لم يجانب الرئيس التونسي السابق الدكتور منصف المرزوقي الصواب عندما قال مؤخراً إن أحلام الربيع العربي قد ذهبت أدراج الرياح. لا شك في أن الثورات المضادة التي قادتها الدول العميقة بالتحالف مع أسيادها في الخارج نجحت إلى حد كبير في شيطنة الثورات وتحويلها إلى وبال على الشعوب، وخاصة في بلدان مثل سوريا واليمن وليبيا، حيث تحول الوضع إلى جحيم لا يطاق. ففي سوريا استطاع النظام بالتواطؤ مع الروس والإيرانيين وحلفائه الإقليميين والعرب وربما الأمريكان والإسرائيليين أيضاً، استطاع حرف الثورة عن مسارها وتحويلها إلى كارثة داخلية وإقليمية وحتى دولية. لقد نجح النظام بمباركة أمريكية وروسية وإيرانية في تحويل سوريا إلى جهنم حمراء، وجعل السوريين يتحسرون على أيام الطغيان الخوالي. وقد شاهدنا بشار الأسد في أكثر من خطاب وهو يتفاخر بالحديث عن الانتقام من الثورة وإجهاضها.
بدوره لم يتحمل طاغية اليمن علي عبد الله صالح طعم الخروج المذل من السلطة تحت ضغط الشارع اليمني الذي خرج بالملايين على مدى شهور مطالباً بإسقاط النظام. فما كان من المخلوع إلا أن تحالف مع الميليشيات الحوثية المدعومة إيرانياً للانقلاب على العهد الجديد، بل راح يستخدم كل قدراته العسكرية والمالية لحرق اليمن. فكما أن جماعة بشار الأسد رفعت شعار: «الأسد أو نحرق البلد»، رفع مرتزقة علي عبد الله صالح شعار: «أحرقوا كل شيء جميلا في اليمن انتقاماً من الثوار.» وكانت النتيجة أن اليمنيين بدورهم راحوا يتحسرون على الأيام السوداء التي عاشوها تحت نير الطاغية، لأن الأيام الحالية أصبحت أكثر سواداً وبؤساً.
وحدث ولا حرج عن ليبيا، فما أن نجح الشعب في القضاء على نظام القذافي وبدأ ببناء دولة جديدة على أنقاض النظام الساقط، حتى راح أعداء الداخل والخارج يتآمرون على ثورته، فعملوا على إغراق البلاد والعباد بالتناحر والاقتتال الداخلي انتقاماً من الثوار.
وحتى في تونس لا يختلف الوضع إلا في حجم الخسائر. صحيح أن تونس لم تعان ما تعانية سوريا وليبيا واليمن. إلا أنها في الواقع عادت إلى المربع الأول بشهادة رئيسها السابق. فقد عادت فلول العهد البائد من النافذة بعد أن طردهم الشعب التونسي من الباب. بل إن أبواق زين العابدبن بن علي عادوا ليعيثوا فساداً وطغياناً وإرهاباً على شاشات التلفزة التونسية، وكأنهم بذلك ينتقمون من الثورة كما يفعل نظرائهم في اليمن وسوريا وليبيا. لا عجب أن نظام القايد السبسي كان أول من أعاد علاقاته الدبلوماسية مع طاغية الشام متجاهلاً كل ما يفعله النظام السوري بحق سوريا والسوريين.
وفي مصر بات المصريون يتحسرون على أيام مبارك الجميلة بعد أن انتقلوا من عهد الديكتاتورية إلى عهد الفاشية كما يجادل بعض المعارضين المصريين، فما أحلى أيام مبارك يصيح معارض مصري، حيث كان المصريون يتمتعون بقدر كبير من الحرية، بينما باتوا الآن غير قادرين على الهمس في ما بينهم خوفاً من سياط قوانين الإرهاب وغيرها. لقد انتقم العهد الجديد من الثورة المصرية بطريقة لا تخطئها عين كما يرى معارضو النظام.
لا شك أن أعداء الثورات في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن، وخاصة في الداخل، يفركون أيديهم فرحاً وهم يسمعون هذا الكلام، على اعتبار أنهم انتقموا انتقاماً شديداً من الثوار، وأعادوا عقارب الساعة ليس إلى الورراء فقط، بل إلى وراء الوراء. نعم نجحوا مرحلياً. لكن هل لديهم مشروع غير مشروع الانتقام الرخيص الذي لا يسمن أو يغني من جوع؟ بالطبع لا. هل أصبح الوضع في سوريا أفضل لبشار الأسد وزبانيته مثلاً؟ هل يعتقد أنه يستطيع أن يعود ليحكم سوريا التي كانت؟ هل بقى هناك بلد أصلاً؟ صحيح أن مثل هذه الأنظمة لا تعير أي اهتمام لا للأوطان ولا للشعوب، لكن ألم تطلق النار على قدميها في الوقت الذي كانت تطلق فيه النار على شعوبها؟ ألم يزرع بشار الأسد وعلي عبد الله صالح وفلول القذافي بذور عشرات الثورات القادمة؟ هل يستطيعون إصلاح ما اقترفت أيايدهم من قتل وتدمير وتخريب وتهجير؟ بالطبع لا.
وحتى في مصر وتونس اللتين لم تتعرضا للخراب والدمار: ما هو مشروع الحكام الجدد؟ هل لديهم استراتيجيات حقيقية بديلة تجعل الناس تنصرف عن الثورات والاحتجاجات؟ هل لديكم ما هو أفضل فعلاً ، أم إن الوضع هناك على كف عفريت سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهو قابل لللانفجار عاجلاً أو آجلاً؟ هل قوانين الإرهاب هي الحل لتركيع الشعوب؟هل يكفي أن تنجح في الانتقام من خصومك السياسيين كي ترفع إشارة النصر في بلاد تعاني معاناة شديدة في كل المجالات، وخاصة بعد الثورات؟
البعض يعتقد أن أهوال الثورات وتبعاتها ستعيد الشعوب إلى زريبة الطاعة، وأن الشعب الجزائري بلع جراحه في تسعينات القرن الماضي، وعاد إلى سلطة الجنرالات بعد أن حولوا ثورته إلى وبال عليه. وهناك من يرى أن بقية الشعوب ستحذو حذوه، وستلعن الساعة التي ثارت فيها، وأنها ستقبل بالقليل القليل على أن تعاني ما عانته جراء الثورات. نقول لأصحاب هذا الرأي الساذج: إذا كنتم تعتقدون أن الجزائر هدأت، ولن تكرر تجربة التسعينات، فأنتم تفهمون التاريخ كما أفهم أنا الانشطار النووي الحنكلوطي. من المستحيل أن تضمد جرحاً وهو مليء بالصديد والدماء النازفة. لا بد أن تنظف الجرح أولاً، وإلا انفجر الجرح ثانية بأسرع مما تتصورون.
أيها المنتقمون من ثورات الشعوب. لا تفرحوا كثيراً. الانتقام ليس حلاً أبداً، بل هو مقدمة لخراب العمران وثورات قادمة تبدو التي انقلبتم عليها بالمقارنة معها مجرد لعب عيال. وإذا كان لكم في الماضي مائة ثأر مع الشعوب، أصبح لديكم الآن مليون ثأر. القادم أعظم وأخطر بكثير مما تتصورون!
٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]
د. فيصل القاسم
صحيح استاذ القاسم فهم يجهلون القادم وسيكون اسوأ من الحاضر @ونسال الله ان ينصر كل الشعوب المنتفضه ضد طواغيها
وهل العراق افضل حالا لماذا لاتذكر العراق في مقالتك فالوضع كارثي بكل معنى الكلمه
النتيجة الوحيدة التي خرجت بها بعد كل هذا الكلام هو ان الجزائريين باعو انفسهم للجنرالات و ان الجزائر ايضا سيحصل فيها دمار كما يحصل في بقية دول الثورات ، و كاني بك لم تحتمل كيف ان الشعب الجزائري يعيش بامان فحسدتنا حتى في الامن ، لا حول و لا قوة الا بالله
صدقت يا اخى جمال الدين..ضوضاء القيل والقال..لن يمروا
الأخ فيصل القاسم،
مقالك حصيف ومتوقَّع في أغلب ما جاء فيه. أنت تقول، على سبيل المثال، لا الحصر: «فما إن نجح الشعب [الليبي] في القضاء على نظام القذافي وبدأ ببناء دولة جديدة على أنقاض النظام الساقط، حتى راح أعداء الداخل والخارج يتآمرون على ثورته». وهنا أسألك أ من هو الذي قضى على نظام القذافي فعلاً؟ هل هو حقًّا الشعب الليبي أم هي طائرات التحالف الأطلسي الغربي التي نفذت مهمتها في غضون أسبوعين أوثلاثة لكي تتقاضى دول هذا التحالف أجرَها من نفط ليبيا ما قيمته بلايين بلايين الدولارات وعلى مدى سنين وسنين؟؟
ان وراء الاكمة ما وراءها . .
هل يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه ولو في وجه آخر ؟
تعلمنا من التاريخ أن ااثورات تصحح نفسها بنفسها بين كل فترة وآخرى وبنفس جديد.
أجيال ستدفع ثمن الحرية وحقوق المواطنة والديمقراطية ، لكن نآمل أن يكون التغيير أقل عنفاًً مما نشهده اليوم .
التعليم ثم التعليم ثم التعليم هو السبيل الأنجع لإحداث تغيير هادئ سلمي بعيداً عن صور العنف والحرق والدمار ..
الشعوب العربية أنهكت قواها منذ فترة مقاومة الإحتلال الأوربي ، ومحاولات الإصلاح لإنظمتها الإستبدادية إنما بالإنقلابات أو الإنتخابات ، وتجرعت الكثير من الخيبات في إنتظار القادم الذي نآمل أن يكون خيراً..
للرد عليك استاذ فيصل بحاجة الى مقالة اكبر من مقالك. لا ادري لماذا اختزلت الامر باعداء الثورات كسبب بالحالة الراهنة وكيف وضعت امريكا وروسيا والصين واسرائيل وايران وحزب الله في سلة واحدة. هل تجاهلت ان الثورات اختلست وانحرفت عن مسارها قبل ان تنضج وتكتمل. وهل نسيت ان مئات الفصائل والمشارب الفكرية المتمثلة بما يسمى الثورة السورية جعلت منها كارثة على السوريين وعلى الشعوب العربية. وهل اختار الشعب السوري ان يذبح ويدمر ويهجر وهل النظام السوري كما ادعيت يتحمل مسئولية كل ذلك وهل داعش ظاهرة سورية وتدخل اسرائيل بالتحالف مع جبهة النصرة جزء من الثورة…..؟…وهل اصبحت دول الردة العربية قائدة للثورات…؟ اسئلة على طريقتك استاذ فيصل وبحاجة الى اكثر من اجابة.
الثورات التي لم تعلق الخونة واللصوص والعملاء على المشانق ليست ثورات حقيقية.ولي أمل كبير جدا ومتفق مع الأخ فيصل بأن الشوط الثاني من الثورات قادم ويجب أول عمل تقوم به الثورات القادمة محكمة ثورية لتعليق كل الخونة على المشانق مباشرة وعزل كبار القضاة محاكمتهم وكذالك الأمن وإغلا جميع القنوات وطرد المراسلين الغربيين ومنظمات حقوق الإنسان المنافقة .وإنشاء مجلس عسكري من الثوار لمتابعة المختبئين الخونة وتنفيد الإعدام مباشرة وقطع العلاقات مع الغرب مباشرة وخلق علاقات مع الصين وأمريكا اللاتنية وآسيا.
الأنظمة الملعونة بالعالم العربي تتاجر بالمصالح العليا للشعوب العربية بدون حسيب أو رقيب
ولا تعرف للكرامة أو الشهامة معنى
فإن لم تنفع ثورة الربيع العربي في التخلص منهم مرة واحدة ستخلفها ثورة قطع رؤوس الأفاعي وهي فعالة و أقل تكلفة
لو لم يكن للعرب بأس ما استعملت الأمم الحيل ضدهم. ألهذا الحد يخشى جانب العرب رغم أنهم نيام يرقدون. ماذا لو استيقظ العرب؟إذا كان القطاع العرب قد أفلحوا في إخماد العرب فهل يعني أن العرب لهم المؤهلات للسيطرة على العامل لذلك استبق العالم العرب حتى لا يحلموا
يوما بأن يكون لهم. ذلك.