سيمون شاهين: يشغلني التمازج الموسيقي العضوي لا الدخيل

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: لم يكن سيمون شاهين يدرك أن سفره إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراسته الموسيقية سنة 1980 ستجعل منه في وقت لاحق سفير الموسيقى العربية هناك. شاهين الآتي من بلدة ترشيحا في الجليل والمنتمي إلى أسرة موسيقية بكاملها بدأ نشاطه مع آخرين من خلال المؤسسات الثقافية الموجودة. وبجهود حثيثة صارت الموسيقى العربية حاضرة، وبات منهج آلتي العود والقانون يدرّسان في «بركلي كوليدج أوف ميوزك».
يُصنّف سيمون شاهين من الأفذاذ في إبداعه. فهو يمتلك قدرات خاصة في تطويع أنغام العود والكمان لتستجيب مع طموحاته في الابتكار والتجديد. يمتلك وبسلاسة قدرة التنقل بين الجاز والأساليب الكلاسيكية الغربية والنغم الشرقي. ينشر الإبهار والامتلاء الفني في حفلاته.
شاهين موسيقي لا يستكين، يومياً يتواعد مع نغم جديد، ومشاريعه تمتد لسنوات إلى الأمام. في بيروت منحته الجامعة الأمريكية شهادة دكتوراه فخرية، وكان معه هذا اللقاء:
○ أنت صديق لبيروت منذ سنوات طويلة ولك معها موعد سنوي. ما هي مشاعرك حيال هذا اللقاء؟
• المدينة برمتها صديقتي، ولي في مسرح المدينة تحديداً لقاءات فن مع جمهور جميل. نضال الأشقر وفريق مسرح المدينة أصدقائي. الموسيقيون الفاعلون في بيروت كذلك، بينهم الموسيقيون في المعهد الموسيقي الوطني، وجامعة الكسليك، وأصدقائي من الموسيقيين المستقلين، وكل من له صلة بالإبداع صديقي. صلتي ببيروت فنية وإنسانية، أقاربي فيها. تكرار اللقاء سنوياً مفيد للطرفين بما أن الصداقة والحب متبادلان. شهدت زياراتي المتكررة للبنان حفلات خارج العاصمة. حفلات تحمل أحياناً صفة الدعم. وفي الولايات المتحدة بدأت منذ عقدين تنظيم حفلات خاصة لدعم منح الطلاب في الجامعة الأمريكية في بيروت. وفي سنة 2000 كان حفل ضخم في لاس فيغاس ضمّ بحدود 9 آلاف شخص، بمشاركة الراحل وديع الصافي، صباح فخري وفرقة القنطرة الخاصة بي.
○ مُنحت الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت قبل أسابيع فماذا يقول لك التكريم العربي الأول؟
• لفتة كريمة بكل تأكيد من مجلس أمناء الجامعة الأمريكية ولهم كل الشكر. نعم هو التكريم العربي الأول وأفخر به. وإلى هذه الجامعة أتى اخوالي للدراسة قادمين من الجليل الفلسطيني قبل احتلاله من الصهاينة.
○ هل تحرص في حفلك السنوي في بيروت على اختبار جديد فني أمام الجمهور؟
• يحب الجمهور أسلوبي في العزف ويقصد الحفل لسماعي دون بحث في نوعية البرنامج. لعازف التشللو الشهير «يويوما» أسلوبه في العزف والجمهور يقصده حيث ما حلّ. وبالمناسبة فهو حاز قبل سنوات الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت. لا شك بأن كل حفل ينعقد بناء لتيمة محددة فنية وإنسانية.
○ حفلاتك الخيرية ملحوظة جداً. لماذا؟
• يضحك ويقول: لما لا؟ في برنامجي الدائم تقديم 20 في المئة من حفلاتي لدعم مؤسسات لا تبغي الربح. هي مؤسسات تهتم بالثقافة والصحة وتدعم من يحتاجها.
○ هل هو نذر عليك؟
• بتصوري كل صاحب ضمير عليه سلوك هذا الطريق.
