لا يخفى، أو لم يعد خافيا على أحد أن المعركة التالية والحاسمة في القضية السورية هي معركة الشرق السوري التي بدأت من الرقة وانتقلت إلى دير الزور وكل التوقعات تتجه بنظرها نحو الحسكة، كما أنه من النافل الحديث عما تعنيه هذه المحافظات بالنسبة لعموم سوريا من وجهتين؛
الأولى: الشرق سلة سوريا الاقتصادية، ونموذجها الأكبر في التنوع الإثني والعرقي، مما يستوجب من الحكومات المتتالية إيلاء هذه المنطقة جل اهتمامها، والعمل على تحسين واقعها المعيشي والخدمي.
الثانية: على مدى سنوات سوريا كدولة كان الشرق السوري هو المنطقة المهملة والخارجة عن كل اهتمامات السّاسة (إصلاحا، وتطويرا)، بينما يتم تقاسمها وفق مشاريع ممنهجة تبدأ بإخراجها من معادلات استعادة الأمان ولا تنتهي بتدميرها إن اقتضت الحاجة.
انطلاقا من هاتين النقطتين كانت الدعوة مؤخرا من قبل السيد أحمد الجربا لانعقاد ملتقى تشاوري لممثلين عن القبائل العربية ومثقفين وناشطين سياسيين على مدار يومين في القاهرة 19-20/9/2017، وقد خرج الملتقى بنتائج إيجابية ألخصها بالآتي:
لطالما كانت المنطقة الشرقية بمحافظاتها الثلاث منطقة بعيدة عن مركز القرار، ودائما ما يتم فرضه عليها، ويمثل هذا الملتقى خطوة إلى الأمام في طريق استعادة القرارات (الخاصة بالشمال الشرقي لسوريا) والعمل على طرحها ومحاولة تطبيقها بدل استقبالها والالتزام بما يتم فرضه عنها.
التأكيد على هوية المنطقة كمنطقة ذات غالبية عربية بالتزامن مع التأكيد على دعم وإيلاء مقتضيات العيش المشترك مع بقية المكونات السورية المتواجدة على الأرض تاريخيا كل الاهتمام والعمل على ألا ينفرط العقد الاجتماعي القائم منذ القدم على التآخي (خاصة في ظل انعدام القانون الناظم للعلاقات في إطار المواطنة).
العمل على التصدي لمشروع تقسيم سوريا بقوة السلاح أو فرض الأمر الواقع، مع دعم أي قرار يتخذ بالاستفتاء سورياً لا محليا، وذلك ليس قبل انتهاء الحرب واستقرار سوريا وطرح الدستور الجديد الذي من المفترض وضعه على اعتبار أن سوريا خاضت تجربة الثورة الشعبية، ويحق لها أن تضع دستورا جديدا يتوافق مع تطلعات الشعب وتضحياته.
توضيح الخط والنهج الذي يتبعه تيار الغد ورئيسه أحمد الجربا، والذي بين أنه يعمل بشكل واضح وبعيدا عن المواربات التي تتبعها أغلبية المعارضة، وهو تيار معارض فاعل حاليا، ويحظى بقبول واضح من قبل اللاعبين الدوليين (أمريكا/روسيا) المعنيين بشكل مباشر بالمسألة السورية، لذا يستطيع لعب دور حقيقي في المساهمة على الأقل بإيقاف نزيف الدم في مناطق بعينها، فضلا عن امتلاكه قوة عسكرية فاعلة على الأرض، مما يزيد من حظوظه بالتواجد والفعالية.
الخروج من الملتقى ببيان واضح المعالم، وغير معد سلفا كما هي العادة في معظم المؤتمرات، بل تم وضعه بناء على ما تم تداوله من آراء ومناقشات وحوارات ضمن الملتقى.
تأسيس جسم موحد يمثل المحافظات الثلاث ويمد يد العون لكل من يود العمل، والملفت أن الجسم والملتقى لا يتبعان لجهة محددة بل هما جهة بذاتها ستعمل على أن تكون ذات حضور فعال في المستقبل القريب، وتعمل على كسب ثقة الشارع في المحافظات الثلاث لتمثيله في المحافل والمبادرات والاتفاقيات التي تخص المنطقة الشرقية في سوريا.
والجدير بالذكر أن الأرض السورية تخضع الآن لمجموعة مشاريع متقاطعة حينا ومتنافرة حينا، ومن الجيد فهم هذه التقاطعات والتنافرات من قبل المعارضة إن كانت تود فعلا المساهمة في الحل، كما يفهمها النظام ومن يدور في فلكه من لاعبين يجيدون الظهور على الضوء، كما يجيدون إخفاء ما يجب، وهذا هو حقيقة ما يجب أن تعيه المعارضة بكل أشكالها.
هذا في العموم، أما بالعودة للمناطق التي أعتقد أن فيها سيكون غروب وانتهاء الأزمة، وظهور الشكل الجديد والنهائي من الراهن السوري الذي تسعى كل القوى حاليا للوصول إليه، فإن إيجاد هيئة أو جسم يمثل هذه المناطق بات ضرورة لا مفر منها، وما ملتقى القاهرة، وملتقيات تركيا للأطراف العربية (قبلية، ومثقفة، وإعلامية) سوى توكيد فعلي على ما تسعى إليه القوى الإقليمية والدولية من حلول تبحث عن أجسام لها ثقلها الحقيقي على الأرض وتستطيع ملء الفراغات التي ستنتج عن الحلول المقترحة.
كاتب سوري
فايز العباس