تلقونهم مقاتلين»، لأن الفعل «ثقِف» يرد بمعنى اللقاء على أرض معركة، والجملة «ثقفتموهم» تنفتح على دلالات لقاء المقاتلين، حيث يحرم القرآن «الفرار من الزحف» عند هذا اللقاء، كما تحرمه قوانين الدول العلمانية المعاصرة، على السواء، وتجرم مرتكبيه بجناية «الخيانة العظمى».
وتشير الجملة القرآنية «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم» إلى طبيعة الأسباب السياسية للقتال والمتمثلة في «وجود احتلال قائم على تطهير عرقي أو ديني»، بالإخراج من «الديار»، الأمر الذي يحتم على المتضررين الدفاع عن «ديارهم / أوطانهم»، بدلالة «من حيث أخرجوكم»، التي تنفتح على دلالات استعادة الوطن المسلوب، والديار المنهوبة، ودحر المعتدي إلى حدوده.
إن الإرهاب الذي يحاول اليمين الغربي المتطرف أن يلحقه بالإسلام هو العدوان الذي نهت عنه الآيات السابقة في الجملة «ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين».
أما القتال المذكور في الآيات فهو ضرب من أفعال «المقاومة المشروعة» ضد قوات احتلال معتدية، بدأت هي القتال ضد المسلمين، وبدأت هي الأفعال الشنيعة في إخراجهم من ديارهم وأوطانهم، ومارست ضدهم ضرباً من التطهير على أسس دينية، بإخراج الصحابة من ديارهم/وطنهم، في مكة في السنوات الأولى للبعثة النبوية.
إن تغير المعنى والدلالة من النقيض إلى النقيض تبعاً لتغير مناهج القراءة، يشير إلى ضرورة إعمال منهج القراءة التي تفحص الجزئيات في إطار كلياتها، وتحليل الكليات بربطها بإشارات تلك الجزئيات، وما لم تكن القراءة شاملة، فإننا يمكن أن نزعم أن القرآن يدعو إلى ترك الصلاة، وإلى قتال اليهود والنصارى، كما يمكن أن نرى أن دافينشي شخص غبي لا علاقة له بالفن، وأن نظل محصورين حول «عُرْف الديك»، من دون أن نتجاوزه إلى المشهد الأوسع، الذي تُرَتب فيه جزئيات الصورة في شكل يخدم دلالات المشهد الكلية. يجب إذن ربط دلالة المفردة القرآنية بسياق جملتها، وفهم الجملة في سياق «الأجزاء والسور»، ومن ثم مواءمة الدلالات الجزئية للنص القرآني بدلالات الكتاب الكلية، وبمقاصد الإسلام، وقيمه العليا.
لا دعوة في القرآن لقتال الناس لأسباب دينية، وإنما لأسباب تتعلق بقضايا الدفاع عن النفس والأرض والمال وغير ذلك، ولا تناقض بين «فاقتلوا المشركين» و»لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين»، لأن الثانية تخص قوماً لم يمارسوا جرائم العدوان و»التطهير الديني»، فيما تخص الأولى آخرين قاموا بهذه الجرائم، لذا لزم إيذانهم بانتهاء اتفاقات هم أصلاً لم يحترموها من قبل، كما جاء في سورة التوبة.
ومع كل هذه الضجة المثارة حول «الدعوة إلى العنف» في القرآن، فإن قراءة القرآن بصورة متكاملة، تجعلنا نعرف أن الآيات التي حضت على القتال مذكورة بنسبة بسيطة، ومرتبطة بسياقات معينة، وبضوابط معلومة، مقارنة بآلاف الآيات التي تحض على «العمل الصالح»، وتجعله قرين الإيمان، بتعبير القرآن، من صدقة وبر ورفق ورحمة وتسامح وعفو وإحسان وعدل وإنصاف، وتجريم العدوان والظلم والاستبداد والسرقة والفساد في الأرض، وغير ذلك الكثير.
لا تضارب- إذن- بين الآيات، لأنها نزلت لحالات مختلفة، وفِي سياقات متباينة، بل إن الآيات التي أتاحت «استعمال القوة» لم تكن لغرض تحويل الناس إلى الإسلام، ولكن لردع القوى الأخرى المعتدية، وفقاً لضوابط محددة، وفي سياقات معينة، ولأسباب معلومة من أجل تحقيق مضامين الآيات التي تدعو للرحمة والعدل والإحسان. ألا تكون الحرب- أحياناً- ضرورة من أجل السلام، وتكون العقوبة على قساوتها رحمة للمجتمع وحماية له، وهذا ما هو معلوم من العقل والمنطق بالضرورة.
أما أن يأتي كتاب في اليمين الغربي المتطرف، أو مسلمون متطرفون فيخرجون الآيات عن سياقاتها، فهذا لا يعني أن القرآن يتحمل المسؤولية، ولكن التطرف- في الجانبين- هو المسؤول بشكل جلي.
هذه هي الحقيقة التي تراكم فوقها غبار الحروب التي تحتدم اليوم في الشرق الأوسط، والتي يراد لغبارها أن يستمر ليخدم هدف ضرب المسلمين، والتشويه المتعمد للإسلام، وللتغطية على الحقيقة الواضحة، وهي أن المسلمين اليوم، وبالمجمل هم ضحايا الإرهاب لا دعاته.
كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»
د. محمد جميح
جزاك الله خيراً يا دكتور جميح
بسم الله الرحمن الرحيم ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) الزمر – ولا حول ولا قوة الا بالله
الجهل بالأمور هو مصيبة الملايين في وطننا العربي وعدم المرونة في المكان والزمان والتحجر هو أيضا إحدى مصائب الأمة وفوق هذا كلة الخوف والتخوف ونقص في الشخصية هو أيضا ما جعل منا كذلك . في مرة قال لي رجل انجليزي عجوز you people don’t questions your self and you scared from the others
جميل يادكتورمحمد ؛ دائمًا تضع هامشًا فسيحًا لتساعد القاريء على التفاعل مع مقالك.ففيك من روح بلقيس دهاء الملوك ؛ فترسل الهدية لسليمان قبل المقابلة.أهل اليمن أهل حكمة…فهل تعتقد ياسيدي المحترم أنّ اليمين الغربيّ ؛ لا يرى إلا عرف الديـك ؟ أظنّهم ؛ والظنّ هنا بمعنى العلم ؛ يرون العرف والديك بل وصياح الديك قبل الفجر… لكنهم يدركون أنّ أيّة نقرة للديك ستجعل دجاجهم ( عاقرًا ) عن البيض.
إنّ القرآن في حساباتهم ( مشكلة إستراتيجية ) لا يعرفون كيف يروضونها ويكبحونها عن الفعل والتفاعل…مشكلة ( وجودية ) تهدد أمنهم الحضاريّ.قبل سنين خلت سعوا مع زعيم عربيّ لحذف بعض سورالقرآن ( نفس عرسهم الآن ).فردّ عليهم : تستطيعون عمل انقلاب عليّ لكن لا أستطيع ولا تستطيعون حذف آية واحدة من القرآن.فسكتوا لحين من الدهر.على ما أذكرأنّ هناك مقولة لشارون رئيس وزراء الكيان قالها ومضمونها ( إنّ المشكلة التي لا يستطيعون مواجهتها : القرآن والحجّ ).وحينما سألوه كيف ؟ قال : القرآن محمي بالعلماء.والحجّ ؛ المسلمون يدفعون المال من أجله ؛ ونحن ندفع المال لجذب السيّاح. يادكتورمحمد ؛ هم يدركون كلّ ذلك ؛ لكن إثارة الزوابع جزء أصيل من إستراتيجية الاحتواء المزدوج والجماعيّ والمشاغلة ضدنا.وإلا كيف يحافظون على توفير الحليب طازجًا صباح كلّ يوم بواسطة ( ميلكمن ) وقطاع التوزيع ( ديري يو كاي )؟ أمامي الآن كتاب : { الحرب : 33 إستراتيجية } من 670 صفحة ؛ لمؤلفه الأمريكيّ روبـرت غريـن… من المفيد الاطلاع عليه ؛ لتعرف كيف يفكرون ويخططون برؤية أصحاب السفينة للفنار؛ في ظروف الاستقراروالطواريء ؟؟
الاسلام يسعى الى تحقيق السلم الداخلي في النفس البشرية. فالنفس المطمئنة بالايمان تعيش حالة انسجام وطمأنينة وتوافق. ولهذا نرى آيات قرانية عديدة وأحاديث شريفة تدعوا الى تربية النفس وكبح جماحها والتحكم بترصفاتها ضمن ميزان معين الا وهو الشريعة الصحيحة خاصة بما يخص التعامل مع الآخر. فكما وأن الخير موجود فالشر موجود وكما أن هناك ملائكة فان هناك شياطين ولهذا يجب ان تكون اسمى غايات الانسان طاعة الله سبحانه ومن طاعته جانب مهم وهو التعامل مع الاخر ضمن الاطار الذي حدده الاسلام. نرى مثلا أن القرآن أوصى بالجار خيرا دون تحديد دين هذا الجار. والسنة توضح كيف كان يتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهودي بالحسنى. الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة التي اخرجه أهلها وحاربوه فأصدر اسمى عفو عام عرفه التاريخ ( اذهبوا فانتم الطلقاء) ولكن وبصراحة ولنضع النقاط على الحروف، فالاسلام دين عملي يقود الدولة والمجتمع بل ولقد قاد العالم بأسره في الماضي ضمن ضوابط اخلاقية واضحة وشفافة بتحريم الظلم والعدوان ايا كان مصدرهما. فمن غاياته واهدافه العالية محاربة الظلم والعدوان بلا هوادة حتى لو كان الظالمون مسلمين، لان الله عدل لا يقبل ظلما. فليس جميع البشر مسالمين ولهذا فليس مبادئ الاسلام اعطاء الخد الايسر بعد صفع الايمن وليس من مبادئه الاقرار بالظلم ولهذا جعل اعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. الاسلام يريد بشرا أحرارا ويريد ان يعطي كل إنسان على الارض الفرصة للتعرف على هذه القيم السامية ثم بعدها فان له ان يختار. لقد خسرت البشرية بغياب او تغييب الاسلام فانتشر الظلم والقتل. في اوروبا والغرب يوجد قيم ولا يوجد حضارة كاملة، لان الحضارة الحقة لا تكيل بميالين ولا تحيد عن المبادئ في سبيل المصلحة. الاسلام منظومة أخلاقية متكاملة وشاملة. الاسلام ليس في قفص الاتهام حتى ندافع عنه، خاصة لان من يرمونه بالارهاب هم انفسهم شرار البشر ومجرموهم وفي رقبة كل واحد منهم مئات الآلاف من أرواح الابرياء ووراء ظهورهم بحيرات من دماء المظلومين. على المسلمين ان يعودوا للفهم الصحيح للمنهاج وتالله انه كالشمس الساطعة في كبد السماء الصافية لا يحيد عنه الا هالك. تحية طيبة د. محمد وشكرا على هذه النسائم الفكرية التي تداعب الفكر وتحفزه.
تتمة لطفا..
لهذا يجب إعادة بناء الشخصية المسلمة من جديد لانها تعرضت الى زلازل فكرية ففقدت الثقة بنفسها. فبناء الشخصية المسلمة السوية هو الحجر الاساس في إعادة ترميم ما تهدم من الأمة. ثم دراسة سيرة النبي عليه السلام وتطبيق مبادئها العامة في النهوض ضمن روح العصر.علينا تفعيل فقه الواقع وفقه الاولويات والاخذ من كل العلوم كما فعل اسلافنا.. بالله حدثوني عن حركة الترجمة الى العربية؟؟ حدثوني عن حال اللغة العربية. لقد كان من أحد اهداف مؤتمرات الاستشراق ( ابعاد العربي عن البيان حتى لا يعي لغة القرآن) متى نعقل عقلا وقلبا أن القران الموجود على الرفوف هو كلام الله!! كلام الله، خالقنا، فهل تعاملنا معه على اساس هذه الحقيقة. يجب ان أتم عملي وليس لدي وقت للاسف فلهذا الحديث شجون.
لم يشرع القتال الا لرفع الظلم عن الناس جميعا وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا
شكرا للكاتب المحترم.
ما ورد في المقال ينبغي أن يواجَه به ــ في ذات الوقت ــ الغلاةُ الذين يصفون أنفسهم بـ “الجهاديين” لكنهم قد ينزلقون إلى ممارسة الإرهاب، وأولئك الذين ينتمون إلى ما وصفه الكاتب بـ “اليمين الغربي” ممن يحملون كراهية تاريخية للإسلام والمسلمين. فبين الطرفين (المتناقضن في الظاهر) تحالف موضوعي لتشويه الإسلام.
ما طرحه هنا الدكتور محمد ، ليس بالجديد بطبيعة الحال ، لكن اسلوبه السهل الممتنع قولبه بطريقة مبتكرة ، فهو يرد بكل الافحام و هدوء الواثق من بضاعته ذات الجودة العالية على ذوي الإفراط و التفريط ، فكلاهما تجمعهما على ما فيهما من التناقض ، التخبط في الطرح و الابتعاد عن أسلوب البحث العلمي و التوتر العصبي في طريقة طرحهم لحججهم المدلسة و المليئة بالبهتان !
.
مثال سياق الآيات الذي استشهد به الدكتور جميح ، يكاد يغطي الفكرة كاملة و يعري بهتان و تدليس الأطراف المقابلة ، و خاصة حين أشار إلى أن الأسباب الكامنة خلف الصراع هي سياسية بإمتياز و ليست دينية ، ولكن اضيف فقط أمر قد يزيد من جلاء الصورة نوعاً ما ، وأشار إليه تلميحاً تعليق اخي الحبيب د. رياض البارع في التحليل و التشخيص و العلاج كالعادة ، فهذه قواعد مهنته على أية حال :)
.
اقول ان اكبر رد يندرج على أولئك الذين ضاعوا بين إفراط و تفريط ، أن القرآن لا يدعو إلى قتال الكفار لكونهم كفار ، و لا المشركين ( الوحيدون الذين لا احتمال لأي غفران لهم عند الله اذا ماتوا على شركهم) لكونهم مشركين، البتة ، و إنما لكونهم مقاتلين مسلحين و معتدين كما اشار د. جميح في مقاله ، والدليل أنه في مواقع أخرى أشار إلى حماية ذلك المشرك المسالم الذي يستجير بالمسلمين بل لا يجب أن يكتفون باجارته وانما واجب عليهم إبلاغه مأمنه
.
” و إن أحدُ من المشركين استجارك ، فأجره حتى يسمع كلام الله ، ثم أبلغه مأمنه ”
.
وهذه الآية في سورة براءة أو التوبة نفسها التي يدعونها سورة القتال !
.
آتي الى ما اريد إيصاله ، أن القرآن لم يكتف بتوضيح ذلك أيضاً صريحاً و إنما أمر بقتال المعتدين الظالمين الباغين من المسلمين أنفسهم ، حين قال في معرض الإشارة إلى صراع بين طائفتين من المؤمنين ” فإن بغت إحداهما على الأخرى ، فقاتلوا التي تبغي ، حتى تفيئ الى أمر الله”
.
معنى ذلك أن الإسلام يدعو دوماً إلى نصرة المظلوم ضد الظالم بغض النظر عن جنس الظالم و دينه و معتقده !
و لذلك أيضاً جاء في الحديث أن نصرة الاخ إن كان ظالماً هو ليس بالوقوف معه كونه مسلماً وانما من خلال كفه عن ظلمه .
.
إن كان الامر بالتشويه مفهوماً أن يأتي من أمثال دانيال بابيبس و برنارد لويس و دوغلاس مور و ريتشارد داوكنز ، لكن الكارثة حين يأتي من أبناء الجلدة و المعتقد كما يفترض و خاصة أولئك الذين يحسبون على خانة المثقفين !!
حياك الله أخي الحبيب د. أثير. كم أفرح عندما اقرأ تعليقاتك الثرية المتفردة. والله يا أخي قافلة الاسلام سائرة بنا أو بغيرنا لان الله متم نوره ولو كره الكافرون، السؤال الكبير هل اخذ كل منا دوره وتحمل مسؤوليته في نهضة الامة؟ اسأل الله ان يستخدمنا في خدمة دينه.
دمت ودام قلمك وتحية طيبة لك وللجميع.
بوركت على هذا المقال، اسلوب رائع و سلس شكرا لك.
هناك حملة غربية شرسة ضد الاسلام وصلت الى داخل الدول العربية مغلفة بإسم الاصلاح الديني. هم يعرفون جيدا حقيقة الآيات و الاحاديث لكنهم يقومون بتحريفها و اخراجها من سياقها خدمة لأباطيلهم ،عندنا في المغرب وصل الامر بأعداء الدين الى الطعن في القرآن و السنة من اجل سيادة القوانين الغربية علينا… لأن الاسلام شوكة في حلق العالم المادي الذي يسعى جاهدا لابعاد الانسان عن عبادة الله الى عبادة المادة…