«آخر كلمات» نزار قباني… جاء نزار إلى كوكبنا مع الربيع، ورحل مع الربيع في مثل هذه الأيام عام 1998. ولكن ما أن تفتح دفات كتاب «آخر كلمات نزار» للصحافي (الشامي) عرفان نظام الدين (كان رئيساً لتحرير جريدة الحياة وجريدة الشرق الأوسط) وصديقاً لنزار قباني ورافقه في أيامه الأخيرة، ما أن تفتح هذا الكتاب (دار الساقي) حتى تهب عليك رائحة الياسمين من الكلمات الأخيرة لنزار من مستشفى (سان توماس) ـ لندن، بعد الأزمة القلبية الخطيرة التي أصابته قائلاً إنه شاهد الوطن العربي كله جالساً قرب سريره، يذرف الدموع، ويتضرع إلى الله كي يعيد إلى قلبه السلامة والعافية.. ويضيف: «فكيف يمكنني أن أتصور أن مئتي مليون عربي يمكنهم أن يحتشدوا في غرفة ضيقة يشغلها شاعر عربي مريض؟ هل يكفي أن أكون واحداً من الشعراء العرب حتى يأتي الوطن كله بأرضه وسمائه وأشجاره وأنهاره ورجاله ونسائه وأطفاله ليدافع عن حياتي، ويمسح العرق عن جبيني ويؤدي صلاة جماعية من أجل نجاتي؟»
القارئ جزء من أسرة الكاتب
يضيف نزار في «كتاب الوفاء» الذي أحسن عرفان نظام الدين بإصداره، يضيف متسائلاً: لماذا يختارني الوطن دون غيري من الشعراء ويجعل غرفتي في مستشفى سان توماس مهرجانا للورد والعطر ومكاتيب الهوى؟
ربما لأنني رفعت الكلفة بيني وبين الوطن، وجلست مع الناس على بساط المحبة والديمقراطية، وتقاسمت معهم لغة شعرية لا تختلف في بساطتها عن حديثهم اليومي»..
وهكذا، وفي كلمات مختزلة نلتقي بأمرين غاية في الأهمية: إن القارئ يصير من بعض أسرة الكاتب، ويحيط بسريره وهو يحتضر، وإن نزار ـ كما يرى ـ استطاع في شعره أن يخاطب اولئك الأحباب القراء بلغة شعرية راقية لا تختلف في بساطتها عن لغتهم اليومية وفي ذلك يكمن سر إبداع نزار الذي لم يخن لغة الشعر ولا لغة القارئ..
عرفان نظام الدين: وفاء للصديق المبدع
في هذا الكتاب «آخر كلمات نزار» قام عرفان بتدوين خلجات قلبه وخلجات قلوب الكثيرين من محبي إبداع نزار والآسفين للخسارة التي حلت بلغة الياسمين وبالشعر العربي لرحيله.. وهو لم يدون فقط «ذكريات مع شاعر العصر» العنوان الفرعي لكتابه بل احتوى أيضاً الكثير من الشهادات المحبة من مبدعين. وفي الكتاب نقرأ قصيدة الكبير غازي القصيبي في رثاء نزار:
عجبت للكلمة الخضراء… تزرعها
فترقص البيد في بحر من الشجر
تموت؟ كيف؟ وللأشعار مملكة
وأنت فيها مليك البدو والحضر
تسير بين الرعايا… ناثراً صرراً
من الكواكب والحلوى على صرر…
ولولا كتاب عرفان لضاع بين أنياب سمكة قرش الصحافة اليومية الكثير مما قيل في نزار بعد رحيله، كقول عبد الله الجفري: «أي موت هذا الذي لا يميت الإنسان بل يزيده حياة وصداحاً؟ أية حياة هذه التي يتفوق فيها الموتى على الأحياء؟
وتكتب الأديبة السورية الكبيرة سلمى الحفار الكزبري مخاطبة نزار: «تحولت بعد غيابك عن أعيننا إلى كوكب مقيم في القبة الزرقاء ينوّر بإشعاعاته الذين يعرفون النظر إلى السماء للاستضاءة بنجومها ولأن حضورك في وجداننا وذاكرتنا على مدى الأزمان»…
والمحزن أن معظم الذين استشهد بهم عرفان عن نزار لحقوا به، فالموت يتمتع بذاكرة مذهلة ولا ينسى أحداً من زيارته..
كأننا جميعاً نقيم في المقهى المجاور للمقبرة..
كتاب الوفاء لإبداع نزار أولاً
وعرفان الصحافي نجح في اختزال المحطات المؤثرة لرحيل نزار والأصداء حولها ولم ينس تدوين فرحة نزار بتسمية شارع دمشقي باسمه وهو على حافة كوكب الرحيل الأخير حيث يكتب: «وأخيراً شرفتني مدينة دمشق، بوضع اسمي على شارع من أكثر شوارعها جمالاً ونضارة».. ولكن عشاق إبداع نزار ما زالوا يبحثون عنه في «البيت العتيق» في أزقة دمشق القديمة، وها هو عبد الواحد لؤلؤة الفائز بجائزة خادم الحرمين الشريفين في حقل الترجمة يكتب لي قائلاً في رسالة مشعة السطور إنه حين زار دمشق ذهب بحثاً عن البيت الأول لنزار حيث ولد وكبر ولم ينس بخفة ظل تقليد اللهجة الشامية حين أرشده المختار إلى المكان!!
وذكرني ذلك بالصديقة الناقدة السورية والأستاذة الجامعية د. ماجدة حمود التي تكرمت ذات يوم بزيارتي في باريس لتعزيني برحيل زوجي، وذكرت لي في مخابرة هاتفية مؤخراً أنه تصادف أن كانت في دمشق القديمة وفتشت عن «زقاق الياسمين» حيث ولدت زين بطلة روايتي «فسيفساء دمشقية» ولم تجد الزقاق بل وجدت «زقاق السمان».. وسألتني بمهارة نقدية: هل اخترعت «زقاق الياسمين» لأغراض روائية كما فعل الكثير من الروائيين؟
حين أعود إلى دمشق، سأصطحبها إلى «زقاق الياسمين»!
الوطن ليس أكذوبة شعرية
ترى هل نخلف قبساً من أرواحنا في الأماكن التي ولدنا فيها ثم رحلنا.. وهل تخلف هي في نفوسنا شعلة حــــب وتوق إليها لا تنطفئ؟ لا أدري.. لكنني أعرف أن روح نزار ما تزال تقيم في بيتـــها الأول الشامي العتـــــيق.. على الرغــــم من رحلاته بين الصين والهند وجنيف ولندن والأندلس وسواها.
ويذكرنا عرفان في كتابه بالقول النزاري: تذكروا أن أبي وأمي ووطني وقصائدي طارت كحمام الشام من المحيط إلى الخليج.. والقومية العربية.. تصنعها السيوف الدمشقية. عرفان نظام الدين أهدانا قطرة عطر مكثفة من عرائش الياسمين الشامية وحقول الفل النزارية.
غادة السمان
دائماً ما نغني ونردد محاسن موتانا وانتصارات عفى عليها الزمن
نتغنى بماضينا حتّى فرَغَ حاضرنا من منجزاتنا
لا اتبعنا أوامر إله ولا اتبعنا سنة نبيا ولا وصلنا لما وصلة إليه أمم اخرى
نمجد ونؤدلج نفتح كتباً لا نمتلك دليلاً على صحتها حول ما كُتب فيها
نعشق الاطلال ونحب قارئة الفنجان قلوبنا مخفية عندما تعشقا وتحبا
تستهوينا الطبيعة والحياة ولكننا اعداء لها !!
لدينا مبدعون ومفكرين ولاكنهم مهاجرين !!
لدينا حضارة وتراث ولكننا فرطنا بها !!
لدينا قواسم مشتركة مع الآخرين ولكننا منغلقين !!
لهذا نشدّ على .. لكم دين ولنا دين .. وننسى .. كل حزباً بما لديهم فرحون !
عندما زار نزار قباني الجزائر فوجئ باستقبال كبير لم تتسع له القاعة فاستبدلت بقاعة أخرى فكتب قائلا:
وعندما رجعت إلى فندقي سألت نفسي*ونهر
من دموع الفرح والكبرياء يتدفق عني: يا ترى لو
جاء ’’اراغون’’ أو ’’ بول ايلوار’’ أو ’’ بول فاليري’’
لقراءة الشعر في قاعة كابري فهل كان
الأكسجين سينتهي من القاعة؟ وهل كان
الجزائريون سيأخذون كرسيه كما فعلوا معي؟
..إن زيارتي للجزائر وضعت نهاية للكدبة الكبرى
التي تقول : إن اللغة العربية مواطنة في الدرجة
الثانية في الجزائر*وإن الشاعر العربي فيها
غريب الوجه والفم واللسان..
احب نزار قباني وشعره رحمه الله لكنني لا اعرف لماذا هوس الشباب بقصائده الغزلية فلم أجد فيها ما يجذبي إليها أبدا ولا حتى عندما غناها المطرب الكبير كاظم الساهر أما أغنية أم كلثوم لقصيديته اصبح الآن عندي بندقيه فكانت رائعة
نزار كان رائعا وطنيا وقوميا أيضا
نزار قباني كان رائعا وطنيا وقوميا أيضا