بيريز كان رجل «قانا» لا السلام وكوربين جبل لم تهزه رياح التآمر

حجم الخط
1

ابدأ بقضية وفاة الرئيس الإسرائيلي السابق والمعلقات التي كتبت عن خسارة رجل السلام وصانع السلام، وللاسف من بعض الفلسطينيين وأذكر على سبيل المثال الكاتب والقائد الفتحاوي يحيى رباح الذي أخذ على عاتقه القول، ولا أدري من اي منطلق في قناة «فرانس 24» « إن بيريز رجل سلام يتمتع باحترام الشعب الفلسطيني».. ولن أدري من خوله أن يتحدث باسم الشعب الفلسطيني وأنا واحد منهم.
الحقيقة ان هذا الرجل ولا شماتة في الموت لم يكن قط رجل سلام وتاريخه الملطخ بدماء الفلسطينيين والمصريين واللبنانيين والسوريين والأردنيين خير شاهد.
بيريز لم يكن قط رجل سلام وغيابه لن يشكل خسارة للسلام فهو ابو القنبلة النووية.. وهو صاحب سياسة الاستيطان في الضفة الغربية.
وكان بيده أن يحقق السلام الحقيقي على الارض لكنه اختار في عام1996 عندما كان بيده القرار كرئيس للوزراء عدم تطبيق اتفاق الانسحاب من الخليل.. واختار طريق الدم بقراره اغتيال المهندس يحيى عياش قائد كتائب القسام في قطاع غزة، فاحرقت الارض من تحت اقدامه وكلفته الانتخابات.. وربما اختار تلك الطريق حتى يحرر نفسه من مسؤولية واستحقاقات السلام. وفي العام نفسه ارتكبت قوات الاحتلال بأمر منه كرئيس للوزراء مجزرة قانا اللبنانية.
لم يكن قط رجل سلام.. بل عرف اسرائيليا برجل مخادع ومتآمر.. واستغل دبلوماسيته وعلاقاته الدولية الواسعة للتغطية على جرائم قوات الاحتلال وحكومات اسرائيل المتعاقبة وسياساتها الاحتلالية الاستيطانية. لذا فإن قرار المشاركة في جنازة بيريز لم يكن قرارا موفقا قط… ففيه جرح لمشاعر أهالي250 شابا استشهدوا خلال الاشهر الـ12 الماضية.. ولا أدري ما الذي اراد الناصحون بها تحقيقه.
٭٭٭
«يا جبل ما يهزك ريح» مقولة كان يرددها دوما الرئيس الفلسطيني المغدور به ياسر عرفات.. مقولة لم أجد أفضل ولا أنسب منها لوصف صمود جيريمي كوربين زعيم حزب العمال «المؤكد مرتين في غضون عام واحد» ووقوفه في وجه الأعاصير التي ضربته من اكثر من جهة.
أخطرها تلك المحاولة الانقلابية التي خطط لها العشرات من نواب حزبه، وكما يقول المثل من «مأمنه يؤتى الحذر» في شهر يونيو الماضي بعد ظهور نتائج التصويت على استفتاء انفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي، وتحميله مسؤولية الهزيمة مع أن المعركة لم تكن معركته، بل معركة زعيم حزب المحافظين ورئيس الحكومة ديفيد كاميرون، الذي دعا للاستفتاء، في محاولة لمنع هروب أعداد من ناخبي حزبه الى حزب «الاستقلال البريطاني» الذي يقف الى يمينه ويعارض هجرة العمالة الاوروبية خاصة من رومانيا وبولندا الخ.
ثبت كوربين وهو المقاتل العنيد الصلب والسياسي والعقائدي، صمد بهدوئه المعهود وابتسامته الصادقة أمام أشرس وأعنف تجريح شخصي يتعرض له سياسي في بريطانيا. وتعفف عن الرد على مهاجميه ولم يرد لهم الصاع صاعين، كما كان يجب في المسائل الشخصية، وجميعهم ليس معصوما، واختار أن يكون رده حاسما وقاطعا على صعيد السياسات لا الاشخاص. وفاز بشهادة الجمهور أنه الأنقى والأكثر مصداقية من بين السياسيين البريطانيين.
وكما انتخبته القاعدة الحزبية قبل12 شهرا بأغلبية فاقت مجموع ما حصده المرشحون الأربعة الآخرون للمنصب، تداعت القاعدة من جديد لحماية إنجازها في انتخابه من خارج القيادة النمطية للحزب. حمايته من المؤامرات الداخلية للإطاحة به، وحملات التشويه و»اغتيال الشخصية» التي لجأ اليها البليريون (جماعة زعيم الحزب ورئيس الوزراء الاسبق توني بلير) واليمين في حزب العمال، تلك الفئة في الحزب وهي ليست ضعيفة، التي تقاطعت مصالحها في الخلاص من كوربين، مع مصالح حزب المحافظين الحاكم الذي يرتعد خوفا من سياساته الرافضة للسلاح النووي والحروب الداعية للتكافل والعدل الاجتماعيين والتأمين الصحي والتعليم والاقتصاد وحقوق الإنسان إلى آخره.
