«ياسمينيات»: التطريز كأداة نضال لبنات مصر

حجم الخط
0

القاهرة – إسلام أنور: في غرفة صغيرة مساحتها لا تتجاوز عشرة أمتار، تجلس مجموعة من الفتيات والنساء من مختلف الأعمار حول طاولة مستطيلة. تتوسط الطاولة مجموعة من الكتب باللغة الإنكليزية تحمل رسومات متنوعة وقواعد لتعلم مبادىء فن التطريز اليدوي والرسم على القماش، وبجوارها مجموعة من الخيوط وقطع القماش المتنوعة، بالإضافة للعديد من الإبر الحديدية والمقصات وقطع خشبية دائرية.
في بداية الجلسة تتحاور مصممة التطريز المصرية الشابة ياسمين سبع، مع المتدربات حول الجلسة السابقة والمهام التي نفذوها في البيت. تعرض إحداهن بعض التطبيقات والنقوش التي نفذتها على شنطة يدها. تعرض أخرى مفرشاً من القماش رُسم عليه مجموعة من الأشكال الهندسية المتداخلة بألوان زاهية تجمع بين الأخضر والكستنائي والأحمر بدرجاتهم المختلفة.
تقول ان الجلسة ستكون عن التطريز باستخدام نوعية من القماش تسمى «الساتان» وهي نوعان أحدهما لامع من الوجهين والآخر لامع من وجه واحد. توضح أنها ستقوم معهم بالتدرب على شكل الوردة الخماسية، وتلتقط أحد الأقلام من على الطاولة وتضع على قماشة أمامها مجموعة من النقاط التي تحدد أبعاد الوردة وحجمها، ثم تبدأ المتدربات في تطبيق قواعد التطريز التي تعلموها خلال الجلسات الماضية ومنها ضرورة ادخال الإبرة من أسفل إلى أعلى مع التأكد من وضع القماشة جيدًا داخل «الطارة» الخشبية التي تعمل على جعل قطعة القماش مشدودة وقوية.
تقول ياسمين، في حديث مع «القدس العربي»، ان «الخيوط والألوان مثل البشر. كل نوع خيط له شخصية مستقلة وسمات خاصة بتميزه، وكذلك الألوان كل لون له حضور ومعنى ودلالة واستخدام مغاير عن الآخر، وفن التطريز قائم القدرة على جمع وتضفير هذه الخيوط والألوان لخلق صورة بديعة».
درست ياسمين علم النفس في الجامعة. عملت فترة بهذا المجال، لكن شغفها بفن التطريز والرسم على القماش وتصميم الملابس والـ»كروشيه» وغيرها من الفنون اليدوية ظل معها طوال حياتها منذ طفولتها حيث تعلمت قواعد هذه الفنون من جدتها، ثم طورت أدواتها ومهاراتها عبر التعلم الذاتي من خلال الكتب المتخصصة في التطريز بالإضافة للفيديوهات التي تشاهدها على «يوتيوب».
تشير ياسمين إلى أنها بعد زواجها بدأت في التفرغ والتركيز أكثر مع فن التطريز، ودشنت صفحة على موقع التواصل الإجتماعي «فيسبوك» بإسم ياسمينات « Yasmeenat crochet&crafts»، وعرضت عليها التصميمات التي تقوم بتنفيذها، وتدريجيًا تواصل معها عدد الصديقات وناس أخرون لا يعرفونها بصورة شخصية وطلبوا منها شراء بعض هذه الأعمال من ملابس أو أغطية لوسائد أو مفارش للسفرة، وتضيف مع مرور الوقت بدأت أنشر فيديوهات تعليمية تشجع الفتيات على ممارسة فن التطريز، وفي الأشهر الماضية تحمست للبدء في إعطاء ورش عمل وتفرغت بصورة كبيرة وأصبح هذا هو مشـروعي وعمـلي.
وعن أبـرز قـواعد فن التـطريز تـقول: «أولاً التناغم بين الخامات مثلاً الحرير لا يـصلح أن نسـتخدمه مع الصوف لأن الحرير قماشة صيـفية في حين أن الصوف شتوي، ثانيًا اـختيار مقـاس الإبرة المناسب والتركيز الشديد حتى لا تنجـرح أيدينا، ثالثًا عند العمل على تصميم «باترون» جاهز علينا الالتزام به، وفي حالة السعي للابتكار داخل التصميم علينا الانتباه للأبعاد الهندسية والنسبة والتناسب الحقيقي للأشياء، رابعًا تناسق الألوان واختيار الخيوط بعناية لأن هناك خيوطا رديئة بمجرد غسلها بالمياه تفقد ألوانها».
ما يميز ورش العمل التي تقدمها ياسمين ليس فقط جودتها ومهارتها ولكن الحالة الحميمية والأجواء الأسرية فبعض المتدربات التي لديهن أطفال تصطحبهم معها للورشة وهناك حوار دائم حول ما يحدث في المجتمع وتداعياته على المرأة وكيف يمكن تطوير مهارت المتدربات ليس فقط فنيًا ولكن على المستوى الاجتماعي أيضاً. تقول ياسمين: «أنا ممتنة للقائمين على مركز باب 18 وهو مساحة فنية ومركز ثقافي يستضيف الورش التي أشرف عليها، لأنهم متقلبون، وأنا حريصة على الروح الأسرية داخل الورشة، واصطحب بناتي الصغار معي، وهذه الروح تخلق داخل الورشة حالة حميمية وانسانية بديعة»، مضيفة «دراستي لعلم النفس ساعدتني جدًا في ادارة ورش العمل، من خلال القدرة على التعامل مع المتدربات وتشجيعهن، خاصة أن الفن واحد من الأدوات المهمة التي تحتاجها الفتيات والسيدات في مصر لتفريغ كثير من الضغوط التي تمارس عليهن، ومن هنا «ياسمينات» ليست فقط مساحة لتعلم التطريز والرسم على القماش بقدر ما هي مساحة للتحرر والتداوي بالفن «.
من جانبها تقول مريم إحدى المشاركات في الورشة « أنا طوال الوقت في تحد مع نفسي لتعلم أشياء مختلفة، وفي الفترة الأخيرة كنت مشغولة بفكرة التطريز اليدوي وكيف يمكن صناعة هذه الأشكال والرسومات الجميلة على الملابس والشنط من أشكال هندسية وصور لأشخاص ونباتات وحيوانات، وتجربة العمل مع ياسمين وباقي المتدربات تخلق حالة خاصة تشجعني على تطوير أدواتي».
وعن نتائج الورشة ومشاريعها المقبلة تشير ياسمين إلى أنه في نهاية الورشة تقام فعالية لعرض نتاج عمل المشتركات بالإضافة لدعوة الجمهور لاحضار ملابسهم وأدواتهم القديمة ونقوم بتجديدها وعمل بعض التطريزات فيها التي تمنحها رونقا وروحا جديدة، وهذه من أكثر الفعاليات التي تسعد الجمهور والمتدربات لأنها تخلق حالة تواصل مع المجتمع المحيط وتخرج بفن التطريز من الغرفة الصغيرة التي نتدرب فيها.

«ياسمينيات»: التطريز كأداة نضال لبنات مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية