«النهضة» تستعين بالماكينة التجمعية والجبهة الشعبية تستفيد من ضعف «النداء»

حجم الخط
2

تونس – «القدس العربي»: شهدت الساحة السياسية التونسية أخيراً عدة أحداث هامة، أبرزها اللقاء الذي جمع رئيس حركة «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي مع عدد من القيادات «التجمعية» البارزة في حزب «المبادرة»، وهو ما فسره بعض المراقبين بإعادة الحركة لحساباتها السياسية في ظل تواصل انقسام شريكها الأساسي في الحكم (نداء تونس)، إضافة إلى «فشل» حزب محسن مرزوق الجديد (الأمين العام السابق للنداء) في الحفاظ على تماسكه مع مغادرة حوالي ثلث نوابه، فيما لمحت «الجبهة الشعبية» (أبرز تكتل يساري) إلى امكان التحالف مع قوى سياسية ومدنية قبل الانتخابات البلدية المقبلة، وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول شكل الخريطة السياسية الجديدة في البلاد.
وكان الغنوشي استقبل الأسبوع الماضي كلاً من الأمين العام السابق لحزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» (المنحل) والقيادي في حزب «المبادرة الدستورية» محمد الغرياني، ورئيس حزب المبادرة كمال مرجان (آخر وزير خارجية في عهد بن علي).
وأثار اللقاءين العديد من الأسئلة داخل الأروقة السياسية ولدى عدد من المحللين الذين لمح بعضهم إلى احتمال سعي الحركة الإسلامية لإعادة التموقع والبحث عن شركاء سياسيين جدد في وقت يعاني شريكها الأساسي في الحكم (حزب نداء تونس) من انقسامات عدة، على اعتبار أن الحركة التي تعلمت من دروس الماضي لا ترغب بالحكم وحدها مستقبلاً.
ويؤكد الباحث والمحلل السياسي د. عبداللطيف الحنّاشي أن علاقة حركة «النهضة» بالتجمعيين قديمة «ففي البداية كان هناك نوع من التشنج في الظاهر ولكن في الخفاء كان هناك بعض اللقاءات ذات الطابع الاجتماعي ثم تغير الأمر بعد احداث مصر التي انتهت بلقاء الشيخين (الرئيس الباجي قائد السبسي والغنوشي) في باريس والاعتراف الضمني بهذه القوة السياسة والاجتماعية (التجمعيين) وخاصة عند إقلاع حركة النهضة عن مسألة العزل السياسي ومنذ ذلك التاريخ بدأ الغزل واضحاً بين الطرفين، وهذا تطور لاحقاً بقبول النهضة بهذا الجسم الذي هو في الواقع تناثر بين عدة أحزاب على مستوى القيادات والقواعد».
ويضيف: «لكن الآن بدأ الأمر يأخذ بعداً جديداً نظراً لطبيعة الحراك السياسي الحالي في البلاد، والذي يتمثل خاصة بالانشقاقات التي عرفها نداء تونس، الأمر الذي أضعف هذا الطرف السياسي الأساسي في الساحة التونسية، وهذا الأمر دفع حركة النهضة (شريكه الأساسي في الحكم) التي بدأت تفكر جدياً بالمستقبل، إلى البحث عن طرف قوي تتحالف معه لتواصل هذه التجربة على ضوء المتغيرات الحزبية التونسية والاقليمية والدولية، إذ يظهر أن هناك مراجعات من قبل بعض الأطراف الدولية والإقليمية حول قضية الإسلام السياسي، ويبدو أن حركة النهضة على وعي وإدراك بهذا الأمر، فأرادت أن تعيد الانتشار وتتموقع بطريقة جديدة. ولذلك طرحت أيضاً بالتوزي مع هذا اللقاء مسألة المصالحة الشاملة، تجاوزاً لكل ما طرح من مصالحات سابقة سواء من قبل الرئاسة أو غيرها».
غير أن التساؤلات الحالية تتركز أساساً حول سبب اختيار الحركة الإسلامية لحزب المبادرة بالذات للتحالف معه مستقبلاً، رغم أنه ما زال يعتبر حتى الآن من الأحزاب الصغيرة قياساً بالأحزاب الكبرى في البلاد، كما أنه يتشابه مع أحزاب أخرى تضم عدداً كبيراً من القيادات التجمعية.
لكن الحناشي يرى أن المشهد السياسي التونسي غير مستقر حتى الآن وقد يحمل مفاجآت عدة في المستقبل القريب، مشيراً إلى أن «النهضة» ما زالت الحزب الأكثر تماسكاً وتنظيماً في البلاد، أما «بقية الأحزاب فتعيش وستعيش العديد من الانقسامات والاضرابات داخلها، ولذلك أعتقد أن النهضة (بنظرة استشرافية ومستقبلية) هي تراهن على «تفعيل الماكينة التجمعية» لذلك تم استقبال الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل من قبل الغنوشي لأن هذا الشخص من موقعه السابق لديه قدرة على تفعيل هذه الماكينة وهو موجود في حزب (المبادرة) يمثل جغرافيا مولد الحركة الدستورية، فتمدده الجغرافي هو في منطقة الساحل كما أن رئيسه ينتمي إلى هذه المنطقة المعروفة بثقلها السياسي والتاريخي والاقتصادي». ويوضح أكثر بقوله: «الحركة الإسلامية، كما أسلفت، تريد التعويل على حزب أو جهة سياسية تكون أكثر تماسكاً على المستوى الفكري والسياسي وعندها قدرة على الانتشار جماهيرياً أو جغرافياً وبالتالي يمكن أن توجد نوعاً من التوازن في الساحة السياسية والحزبية، لأنني اعتقد أن النهضة في السنوات القليلة المقبلة (ضمن هذه الفترة التشريعية أو بعدها) لا ترغب بالحكم لوحدها، لأن تجربة الحكم أعطتها دروساً عديدة على المستوى الداخلي والاقليمي والدولي».
ويتوقع، في السياق، أن يتوسع حزب المبادرة ويتحول إلى حزب كبير وتكون له مكانة هامة في البلاد، و»أعتقد أن فشل اندماج الاتحاد الوطني الحر مع المبادرة قد يكون على خلفية اللقاء الذي حصل بين الغرياني والغنوشي، لأن من صالح النهضة أن يكون هناك حزب قوي يتمثل في المبادرة لـ»صدقيته» على المستوى السياسي والجماهيري وموقعه الجغرافي واحتوائه على رموز من النظام السابق ذات فعالية وجزء كبير منها معروف بـ»نظافة اليد». فبالتالي هناك تموقع جديد في ظل الاضطرابات التي يعاني منها «نداء تونس» ومشروع محسن مرزوق الجديد (حركة مشروع تونس»، إضافة إلى الأحزاب الأخرى التي تمثيليتها محدودة في البرلمان وكذلك انتشارها الجغرافي والاجتماعي أيضا».
وكانت مصادر إعلامية أشارت الاثنين إلى احتمال انسحاب عشرة نواب (من أصل 28) من كتلة «الحرة» التابعة لحزب مرزوق، مع احتمال عودة غالبيتهم إلى حزبهم السابق (نداء تونس)، في خطوة فسرها البعض بسوء إدارة الحزب الجديد وتهميش النواب المذكورين مقابل منح دور أكبر لقيادات تجمعية في قيادة الحزب.
ويرى الحناشي أن حركة النهضة تعتبر من أبرز المرشحين للفوز في الانتخابات البلدية المقبلة التي يُتوقع إجراؤها في مطلع العام المقبل، مبرراً ذلك بتنظيم الحركة التي «رغم الهزات والصراعات التي تعيشها ما زالت متماسكة وقواعدها منضبطة وملتزمة بقرارات القيادة».
ويتوقع أن يحظى حزب «المبادرة الدستورية»، الذي قد ينجح باستقطاب التجمعيين المتناثرين في أحزاب أخرى أو الذين لا يمارسون العمل السياسي بشكل مباشر، في المركز الثاني «خاصة بوجود الغرياني الذي يملك الآلة (التجمعية) ويملك علاقات تنظيمية واسعة، ويبدو هذا الحزب أكثر اتزاناً سواء بشخصيته الموجودة وأكثر صدقية سياسية واجتماعية وثقل اقتصادي واجتماعي كبير».
وكانت الجبهة الشعبية (أكبر تكتل يساري) أعادت تنظيم نفسها عبر انتخاب مجلس مركزي جديد يضم 25 عضواً (بينهم الأمناء العامون)، حيث أكد الناطق الرسمي باسمها حمة الهمامي أن الجبهة تسعى إلى التحالف مع «قوى سياسية ومدنية وشخصيات وطنية لتحقيق أفضل النتائج في الانتخابات البلدية».
إلا أن الحناشي يؤكد أن الجبهة ورغم أنها مازالت تحتفظ بتماسكها السياسي إلا أن تمددها الاجتماعي محدود، مشيراً إلى أنها قد لا تحقق أكثر من المرتبة الرابعة أو الخامسة في الانتخابات البلدية المقبلة.
ويضيف: «ربما تؤدي التحولات التي يعيشها «نداء تونس» ومشروع محسن مرزوق إلى لجوء قيادات من هذين الحزبين وخاصة النقابية واليسارية إلى الجبهة الشعبية ضمن تحالف عريض أو جبهة موحدة، ولكن مهما كان الأمر فمن الصعب أن يحتل اليسار المرتبة الثانية، ربما الثالثة أو الرابعة».

 «النهضة» تستعين بالماكينة التجمعية والجبهة الشعبية تستفيد من ضعف «النداء»
المشهد السياسي التونسي يعيد تشكيل نفسه
حسن سلمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Hassan:

    الأحرار في تونس هم قلة. الإنتهازية لا تجدي نفعا و التجمع أهون من النهضة فهو واضح ولا لبس عليه وكل يمكنه أن يكون تجمعي بسهولة ويسر بحيث ينال مبتغاه ومقصده. أما عن النهضة فقد دمرت الشعب

  2. يقول Hassan:

    في كثير من الأحيان التجمع إذا ما قصده ضعيف
    الحال تُقضى شؤونه. أثناء الأعياد والمناسبات
    تحظى العائلات المعوزة والأرامل بالإعانات.
    أما عن الجهات فإن دعوة النهضة إلى
    فتح منجم فسفاط في منطقة الجريد
    من البلاد التونسية لا فائدة منه غير أن الآلات
    والشاحانات هي التي تقوم مقام اليد
    العاملة. وعليه من غير المعقول تدمير
    جهة تقوم على الفلاحة تسفيد منها
    العائلات كما مشاريع السياحة. علما
    وأن منتجعا سياحي قطري هو الآن
    بصدد الإنجاز وهو سيضيف حركية
    اقتصادية واجتماعية. لا حاجة لفتح
    منجم فسفاط بمنطقة الجريد.

إشترك في قائمتنا البريدية