غزة ـ «القدس العربي»: يشعر الشاب الفلسطيني معاذ عاشور، براحة نفسية كبيرة، وهو يتابع، كلاسيكو كرة القدم الإسبانية بين فريقي ريـال مدريد وبرشلونة برفقة أصدقائه في أحد مقاهي قطاع غزة.
وهذه الراحة افتقدها عاشور (23 عاما)، منذ أسابيع طويلة، فما خلفّته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، حصرت تفكيره في الهم اليومي. ويتابع: «الحرب أرهقتنا، وتداعيات ما خلفته على مدار 51 يوما، دفعتنا لأن نكون أسرى لهموم الحصار الخانق، وتأخر الإعمار، وهذا المساء نحن هنا كي ننسى أوجاعنا».
وقبل أن تنطلق المباراة بساعتين، كان عاشور برفقة أصدقائه يجلسون على إحدى الطاولات داخل مقهى على شاطئ بحر غزة، لتحليل المباراة بين الفريقين، وتوقع هوية الفائز في ما يُعرف بكلاسيكو الأرض.
ومع بدء صافرة المباراة، ارتفع ضجيج وصراخ مئات المتوافدين على المقاهي، لمتابعة المباراة، التي أنست أهالي قطاع غزة، هموم السياسة وتراكمات الحياة اليومية كما يقول الفلسطيني أنور ياسين (37 عاما).
ومنذ أن فازت حركة «حماس»، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 2006، تفرض إسرائيل حصارا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي «حماس» عن الحكم.
ويُضيف ياسين الذي اصطحب صغاره الأربعة إلى أحد المقاهي: «هذه أول مباراة بين أقوى فريقين في العالم، بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي حرّمتنا من مشاهدة مباريات كأس العالم، هذه الليلة سننسى كل شيء ونستمتع بمشاهدة اللمسات الكروية والفنية».
وتزامن موعد مباراة الكلاسيكو مع قطع التيار الكهربائي، داخل منزل الفتى مصعب حمادة (16 عاما)، وهو ما دفعه، للذهاب إلى أحد المقاهي برفقة أصحابه، لتشجيع فريقّه المفضل ريـال مدريد. ويقول حمادة إنّه يتمنى فوز فريقه مدريد، وأن يسجل نجمه المفضّل كريستانيو رونالدو. ويتابع:» العالم بأسرّه يراقب هذا المساء الكلاسيكو، ونحن في قطاع غزة، نهرب من الحصار وانقطاع الكهرباء، إلى حيث المقاهي التي تتكفل ببث المباريات».
ومنذ سبع سنوات يعيش سكان قطاع غزة، (حوالي 1.9 مليون فلسطيني)، وفق جدول توزيع يومي بواقع 8 ساعات فصل للتيار الكهربائي، وفي حال نفاد الوقود تمتد ساعات القطع اليومي إلى أكثر من 12 ساعة.
وقبل انطلاقة صافرة المباراة بين مدريد وبرشلونة، تبارت مقاهي غزة، في خطب ود عشاق كرة القدم وجذب جماهيرها، من خلال توفير شاشات عرض ضخمة لمتابعة الكلاسيكو.
ويذكر الشاب رأفت عليان (25 عاما)، بحسرة، سقوط ضحايا في مباراة (هولندا والأرجنتين) في نصف نهائي مونديال كأس العالم بفعل القصف الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة. ويُضيف بنبرات حزينة: «أذكر جيدا، كيف تحولت إحدى الاستراحات على شاطئ بحر خانيونس جنوبي قطاع غزة إلى بركة من الدماء، وأوقعت عددا من القتلى، اليوم فرصة لأن ننسى كل الأحزان، ونستمتع برؤية أمهر فريقين في العالم».
وشنت إسرائيل حربًا على قطاع غزة في 7 يوليو/ تموز الماضي، استمرت لمدة 51 يوما، وأسفرت عن مقتل 2165 فلسطينيًا، وإصابة 11 ألف آخرين. ودمرت حرب الـ51 يوماً على غزة، 9 آلاف منزلاً بشكل كامل، و8 آلاف منزلاً بشكل جزئي، وفق إحصاءات لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
ويجلس الحاج الخمسيني محمود غنام برفقة أولاده وأحفاده في أحد المقاهي، لمتابعة المباراة، مؤكدا أنه جاء ليتابعها كي ينسى هموم السياسة والوضع المعيشي في قطاع غزة ، والذي يزداد وفق قوله صعوبة يوما بعد آخر. ويُضيف غنام: «أهالي قطاع غزة بأمس الحاجة لتناسي الضغوط النفسيّة، وكرة القدم، هي المتنفس للخروج من أجواء الحصار وتداعيات الحرب».
ويقول رامي العجرمي صاحب مقهى «طل القمر» في قطاع غزة، إن الفلسطينيين يتابعون بقوة وشغف الكرة الأوروبية، إلا أن الفريقين الأسبانيين (مدريد وبرشلونة) يحظيان بأقصى درجات الاهتمام، والتشجيع، وأي مباراة لهما كفيلة بتحويل المقهى إلى ساحة تعج بالمئات». وأضاف العجرمي أن هذا المساء شهد توافدا كبيرا من أهالي قطاع غزة، لمتابعة الكلاسيكو، مؤكدا أن العامل النفسي يلعب دورا كبيرا في هذه المتابعة. واستدرك بالقول: «الجميع يريد أن ينسى السياسة، والحصار، والحرب والفقر والبطالة، وكل ما ما من شأنه أن يزيد من التوتر النفسي، هذه الليلة هي لمدريد وبرشلونة، وللتمتع بالأجواء الكروية الجميلة».
ويسكن شغف الكرة الملقبّة بـ» الساحرة المستديرة» الشارع الفلسطيني بكافة فئاته، وتحظى الكرة الأوروبية باهتمام الجماهير. ويحتل الدوري الأسباني أولى هذه الاهتمامات لضمه كوكبة من نجوم العالم يتقدمها الأرجنتيني ليونيل ميسي مهاجم برشلونة والبرتغالي كريستيانو رونالدو مهاجم ريـال مدريد.