ولماذا لا يكرمون مبارك؟!

حجم الخط
24

لا يزعجني حضور رجال مبارك في المشهد المصري، وتخطيهم الرقاب، فالمزعج ألا يظهروا، واستمرار غيابهم يؤكد كذب ما قلناه من أن 30 يونيو ثورة مضادة!
في الأسبوع الماضي تم الإعلان عن أن رجل الأعمال أحمد عز يستعد لإطلاق «فضائية»، فقلت: «حقه». وإن ظل المدهش ولماذا يبدد الرجل أمواله على محطة تلفزيونية، بينما كل القنوات التلفزيونية التي تبث من القاهرة الآن، تحمل نفس فكره، وكثير من مقدمي البرامج بها، كان حزبه الحاكم يدخرهم لمهمة الدفاع عن توريث الحكم، عندما يصير واقعاً، ولحوم أكتافهم من «فضلة خيره!».
«أحمد عز»، يصنف على أنه من أسباب قيام ثورة يناير، فهو الشخصية التي كانت تعبر عن المرحلة الأخيرة من الحزب الحاكم، وكان عنواناً لزواج السلطة بالمال، وهو الذي قاد الانتخابات البرلمانية وأسقط كل المرشحين المعارضين، وأجهز على صفقات صفوت الشريف مع الأحزاب. ولهذا كان قرار مبارك عقب الثورة هو إبعاده عن الحزب الوطني لامتصاص غضب الثوار.
بيد أن «دولة مبارك» أجهضت على ثورة يناير بثورة مضادة في 30 يونيو، ردت الاعتبار لمبارك ونجليه وأركان حكمه وحزبه، ليكون طبيعياً أن يخرج أحمد عز من السجن، ويمهد لمرحلة جديدة من حياته السياسية يخوض فيها الانتخابات البرلمانية ويفتتح قناة تلفزيونية، يهش بها على غنمه!
من الذين شاركوا في الثورة والثورة المضادة، من قد ينكرون على أحمد عز ذلك، فقد ظنوا وهم يشاركون في تمكين العسكر من يناير، أنه في غياب الإسلاميين الذين يملكون الشارع، فسوف يخلو لهم وجه السيسي، ليكونوا حزبه السياسي، فقد ظنوا أنه لن يسمح بعودة رموز النظام القديم، وقد ثبت أن حساباتهم خاطئة!
لقد تمددوا لفترة في البرامج التلفزيونية، التي يقدمها الفلول، ومن لميس الحديدي، إلى تامر أمين، وغضوا الطرف عن أن هؤلاء ينتمون لدولة مبارك، وقد جرى اختيارهم على «الفرازة» لمرحلة جمال مبارك، وكانت كلمة «أستاذة» تخرج من فم المؤدب منسق حركة «تمرد»، مبشرة بمرحلة جديدة، وهو يخاطب الحديدي، فكان يسهب في مخاطبتها بـ «الأستاذة لميس»، مع أن ثورة يناير طردت «الأستاذة لميس» من «ميدان التحرير»، ولم تنس لها أنها المسؤولة الإعلامية بحملة مبارك الانتخابية، وأنها من شاركت في تشويه الثورة، قبل أن تتأكد من قدرتها على خلع مبارك، فجاءت لتطلب الصفح والغفران، فلم يتقبل منها لأنها توبة عند الغرغرة!
ومع هذا، فقد كان القوم يظنون أنهم سيصبحون هم في الصورة، ولم يمانع عبد الحليم قنديل، من أن يظهر في برنامج أحمد موسى، ومن التعامل مع «لميس الحديدي» بأدب بالغ فيخاطبها فتى تمرد بـ «الأستاذة لميس»، حيث أوشك «محمود بدر» أن يقول لها يا «طنط»!
لقد كان الذين مثلوا غطاء مدنياً للحكم العسكري، وغطاء ثورياً للثورة المضادة، يظنون أنهم من سيحكمون، فلا مانع إذن من قبول المشاركة في مظاهرات الانقلاب كتفاً بكتف مع أعضاء حزب مبارك، ولم يجد المناضل حمدين صباحي حرجاً من ان يقول لأنصاره إن خلافاتنا مع الفلول ثانوية، لكنها مع الإخوان جذرية، إذ تصور أنه سيأتي رئيساً بأصوات دولة مبارك، وإذا كان وحزبه دخلوا البرلمان من قبل بأصوات الإخوان المسلمين، فلا مانع في هذه المرحلة من أن يكون رئيساً بالتحالف مع نظام المخلوع البائد. ولا مانع من أن تصبح لميس الحديدي «أستاذة لميس»، أو «طنط لميس»!
شاهدت مناضلة متقاعدة طالما هتفت بسقوط حكم العسكر، وقد علقت صور السيسي في حملته الانتخابية كتميمة تمنع الحسد وتجلب العريس، وكانت في برنامج تلفزيوني وهي تطالب بقانون للعزل السياسي في مواجهة رجال دولة مبارك الذين عادوا للمشهد، ولم تنتبه إلى أن الجالسة بجوارها في الأستوديو من هذه الدولة، فإذا بها تصرخ في وجهها: من أنتم وما هو محلكم من الإعراب لتعزلونا، نحن من قمنا بثورة 30يوليو، إياكم أن تتصوروا أنكم من قمتم بها؟ كم عددكم أنتم أصلا؟ وصممت صاحبتنا وانشغلت ببلع ريقها!
قبل أسابيع كان محام ينتمي لهذه الطائفة التي شاركت في الثورتين، مشاركاً في برنامج على قناة «الغد العربي»، يقدمه مذيع يعجبني أدائه، وهو «وارد» التلفزيون المصري، وإن كنت لا أعرف اسمه.
قال صاحبنا المشارك في الثورتين، إن من الشائع قبل 30 يونيو وتبين أنه ليس صحيحاً في هذا اليوم، أن الإخوان وحدهم من لهم القدرة على الحشد الجماهيري، قبل أن يثبت للجميع أن القوى المدنية قادرة على ذلك. لكن المذيع قاطعه بقوله إن ما جرى في هذا اليوم لم يكن حشداً من القوى المدنية ولكن من دولة مبارك. فسكت ولم يعقب وقد طبعت على شفتيه نصف ابتسامة خجلي تؤكد تسليمه بأنه كان يكذب!
وعندما ينجح رجال مبارك في إسقاط ثورة يناير، يصبح من الطبيعي أن يتصدروا المشهد، ولا يلام أحمد عز إن فكر في خوض الانتخابات البرلمانية، ونشر أنه يمهد لإطلاق قناة فضائية!
فماذا يميز الآخرون عن أحمد عز؟! فالنائب السابق عن الحزب الوطني محمد أبو العينين هو صاحب فضائية «صدى البلد»، وولاء مقدم برنامجها الرئيسي وهو «أحمد موسى» هو للأجهزة الأمنية منذ نعومة أظافره، ومقدمة برنامج «صالة التحرير» هي رئيسة التلفزيون المصري في عهد مبارك وعامله على ما سبيرو أنس الفقي، و»دينا رامز» مقدمة أحد البرامج على نفس القناة، هي وبعلها من تجليات مؤسسة الرائد متقاعد صفوت الشريف لـ «التشهيلات الإعلامية»!
وهل يظن الذين شاركوا في ثورتين أن «الهابط» على الساحة الإعلامية بـ «البارشوت»، صاحب جريدة «الوطن»، وتلفزيون الـ «سي بي سي» كان معهم في «ميدان التحرير» وهم يهتفون: «يسقط، يسقط، حكم العسكر»؟!
إن المحطة التلفزيونية التي حملت اسم ميدان الثورة «التحرير»، قام إبراهيم عيسي بتمكين دولة مبارك منها، عندما باعها لأحد رجال الأعمال المقربين من مبارك شخصياً، وهو صاحب السوابق في أعمال السمسرة الإعلامية منذ بيع جريدة «الدستور»، وقد قال إنها بيعت من وراء ظهره، فلم يعترض أو يتململ إلا عندما جاء موعد صرف الرواتب!
الشاهد أن الإعلام في مصر الآن ينتمي لدولة مبارك، وليس عيباً أن تكون لأحمد عز قناته التلفزيونية الخاصة.. خذوا المسألة بروح رياضية!