ويقف في مقدمة هذه الحملة طبعا المنظمات اليهودية في بريطانيا أو لنقل معظمها وبدعم وتحريض من السفير الاسرائيلي في لندن مارك ريغيف، التي اخرجت من جرابها التهمة المعلبة والجاهزة «معاداة السامية».. وفي حالة كوربين لم يتهموه مباشرة باللاسامية وهو البريء من هذه التهمة براءة الذئب من دم يوسف، وهو المعروف بمواقفه المعادية جدا للعنصرية والاسلاموفوبيا واللاسامية التي كررها أكثر من مرة، وآخرها في كلمته في مؤتمر الحزب يوم الاربعاء الماضي. وإنما تحاول هذه المنظمات تدفيعه ثمن مواقفه التاريخية المؤيدة للقضية الفلسطينية، التي وقف دوما الى جانبها وكان مدافعا عنيدا عنها ولا يزال. وهو من قاد الحملة للاعتراف بدولة فلسطين، وهو ايضا عضو في جمعية اصدقاء فلسطين في مجلس العموم.. وأكد مواقفه الداعمة هذه في اجتماع لاصدقاء فلسطين يوم الاربعاء الماضي على هامش مؤتمر الحزب الذي اختتم اعماله امس.
حقق جيريمي كوربين يوم السبت الماضي ومع انطلاق مؤتمر الحزب السنوي، انتصارا كاسحا بأصوات القاعدة لم يحققه زعيم من قبله، وبزيادة في عدد الاصوات فاجأت الأنصار قبل الخصوم، الذين اضطروا مرغمين القبول بالنتائج. ونحن هنا لا نتحدث عن فئة ضالة صغيرة، بل172 نائبا من أصل212 مجمل نواب الحزب (حوالي %81)، خذلوه وانفضوا من حوله وسحبوا منه ثقتهم البرلمانية، منهم من هم من ضعاف النفوس الذين خافوا على مقاعدهم البرلمانية ومصائرهم السياسية بعد أن أُقتنعوا بأن وجود كوربين في زعامة الحزب يشكل خطرا عليهم وسيقضي على فرص إعادة انتخابهم لأنه يفتقد لشخصية القائد والزعيم وسيعجز عن قيادة الحزب إلى النصر على المحافظين والعودة الى الحكومة. ومنهم طبعا لأسباب سياسية عقائدية.
وكان غرض هذه الفئة دفعه لرفع الراية البيضاء والاستسلام ومن ثمة الاستقالة، وبذلك يقضون على حلم اليسار في قيادة الحزب إلى الأبد أو على الأقل للمستقبل المنظور. ولكنه لم يكن قط من الرجال الذين يرفعون الرايات البيضاء، وخلافا لتوقعاتهم صمد كوربين بالعدد القليل من حوله من النواب (40 نائبا وقف بعضهم الى جانبه بقناعة ومنهم من أراد أن يجرب حظه كوزير ظل لاول مرة وقد لا تتكرر) وازداد اصرارا على خوض المعركة والمواجهة مسلحا بدعم القاعدة الجماهيرية وأعضاء الحزب الذين تضاعفت أعدادهم على نحو لم يحلم قط به حزب العمال الذي أصبح الحزب الأكبر في أوروبا، وعندما فشل الانقلابيون بسحب الثقة والولاء في دفعه نحو الاستقالة قرروا الدفع بأحدهم لمنافسته في انتخابات جديدة وهي الثانية في غضون12 شهر.. وهي تجربة فريدة في بريطانيا.
وانتصر رغم انه لم يكن لديه عدد كاف من النواب لملء المقاعد الأمامية الشاغرة المخصصة لوزراء الظل (بريطانيا الدولة الوحيدة التي يطلقون فيها على حزب المعارضة الرئيسي، حكومة الظل)، وارتدت خناجرهم إلى نحورهم وعادوا صاغرين مستعدين للخدمة تحت زعامته.
غريب أمرنا نحن البشر، نقاتل من اجل حرية الاختيار والتغيير والتعبير وعندما تحين الفرصة نعمل بالمثل القائل «الشيطان الذي تعرفه أفضل من الشيطان الذي لا تعرفه» أي الابقاء على الوضع القائم بتجاربه الفاشلة. وهنا لا نتحدث عن شعوب العالم الثالث فهي بمجملها مغلوب على امرها ولا خيار ولا حرية تعبير، بل الشعب البريطاني الذي يفترض أن يكون مهد الديمقراطية ويتباهى بين الأمم بديمقراطيته.
لفت انتباهي في الاشهر الـ12 الأخيرة وخلال متابعتي للسياسة البريطانية التي تعنيني باعتباري مواطنا بريطانيا، كيف أن الناس أو بالأحرى غالبيتهم ينساقون بدون تحمل اعباء التفكير وراء تعابير ومصطلحات يطلقها السياسيون ليس من باب المعرفة والمعلومة، بل من باب المناكفة السياسية ومحاربة الخصم وتسجيل اهداف، ويبدأ الناس في ترديدها من بعدهم وكأنها أمر واقع.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، نبدأ بما قيل عن كوربين.. فهو غير مؤهل ولا يتحلى بشخصية الزعيم.. وليس لديه فرصة للنجاح في تسلم مقاليد الحكومة، لأن سياسته غير قابلة للتطبيق وأن يكون امينا على امن البلاد واقتصادها الى آخر هذه الديباجة.. كل ذلك يقال قبل تجريبه.. فحزب العمال خسر الانتخابات مرتين في2010 و2015 ولم يكن كوربين زعيما ولا مسؤولا عنهما.
وفي الحملات التي سبقت الاستفتاء على الانفصال عن الاتحاد الاوروبي في23 يونيو التي رجحت فيها كفة الانفصاليين، ترددت كليشيهات مثل.. المحافظة على حدودنا.. وديمقراطيتنا.. ونسترد سيادتنا ونمنع الارهاب.. والأخطر من ذلك وقف تدفق المهاجرين الاوروبيين الذين يلامون على زحمة المدارس والمستشفيات والعيادات الطبية ونقص المساكن. والغريب في الامر ان الكثير من المهاجرين العرب صوتوا لصالح الانفصال للاسباب نفسها مع انهم قد يجدون انفسهم محشورين في الزاوية نفسها ويصبحون عبئا على هذه الخدمات.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

