المعارضة المؤيدة والمبالاة الخطرة

حجم الخط
1

«اللامبالاة تقتل، ونريد أن نكون صوتا يقاوم جريمة اللامبالاة»، كان هذا جزءا من حديث البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، في قمة زعماء الطوائف المسيحية من أجل السلام، التي ترأسها في مدينة باري الإيطالية في السابع من يوليو/تموز الجاري. تحدث البابا عن «اللامبالاة الفتاكة»التي تؤجج العنف وتؤدي إلى خروج جماعي للمسيحيين من بلادهم، وما يمكن أن يؤدي إليه هذا الوضع من تشويه وجه المنطقة، التي يحدث فيها تلاشي الوجود المسيحي «وسط صمت الكثيرين، وتؤاطو الكثيرين أيضا».
ورغم أن المنطق الأساسي للأشياء يتفق مع أهمية المبالاة ومخاطر غيابها، إلا أن بعض الأصوات التي تقف ضد الحرية والدفاع عنها، والتي توجه ما لديها من وقت وقوة من أجل التنديد بالخطاب الذي يدافع عن أهمية الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية، تقدم نموذجا عكسيا تكون فيه المبالاة السلبية قاتلة مثل عدم المبالاة، وقد تتزايد مخاطرها أحيانا، عندما تؤدي إلى خلط الأوراق، وتقديم الصواب بوصفه خطأ، وتمهيد المجال للاقتناص من حقوق البشر في اللحظة والمستقبل، مع شيطنة كل من يعترض أو يختلف عن الصورة النمطية التي تؤكد على أهمية التسليم بالأمر الواقع وضرورة الحاكم الفرد مطلق السلطات، حيث لا حساب ولا عقاب، وحيث تتحول المعاناة وعدم المساواة إلى واقع وانتقادها إلى جريمة.
تتردد كلمات حق يراد بها عكسه في الكثير من الأحيان، وحين يقال إن إشعال شمعة خير من لعن الظلام، يتناسي البعض أهمية الكشف عن الظلام وليس الصمت في مواجهته، وإن بعض الإضاءة تستخدم في التعذيب، كما تستخدم في إخفاء الحقيقة وتشتيت الانتباه، وإن الشمعة التي يمكن لها أن تضيء المكان يمكن لها أن تحرق أيضا. تتداخل الأوراق وتصبح الأفكار الكبيرة ضمن تفاصيل مشهد ملتبس من الضروري العمل على تفكيكه، من أجل تأكيد المعنى وإبراز التناقضات القائمة حتى لا تتوه الحقيقة وسط الأكاذيب، ويصبح من الصعب التمييز بينهما.
واقع لم تتوقف فيه الأمور عند حديث المرشح الرئاسي والمنافس الوحيد للرئيس عبد الفتاح السيسي، في الانتخابات التي أجريت في مارس/ آذار الماضي، عن تأييده وأسرته للرئيس الموجود في السلطة، الذي يفترض أن يتنافس معه، عند هذا الحد، وتطور إلى الإعلان عن تشكيل «معارضة موالية». للوهلة الأولى تبدو الأمور ملتبسة، ولا تعرف لماذا الإصرار على جمع المتناقضات في عبارة واحدة، ولماذا لا يكون الائتلاف الذي أعلن عنه رئيس حزب الغد، والمرشح الرئاسي الأسبق موسى مصطفى موسى معارضا فقط، أو مؤيدا فقط، كما هي الأوضاع الطبيعية المفترضة في عالم السياسة، ولماذا يتصور البعض أن الحديث عن عدم وجود تناقض كاف للاقتناع بأن المتناقضات متماثلة، على طريقة أن الفشل إنجاز.
على النهج نفسه يخرج وزير الآثار متحدثا عن إنجاز، من وجهة نظره، تمثل في تأجيل مزاد على قطع أثرية مصرية كان يفترض أن يقام في موناكو، في وقت تستضيف فيه معرضا للآثار، بعد أن هدد بإلغاء المعرض. بالطبع تمثل إقامة المزاد بالتزامن مع المعرض الذي يفترض أن يفتتحه الوزير في سبتمبر/ أيلول المقبل، إحراجا كبيرا، ولكن تأجيل المزاد لا يغير الوضع وليس هو الإنجاز الحقيقي، إن كانت المقارنة تتمثل في القدرة على إيقاف المزاد والمطالبة بالقطع الأثرية، أو إرجاعها، مع محاسبة حقيقية وشفافة لكل الأخبار التي تتداول عن تهريب آثار، أو العثور عليها في دول أخرى، من دون معرفة كيف خرجت ومن المسؤول عن إخراجها، وغيرها من التساؤلات التي يتم تعويمها وسط كم كبير من الأحداث والتصريحات والتفاصيل، التي لا يتم تسليط الضوء عليها، أو تسليط الكثير من الضوء عليها في إطار استخدام الضوء من أجل تحييد النور أو التأكد من غيابه.
يبدو المشهد أحيانا مثيرا للسخرية، كما يفعل الشعب المصري عادة، ومثيرا لكوميديا سوداء أيضا، ولكنه يظل كاشفا عن تفاصيل كثيرة في آليات الحكم والبقاء، وطرق الإلهاء حين يكون من المهم استخدام التناقضات وجذب الانتباه والمبالاة السلبية بكل أشكالها الممكنة، ومعها قائمة طويلة من الاتهامات الجاهزة، منذ امتد أسبوع الكراهية، وتحولت الكراهية على طريقة الأخ الأكبر إلى وسيلة سهلة في إثبات الولاء والدعم، وتوسيع حالة المعارضة المؤيدة التي تخلط الأوراق في عالم السياسة، كما تخلطها في عالم الثورة والحرية والكرامة.
في كلمته قال البابا، «نريد أن نكون صوتا لمن لا صوت لهم، والذين يحبسون دموعهم لأن الشرق الأوسط يبكي اليوم، وللذين يعانون في صمت بينما يدوسهم الساعون إلى السلطة والثروة»، وهو وضع يتجاوز مسيحيي الشرق إلى حالة الشرق، كما يتجاوز اللحظة الحالية إلى عقود ممتدة. ورغم اختلاف نسب المعاناة وتنوع أشكالها، هناك في قلب المشكلة دوما من يسعى إلى السلطة بوصفها الغاية، ومن يتم السير عليهم من أجل الوصول إليها والبقاء فيها وحولها أطول فترة ممكنة، وسط هتاف ودعاء ومن دون محاسبة. وإن كان السعي إلى السلطة والنفوذ، أو الدفاع عن المصالح المرتبطة بها، يبدو مبررا لدفاع البعض عن استمرار أوضاع غير عادلة، من وجهة نظرهم، فإن دفاع المقهور عن الظلم ووقوفه في وجه الحرية يبدو نوعا مخيفا من المبالاة.
قد يعيد الموقف إلى الواجهة الحديث عن الكتلة الصامتة، أو التعبير الأكثر سلبية الذي ظهر على هامش ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وتجاوز البعض في استخدامه أحيانا كثيرة وهو حزب الكنبة، ولكن في حين يتم اتهام الكتلة الصامتة بعدم المبالاة، فإن حزب المعارضة المؤيدة يستخدم نوعا من المبالاة السلبية الأكثر خطرا، لأنها تؤسس الكراهية بوصفها تعريفا للمواطنة. وفي حين تم انتقاد الكتلة الصامتة بسبب دفاعها المباشر أو غير المباشر عن استمرار الأوضاع القائمة باسم الخوف من المجهول، الذي لا نعرفه، تطور الوضع مع حزب المبالاة السلبية الذي يرى أفراده أن لديهم حق التخلي عن حريتهم وحرية الآخرين والوطن باسم حماية الوطن، مع تصور أن لديهم مسؤولية الوقوف ضد كل من يعترض وكل من يدافع عن الديمقراطية، وأهمية المحاسبة ومخاطر غيابها وتهميش سلطة الشعب، وفي القلب يتم استهداف ثورة 25 يناير بوصفها اللحظة الفارقة التي ارتفعت فيها الأصوات مطالبة بتلك القيم الكبرى، ساعية إلى تحقيقها على أرض الواقع، وكأنها الجسد الذي يجب التخلص منه ومن كل ما يعيد التذكير بها وأهدافها ممثلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
تعيدنا المبالاة السلبية، التي تصر على إدانة كل من ينتقد الخطاب الرسمي والوقوف ضد الحرية والديمقراطية، وكل ما يعبر عنها، إلى رواية «1984» للكاتب الإنكليزي جورج أورويل، خاصة مشهد التجمع من أجل الاحتفال بدقائق الكراهية، حيث يمثل الحماس والصوت المرتفع والهتاف بكل عبارات الكراهية والتخوين الممكنة مؤهلات المواطن الصالح، وفي الواقع تصبح الكراهية نوعا من المبالاة أيضا، ولكنها المبالاة التي تدعم الحزب الأوحد وسلطة الأخ الأكبر، أو الخوف. كما تعيد تأكيد شعار الحزب حيث «الحرب هي السلام، والحرية هي العبودية، والجهل هو القوة»، وهي الأسس التي تستند إليها كل سلطة ترغب في تهميش الديمقراطية والحرية، التي يفترض الوقوف ضدها من أجل تأكيد أهمية تلك القيم، وعدم التنازل عن الحق فيها مهما ارتفعت هتافات الكراهية باسم حب الوطن.

كاتبة مصرية

 المعارضة المؤيدة والمبالاة الخطرة

عبير ياسين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح //الأردن:

    *من الآخر ;- لمن يهمه الأمر .
    *(السيسي) لن يترك (الكرسي)
    إلا إلى (المقبرة)..
    سلام

إشترك في قائمتنا البريدية