○ أطلقت على حفلك سنة 2015 في بيروت عنوان «زفير» ألم يحن أوان الـ»شهيق» في 2017؟
• كثير من الأحداث تشهدها منطقتنا وتكون المؤسسات معنية بها، يمكن وصفها بغوص في الوحل. شخصياً لا يمكنني أن أتوحل. هي مسارات غير مناسبة على الإطلاق للإبداع والفن. بل المطلوب الترفع عن أمور كثيرة.
○ هل تعني المراقبة من بعيد؟
• بل أن يكون أحدنا فوقياً بكل معنى الكلمة. ليس لنا أن نتوحل. هي أشياء تافهة وحتى «هبلة» لا تعنيني. واجبي التركيز على عملي وإبداعي، وأن يرتبط العمل بتوجه محدد وفكر منفتح. أنا فنان ولن أكون سياسياً. إنما حان الوقت ليتحمل الناس المسؤولية عن كل صغيرة وكبيرة في أوطانهم، بدءاً من النفايات في شوارع بيروت. وصلت إلى الولايات المتحدة سنة 1980 ولم يكن للموسيقى العربية الجادة أي تمثيل. مفهوم الموسيقى العربية اختصرته حانات السهر والرقص. في حين كانت المدن الأمريكية الكبرى جميعها تضم مراكز ثقافية وموسيقية تمثل دول العالم، وفي كافة الجامعات الأمريكية أقسام تُعنى بالفنون الأدائية. كانت الموسيقى العربية غائبة، والأمريكيون لا يبحثون للتعرف إليها. عندما أنهيت دراستي في «منهاتن سكول أوف ميوزك» وفي «كولومبيا يونيفرسيتي» كنت قد بدأت البحث عن كيفية التواصل مع مراكز الفنون الأدائية في الولايات المتحدة والمتواجدة في الجامعات، المدارس والمتاحف، من أجل تقديم الموسيقى العربية بشكلها الراقي. مهمة تستدعي وجود موسيقي فذ. بدأت الرحلة بالتواصل مع الجامعات، والمدارس، والمؤسسات المعنية والمستشفيات. أنشأنا برامج للمدارس الابتدائية. وخطوة خطوة بات تمثيل الموسيقى العربية موجوداً في كافة المؤسسات في الولايات الأمريكية. كما وأسسنا برنامج الفنون في متحف «بروكلي» في سنة 1993، ومن حينها وللموسيقى العربية ثلاثة أيام من كل عام نستعرض فيها كافة الفنون العربية من موسيقى ورقص، سينما ومحاضرات تثقيفية. وكان للطاقات الفنية العربية في الولايات دورها الكبير في مهمة تمثيل الموسيقى العربية. طاقات عظيمة جداً، كانت تحتاج لأن تخرج إلى الضوء. كما استضفنا ولا نزال الفنانين من كافة الدول العربية. المثابرة على هذا النشاط حققت دوراً في نشر الموسيقى العربية وتحفيز الآخرين للتعرف إليها.
○ ولهذا نلت لقب سفير الموسيقى العربية في الولايات المتحدة؟
• يجوز. لست أدري لماذا أطلقت هذه التسمية عليّ. من أطلقها ليس على خطأ. مع العلم أنني لا أعرف سبب فعلته.
○ للسفير فريق عمل هل نتعرف إليه؟
• لم أعمل يوماً كفرد ولا أرضى بذلك. نعمل من خلال مؤسستين «أراب اميريكان آرتس انستيتيوت» في نيويورك، وكذلك «أرب ميوزك ريتريت». مؤسستان لا تبغيان الربح ولهما هيكلية إدارية، تنظيمية وإعلانية.
○ وماذا عن التدريس الجامعي؟
• أواصل التدريس منذ سبع سنوات في «بركلي كوليدج أوف ميوزك». ولأنها جامعة تهتم باستقطاب المميزين من الموسيقيين في العالم من خلال إمتحانات، حرصت ليكون بينهم طلاب من فلسطين، لبنان، سوريا، مصر وغيرها من الدول العربية. أدرّس العزف على آلة العود، الكمان والقانون. غالبية طلابي من الولايات المتحدة، أمريكا الجنوبية والشرق الأدنى. تتناول الدروس الجاز، الغربي وكذلك الموسيقى العربية التي نعطيها بالتدريج. وبات قانون جامعة «بركلي» يقبل الطلاب الذين يعزفون العود والقانون منذ بدأت التدريس فيها. وإلى جانب العزف يتابع الطلاب دروساً نظرية عبارة عن مقارنات بين الموسيقى، إضافة إلى مميزات كل موسيقى تبعاً للثقافة التي تنتمي إليها.
○ أية آلة تتيح لك التعبير الذاتي أفضل الكمان أم العود؟
• علاقتي بهما متساوية. وهما معاً ترافقاني منذ الطفولة المبكرة.
○ ماذا تقرأ في تجربتك مع الجمهور؟
• إنه جمهور يقبل ويُقبل على كل ما أقدمه من موسيقى وخاصة استعادة التراث. إنها علاقة ثقة واحترام بنيتها مع معه، فبات يصغي لي بشغف.
○ نوصف بالشعوب العاطفية ومنحازون للموسيقى المرافقة للكلمة. هل ارتفعت صلتنا بالموسيقى البحتة نسبياً؟
• لدينا كم هائل من موسيقى الأغنيات. شخصياً أتواصل مع الجمهور من خلال الموسيقى الآلية. تشكل الموسيقى الغنائية 99،9 من التراث الموسيقي العربي، ولا أشك بأهميتها، بل هي عظيمة. لكن يستحيل أن تتطور الآلة مع الموسيقى الغنائية، دورها فقط خدمة المغني. بكتابة الموسيقى الآلية يمكن اكتشاف تقنيات الآلة ومخابئها. ضُمّ العود إلى الفرقة الموسيقية للمغني بشكل عادي، في حين أعزف لساعة ونصف على العود في مسرح «كارنيكي هول» في نيويورك والجمهور يصغي. حفل مماثل يستدعي التأليف الموسيقي والابتكار الذي يُظهر امكانات العود.
○ هل لا تزال شغوفاً لاكتشاف المزيد عبر العود؟
• الاكتشاف يومي. ليس لطيفاً اليوم الذي يمر من دون تلحين أو كتابة مقطع موسيقي. الجملة الموسيقية التي تراودني اليوم، لن تكون لي في الغد.
○ زيارتك السنوية لفلسطين ماذا تقدم لك؟
• تساعدني في اكتشاف المزيد من المواهب. أتابعهم جميعهم على مدار الوقت وليس خلال وجودي فقط. كافة المواهب تتابع برامج أكاديمية، وكذلك تشارك في احياء حفلات.
○ هل من موسيقى معينة ترغب بسماعها في بيروت؟
• بيروت تعني لبنان، أي وديع الصافي، وفيروز، وصباح، وزكي ناصيف وفليمون وهبة. جميعهم مميزون ولهم نتاجهم العظيم.
○ وما هو جديدك القريب؟
• يتوزع اهتمامي بين العروض الموسيقية في الولايات المتحدة وكافة أنحاء العالم، والتدريس في «بركلي كوليدج أوف ميوزك» ليومين اسبوعياً. والتعاون مع المؤسسات التي سبق ذكرها عبر برامج فنية على مدى عامين.
○ ماذا عن فرقة القنطرة خاصتك؟
• لديها الكثير من الالتزامات في طليعتها تقديم موسيقى جديدة تعبر عن تمازج الحضارات الموسيقية، والذي أوليه جانباً كبيراً من اهتمامي. أبحاثي مستمرة للجمع بين الجاز الأمريكي، والصوت الموسيقي العربي مع إيقاعات جنوب أمريكية أو أفريقية، وبأسلوب عضوي وليس دخيلا. ولا بد من التنويه بأن هذا المزيج الموسيقي عرفته موسيقانا العربية في عقود العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. وللأمانة لم يكن حينها الأمريكيون والأوروبيون قد عرفوا معنى المزيج الموسيقي.

 سيمون شاهين: يشغلني التمازج الموسيقي العضوي لا الدخيل
بيروت محطته الدائمة كما فلسطين وجمهورها ينتظره ويرغب في المزيد
زهرة مرعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية