دونالد ترامب والعنصرية الأمريكية المتجذرة

بدأ الإعلام ودور البحث والمعلقون في الولايات المتحدة يتعاملون مع المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بشكل جدي، باعتباره المرشح الجمهوري الأكثر حظا والقادر على منافسة المرشح الديمقراطي، الذي يكاد يكون محسوما لصالح السيدة هيلاري كلينتون.
لقد بدأ ترامب بعد سلسة من الانتصارات المتلاحقة في ولايات مهمة مثل فلوريدا وإلنوي ونورث كارولاينا ليتخطى منافسه الأساسي تيد كروز ويقذف بضربة قاضية منافسه الآخر ماركو روبيو، بعد فوزه في ولاية فلوريدا معقل الأخير. وقد حصد ترامب إلى اليوم 17 اقتراعا تمهيديا من أصل 26 منذ الأول من فبراير الماضي. فما هو السر في التفاف أعضاء وأنصار الحزب الجمهوري حول ترامب، وهو الذي ما فتئ يتحدث بكل جرأة ضد الإسلام والمسلمين والمهاجرين والمكسيكيين وغيرهم، بل يكاد يكون خطابه محصورا بفئة معينة من الشعب الأمريكي التي تشعر أن زمانها قد ولى، وأن أمريكا اليوم ليست لهم فهؤلاء الغرباء يهددون الصورة النقية التي في أذهانهم لدولة قوية يسيطر عليها العنصر الأبيض، المتفوق عرقيا وذهنيا وحضاريا على هؤلاء الأغراب. لهؤلاء ترامب يتحدث وهؤلاء هم من يقفون وراءه يشدهم الخوف من الآخر، ويعتقدون أن ترامب واحد منهم وسيحمل همومهم ويحميهم من الغرباء والأشرار والمسلمين.
لقد توقفت الآن أو كادت محاولات المؤسسة التقليدية للحزب الجمهوري، التي لا تنسجم مع مواقف ترامب السياسية عن منكافته بعد أن رصدت دوائر مقربة من الحزب مبلغ عشرة ملايين دولار لمهاجمة ترامب في ولايات مهمة مثل فلوريدا وإلينوي تصفه بأنه ليبرالي ومراوغ، لعل المرشحين الآخرين يلحقون به. لكن ترامب تخطى كل المتاعب وبدأ يتصرف وكأن ترشيحه باسم الحزب الجمهوري في المؤتمر العام للحزب الجمهوري في شهر يوليو المقبل أمر مفروغ منه، بل يحاول الآن أكثر من ذي قبل أن يكون حذرا فيما يقول، لكنه لم يتراجع عن مهاجمة الإسلام والمسلمين ويصفهم بأنهم خطرون وكارهون للولايات المتحدة. ولكن هل الخطاب العنصري ظاهرة جديدة في المجتمع الأمريكي؟ سنحاول في هذه المقال تسليط الضوء على جذور الظاهرة الضاربة عميقا في بنية المجتمع الأمريكية وثقافته وطريقة تكونه.

إبادة السكان الأصليين

العنصرية ظاهرة متجذرة في المجتمع الأمريكي منذ وصل المهاجرون الأوائل إلى هذه البلاد، واكتشفوا أنها عامرة بسكانها الأصليين، الذين يعيشون حياة منسجمة مع الطبيعة وظواهرها وتعبيراتها. شعرالرجل الأبيض آنذاك أنه أمام تحدٍ حقيقي، فإما أن يستوعب هؤلاء في منظومته السكانية والعمرانية والدينية والثقافية، أو أن يتخلص منهم. فبدل أن يحاول أن يتعايش معهم أو يتركهم في حالهم اختار أسلوب الاقتلاع والتدمير الشامل. ويقدر عدد الذين أبيدوا في الولايات المتحدة بالملايين تصل في بعض التقديرات إلى 112 مليونا وتنخفض أحيانا إلى ثلاثين مليونا. وأيا كان الرقم فلا أحد يشك أن العدد فظيع بكافة المقاييس، إذ أن عدد السكان الأصليين مع نهاية القرن التاسع عشر لا يتجاوز النصف مليون، حشروا في معازل ومعسكرات كعينة من الماضي تصلح للفرجة والسياحة ودراسات الأنثروبولوجيا. إنها أبشع جريمة في التاريخ حيث لم يرتكب السكان الأصليون أي ذنب ولم يكن لديهم من الوسائل ما يمكنهم أن يحاربوا بها، ولا كان لديهم أي خبرة أو وسيلة تفاهم مع هؤلاء الغرباء الذي حلوا في بلادهم وبدأوا بقتلهم. لقد وصفهم كريستوفر كولمبوس في رسالة لملك وملكة إسبانيا بهذه الكلمات: «هؤلاء الناس طيبون جدا ومسالمون جدا. ولذا فإني أقسم لجلالتيكما إنه لا يوجد في العالم أفضل منهم». ومع هذا فقد أبادوهم بالبنادق والأسلحة المختلفة، ثم بعد أن طالب السكان المحليون بعقد معاهدات سلام رحب بذلك الرجل الأبيض واستولوا على أراضيهم وطردوهم منها ثم قدموا لهم البطانيات واللحف المسمومة والملوثة بالجراثيم التي لا يوجد لديهم مناعة لمقاومتها، فأفنت الأمراض الفتاكة ملايين منهم، بدون عقدة ذنب أو تأنيب ضمير. لقد بالغ الإنكليز كثيرا في إبادة السكان بأن وضع التاج البريطاني جائزة على كل رأس يقطع ثم اكتفى من بعد بجلدة الرأس لحصد المزيد من الدخل. ولم يكن الإسبان في أمريكا الوسطى والجنوبية أقل فظاعة، بل بزوا نظراءهم الإنكليز وتفننوا في أساليب الإبادة.

العنصرية الشاملة ضد السود والأقليات

لقد أعطى العنصر الأبيض جميع الحقوق لنفسه وحرمها عن الآخرين. فللأبيض الأرض والتعليم والصحة والسلاح والتصويت والسلطة والجنسية. بينما منعت هذه الحقوق عن السكان الأصليين والسود والآسيويين واللاتينيين وغيرهم. وقد استمر هذا الوضع بشكل أو بآخر منذ القرن السادس عشر ولغاية عام 1960. لقد عانت من التمييز كافة الأجناس التي لم تعتبر «نقية البياض». شمل التمييز البولنديين والإيطاليين واليابانيين والإيرلنديين واليهود والعرب والآسيويين.
بدأ الأوروبيون يعتمدون على استجلاب العبيد لاستخدامهم في الزراعة. لم يستطيعوا الاعتماد على السكان الأصليين لأن عددهم أصبح قليلا بعد حملات الإبادة. ولم يستطيعوا الاعتماد على الأوروبيين البيض لارتفاع أجورهم ولأنهم أصبحوا جزءا من الإقطاع الإنكليزي. فلم يكن هناك بديل بالنسبة لهم إلا العبيد حيث ازدهر ما سمي بتجارة العبيد عبر الأطلسي. ومع مجيء الرئيس أبراهام لنكولن، بدأت حركة تحرير العبيد تنتشر تدريجيا. وكان الموقف من تحرير العبيد أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الحرب الأهلية بين عامي 1861 و1865 والتي أتت على ملايين من الأمريكيين، لكنها أدت إلى ما قد يسمى مجازا تحرير أربعة ملايين من السود هاجروا إلى الولايات الشمالية مثل، نيويورك وبنسلفانيا وماستشوستس. فكان أن بدأت حركة تمييز عنصرية ضدهم في ولايات الشمال، التي وصل مداها في الستينيات، والتي على إثرها قامت حركة الحقوق المدنية التي قادها القس مارتن لوثر كنغ وانتهت بقتله، لكن الرئيس جونسون وقع على قانون حق الانتخاب العام واستطاع السود أن يشاركوا بدون إي استثناءات في انتخابات عام 1968.
العنصرية ضد السود ما زالت متجذرة وتحت أشكال وممارسات مختلفة. فمثلا كان هناك تمييز من قبل وزارة الزراعة ضد السود في منحهم قروضا زراعية تمنح للبيض بين عامي 1981 و1997 أدت إلى قيام رابطة المزارعين السود بتقديم شكوى رسمية ضد الوزارة، وربحت الدعوة وحصلت على مبالغ تصل إلى 2.4 مليار دولار.
وتشير البحوث الأكاديمية العديدة إلى أن التمييز ضد السود ما زال موجودا ويضرب عميقا في كافة أنحاء الحياة الأمريكية. فهناك تمييز في العمل وفي المداخيل وفي السكن وفي قيمة الإيجارات، وحتى في المقابلات الوظيفية. ومن الأمور التي تثير الكثير من الجدل رسوخ قناعة لدى السود أن الشرطي الأبيض يطلق النار على الأسود بسهولة أكثر بكثير مما لو كان المخالف أو المنتهك للقانون أبيض. إن تنميط السود لدى الكثير من البيض ما زال منتشرا ويصفونهم بأنهم خطيرون، ومنتهكون للقانون وكسالى وأقل حرصا على المال العام وفاسدون وعنيفون.
فمثلا شهد عام 2015 مقتل ثلاثة من السود الذين حركوا الرأي العام الأمريكي ضد عنف الشرطة وهم، مايكل براون الذي قتل في أغسطس في بلدة فيرغسون (ميسوري) وتامر رايس وعمرة 12 سنة قتل في نوفمبر في كليفلند (أوهايو) وإريك غارنر قتل في يوليو في حي ستيتن آيلند (نيويورك). لقد أعطيت هذه الجرائم الثلاث الكثير من التغطية الإعلامية بحيث تحرك الشارع الأمريكي في مظاهرات عارمة تحول بعضها إلى نوع من المواجهات. لكن هؤلاء الثلاثة هم جزء من قائمة تصل إلى 100 ضحية من السود سنويا حسب إحصائيات أطلقها مكتب التحقيقات الفيدرالي. كما أن عدد من تصدر بحقهم أحكام الإعدام من السود أكثر بكثير من البيض الذين يرتكبون مستوى الجريمة نفسها. كما أن محاكمة الشرطة الذين يقتلون السود عادة تنتهي إلى براءة.

التمييز ضد العرب والمسلمين

ظاهرة التمييز ضد العرب والمسلمين ليست جديدة. وللعلم فإن غالبية الأمريكيين لا تفرق بين العربي والمسلم وحتى الشرق أوسطي. وقد وثق الباحث اللبناني جاك شاهين ظاهرة التمييز ضد العرب والمسلمين في السينما، حيث قام بدراسة مئات الأفلام التي تنمط العرب على أنهم شريرون مخادعون لا يؤتمن جانبهم، طلاب ملذات غدارون جبناء إرهابيون. ونشر الدراسة في كتابه المشهور Reel Bad Arabs.
ويعتبر جاك شاهين أن هناك العديد من الأسباب التي ساهمت في تشويه صورة العربي عندهم، أهمها إغلاق قنوات الرد والمساءلة لكل من يتطاول على العرب. لقد أصبحت الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بضاعة رائجة ليس من الآن، بل انتشرت بعد هزيمة عام 1967 واستثمار نتائج تلك الحرب لصالح اللوبي المناصر لإسرائيل والذي بدأ يعمل بشكل مؤسساتي لتشويه صورة العربي/المسلم وتقديمه على أنه جبان ولديه ثروة نفطية هائلة يصرفها في دروب الملذات. ولا يحسن القتال ولا يحترم عهدا ولا ميثاقا. ومراجعة لأفلام مثل «دلتا فورس» و»صحارى» و»بلاك سان داي» (الأحد الأسود) و»سيج» (حصار) و»القناص الأمريكي» وغيرها الكثير لتعرف مدى الصورة السلبية التي يتم زرعها في المخيال الأمريكي عن العرب والمسلمين.
بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية أصبحت الأجواء مناسبة تماما للتحول من التنميط الفكري والإعلامي إلى الاستهداف وإلحاق الأذى والتشويه والتصدي .
لقد استهدفت حملات التشويه والعنف العرب وكل من يبدو أنه عربي مثل الأكراد والإيرانيين والأرمن واليهود الشرقيين والأيزيديين والسيخ والأشوريين وغيرهم. لقد انتشرت ظاهرة عدم الثقة في العربي والمسلم أينما كان. وقد ساهم في تعزيز هذه الصورة النمطية بعض العمليات العنيفة أو الإرهابية التي ارتكبها عرب ومسلمون مثل الضابط الفلسطيني نضال حسن الذي قتل 13 من زملائه الجنود في فورت هود بولاية تكساس (5 نوفمبر 2009) وعملية الماراثون في بوسطن (15 أبريل 2013) التي قاما بها أخوان من الشيشان وعملية سان برناردينو الأخيرة التي قام بها باكستاني وزوجته (2 ديسمبر 2015) وغيرها.
ساهم كذلك تعميم فديوهات قطع رؤوس غربيين وقعوا في أيدي التنظيمات الإرهابية، سواء في العراق أو باكستان أو أفغانستان أو سوريا. وغالبا ما تكون هذه الفيديوهات مصحوبة بتهديدات للكفار بمزيد من الضربات. أضف إلى كل هذه العمليات الإرهابية في باريس ولندن ومدريد وغيرها من مدن العالم، وما يجري من عنف لا حدود له في كثير من البلدان العربية والإسلامية وانتشار التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و «النصرة» و «بوكو حرام» و»الشباب»، بالإضافة إلى «القاعدة».
تكاملت إذن كل الأسباب لاستفحال ظاهرة الإسلاموفوبيا والصورة النمطية للإسلام كدين عنيف لا يقبل الآخر ويقسم العالم إلى قسمين دار السلام ودار الحرب، دار النور ودار الظلام يعزز ذلك محطة فوكس نيوز وشلة المحللين وكارهي العرب والمسلمين من أمثال دانيل بايبز وبرنارد لويس ومارتن كريمر وفؤاد عجمي وغيرهم.
دونالد ترامب ملياردير طموح لا علاقة له كثيرا بالسياسة يبحث عن قاعدة شعبية تتبناه فوجدها في هذا التيار الذي نصبه قائدا بين ليلة وضحاها، وبدأ يحصد المؤيدين من التيارات اليمينية المتطرفة والكارهين للأجانب والخائفين على أمريكا التي في أذهانهم. نحن لا نتوقع أن يفوز ترامب في الانتخابات المقبلة ومن السهل على هيلاري كلينتون أن تهزمه. لكن الظاهرة الخطيرة التي يمثلها ترامب قد تعززت وانتشرت واتسعت وأصبح من الصعب لملمة الخراب الذي أحدثته على مستوى الجاليات العربية الإسلامية، وقد يكون الفصل الثاني من هذه الظاهرة توسع عمليات استهداف العرب والمسلمين ومؤسساتهم ومساجدهم ومدارسهم، بحيث تتحول هذه البلاد إلى مكان غير آمن لهم، كما أصبحت بلاد العرب والمسلمين غير آمنة للكثير من الأجانب وخاصة الأمريكيين.

٭ محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز

د. عبد الحميد صيام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول العجلوني:

    دكتور عبد الحميد صيام المحترم
    ان ما ذكرت انف في الفقرة اﻻخيرة هو ملخص الموضوع هذا المرشح الفقاعه هو كومبرس سوف يتم سحقه في الوقت المناسب
    انت تعلم ان الخطط اﻻسترتيجية طويلة اﻻمد قد اعدة باتقان واول اشاراتها اعلان الجيش اﻻمريكي نشر عدد من الفيالق في شتا انحاء العالم انما يدل على ان اول رئيس امرأة قادمه، روؤيتها اعادة تحجيم الدب الروسي وبنفس اسلوبه العنف والقوة مع الهجوم المباغت لكل حلفائه في محاولة اعادة حقن التنين بالمورفين حتى يبقى نائم لوقت اطول حيث تعلم اﻻداراة العملاقه ان هده الحركات الصغير لدول متل كوريا الشمالية وروسيا وداعش هي من بنات افكار التنين الذي يتأهب للصحوة .
    اﻻسﻻموفبيا التي ذكرت دكتور موجوده بطريقه او باخرى من قبل ولكن تم تنشيطها الى حد اصبح يدخل شكوكا كبيرة الى قلوب الشعوب المتحضرة التي بات جزء ﻻبأس به منهم يؤمن ان المسلمين من العالم الثالث هم مجرد دمى تستخدم في الة اﻻعلام العمﻻقة لتعلق عليها بعض المشاريع التي تفضي الى اﻻسترسال في فتح خانات جديدة في عالم الموازنات المالية ﻻنظمة دول بعينها .
    دكتور عبد الحميد اﻻجيال الناشئة في اروبا وكثير منهم يقولون دائما اسأل من المستفيد بعد اي عملية ارهابية لتعرف انهم ليس العرب او المسلمين .
    اذن هم ليسو اغبياء وافضل ما يقوله لك عندما يحاوروك ليس كل المسلمين اشرار وليس كل الغربيين اخيار . ثقافة ﻻ للتعميم عندهم وصلت حد المعقول
    وشكرا لمقالك الراقي ودمت بخير

  2. يقول خليل ابورزق:

    السؤال هو لماذا تنتشر الدعوات السيئة عن العرب و المسلمين و خاصة من الشرق الاوسط بهذه السهولة؟ لما لا تنتشر دعوات الحق و العدل؟ لماذا لاتنتشر دعوات حقوق الشعب الفلسطيني و التي لايستطيع اي اكاديمي امريكي انكارها؟ لماذا تزدهر التيارات المعادية للعرب و المسلمين وخاصة فن الشرق الاوسط؟
    و ارجو ان لاتقول لي انها اللوبيات اليهودية و الصهيونية فانما هي ادوات
    الحقيقة ان هذا اولا و اخيرا هو جزء من تحقيق الاستراتيجية الغربية و هي ابقاء الشرق تحت السيطرة. و يساعد في نشره العنصرية و المادية و الصهيونية و غيره

إشترك في قائمتنا البريدية