المشروع الروسي: شرق المتوسط

حجم الخط
13

 

باتت المعطيات المعلَنة، وليست المؤشرات والتكهنات وحدها، تؤكد أنّ التدخل الروسي في سوريا ليس حكاية 100 يوم، أو مضاعفاتها؛ وأنّ مساندة نظام بشار الأسد من الجو، لكي يُحدث ما تبقى من جيشه تغييراً ملموساً على الأرض، ليست ذروة مشروع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، وشرقي المتوسط عموماً. وخلال الأيام الماضية، بعد انكشاف حصار مضايا ومأساة تجويعها، لم تكن ذروة السوريالية الروسية أن تلقي بعض الطائرات الروسية ما أسمته موسكو «مساعدات غذائية»، بعد أن تولت قاذفات الـ»سوخوي ـ 24» إسقاط القنابل العنقودية والصواريخ الانشطارية!
ولم تكن مصادفة أن يتقصد الكرملين إماطة اللثام، مؤخراً، عن تفاصيل عقد تمّ إبرامه في آب (أغسطس) 2015 مع الأسد، يمنح روسيا حق استخدام مطار حميميم، في اللاذقية، إلى أجل غير محدود؛ أو حرص بوتين، شخصياً، على الإعلان بأنّ منح اللجوء إلى الأسد ـ إذا فشل في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، بالطبع! ـ أمر أسهل من حالة إدوارد سنودن، المتعاقد التقني السابق لدى المخابرات المركزية الأمريكية؛ أو تركيز أجهزة الدعاية، في وزارة الدفاع الروسية، على إبراز أخبار نشر محطة الإنذار المبكر A-50 وقاذفات الـ Su35، على نحو يخاطب الجارة تركيا، ومن ورائها الحلف الأطلسي.
صحيح أنّ الهدف القريب، الذي تتوخاه روسيا في سوريا، هو فرض أمر واقع على الأرض، عسكري أولاً ثمّ سياسي بالنتيجة، يسمح بالإبقاء على ما يمكن الإبقاء عليه من عناصر نظام صديق لموسكو، ما أمكن؛ سواء بقي الأسد أم رحل، على أيّ نحو. وصحيح، أيضاً، أنّ الوجود الروسي العسكري الراهن في سوريا يمكن تطويره سريعاً، بما يحقق حلم القياصرة القديم بإقامة موطىء قدم على مقربة من «المياه الدافئة»، في هيئة قاعدة عسكرية هائلة سوف تكون الأكبر على امتداد تاريخ العلاقات الروسية مع المنطقة بأسرها.
ولكن الصحيح أيضاً، في المقابل، أنّ في قلب «شرق المتوسط» هذا ثمة معادلة صعبة، لعلها الأصعب تماماً، تدعى إسرائيل؛ وليس في وسع موسكو أن تمضي قدماً في المشروع المتوسطي الطموح هذا دون التوافق التامّ مع مصالح تل أبيب المختلفة، الأمنية والعسكرية أساساً. بهذا المعنى فإنّ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، في الأيام الأولى من بدء التدخل الروسي، كانت قد رسمت حدود ذلك الوجود إسرائيلياً، كما أرست ركائز شراكة روسية ـ إسرائيلية؛ لم تتأخر ثمارها، في الواقع، حين أغارت إسرائيل ضدّ أهداف لـ»حزب الله» في العمق السوري، كان بينها اغتيال سمير القنطار، على مرأى ومسمع من الترسانة الروسية إياها.
وذاك هو المستوى الآخر من سوريالية اللثام الروسي في سوريا، يخصّ «محور الممانعة» الشهير هذه المرّة: كيف يمكن تسويق هذا التناقض الروسي الفاضح، حماية نظام الأسد والتواطؤ مع إسرائيل في آن معاً، أمام أنظار الجمهور «الممانع»؟ وإذا جاز أنّ اعتبارات السياسة الذرائعية قد أتاحت في الماضي تعاوناً إسرائيلياً ـ إيرانياً مباشراً (فضيحة «إيران ـ كونترا، ومبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى طهران)؛ فإنّ حاضر «حزب الله» يشير بوضوح إلى أنّ بندقية ما تبقى من «المقاومة» ليست موجهة ضدّ إسرائيل، بل هي مستديرة نحو انتفاضة الشعب السوري، وتشارك مباشرة في حصاره وتجويعه.
تبقى، بالطبع، نظرية السقوط في المستنقع، وهذا مآل يراهن عليه خصوم موسكو في واشنطن والحلف الأطلسي، مثلما تؤكده حالات مماثلة لتدخّل القوى العظمى في المنطقة. الحصاد، في نهاية المطاف، ليس بسهولة هبوط القاذفات في مطار حميميم؛ دونه خرط القتاد، وهذا ما يتوجب أنّ مقامراً مخضرماً مثل بوتين، يعرفه حقّ المعرفة.

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    روسيا تتجه لتأسيس دولة علوية بالساحل
    مستعينة بالطبع بميليشيات إيران على الأرض
    و السبب هو أنه لا أحد من العرب سيثق بالروس
    لهذا فقد حسمت روسيا أمرها لحماية قاعدتها بطرطوس
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول غادة الشاويش المنفى:

    *هناك اربع احتمالات للتدخل الروسي كما يقول عاموس يدلين الرءيس السابق للموساد الاسراءيلي :
    1-ان روسيا تسعى لاقامة دولة علوية صغيرة حدا تحافظ فيها على الحد الادنى من المصالح الروسية في الساحل السوري الا ان حجم قواتها يشير الى هدف اوسع
    2- انها تسهى لاقامة كيان علوي موسع ممتد من دمشق وريفها الى حمص وريفها فحماة فممرات حلب وريفها الى الساحل او حلب كاملة ان امكن بعد القيام بعمليات تطهير مذهبي ديمغرافي يحول ان يكون سنة سوريا اغلبية في دولة يراد للاسد ان يحكمها ولهذا بالضبط جرت عملية حصار المعظمية ومضايا وكانت هدنة الزبداني ومضايا تتضمن خروج عاءلات اضافة الى قوانين البناء حول دمشق والمزة وريف دمشق التي تعيد صياغة الهيكيلية الديمغرافية باحلال علويين وشيعة مكان السكان الاصليين من السنة وهذا الاحتمال هو الارجح والذي يتنتسب مع حجم العمليات وخراءطها وانتشار ميليشيا الاسد وطهران في المنطقة
    3-الاحتمال الثالث محاولة الروس الى اعادة سوريا الى سيطرة الاسد كاملة كما كانت عام 2011من رابع المستحيلات طبعا
    4 -الاحتمال الرابع قبول روسي بتنحي الاسد وانتقال سياسي يضمن سلطة الاقلية العلوية واللوبي ااسياسي المؤيد لموسكو في دواءر صنع القرار ما يضمن المصالح الروسية
    الاستنتاج سيعمل الروس على الدمج بين الاول والرابع
    *سيغرق الروس في افغانستان جديدة لان هناك قاعدة فحواها لا يمكن الحسم من الجو وقوات الجيش ااسوري تعاني شحا كبيرا في عديد المقاتلين وهي والميليشيات الشيعية الموالية من العراق ولبنان غير قادرة على انتشار عسكري يضمن ااسيطرة المتواصلة على الارض دون التعرض لحرب استنزاف طويلة لهذا ستدفع روسيا ثمن المقامرة باهظا ان لم تستعجل حلا سياسيا يرضي الفصاءل الاقوى على الارض والتي لها الكلمة الميدانية احرار الشام جيش الاسلام والنصرة لهذا اغتيل علوش لانه كان سيكون في وفد التفاوض حول من فصيل وازن على الارض ولهذا هناك حرب اغتيال قيادات وعمليات تطهير مذهبي على قدم وساق
    الحل :نقل المعركة الى قلب روسيا على نحو مكثف يتسبب بازاحة بوتين واستهداف انابيب الغاز الروسية لضرب الاقتصاد الروسي واللجوء الى حرب الاستنزاف وتشجيع الشيشان على شن حرب استقلال عن رو سيا وكذلك جمهوريات الاسلامية في اسيا الوسطى هذا الحل الذي ستعتمده قيادة الثوار لاستنزاف رزسيا وتحويلها الى افغانستان 2

    1. يقول آدم // استراليا:

      هل كان وضع سوريا افضل قبل السيد بوتين، وهل من ضمانة ما بعد بوتين سيكون الوضع أفضل للشعب السوري، لقد قتل من الشعب السوري مئات أو آلاف الأضعاف على يد اخوتهم من الشعب السوري والعربي ، فما كنا نسمع كلمة … أنا لا أجد عذرا لبوتين قتل أشقائنا من الشعب السوري ، لكن من هي داعش اليسو سوريين وعراقيين، ألم تهدر الفصائل السورية دماء بعضها البعض، والجريمة تتطور حتى لحظة التدخل الروسي ….
      نعم ما يفعله الروس يشعل النار أكثر ، لكن يسرع من الحل في وقت لا نرى فيها حلولا قابلة للتطبيق سوى على الورق أو تنبعث من شفاه المنتقدين. …

  3. يقول أردن / شرق المتوسط:

    الكل سيفشل في سوريا .. إلا ثوار سوريا

  4. يقول بومحسن:

    روسيا تسعى لمصلحتها لتامين خط الغاز على ميناء طرطوس واللاذقية لايهما بشار ولا الشعب السوري ولا ممانعة ولا معتدلة هكذا عالم لايقدر احترام ولارحمة يهمه تامين مصالحه بالدرجة الاولى والعاقل من يتعظ بغيره.

  5. يقول د. راشد - المانيا:

    الروس الآن يستخدمون الإيرانيين والمليشيات الطائفية التابعة لها لتحقيق الكانتون العلوي تحت السيطرة الروسية وبالتالي سوف ترفع لهم الكرت الأحمر وسيخرجون بخفي حنين
    وعندها ستبقى مهمة الشعب السوري

  6. يقول حي يقظان:

    كما قلتُ في مكان آخر، هذا ما توصلنا إليه في آخر المطاف، ويا للأسف. من الفضائح الكبرى التي كشفت عنها هذه الثورة الشعبية في سوريا هي أن روسيا وإسرائيل المتعاونتين سرًّا أو جهرًا، حسب مقتضى الحال، هما في الواقع صاحبتا القرار الفعلي والحاسم في إماتة وفي إحياء من تريدان من عملائهما لكي يكونوا «قُوَّادًا» (أو بالأحرى «قَوَّادين») في منطقة الشرق الأوسط. كل ما تبقى من شعارات وطنية وخطابات رنانة وما شابه عبارة عن أكاذيب بأكاذيب.

    وكما قال صديق حميمٌ ردًّا على ذلك، صَارتْ روسيا الآن تُسَمِّي عملاءَها من «المُعارضين» السُّوريِّين الذين تثقُ بهم بالاِسْم لكي يُشاركوا في مؤتمر جنيڤ القادم من أجل التفاوض مع أزلام النظام الأسدي المافْيَوي الطائفي المجرم – تمامًا مثلما تُسَمِّي إسرائيلُ عملاءَها من «المُقاومين» الفلسطينيِّين الذين تثقُ بهم بالاِسْم لكي يُمَثِّلوا الشعبَ الفلسطيني المغلوب على أمره. ولا ننسى، هنا، أن أمريكا تتحكَّم بكلِّ شيءٍ من وراءِ الكواليس تبعًا لمصالِحها، كما جاء في مذكَّرات كيسِينْغَر: تتحكَّم بشَنِّ الحرب وبإحلال السلام، وتتحكَّم بفَرْض الحصار وبفَكِّ الحصار، وتتحكَّم بخَلْق الفوضى وبإعادة الهدوء، إلى آخره من هذه القضايا المصيرية. ببساطةٍ شديدة، مصالح أمريكا تقتضي حتى الآن استمرارَ الحرب في بلاد الشام حتى إشعارٍ آخَر.

  7. يقول zaki:

    الكيل بمكيالين في رؤية الحالة السورية فالتدخل الأمريكي و أدواته حلال و الروسي حرام لن يحل المشكلة
    الهوان و التبعية للأجنبي مرض أصاب الأمة لبعدها عن دينها و السياسة ليست أمنيات ولا رغبات شخصية

  8. يقول منير ابو محمد السويد:

    إن لم تستحي فافعل ما تشاء وشكرا للكاتب الصحفي صبحي حديدي على مقالته المميزه

  9. يقول فؤاد مهاني (المغرب):

    روسيا أو أمريكا أو إيران لن يحققوا بإن الله تعالى أي شيء،لن يستطيعوا تثبيت نظام بشار ولا تأسيس دولة علوية
    أو كردية الشيء الذي استطاعوا تحقيقة هو المزيد من القتل والتشريد للشعب السوري.حاولوا إطالة الحرب ليحققوا شيئا فما استطاعوا.وكلما أرادوها أن تطول ازدادوا غرقا.وقد تمتد شرارتها إلى روسيا وإيران وسيندمون على اليوم الذي تم وضع فيها أقدامهم في سوريا.

  10. يقول Abu Maher:

    باختصار شديد
    سياسة الحصار والتجويع الذي يتبعها
    الروس
    وولاية الفقيه
    وحزب نصر
    والنظام العلوي
    مع كل مرتزقته
    هي بداية النهاية المأساوية لهم جميعا
    إنها حتمية التاريخ
    صاحب الحق هو الذي يسود وينتصر، ولو طالت معاناته.
    تحياتنا
    للأخ صبحي
    على مقالاته الموضوعية والمنطقية وتحاليله المعمقة والمفيدة.
    أبو ماهر
    برلين

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية