داخل احدى قاعات البعثة الدبلوماسية في حي مونبليزير وسط العاصمة تونس، جمع السفير المصري عددا من الإعلاميين والفنانين المحليين ليسلمهم في حفل أقامته السفارة أياما قليلة بعد حادث سقوط الطائرة الروسية في صحراء سيناء شهادات تقدير نظير تصوير البعض منهم شريط فيديو وعرضه على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان «زوروا مصر». وقبل ان تلتقط عدسات الصحافيين صورا للذكرى قال أيمن مشرفة لضيوفه في كلمة ترحيبية قصيرة «اكرم اليوم كوكبة متميزة من الفنانين التونسيين الذين قاموا بعمل فيديو «زوروا مصر» وهي مبادرة دخلت قلوبنا جميعا وأنا أعتبرها رسالة صادقة للتضامن مع الشعب المصري». وحتى لا يكون ذلك التضامن السخي مجردا من كل تشجيع أو حافز، فقد اختار مكتب شركة الطيران المصرية منح الضيوف المكرمين في الحفل تذكرة سفر إلى شرم الشيخ بعد اخضاعهم للقرعة بالطبع. لكن المفارقة التي حصلت يومها هي ان الدبلوماسي المصري الذي اختار ان يقول لصحيفة «المغرب» المحلية «ان السياحة هي جزء مهم من الدخل الوطني وهذا ما جعلها مستهدفة من طرف الإرهابيين الذين يريدون زعزعة الاستقرار في مصر» وان «الرد على الإرهابيين يكون بمزيد التسويق السياحي بين مصر وتونس» عاد ليؤكد لمراسل «وكالة أنباء الشرق الأوسط» المصرية الذي حضر الحفل ان «عدد السياح التونسيين في مصر يقدر بعدة آلاف بسبب شرط الموافقة الأمنية عند استخراج التأشيرة وهذا الأمر يعيق حرية التبادل السياحي ونحن نحاول قدر الامكان تسهيل زيارة التونسيين لمصر عبر التنسيق مع وزارة الداخلية المصرية والجهات الأمنية، والسلطات التونسية تشترط بدورها الموافقة الأمنية المسبقة للمصريين القادمين إلى تونس طبقا للمعاملة بالمثل وسنعمل في إطار اللجنة القنصلية على التوصل إلى حل لهذا الأمر مع مراعاة الظروف الأمنية الدقيقة التي تمر بها مصر وتونس».
وما فهم من ذلك التذبذب والتردد بين الحاجة لقدوم سياح تونسيين والخوف والتوجس المبالغ فيه أحيانا مما قد يسببه ذلك من مخاطر محتملة على النظام، هو ان السلطات المصرية التي لا تتوقع دعما قويا وناجزا من بلد مثل تونس يعرف اقتصاده حالة «انكماش تقني» كما يصفها المسؤولون والخبراء ولا يملك أيضا ثروة نفطية أو مالية تسيل لعاب الجيران لا تنظر كذلك بارتياح كبير لوجود التونسيين على أرضها رغم انها ترحب بلاشك بأي جهد قد يبذله هؤلاء لدعمها وإسنادها حتى معنويا أو على سبيل المجاملة الدبلوماسية والعاطفية. انها تريد منهم أو على الأقل من نخبهم ومثقفيهم بكل بساطة واختصار مزيدا من كلمات المدح والإطراء والتمجيد للعسكري الذي هب لانقاذ بلده من مصير مظلم كان يوشك على السقوط فيه لو لا تدخله الحاسم في اللحظة المناسبة واستجابته الفورية لنداء ورغبة الملايين التي اكتسحت شوارع القاهرة للمطالبة باسقاط نظام الإخوان كما تقول الدعاية الرسمية. لكن المفاجأة التي لم تخطر على بال الكثيرين هي ان بعض المثقفين والكتاب الذين هللوا وصفقوا طويلا لما جرى في مصر في الثلاثين من حزيران/يونيو وقالوا عنه انه ثورة مشروعة، بل طالبوا حتى باستنساخ التجربة في بلادهم، لم يسلموا بدورهم من التعرض للمعاملة المهينة وحتى الازدراء بشكل قد لا يختلف كثيرا عما يصادفه في الغالب كل صوت حر عارض حكم العسكر وقادته الأقدار لسبب أو لآخر لزيارة المحروسة. فلا فرق هنا بمنطق الموافقة الأمنية المسبقة قبل الحصول على الفيزا بين المناصر والمعارض والمصنف إرهابيا خائنا والمحسوب وطنيا صادقا لانهم جميعا سواء كأسنان المشط أمامها. أما الأغرب من ذلك فهو ان الحصول على التأشيرة بعد الخضوع لتلك الموافقة لا يعني