بيريز كان رجل «قانا» لا السلام وكوربين جبل لم تهزه رياح التآمر

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Hadib:

    من أروع أبيات الشعر العربي التي مررت عليها قول إبن الوردي:

    ليس يخلو المرء من ضد ولو … حاول العزلة في رأس جبل
    إن نصف الناس أعداء لمن … ولي الأحكام هذا إن عدل

    وروعة هاذين البيتين تنبثق من تصويرهما الفلسفي المحكم لطبائع النفس البشرية. ولذا استميح الكاتب علي الصالح عذراً في الإختلاف مع ما ذهب إليه من مدح وتقريظ السياسي البريطاني جيرمي كوربين. فالحقيقة المرة هي أن ال dysfunctional island أي الجزيرة المعطوبة المسماة بريطانيا هي مقر الأخطبوط الصهيوماسوني الذي تعتصر أذرعه جميع دول العالم. فالصهيوماسونية حركة شيطانية وإبليس وقبيله يعلمون متلازمة الحكومة والمعارضة التي صورها شاعرنا العربي إبن الوردي، ولذا يتلاعبون بعامة البشر عبر لعبة اليمين واليسار (محافظين وعمال أو جمهوريين وديمقراطيين). فالأدلة تدل علي أن جيرمي كوربين ممثل جيد مثله مثل ديفيد كاميرون. ومن أراد الدليل عليه بهذا الفيديو الذي سجل في عام 1968 والذي يوضح فيه أحد التائبين من حركة المتنورين كيفية لعبهم بمشاعر الجمهور الأمريكي (راجع الفيديو إبتداءً من الدقيقة 37). ومن أراد معرفة حقيقة ما جري ويجري في كوبا فيديل كاسترو وما وراء تصرفات الصهيوماسونية المريبة تجاه كوريا الشمالية عليه بمشاهدة الشريط كله.

    https://www.youtube.com/watch?v=h9P_2HqWRhU

    وأود أن استطرد قليلا لكي أذكر أن الصهيوماسونوين أقاموا مؤخراً نصبين في لندن ونيويورك لبعل المذكور في القرآن (أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين)(الصافات 125). وصدق سيدنا المسيح الذي وصفهم في السفر 8 الفقرة 44 من إنجيل يوحنا ب (Ye are of your father the devil, and the lusts of your father ye will do أي أبوكم هو ابليس وشهوات ابيكم تريدون ان تعملوا).

إشترك في قائمتنا البريدية