يا للهول! العرب يسخرون من الرئيس الأمريكي الجديد

أصبح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب منذ فوزه في الانتخابات الأمريكية قبل أيام، أصبح الشغل الشاغل للعرب إعلامياً وسياسياً وشعبياً. من الواضح أن هناك ميلاً في الصحافة والشارع العربي للسخرية من الرئيس الجديد ووصفه بالمهرج والسخيف أحياناً، وبالأهوج والأرعن والبلطجي والنسونجي والساذج سياسياً في أحيان أخرى. العرب في تعليقاتهم واستهزائهم بدونالد ترامب يذكروننا بلا شك بالمثل العربي الشعبي: « أقرف وبيتمقرف»، أي أنهم غارقون في القرف حتى آذانهم، مع ذلك يشمئزون من الروائح الكريهة. وهم يذكروننا أيضاً بالمتسكع الذي يمضي حياته يعتاش على المزابل، ثم يشتكي فجأة من رائحة الهواء.
أليس حرياً بالعرب قبل أن يتهكموا على الرئيس الأمريكي ويصفوه بأقذع الأوصاف، أن ينظروا حولهم أولاً كي يروا بشاعة حكامهم على كل الأصعدة. إن العرب في هجائهم لترامب أشبه بالذي يرى القشة في عيون الآخرين، لكنه لا يرى الخشبة في عينه. إنهم بعبارة أخرى، كما يقول المثل الشعبي، كالجمل الذي «لو شاف حردبتو لوقع وانفكت رقبتو». هل يحق لكم أيها العرب فعلاً أن تقيّموا رؤساء الدول الأخرى وأنتم مبتلون بأسوأ أنواع الحكام عبر التاريخ؟
هل حكامكم قمة في السياسة والفكر والثقافة والدماثة كي تتهكموا على رئيس الأمريكيين؟ وقبل أن نقارن ترامب بالحكام العرب، على الأقل فهو رئيس انتخبه الشعب الأمريكي بحماس لم يسبق له مثيل، ولم يأت على ظهر دبابة أو بانتخابات مفبركة نتائجها في أقبية المخابرات قبل إجرائها بشهور. يعني أن الأمريكيين أحرار فيمن يختارون. ولو سلمنا جدلاً بأن الأمريكيين أساءوا الاختيار، كما يرى الكثير من العرب، فهل يحق لكم أيها العرب أن تنتقدوا الاختيار الأمريكي أو غيره بينما أنتم لم تستطيعوا اختيار رئيس بلدية منذ عشرات السنين، فما بالكم أن تختاروا حكامكم المفروضين عليكم بقوة الحديد والنار والاستفتاءات المخابراتية السخيفة.

ما الذي لا يعجبكم في دونالد ترامب أيها العرب؟ ربما تقولون عنه إنه مهرج وبهلوان ومجنون. يا للهول. ألا ترون حكامكم المهرجين وكيف يتندر ملايين البشر بعباراتهم وتصريحاتهم الفوق كوميدية وهزلية في مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل يمر يوم إلا ويخرج أحد الحكام العرب على الإعلام بتصريح يجعلك تفضل مشاهدته على مشاهدة مسرحيات عادل إمام ومسلسل توم أند جيري؟ لم أر حتى الآن تصريحاً تهريجياً كوميدياً هزلياً سخيفاً للرئيس الأمريكي الجديد كتصريحات بعض الرؤساء العرب الذين جعلونا نترحم على القذافي، فالمهرجون الجدد لا يصلون حتى إلى مرتبة القذافي الذي أثبتت الأيام أنه، رغم شطحاته تنبأ بالكثير من الأحداث المهولة التي نراها أمام أعيننا هذه الأيام. إن المهرجين من حكامنا يفوقون ترامب بسنوات ضوئية في التهريج والإسفاف، لا بل إن ترامب يحتاج إلى دورات تدريبية كثيرة كي يرتقي إلى مستواهم الهزلي السحيق.
نرجو أيضاً من العرب الذين يهاجمون ترامب أن يعلموا أن الرجل صنع ثروته المهولة بعرق جبينه، ولم يسرقها من خزينة الدولة، كما يفعل الكثير من الحكام العرب. صحيح أن الرئيس الأمريكي الجديد ليس شاباً، إلا أنه يُعتبر في عمر السبعين «زغنطوط أوي» مقارنة ببعض الرؤساء العرب الخارجين من القبر بكفالة، أو الهاربين من ثلاجات الموتى، أو الذين لا يستطيع بعضهم أن يتحكم بوظائفه الفيزيولوجية، أو يتجول في كرسي متحرك، أو الذين يكبرون الفنانة صباح رحمة الله عليها بعشر سنوات. هل تذكرون ذلك الرئيس العربي المرحوم الذي كان الوزراء يدخلون إلى مكتبه في آخر أيامه وهم يضعون أيديهم على أنوفهم بسبب الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث من مكتب سيادة الرئيس الذي لم يعد يسيطر على وظائفه الجسدية؟
بعض العرب يسخر من طريقة دونالد ترامب في الحديث والكلام. وااااااااااااو. ألم تشاهدوا يا رعاكم الله بعض زعمائكم وهم يخطبون على شاشات التلفزيون في القمم العربية وغيرها وهم يقترفون أبشع الجرائم التاريخية بحق اللغة العربية، حيث يجرون الفاعل، وينصبون المجرور، ويرفعون المنصوب بأريحية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً؟ على الأقل فإن الرئيس الأمريكي الجديد لا يلحن في اللغة الانجليزية التي يتقنها اتقاناً رائعاً، ويستطيع من خلالها أن يجتذب ملايين الأمريكيين للتصويت له في انتخابات حرة من رأسها حتى أخمص قدميها. هل سمعتم ترامب خلال حملته الانتخابية يقول: آي إز غو تو سكول»؟ بالطبع لا، بينما تجدون بعض الحكام العرب يتفنن في إيذاء اللغة العربية على شاشات التلفزيون، وليس لديه أي مانع أن يطيح بكل قواعد سيبويه، ويمسح بها الأرض دون أن يرمش له جفن خجلاً أو وجلاً.
بعضكم يتهم الرئيس الأمريكي الجديد بأنه بلا خبرة سياسية. وهذا صحيح. لكن الرئيس في أمريكا ليس حاكماً بأمره كي يدمر البلد بقرارات سياسية هوجاء إذا كان مبتدأً في السياسة، بل هو لديه مراكز بحوث وكونغرس ومجتمع مدني وصحافة حرة لا تسمح لها بالتهور واتخاذ القرارات الكبرى بنفسه، بينما الرئيس العربي يختصر الدولة كلها في شخصه، ويمكن أن يدمر البلاد، ويشرد العباد بقرار شخصي دون أن يعود إلى أحد.
باختصار أيها العرب الذين تسخرون من دونالد ترامب: لا تكونوا كالطبيب الذي يداوي الناس وهو عليل.

٭ كاتب وإعلامي سوري
[email protected]

يا للهول! العرب يسخرون من الرئيس الأمريكي الجديد

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    نعم ترامب أهوج لكنه محكوم بالكثير من المؤسسات الديموقراطية والتي قد لا يقدر على تجاوزها كما حصل لفيتو أوباما في قضية أجاستا
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول حسن المغرب:

    تحليل رائع وحقيقي 100% .على الأقل حقق ثروة كبيرة بذكائه وعمله وليس بالسرقة والخيانة ووووو،ترامب انتخبه الشعب الأمريكي ،وليس مثل الطغاة العرب الذين ينجحون ب 97% ههههه.والله العظيم أنا أستحيي أن أنجح أنا في الانتخابات بهذه النسبة ،على الأقل كونوا أذكياء في التزوير واجعلوا النسبة 60%أو 65 %،ووزعوا باقي النسب على المنافسين .ولكن جنون العظمة ،ومن جهة أخرى أنا أستحيي من الله سبحانه و من نفسي ومن أهلي ومن الشعب ومن التاريخ أن يتركني على الكرسي ريغن ،وبوش الاب وكلينتون ،وبوش الابن ،واوباما وترامب …… عيب والله العظيم عيب.

    1. يقول هشام. د:

      **.. العرب في تعليقاتهم واستهزائهم بدونالد ترامب يذكروننا بلا شك بالمثل العربي الشعبي: « أقرف وبيتمقرف»، أي أنهم غارقون في القرف حتى آذانهم، مع ذلك يشمئزون من الروائح الكريه.. **
      ليس من الموضوعية أن نضع فعاليات المجتمع المدني المناهضة للإستبداد والفساد في الوطن العربي والإعلام المستقل وفئات الشعب المغلوبة على أمرها في سلة واحدة مع الأنظمة الحاكمة المتعفنة والنخب العميلة والأقلام المأجورة!!
      نعم نستغرب كيف لمرشح نعت بأوصاف مهينة واتهم بسلوكات مشينة أن يحضى رغم ذلك بتزكية وثقة ودعم غالبية مواطنيه!! لكن في المقابل كنا ولا نزال نتبرأ من كل الأنظمة اللاديموقراطية واللاشعبية الجاثمة على شعوبنا العربية فهل في ذلك انفصام أو تنافي؟ بالطبع لا، لكل مقام مقال.

  3. يقول م ح:

    لم أشكرك يوماً على مقال مثلما أشكرك على هذا المقال الذي يصيب في الصميم.فالعرب لا يدركون أن ترامب ربما هو الرئيس الوحيد منذ أكثر من نصف قرن الذي يجسد عقلية الأمريكي القح

  4. يقول masimou:

    لابد بكثير منا ان نختلف لرئيس الجديد لولاية المتحدة.هل سيستطيع العرب والمسلمون بكثرتهم مواجهة تحدياة ترامب هو سيد القرار للامركين ماذا فعل الدمكراطيون ايام ابام الا لتنشير المنطقة الشرق الاوسط بالحرب وسيل الدم العرب والمسلمون.من الممكن ان يكون دنال ترامب من يستطيع وقوف الحرب حسب تصريحاته بوقف علاقته مع العالم العرب والاسلام لان العلاقة تتم بائرسال لائسلحة والمرتزقين.لكن كل ما يدمر المنطقة من الاسلحة اتي من امرك واروب لان العرب ليس لهم القدرة باقتراع ما يدمر انفسهم في تلك الفترات .لماذا نخاف منهم!

  5. يقول ahmed - Belgium:

    يادكتور عندما تخاطب فيجب ان تعلم من هو المخاطب المشكلة ه العقلية العربية التى لاتريد ولايراد لها ان تتغير يعنى بالبلدى هم يريدونها هكذا قليلة وبعض الاحيان متصلبة التفكير

  6. يقول ahmed - Belgium:

    يا دكتور عندما تخاطب فاعلم من وماهى عقلية المخاطب هؤلاء لا يعلمون ولايدرون بشيىء هم يريدونهم هكذا عقلية لاتريد ان تفكر وايضا فى بعض الاحيان متصلبة غفر الله لنا ولهم

  7. يقول محمود:

    كلامك صحيح يا دكتور فيصل . واللي بيته من زجاج لا يرمي حجاره على بيوت الناس. لقد ذكرتني بنكته وممكن تكون قديمه.
    اجتمع وزراء الاقتصاد من بعض الدول الصناعية وكان من ضمن المدعوين احد وزراء الاقتصاد العرب. وبدؤوا بتعريف أنفسهم . الوزير الياباني شنشوا ميتسوبيشي ، والايطالي كارلو فيراري، والفرنسي ألآن بيجو. ولما جاء دور الوزير العربي: جمال ليكسَس.

  8. يقول الصوفي الجزائر:

    مميز دائما اتمنى لكم التوفيق دكتور قاسم

    1. يقول هشام. د:

      لا أوافقك الرأي يا أخي الصوفي ولا أوافق السيد فيصل، فهل الشعب الذي اختار بملئ إرادته أن يرهن مستقبل بلده بحاكم أرعن أحق بالذم أم شعوب مكبلة بالقيود ومحكومة بالحديد والنار بحكام مستبدين لم يصلوا إلى سدة الحكم إلا بالقهر أوتزوير إرادة شعوبهم؟ قد نلتمس الأعذار لشعب صودرت حريته وانتهكت حقوقه ولكن يصعب أن نلتمس الأعذار لشعب اختار بطواعية وبكل حرية زعيما ليس أهلا للمسؤولية.

  9. يقول سامح //الاردن:

    *أتوقع (ترامب) سوف يتغير بالتدريج
    من التطرف الى الإعتدال بعد اطلاعه
    على أسرار ملفات بلده وأسرار
    ملفات العالم.
    سلام

  10. يقول تيسير خرما:

    عام 2008 أزاحت أمريكا جمهوريين عن القيادة بعد أزمة مالية لم يخلقوها سببتها ممارسة بنكية خاطئة بسوق عقار اميركي أدت لانهيار بورصات عالمية وبغفلة من الزمن صعد رئيس لا يصلح حتى لقيادة الصومال أو كينيا فكافأ بنوك بدل عقابها وتزايد مهمشون ومثليون ومتسللون وجرائم ومخدرات واختفت القيادة لأمريكا وللعالم 8 سنوات وتضعضع العالم الحر وشعوبه فقامت روسيا وإيران بمغامرات وحروب كارثية ضيعت مواردهما وأذنابهما ناهيك عن جرائم حرب وضد الإنسانية وأزمة لاجئين فباتت عودة جمهوري لقيادة أمريكا والعالم مطلب أميركي وعالمي

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية