بيروت – «القدس العربي» : فيما تزدهر الحروب العربية البينية، والحروب الموكلة لبعضهم من قبل الكبار، تبرز في الأفق بقع ضوء إنسانية تزيح بعضاً من عتمة القلوب. ففي الدورة الثامنة لمبادرة «تكريم»ـ التي استضافتها العاصمة الأردنية عمان فاض غضب معلن على جريمة سيناء، وبقي غضب كامن على جرائم متمادية بحق أكثر من شعب عربي.
وحدها السيدة الكويتية معالي العسوسي المقيمة في اليمن منذ أسست سنة 2007 مبادرة «تمكين» هزت من لديه ذرّة ضمير. العسوسي امرأة هجرت حياة هانئة متاحة لها، وراحت إلى اليمن لمساعدة شعبه الفقير المعدم، وإذا بها الآن محاصرة معه بقرار عربي سدّ منافذ البر والبحر والسماء.
وكان للشاب القطري غانم المفتاح وقع السحر على حضور احتفال تكريم وهم بالمئات. وقفوا وصفقوا طويلاً لضحكته العريضة ولإرادته وطرفته الحاضرة. غانم المفتاح نموذج ضروري لكل متعثر في حياة شاقة مرضاً أو اعاقة أو غير ذلك.
إلى ذلك تميزت تكريم في دورتها الثامنة بأن خمساً من فئات جوائزها التسع ذهبت لنساء، كما نالت امرأة سادسة تقديراً خاصاً.
البداية مع جائزة «تكريم للإبداع الثقافي»، والتي منحت للمتحف العربي الأمريكي القومي (عرب – أميركا)، وهو المتحف الذي فتح أبوابه عام 2005 في مدينة ديربورن، ومن أولى اهدافه تغيير النظرة الخاطئة عن العرب الأمريكيين.
غانم المفتاح من قطر نال جائزة «تكريم للمبادرين الشباب». ولد غانم سنة 2002 من رحم واحد مع شقيقه التوأم، مع معاناة من ضمور في عموده الفقري. لكنه برعاية كاملة من والديه ومن المعنيين في بلده قرر أن لا مستحيل تحت الشمس. وأخذ على عاتقه نشر الحب والسلام من خلال نشاطات وبرامج ومغامرات وجولات حول العالم. صعد المسرح وتسلم الجائزة بنفسه. ووقف له الحضور مصفقين لدقائق. لكنه غاب عن متابعة نشاط تكريم في اليوم التالي لإرتفاع في الحرارة، وغاب عن اللقاءات الإعلامية.
دانيا اسماعيل من مؤسسي «جسور» سوريا تسلمت جائزة «تكريم للخدمات الإنسانية والمدنية»، وهي المؤسسة التي ابصرت النور في حزيران 2011. تعمل «جسور» لإشراك المغتربين السوريين حول العالم في الجهود الرامية لمساعدة سوريا وشعبها. وتركز على التعليم والمنح الدراسية الجامعية وبناء المدارس للأطفال النازحين إلى لبنان. بالإضافة إلى برنامج ريادة الأعمال لتمكين الشباب والمشاريع السورية الناشئة.
معالي العسوسي نالت جائزة «تكريم للمرأة العربية الرائدة» وقد سجلت عبر سكايب كلمة شكر للمبادرة معلنة أن الحصار المطبق على اليمن حال دون حضورها، وبقيت حيث هي تتابع نسج قصة حياتها مع الفقراء والمحتاجين، والمرضى والمصابين بشر الحرب المدمرة. جائزة «تكريم للإبتكار في مجال التعليم» نالتها الدكتورة نهلا حولاّ، وهي مؤسسة قسم التغذية، وعميدة كلية الزراعة والتغذية في الجامعة الأمريكية في بيروت سابقاً.
سارة السومي نموذج تونسي وعربي مختلف ومميز. نالت جائزة «تكريم للتنمية البيئية المستدامة». سارة مولودة في فرنسا ومن أم فرنسية. كانت تزور وطنها الأم باستمرار مع عائلتها وتمضي وقتها في بلدتها بئر صالح حيث جدها الفلاح. عندما تساءلت عن التصحر الضارب في بلادها قررت ومنذ طفولتها البحث عن الحل. ومنذ سنوات وهي تعمل مع آخرين على زراعة شجر الأكاسيا والمورينغا المناسبين للتربة والمناخ. سارة اهدت جائزتها لتونس.
جائزة «تكريم للإبداع العلمي والتكنولوجي» كانت للدكتور زهير الهليس من المملكة العربية السعودية. وهو من أمهر الجراحين في علاج عيوب القلب وبخاصة المعقدة لدى الأطفال. وقد اجرى حتى الآن أكثر من 20 ألف عملية قلب مفتوح حول العالم.
«البستان بذور الحضارة» مؤسسة عربية نشأت في الولايات المتحدة إثر احداث 11 ايلول/سبتمبر، وهدفها تعليم الأطفال المولودين في الولايات المتحدة لغتهم العربية عبر وسائل فنية مبتكرة منها الموسيقى. والهدف أن تكون لهم جذور وأن يتمكنوا من مواجهة العنصرية التي انصبت عليهم بعد تلك الأحداث. تسلمت الجائزة حزامي السيد. ريمون دبانة من لبنان تسلم جائزة «تكريم للقيادة البارزة للإعمال». وهو رئيس مجلس امناء مؤسسة العمل ضد الجوع في الولايات المتحدة، والرئيس الدولي لشبكة «العمل ضد الجوع».
«التقدير الخاص» من تكريم توزع في اتجاهين. منح للأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز كونه أول عربي رائدا للفضاء سنة 1985، ولم يحضر الحفل. ولملك النمر نظراً لعملها مع المهمشين وبخاصة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتأسيسها لجمعية «توحيد شبيبة لبنان». جائزة «تكريم لإنجازات العمر» نالها رجل الأعمال اللبناني الراحل حديثاً مارون سمعان. عطاءاته كبيرة، وهو الذي درس الهندسة في الجامعة الأميركية بمساعدة منحة كان هدفه اعلاء شأن التعليم. وقد تبرع قبل وفاته بمرض السرطان بـ50 مليون دولار للجامعة الأمريكية وهو التبرع الأكبر في تاريخها. وقد تسلمت ابنتيه التقدير.
كما منحت ولأول مرة جائزة «القائد التاريخي» للملك الراحل حسين بن طلال. علماً أن الحفل تمّ في قصر الثقافة وكان برعاية وحضور الملكة نور، قدمته الاعلامية ليلى الشيخلي، وكانت كلمة لمؤسس المبادرة الاعلامي ريكاردو كرم.
كان لافتاً أن الإبداع العربي، سواء الآتي من بلدان الاغتراب، أو الأعمال والنفط من الخليج العربي غلبت عليه الانكليزية كلغة تعبير. وسادت تلك اللغة في حلقتي النقاش اللتين عقدتا في اليوم التالي. مع العلم أن حلقة النقاش الأولى عالجت قضايا المرأة العربية وبخاصة في الاعلام. والحلقة الثانية عالجت التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية. فهل من ابداع يتجذر ويستمر دون هوية؟ واللغة هي الهوية الأولى، والجذور.