منذ تأسيسها، في سنة 1953، اعتادت «الرابطة الدولية للمترجمين» إحياء يوم الترجمة العالمي، في 30 أيلول (سبتمبر) من كلّ عام. وفي أيار (مايو) الماضي، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد صوّتت على القرار 71/288، الذي اعتبر هذا التاريخ يوماً سنوياً عالمياً للترجمة. واستندت الحيثيات على سلسلة عناصر، بينها الإقرار بأنّ «احترام تنوّع العالم الثقافي واللساني هو مقتضى جوهري لتعزيز روح الانفتاح والمساواة والحوار»؛ وأنّ «الترجمة الاحترافية، كتجارة وفنّ، تلعب دوراً هاماً في إعلاء مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وفي التقريب بين الأمم، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والإسهام في التنمية، وتوطيد السلام والأمن العالميين».
وأمّا هذا اليوم تحديداً، فإنّ الرابطة الدولية اختارته تيّمناً بالقديس جيروم (347 ـ 420)، المؤرخ واللاهوتي الدالماسي (كرواتيا الراهنة)، الذي سافر إلى فلسطين، وأقام في بيت لحم بدعم من سيدة أرستقراطية، حتى وفاته. وهناك ترجم «الكتاب المقدس» إلى اللاتينية، عن الأصل العبري، كما دوّن سلسلة حواشٍ وشروحات على الأناجيل. وإذْ يسجلّ باحثون معاصرون تحفظات جدّية على مستوى إتقانه للعبرية، وبالتالي يشككون في أمانة ترجماته؛ فإنّ القديس جيروم اعتُبر، مع ذلك، شفيع المترجمين.
في المقابل، إذْ أتشرف بالانتساب إلى رهط المترجمين، فإنّ شفيعي شخصياً ــ والحديث عن «الشفاعة»، هنا، من باب المجاز بالطبع ــ هو المترجم الأمريكي غريغوري راباسا (1922 ـ 2016)، الذي أشرتُ إليه في مناسبات سابقة، باحترام وتقدير وحسّ اقتداء، لأني أعتبره أحد كبار مترجمي الأدب في عصرنا.
لقد أهدى إلى الإنسانية عشرات الأعمال الروائية الرفيعة، مترجمة من الإسبانية إلى الإنكليزية، لأفذاذ من أمثال ميغيل أنخيل أستورياس، غابرييل غارسيا ماركيز، ماريو فارغاس يوسا، خوان غويتيسولو، خوسيه ليزاما ليما (صاحب «الفردوس»، التي لا تقلّ في البراعة الفنية عن رواية مارسيل بروست «البحث عن الزمن الضائع»)، أوسمان لينس، لويس رافائيل سانشيز (مؤلف «نغمة ماشو كاماشو»، وتُعدّ النظير، في الإسبانية، لرواية جيمس جويس «عوليس»)، خوليو كورتازار، خورخيه أمادو، يواكيم ماشادو دو أسيس…
ولا يخفى أنّ ذيوع صيت ماركيز في أربع رياح الأرض كان قد بدأ مع صدور الترجمات الإنكليزية، والأرجح أنها كانت أحد أهمّ الاعتبارات وراء فوزه بجائزة نوبل سنة 1982؛ وليس غريباً، استطراداً، أن يصرّح ماركيز بأنّ «مائة عام من الوحدة» هي، في الإنكليزية، أجمل منها في الأصل الإسباني! كذلك أعلن أستورياس أنه لم يكن يتخيّل كيف كان يمكن لروايته «قبطان الرمال» أن تصل إلى القارئ الغربي، لولا ترجمة راباسّا؛ وغويتيسولو، وهو نفسه ذو باع طويل في الترجمة، كان يُدخل على أعماله التعديلات التي يرتأي راباسا أنها ضرورية عند الترجمة إلى الإنكليزية. وفي كتابه البديع «إذا كانت هذه خيانة: الترجمة ومظّانها»، يدوّن راباسا مذكرات شخصية حول ملابسات ــ هي، في الآن ذاته، مصاعب ومشاقّ ولذائذ وأفراح… ــ ترجمة قرابة 40 عملاً، تمثّل ذُرى فنّ الرواية في أمريكا اللاتينية.
والحال أنّ الترجمة رافقت الوعي البشري، الإيمائي واللفظي والكتابي، على مرّ العصور؛ لأنّ البشر، بادئ ذي بدء، يتكلمون لغات مختلفة، وحقيقة وجود عشرات الآلاف من اللغات، التي استُخدمت أو يتواصل استخدامها على سطح كوكبنا الصغير، إنما هي تعبير بليغ عن الغنى المذهل للذات الإنسانية. وهكذا فإنّ الترجمة ضرورة ما دامت اللغة أبعد بكثير من مجرد اتصال بين متكلّمَيْن، وهي ضرورة مفتوحة لا تنتقص من أهميتها هذه الدرجة أو تلك من «الخيانة»، الدلالية أو اللسانية أو الأسلوبية. وإذا كانت أبسط تعريفات المترجم هو أنه وسيط تحويل الإشارات والتمثيلات والمعاني إلى نظائر موازية في لغة أخرى، فإنّ أعقد تعريفاته ليس ذاك الذي يعتبره جاسر الهوّة بين ثقافة وأخرى.
وكما هو معروف، شهد تاريخ البشرية طورَين ذهبيين ارتقت فيهما ممارسة الترجمة إلى سوية كيفية ونوعية استثنائية، كفلت مناقلة المعارف بين ثقافة وأخرى، على نحو كانت له آثار حاسمة في التطوّر الحضاري: ترجمة النصوص البوذية إلى اللغة الصينية، وترجمة الفلسفات والعلوم من الإغريقية والسريانية إلى العربية. وفي المثال النقيض، لم تتردد أوروبا عصور الظلام في محاكمة الباحث والمترجم والناشر الفرنسي إتيان دوليه (1509 ـ 1546)، وإدانته، وتعذيبه، وخنقه، وإحراق جسده باستخدام نسخ من ترجماته ذاتها؛ وذلك بتهمة الإلحاد، اتكاءً على ترجمة ثلاث كلمات في «محاورات» أفلاطون، أوحت بالتشكيك في فكرة الخلود.
وفي يقيني شخصياً، استئناساً بتجربة في الترجمة أسفرت عن ثمانية أعمال، بين فلسفة ورواية وتاريخ ونظرية أدبية، فضلاً عن مئات القصائد لعشرات الشعراء، ودراسات كثيرة منفردة في ميادين معرفية متنوعة؛ فإنّ أرقى ما يمكن أن يحققه المترجم هو خلق هوية متجانسة بين النصّ الأصلي والترجمة، لا ليكون الثاني بديلاً عن الأوّل، بل لكي يشغل وظيفته ما أمكن. ولعلّ هذا يؤكد أنّ المترجم «بريد الروح الإنسانية»، كما عبّر شاعر روسيا الكبير بوشكين؛ حتى إذا كانت السجادة النفيسة سوف تُبسط على قفاها، كما وصف الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف ترجمة الشعر!
صبحي حديدي
رغم الأهمية العظمى للترجمة ؛ لم نرَ وزارة خاصة لشؤون الترجمة في بلادنا العربية.الترجمة هي آذان وعيون ولسان الأمة للتفاعل مع الأمم.
يبدو أنّ الاهتمام منصبّ على الأطراف السفلى ما بين الساقين والقدم من أجل كرة القدم.لوجمعنا تكاليف كرة القدم من أبنية وتجهيزات كثيرة
واستيراد مدربين ؛ سنجدها تفوق ما خصص للمعرفة والترجمة مجتمعة.ومنْ لم يحبّ صعود الجبال…يعش أبد الدهربين الحفر: ( رمم ).
هناك من يصف الترجمة بأنها “كالمرأة عندما تكون جميلة فهي ليست أمينة وعندما تكون أمينة فهي ليست جميلة” !
تحية للأستاذ صبحي حديدي
وكل عام والترجمة والمترجمين (وأنا منهم) بألف خير
ربما اروع ما وصف الترجمة هو المثل الإيطالي :
أن تكون مترجماً ….فأنت خائن !
.
هذا المثل ،. هو بدوره اروع مثال على ما يسمى في العربية ، ذم يراد به المدح !
.
كم من ترجمة حطمت ابدع الروايات و الأفلام ، و كم من ترجمات ارتقت بالنص كما لم يرتق بلغته التي كتب بها !
.
مثال ذلك ، ما اقر به غاريسيا كما بين الأستاذ صبحي.
.
المترجم المتميز ، هو المؤلف الثاني للنص
اذا لم ينقل روح النص و ما وراءه و ما بين سطوره ، فهي الخيانة الحقيقية برأيي
اما أن يخون جمود و جفاف النص في حال ترجمته كما هو ، فينقل لنا روح نابضة بدل ذلك ، فهي الأمانة و النزاهة و الابداع !
.
لذلك المثل الإيطالي ، عنى بتلك الخيانة عكس معناها تماماً !
.
اكثر ما يحس في الترجمة و مستواها ، حين نشاهد فلماً مترجماً و نعرف لغته الأم التي يتكلم بها الممثلون ، ثم نرقب آنياً ترجمتها ، في احيان كثيرة ، استشعر سمو و متعة تدغدغ المشاعر و اعجاب باللغة العربية التي تنتج مصطلحات هائلة يفتقدها النص الاصلي فتصبح الترجمة نوع من الادب و الشعر .
وفي احيان اخرى اضطر الى ايقاف شريط الترجمة إن كنت اشاهد الفلم من قرص رقمي ، لأنها تحطم ليس النص الاصلي فحسب و انما تزري بأجمل لغات الأرض ازراءاً !!
.
كارثة الكوارث مؤخراً ، اسماء تضع لقب المترجم فلان ، او ترجمة فلان ، و هو جل ما فعله ، ادخال النصوص الى برنامج ترجمة گوگل ، فتكون النتيجة من نوع orange with picture = برتقالة معصورة !!