مثلما هو مفترض ومتوقع نهاية القصة بسلام والعبور إلى «الجنة المصرية» التي تظل مع ذلك مشروطة بموافقة أخرى أمنية أيضا حتى لو كان الزائر مدعوا من جهة رسمية معروفة أو قادما في مهمة أو زيارة لدعم النظام وتجميل صورته في الداخل والخارج. المثال الأقوى على ذلك ما حصل قبل أيام لجامعية تونسية قدمت بدعوة من مكتبة الاسكندرية لإلقاء محاضرة حول تقييم مناهج البحث في التطرف والإرهاب. لقد كتبت تلك الاستاذة على صفحتها على فيسبوك تحت وقع صدمة احتجازها لساعات في مطار القاهرة «ممنوعة من دخول مصر والسبب تهديد الأمن القومي…حين يغدو قلمي صنو السيف والرمح والكلاشنيكوف مهددا لأمن البلدان… انه العجب العجاب فما الذي اقترفت يداي؟ حين ادعى لتقديم محاضرة حول تقييم مناهج البحث في التطرف والإرهاب الحصيلة والمقترحات، ثم يزج بي في خانة الإرهابيين؟». وأضافت لقد «أخبروني أني أشكل خطرا على الأمن القومي المصري وان معالجة الأمر تستدعي تدخلا شخصيا من وزير الداخلية وطلبوا مني ان أنتظر حتى ساعات الصباح كي يتسنى الوصول إلى الوزير لكني رفضت واصررت على العودة إلى تونس في أول طائرة والا أدخل لبلد اعتبره قريبا لقلبي عبر وساطة وزير». هل كانت تلك هي المرة الأولى التي يتعرض فيها تونسي أو حتى عربي لتلك المعاملة؟ بالقطع لا، لكن ما حصل للاستاذة آمال القرامي كان أشبه بطعنة في الظهر، فقد كانت تظن ان عداءها الشديد والمعروف للإخوان سوف يشفع لها عند مضيفيها ويجعلها نجمة يفرش السجاد الأحمر أمامها وتستقبل في صالة التشريفات تكريما لها على ما كتبته ضدهم في تونس وخارجها. لكن ذلك الحلم تبخر ولم يميز النظام الذي ناصرته باسم الحفاظ على الديمقراطية والدولة المدنية بين خصومه المعلنين وأصدقائه المعروفين. لقد ظلت تونس الصغيرة حجما والمحدودة بشرا وثروة مصدر ازعاج وحرج دائم له ولم يصدق أحد لا في مصر ولا في باقي الدول العربية ما حصل قبل خمس سنوات حين اهتزت الأرض وزلزلت تحت أقدام عضو في نادي المستبدين العرب لتتردد بعدها بشكل هستيري مقولات «مصر ليست تونس» وبعدها «اليمن ليس مصر» ثم «ليبيا ليست اليمن» ويثبت بعدها في الأخير ان النموذج التونسي هو الوحيد الذي خرج سالما وبأخف الأضرار بعد هزات الربيع العربي العنيفة ومؤامرات الداخل والخارج عليه. ومن الطبيعي ان يثير ذلك النجاح النسبي قلق الكثيرين مشرقا ومغربا وان يصبح التونسي بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الايديولوجي محل شبهة لمجرد انتمائه إلى بلد خرج عن السرب العربي وأتاح لشعبه الحد الأدنى من حقه في التعبير عن أفكاره وآرائه بحرية ودون وصاية أو توجيه. لم تقبل القرامي حذاء عسكري مصري مثلما فعلت إعلامية تونسية حينما ظهرت في برنامج تلفزيوني وهي تقبل حذاء جندي سوري وقالت بعد ما حصل لها في مطار القاهرة «لمن يتهمني بهتانا بمساندة ودعم الرئيس السيسي هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين واتحدى أي شخص يأتيني بمقال كتبته أو حوار تلفزيوني أجريته أو تدوينة لي عبر صفحتي الرسمية دعمت فيها أو ناشدت السيسي». لكن الإشكال الحقيقي الذي كشفته حادثة المطار كان أعمق من مجرد البحث عن دليل مادي يؤكد دعم الاستاذة أو غيرها من الكتاب لنظام السيسي لان ما حصل للباحثة الجامعية ألقى الضوء على مسألتين مهمتين وهما طبيعة ذلك النظام الذي صورته معظم وسائل الإعلام المحلية في تونس على انه البديل الأفضل لحكم الإخوان وقدمته كمنقذ لقيم المدنية والتعايش والتعدد فإذا به يكشف عن وجهه الأصلي ويضيق حتى بالآراء والأفكار القريبة منه رغم انها لا تعد راديكالية أو مهددة لوجوده أو محرضة عليه.
أما الأمر الثاني هو حالة العمى الايديولوجي والتحيز الفكري الواضح ضد الإخوان والتي سلبت قسما واسعا من النخب التونسية قدرتها على تبين الخطأ الحضاري والتاريخي الذي ارتكبته من خلال مناصرتها العلنية والخفية لعسكر مصر وامتناعها وتحاشيها الخوض في انتهاكاته وجرائمه تحت مبرر اجتناب التدخل في شؤونه الداخلية. بقي السؤال المطروح هنا هو هل تكون واقعة المطار فرصة لعودة الوعي وتدارك ذلك الخطأ ومراجعته بشكل فوري وحاسم، ثم الأهم من ذلك ادراك الإعلاميين والفنانين والكتاب لقيمة التجربة التونسية وأهميتها بالمقارنة مع ما يحصل في الإقليم؟ المؤكد ان السفير المصري في تونس سوف يجد صعوبة في المرات المقبلة في اقناع الكثير منهم ان يزوروا مصر حتى لو كانت تلك الرحلات بالمجان، لانهم صاروا يعلمون الآن فقط انهم متهمون جميعا وبلا استثناء بجريمة الاختلاف والتعدد التي لم تعد سارية المفعول في بلدهم لكنها لا تزال تطبق بحزم وقسوة في دول أخرى خارجها مثلما هو الحال في مصر.
٭ كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
ما دام الربيع مزدهرا بتونس فالرياح ستعمل على مقل نسائمه للصحاري
بارك الله بتونس وشعبها وربيعها
ولا حول ولا قوة الا بالله
بـلادي وإن جــارت علي ذليــلةٌ **** وأهلي وإن ظنــوا علي لئامُ !!!
بلادي وقد جـارت علي تعيـسةٌ **** بلادٌ بها أعـــــرى و بها وأجـــوع
بها سـجانٌ يسمــونه زعيـــما ..**** وما الوطن إلا سجنٌ محتــومُ !!
تظل ملوك الأرض تطعنُ ظهرها **** وفـي بطنـها للمُجدبين ربيــــع..
ومـا أنـا إلا زبـــالةٌ فـي كل بلدة **** أضـــــوع وأنا عـندهم لوضيـعُ…
كلمات ~~محمد فوزي التريكي
رجاء للتوانسة ولكل الاشقاء العرب الاحرار ..
لا تذهبوا الى مصر الآن، فمصر محتلة ومُختطفة ومُغتصبة ..
لا تذهبوا الى مصر الآن، فذهابكم اليها الآن يعنى دعمكم للانقلاب العسكرى وللثورة المضادة !!
لا تذهبوا الى مصر الآن ، فذهابكم فية دعم لآقتصاد السفاح !
لا تذهبوا الى مصر يا من علمتم العرب كيف يثوروا لكرامتهم ، فلا تكونوا عوناً لمن يمتهن كرامة المصريين !!
شخصيا احترم سيادة الشعوب
مصر دولة ذات سيادة من حقها طرد او قبول شخص قادم الى اراضيها
مالا اقبله هو اهانة و عدم احترام كرامة الزائرين مهما كان انتمائه خاصة اذا كان هذا الشخص بحوزته ترخيص للدخول