من أجل مبارك

الدعوة لتكريم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بدت كما لو كانت حملة قومية، تجاوزت كونها اجتهاداً من قبل إعلامي بعد أن شارك فيها «أحمد موسى» مع «توفيق عكاشة»!
لاحظ أنني توقفت عن إطلاق لقب «المخلوع» على مبارك، فالحقيقة المرة أننا نحن «المخلوعون»، فمبارك بعد انقلاب يونيو عاد معززاً مكرماً كما كان في حكم المجلس العسكري بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي!
جريدة «صوت الأمة» نشرت في عددها الذي كان من المفترض أن يصدر أمس «الجمعة» أنه مسجون في قصر في منطقة القطامية، وهو العدد الذي لن يرى النور، فقد صادرته الأجهزة الأمنية داخل المطبعة بعد طباعة الكمية كاملة وقامت بفرمها، رغم أن دستور الانقلاب يحظر مصادرة الصحف بإطلاق، لكن «البيادة» فوق نصوص القانون، والعسكر فوق الأمة!
«صوت الأمة» يرأس تحريرها زميلنا عبد الحليم قنديل، المنحاز لعبد الفتاح السيسي، بالباع والذراع، وقد تلقي في أسبوع واحد رسالتين بالغتين الدلالة الأولى بمنعه من السفر، مع وجود حكم قضائي يلغي قرار منعه، والثاني بمصادرة عدد «صوت الأمة» في رسالة لا تخطئ العين دلالتها، ليصبح ما بينه وبين السيسي هو حب من طرق واحد!
لم تُصادر «صوت الأمة» لنشرها أن مبارك مسجون في قصر ليس تابعاً لمصلحة السجون، ولكن لأنها نشرت قضية فساد لأحد الوزراء في دولة السيسي والذي كان على عداء مع ثورة يناير منذ أول يوم، واختياره للمنصب الوزاري لا تخطئ العين دلالته أيضاً، لكن مع ذلك لم يتوقف ينبوع الحب المتفجر في قلب عبد الحليم قنديل.
بدت لي الحملة التلفزيونية كما لو كانت تمهد للتكريم الحقيقي لمبارك ورفع الحرج ليدعوه السيسي مستقبلاً ليجلس جنباً إلى جنب في المؤتمرات والمهرجانات مع المشير محمد حسين طنطاوي، ليؤكد السيسي بحضورهما أنه وفي لأساتذته!
البعض يتشنج عندما يسمع الدعوة لتكريم مبارك، مع أنها شيء لزوم الشيء، فقد عادت دولته، ويصبح من الطبيعي أن يكرم وأن يعود ولو للقيام بدور «الرئيس الوالد».
ومن الذين شاركوا في «الثورتين» من يغضبون لهذه الدعوة ليس لأنها تمثل تحدياً لثورة يناير، «رحم الله موتاكم»، لكن لأنهم ظنوا أنهم من سيحكمون عندما تعود هذه الدولة بدون رجاله. فقد ظنوا لأنهم رموز للكفاح الفاشل، أن «الحداية» تلقي كتاكيت!
بروح رياضية، تعترف بالهزيمة، فإن تكريم مبارك هو أقل واجب، فقد صبر ونال، والعاقبة عندكم في المسرات.

صحافي من مصر

سليم عزوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    المال و السلاح من قضى على انتفاضة 25 يناير
    فالمال دفع لحملة السلاح للقيام بانقلاب مسلح
    فالذي دفع المال فاسد والذي استلمه فاسد

    القادم ثورة عارمة ستطيح بالفساد من جذوره بمحاكم ثورية عادلة
    على فكرة :
    لو قامت انتخابات عادلة بمصر لحصل الاخوان على نسبة 70%
    فالشعب يرحب الآن بأخونة الدولة على خيانة الدولة
    فالذي يقتل شعبه خائن خائن خائن

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول Jehad abu sarah jordan:

    لا فض الله فوك يا صاحب اليراع العظيم والفكر النير …. لك كل التقدير والاعجاب والاكبار …امض ولا تتوقف فكتاباتك ومواضيعك بلغت عنان السماء وتسورت اسوار قصور الانقلابيين حت قيضت مضاجعهم وعقولهم العفنه

  3. يقول فروحة:

    مقال مرير و لكن و للأسف يعكس الواقع التعيس لمصر. احلى شي في كتابات القدير عزوز هو الاقتباس القراءني “يهش بة على غنمة” اضحك اللة سنك و فرج هموم أمة محمد.

  4. يقول احمد شاهين:

    راحت عليكم يا اخوان….لازم تعترفوا….سيبوكم من مبارك وعز…..

    حاولوا تصالحوا وتعمروا….الساحة مفتوحة للجميع…

    ما نفع لا الترعة ولا طشت ام وجدي ولا طشت ام مرسي….

  5. يقول أحمد محمد يوسف حسان /اردني مقيم في قطر:

    حقيقة اقدر في السيد سليم عزوز ثقافته الواسعة ، التي قلما يتمتع بها الكثير من الصحافيين والكتاب ، واسلوبه المميز وهو من نوع السهل الممتنع ، و مقدرته الفائقة في ربطه صور المشهد بطريقة شيقة ،تدفعني لقراءة المقال أكثر من مرة . وأرجو أن تتسم مقالاته دائما بروح الموضوعية والعدالة ، كما عودنا على ذلك ، امتثالا لقوله تعالى ( وان قلتم فاعدلوا ، ولو كان ذا قربى )

    أحمد محمد يوسف حسان
    55857622 00974

  6. يقول سامى عبد القادر - الولايات المتحدة:

    أكرمك الله وأعزك يا أستاذ عزوز, وحفظ عليك أمانتك وبصيرتك وشجاعتك فى مواجهة ذئاب وضباع ومغيبى وجُهَّال عهدى مبارك والسيسى … فلا فرق بينهما سوى فى اسميهما فقط, أما سخائم وجرائم وخيانات وكوارث عهد كنز إسرائيل الإستراتيجى مبارك, فهى نفسها بشحمها ولحمها سخائم وجرائم وخيانات وكوارث عهد بطل إسرائيل القومى السيسى … وإحقاقاً للحق, فأحياناً ما كان مبارك يغلف بعض خطاياه وكوارثه وجرائمه بغلاف ظاهره الرحمة وباطنه كله العذاب, أما تلميذه الوفى السيسى فهو يعرض خطاياه وكوارثه ومذابحه وخياناته وجرائمه, مكشوفة تماماً بلا تغليف ولا تجميل ولا حياء ولا خجل … وبين هذا وذاك, ومنذ أن اغتصب العسكر حكم مصر قبل ٦٣ عاماً خلت, ترنحت مصر وانهزمت وتقزمت وفقدت هيبتها ومكانتها وكرامتها, وأصبحت تتسول قوت يومها من الشرق والغرب … وبعد كل ذلك, تجد من يرقصون ويغنون “تسلم الأيادى” لمن أضاعوا وأهانوا وأفقروا وأذلوا بلادى … ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

  7. يقول خالد مصيعي. فلسطين:

    من أروع الكتاب..أحبه واحب أسلوبه اللاذع الراقي…بارك الله فيك. .استمر

  8. يقول الوحش:

    يا اخ كروي : لا تغوص في غمار هذا البحر اللجي . ومن خولك بالكلام عن مصر وشعبها الأدبي لاتقحم نفسك في شأن غير شاءنكً وإذا أردت الانتقاد او الكلام فحري بك ان تنتقد بلدك الام لم يدعوك الشعب المصري بالكلام عنه لانه ادري بامور بلده . تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر وحفظ الله رئيسها السيسي .

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      نعم تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر
      ويسقط يسقط حكم العسكر بمصر وغيرها

      ولا حول ولا قوة الا بالله

  9. يقول ahmed luxembourg:

    مبروك استاذ سليم ،اقل مايقال توضيح الفكره ممتاز والاسلوب ابداااع ،ضميرك الحي هوالذي يوصل الرسائل بهاك الاسلوب اجميل.

  10. يقول حسن المغرب:

    بارك الله فيك.أنا لم أكن أعرف بأن نسبة كبيرة جهلاء إلا عندما رأيتهم يقفون مع رجال الأمن في ميدان التحريروالجيش يمدهم بالأعلام من السماء فيما يسمى ثورة يونيو .بالله عليكم هل سبق لكم أن سمعتم ثورة نجحت في 6 ساعات؟هل سبق لكم أن رأيتم ا جهاز الأمن يثورمع الثوار؟ ؟…. من هنا تأكدت بأن مصر مملوءة بالإنتهازيين والأميين وهلما جرا…….اللهم احفض شرفاء مصر يا ربي في السجون وخارج السجون وعلى رأسهم البطل الوفي مرسي حفظه الله.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية