بيروت ـ «القدس العربي»: لأن «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» ولأن التراث الوطني والشعبي لصيق أو مندمج بنبض أهل الأرض، اجتمع الشيب والشباب في مسرح غالبنكيان على الرقص والغناء والدبكة، احياء ليوم الأرض وتحية للجليل الفلسطيني، وختاماً لشهر مقاومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي ـ لبنان، وهو جزء من فعاليات مقاطعة منتجات العدو وكل مؤسسة تدعم تلك المنتجات والمستوطنات، والمعروفة عالمياً بـ BDF.
فعلى مدار شهر كامل كانت للنادي الفلسطيني في الجامعة اللبنانية الأمريكية LAU فعاليات متتالية ومتنوعة شكل يوم الأرض ختامها. إنه يوم الخميس24 والذي سبق يوم الأرض في 31 اذار/مارس، بأسبوع نظراً لعطلة الجامعة. منذ الصباح توافد الفلسطينيون إلى حرم الجامعة، كبار السن من رجال ونساء شكلوا عصب استعادة التراث وتجسيده أمام جيل الشباب. وكان جلي للعيان أن الشباب ليسوا في منأى عن التراث والعادات والتقاليد كلياً، فحتى الأطفال الذين توافدوا إلى المكان يجيدون وبرشاقة ظاهرة رقص الدبكة.
في يوم الأرض وخلال فعاليات بدأت منذ الصباح كانت حركة الشباب نشطة وحيوية جداً. منهم من اهتم بالإطلاع على اسماء شهداء الانتفاضة الثالثة، وسيرتهم الذاتية والتي حملتها لوحات كبيرة. ومنهم من اطلع على أحوال الأسرى في السجون الإسرائيلية. ومنهم من اندمج في نقاش هادف حول جدوى المقاطعة لكل المنتجات والشركات التي تدعم العدو والمستوطنات.
وسائل التعبير في هذا اليوم الفلسطيني تنوعت ومن بينها حرية التعبير، كتابة عن الأفكار الخاصة بكل فرد حول أحوال القضية الفلسطينية. إذ اتيح للزوار مكان مخصص لكتابة أفكارهم. وكان للطلاب موقف من منتجات «نسله» المعتمدة في الجامعة من مياه وسواها، وتقدموا بطلب إلى الإدارة لاستبدالها بمياه منتجة في لبنان. وكانت حملة لنشر الوعي بين الطلاب عن أهمية المقاطعة، وجمعت التواقيع من أجل دعم الاقتراح المقدم للمعنيين لاستبدال تلك المنتجات داخل الحرم الجامعي. المقاطعة بحد ذاتها حظيت بندوة تضمنت الكثير من الأرقام التي تؤكد فعاليتها وجدواها حول العالم. وللأسف تؤكد مدى التزام الغرب بالمقاطعة أكثر من العرب.
وخلال اليوم الفلسطيني المفتوح أعدت أنواع من الطعام التقليدي، والذي عرض للبيع وعاد ريعه لدعم نشـــاطات النــادي الفلسطيني في الجــامعة. وكــمـــا في كل عام كان للضــيـــافة الفلسطينية والمشاركة في الخــبر والملح دورها بين الحضور.
وفي حفل مسرح غلبنكيان المسائي كان حضور السيدات الفلسطينيات لافتاً، ومع انطلاقة فرقة عشاق الأقصى في العزف والغناء، كان لليلى السيدة المسنة القادمة إلى لبنان منذ العام 1948 ومن عمق مدينة عكا التاريخية، التي تكاد تلامس عتبة الثمانين من العمر أن جذبت الأنظار إليها. تحاملت على متاعبها والانحناءة التي تظلل ظهرها ونزلت الدرج القاسي في مسرح غالبنكيان بعد أن نادتها الأغنيات التي تحكي لغة أرضها. وما أن لاحظ الشباب «الحاجة ليلى» مشدودة بحماس ظاهر للوصول إلى المسرح حتى تراكض إليها المساعدون، وكان بودهم لو يحملونها في قلوبهم تخفيفاً للعناء عن جسدها. وصلت إلى المسرح وفاجأت الجميع بإتقانها للرقص الشعبي. بتمايلها الخفيف اللطيف الإيقاعي. بشبكها لأيادي الشباب والبنات على حاشية الدبكة. حماس الحجة ليلى وحيوتها دفع الشباب إلى المسرح بفرح ولم يبق متردد. بدورها وعبر «القدس العربي» أطلقت الحاجة ليلى الدعاء للشباب الذين تحلقوا حولها وقالت «أملنا فيهم.. وهم من سيعيدوننا إلى فلسطين بإذن الله». نسألها عن ثوبها التراثي الجميل، فتعلن أن شقيقة زوجها أهدتها أياه وهي تسكن في الخليل. وتقول: للأسف لم أتعلم هذا التطريز التراثي. وعن سبب وجودها في هذا الحفل تقول: جئت لأقوم بواجبي نحو بلدي.
مريم محمود من مواليد الصفصاف 1948 تقول: جئت للمشاركة في يوم الأرض. هي المناسبة الغالية على قلوب كافة الفلسطينيين. نأمل أن يتم احياء هذه الذكرى في كل مكان وجد فيه فلسطيني مبعد عن وطنه. نحن مجموعة النساء من دار الشيخوخة النشطة نرتدي أزياء التراث الفلسطيني ليستمر وتتناقله الأجيال. وهذه الكوفية على كتفي شعار لنا يرافقنا أينما حللنا. نحن لا نتنازل لا عن التراث ولا عن فلسطين. ونأمل أن نكون في القدس في يوم الأرض المقبل.
كذلك كان لمريم شرقية من بلدة عمقة في قضاء عكا رأيها: في كل عام ومنذ 31 سنة اشارك في احياء يوم الأرض الذي يجب أن يبقى شغلنا الشاغل. نحن موجودات ككبيرات في العمر تشجيعاً للأجيال الجديدة، وكي يتمكنوا من مسك مهماتهم المستقبلية ومسؤولياتهم.
الشابة سارة الهبّاش جاءت من رام الله إلى LAU في بيروت لدراسة الإعلام. هي في سنتها الأولى، وشاركت بفعالية ونشاط في شهر مقاومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي. الصبية الآتية من الأرض المحتلة تلقت مفاجأة ايجابية بمعاينتها وجهاً لوجه الالتفاف المميز من الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من الجنسيات في احياء هذا النشاط. تقول: نعم فرحت لأني وجدت الفلسطينيين في لبنان مصرّين على حق العودة والحق بالأرض. وهم لا يتركون سبيلا للتعبير عن هذا الحق. هذا المشهد الذي شاهدته في لبنان له انعكاسه الايجابي جداً على الفلسطينيين تحت الاحتلال، لأنهم سيشعرون أنهم محضونين من آخرين في الخارج، والأهم أنهم غير منسيين. نعم شخصياً كنت ألمس عبر الإعلام مدى تعلق اللاجئ الفلسطيني بأرضه، لكن المشاهدة بأم العين تختلف. كذلك تفاجأت جداً بمدى ادراك النادي الفلسطيني في الجامعة لعمق المهمات الملقاة على عاتقه. هذا الوعي للمهمات التي يتولى مسؤوليتها الجيل الجديد من أجل فضح ممارسات الاحتلال في فلسطين، ليست مقتصرة على الفلسطينيين بل تتماثل المسؤولية وبالنسبة عينها مع شبان من جنسيات أخرى وبخاصة اللبنانية. في الانتماء لفلسطين الأرض والقضية لم ألمس كبير فرق بين لبناني وفلسطيني. ومن شأن هذا أن يدعم ويحي روح المقاومة.
كان للمناسبة موعد مع الشعر بدأ مع الشاعر مهدي منصور، ومن ثم شاعر فلسطين الذي ألقى قصيدة لغزّة. وخلال شهر من فعاليات مقاومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي نجح النادي الفلسطيني في الجامعة اللبنانية الأمريكية في تنظيم فعاليات فنية وفكرية ناجحة واستقطب نسبة مشاركة واسعة. إلى ندوات نقاش وحوار وشرح لحقوق الفلسطيني اللاجئ في لبنان سواء من السلطات اللبنانية أو وكالة الأونروا، والتي يمكن وصفها بغير العادلة وغير الإنسانية. وقدم الدكتور فواز طرابلسي محاضرة عن تاريخ مقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين بدءاً من العام 1936.
فنياً كانت هناك عروض لأفلام ترتبط مباشرة بالقضية الفلسطينية ومن وجهات نظر متنوعة. وفي الأمسيات الفنية تميز الفنان أشرف الشولي من خلال أغنياته الهادفة وعزفه المنفرد على العود.
يُذكر أن شهر مقاومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي هو عالمي الطابع ويشمل أكثر من 120 جامعة حول العالم، منها جامعات بريطانية، أوروبية، أمريكية، جنوب افريقية، كندية، وأيضاً جامعات في الدول العربية، أمريكا اللاتنية وبالطبع فلسطين. لقد بدأت هذه المقاومة تعطي ثمارها منذ سنوات، وبدأت تقلق المحتل، خاصة مع اتخاذ مقاطعة منتجات المستوطنات طابعاً رسمياً بتوقيع من بعض الحكومات بخاصة في أوروبا.
زهرة مرعي