يعاني المغرب من تخلف حقيقي في التنمية، رغم الكثير من المؤهلات التي يتوفر عليها، اعلن عاهل البلاد الملك محمد السادس فشل نموذجه التنموي الذي اعتمده خلال 15 سنة الأخيرة، بعدما استنفد كل قدراته للإجابة على انتظارات المغاربة، خاصة المعيشية منها.
وتوجد دعوة من جميع الأطراف إلى فتح نقاش عميق حول معيقات التنمية في المغرب، لكن المفارقة أنه رغم هذا الاعلان الملكي الصريح بفشل النموذج التنموي، تأبى الحكومة وعدد من السياسيين إلا القول بأنهم منخرطون في مشروع الملك للتنمية، بدل الإبداع والتفكير في مشاريع جديدة. وقد تكون هذه المفارقة معبّرة للغاية عن المثل المغربي «إذا كنت في المغرب فلا تستغرب».
إذا كان من المميزات السلبية التي تميز بها المغرب خلال العقد الأخير، هو غياب نخبة مغربية قادرة على خلق نقاش جدي حول القضايا الرئيسية، بل وحتى المصيرية حول مستقبل البلاد ومنها التنمية، أو بعبارة أخرى: لماذا لا يتقدم المغرب؟ ويعود هذا الى أسباب متعددة ويمكن إجمالها في ثلاثة أسباب رئيسية ومركزية وهي:
*أولا، تقرب وانحياز مجموعة من المثقفين للسلطة الى مستويات من التملق لم يشهدها المغرب منذ الاستقلال في أواسط الخمسينيات، ما جعل دورهم يقتصر على ترديد صدى خطاب السلطة وتبريره وتزيينه.
*ويتجلى السبب الثاني في انكماش نسبة مهمة من المثقفين خوفا من الملاحقة والمتابعة، سواء المادية مثل الاعتقالات، أو المعنوية مثل تعرضهم للتشهير من طرف صحافة صفراء انتعشت مثل الطفيليات في المغرب مؤخرا. وتجد هذه الفئة في الجلسات الخاصة ذات فكر نير وانتقادي، ولكن معظم أفرادها يختفون من الساحة العمومية عندما يبدأ النقاش العمومي الجاد.
*أما السبب الثالث والخطير فهو قلة الإنتاج الفكري من طرف المؤسسات الجامعية ومراكز التفكير الاستراتيجي، وتكفي إطلالة على الإنتاجات الفكرية خلال العقد الأخير حول التنمية لمعرفة الفقر الأكاديمي في هذا المجال.
إذا كانت هذه هي الأسباب التي تفاقم التخلف في هذا الوطن، فالبحث عن مشروع تنموي للنهوض بالبلاد، خاصة في المغرب، ينطلق أساسا من ثلاثة عناصر رئيسية دون إغفال أخرى، وهذه العناصر هي:
– ضرورة حصر لائحة موارد البلاد، بمعنى ما هي الممتلكات التي تمتلكها الدولة بشريا وماديا، وهذا يجر إلى معرفة الرأسمال البشري المغربي، وجود نسبة الخبراء والمثقفين والمؤهلين للإشراف على المشاريع، سواء الكبرى أو المتوسطة أو الصغرى. في الوقت ذاته، حصر الموارد الطبيعية.
– بلورة تصورات واقعية للتنمية، هذا يجرنا إلى الحديث عن سؤال عريض يطرحه عدد من الخبراء: لماذا تتقدم أمم وتتأخر أخرى؟
– ضرورة المساواة ومحاربة الفساد، من خلال سن سياسة تقلل من الفساد لأن القضاء عليه يعد من باب المستحيل ونهج سياسة المساواة بين أبناء الشعب الواحد.
وعلاقة بالعنصر الأول، المغرب من الدول القليلة في العالم التي لا يمكن للمواطن والباحث معرفة الخريطة الحقيقية للموارد الطبيعية، والجهات الحقيقية التي تستفيد منها. في هذا الصدد، يعد المغرب دولة زراعية، وإن كان لا يضمن الأمن القومي للشعب، لكن لا توجد دراسة مفصلة حول من يمتلك الأراضي، ومن يستغل منتوجات معينة، ومن يتحكم حقيقة في التصدير. في الوقت ذاته، لا أحد يعرف المداخيل الحقيقية لمادة الفوسفات، ولا أحد يعرف من يستغل معدن الذهب الذي صمتت عليه الدولة عقودا من الزمن حتى تبين تصديره إلى الإمارات وبتقنيات المناورة. التنمية في المغرب تستوجب معرفة خريطة الموارد الطبيعية، لوضع خطط اقتصادية حقيقية وتطوير قطاعات أخرى مثل السياحة والصناعة.
وفي ما يخص العنصر الثاني، من المفارقات المثيرة في المغرب هو اعتماد الدولة على نماذج للتنمية والتسيير، تبلورها مؤسسات أجنبية لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع الحقيقي للبلاد. وفشلت هذه الدراسات والتصورات التي تقدمها للدولة المغربية. والمتعارف عليه في مجال التنمية هو أن كل دولة تحتاج إلى نموذج خاص بها يقوم على خاصياتها الثقافية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية. لقد تقدمت دول مثل كوريا الجنوبية بفضل مشاركة أبنائها في وضع تصورات للتنمية. ولم تحقق دول مثل التشيلي قفزة نوعية بفضل الوصفات التي تقدمها المراكز الأجنبية، بل بفضل عقول أبنائها. ويبقى المغرب في حاجة الى تصورات ودراسات تصمم خريطة تنموية تمزج بين التوظيف العقلاني للموارد الطبيعية، وتستفيد من الخبرات البشرية التي توجد في البلاد، بدل شراء تصورات من مراكزالتسويق التنموي.
ويعد العنصر الثالث من ضمن الشروط الحساسة التي تتطلب إصلاحا. معظم تقارير المنظمات الدولية، بل حتى المغربية تحذّر من الفساد المنتشر في جميع دواليب الدولة والمجتمع في المغرب، بشكل أصبح يرهن النمو الاقتصادي وتقدم البلاد، ويفاقم اليأس والتوتر وسط المجتمع. ومن عناوين هذا الفساد الاحتكار الوحشي لموارد الدولة من طرف فئة محدودة. وانضاف إلى الفساد مظهر آخر وهو توارث المناصب الرفيعة وسط فئة من الساكنة لا تتجاوز 3%، حيث يصبح ابن السياسي سياسيا مثله، وابن البرلماني برلمانيا مثله، ولا يعاني ابن المقرب من المخزن (السلطة التقليدية في المغرب) أكان وزيرا أو قائدا في الجيش أو في الداخلية من البطالة ولو كان بلا أي تأهيل .
لقد نهج المغرب مخططا تنمويا خاطئا، وبدل الرهان على تنمية حقيقية، تسارع المسؤولون إلى تحقيق عناوين براقة مثل أكبر جسر في إفريقيا، أول قطار سريع في إفريقيا والعالم العربي، وأكبر صحن كسكس في العالم، لكن لا أحد حمل شعار «لنحقق أقل نسبة من الأمية في محيطنا الإقليمي». وفي غضون ذلك، ومازلنا نتساءل لماذا لا يتقدم المغرب؟
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
مقال في الصميم، المغرب يمتلك مؤهلات كبيرة وتاريخ عريق، ولكنه يقبع في أسفل سلم التنمية، خلل ما، نتمنى لهذا البلد الحبيب التقدم.
غياب العدالة و الديموقراطية سبب تخلفنا
تشريح الوضع بطريقة مؤدلجة لا يفيد القارئ لأنه مُعطى يعرفه الجميع
التخلف ..التنمية ..العدالة ..الديموقراطية ..مفاهيم تُقدر بقدرها وتقاس بمقياس ما يجري في محيط المغرب فهل هناك تنمية وعدالة وديموقراطية وتنمية في دول الجوار بدءا من موريتانيا مرورا بالجزائر فتونس وليبيا ؟ وهل هناك حدود مفتوحة للشعوب المغاربية قصد تبادل الخبرات والتجارب وترويج السلع ؟
لايمكن للمغرب أن يمحي بين عشية وضحاها مخلفات عقود من الفوضى الممخزنة التي كانت سائدة قبل مجيئ محمد السادس
المغرب كان يفتقر إلى البنية التحتية والهياكل التنظيمية المرتبطة بالإقتصاد وحقوق الإنسان وبالتالي فما يصدرمن أحكام قيمة مؤدلجة في أغلبها لن تفيد المغرب والمغاربة في شيء مادام الملك والبرلمان والمجتمع المدني يقرون ويعترفون بوجود إختلالات في مسار التنمية وعليه فإن العمل على تدارك الأخطاء لايأتي إلا من أهل الديار وليس ممن يعيشون خارج الديار ولا يعانون ما يعانيه من يناضل داخلها سواء أكان عاملا بسيطا أو تاجرا أو معلما أو طبيبا أو شرطيا أو جنديا أو طالبا
حتكار السلطةوالمال سبب تخلفنا
اظافة لما جاء في المقال فان غياب الاندماج المغاربي كان له تاثير كبير على التنمية في كل بلدان المغرب العربي. كان يجب التعامل بين دول المغرب العربي ككتلة واحدة و الابتعاد عن النظرة الضيقة لكل بلد . بلدان المغرب العربي لو اتحدت ستخلق اكبر اقتصاد في افريقيا والشرق الاوسط .الدول الكبرى وفي مقدمتهم فرنسا تستغل انقسام دول المغرب العربي لتحقيق مصاحها الذاتية فقط ولهذا ستبقى فرنسا تعرقل حل القضية الصحراوية لان انفراجها يهدد مصاحها.
ذكر الكاتب الفاضل ثلاث عناصر اساسية لازمة للتنمية و لكنه اغفل العناصر الجذرية و هي القاسم المشترك لاغلب الدول المتقدمة حديثها و قديمها صغيرها و كبيرها الا وهي الحرية اولا و الديموقراطية ثنانيا و اللامركزية ثالثا و ينتج عن هذا بشكل تلقائي الاهتمام بالتعليم في جميع مراحله و مراكز الدراسات و الابحاث (مصانع الانسان الباني مصانع المستقبل) و العدل و الشفافية و حقوق و كرامة الانسان
*أنا مع تعليقات الأخوة (رشيد وخليل).
بدون (ديمقراطية) حقيقية وشفافية
وعدالة إجتماعية لن يتقدم المغرب
ولن تتقدم باقي الدول العربية.
سلام
ان لم تتحقق عدالة في كل مجالات .فإنه محكوم علينا التخلف عقود اخرى .واتمنى ان اكون خاطئ في ما قلته
التقدم يحتاج الى التضحيات الجسام ، في وقت عزت فيه التضحية ونكران الدات امام هدا الفيض من رموز وصور المجتمع الاستهلاكي الدي يزدري القيم والمبادىء ويمقت الكفاح والنضال ويشجع على الإنبطاح والتسول في بلاط الحكام
اعتقد ان معالجة موضوع اقتصادي تنموي بمنطق سنوات الرصاص…لن يعكس المعطيات الدقيقة التي يجب مراعاتها في هذا الجانب…لان ماتم انجازه خلال 17سنة الاخيرة شكل نقلة نوعية في مجالات كثيرة لايمكن مقارنتها بما كانت عليه قبل هذا التاريخ…ومنها تطور البنيات التحتية بشكل فاق اغلب الدول العربية بما فيها دول بترولية…والاستقطاب الكبير للاستثمارات …وخاصة في الميدان الصناعي والتكنلوجيات الدقيقية…وايضا على المستوى العمراني والتجهيزات الضخمة…حيث تم انجاز مشاريع كثيرة شملت الموانىء والطرق والاسكان…وانت تعرف جيدا كيف كان وضع تطوان وطنجة والرباط …وغيرها قبل التاريخ المذكور…وكيف تحولت الى نماذج تقارب مناطق موجودة في اوروبا نفسها….دون ان ننسى بطبيعة الحال مايقوم به لوبي الفساد من عرقلات …وما يساهم به الحالمون بجمهورية البانيا الماركسية ايام انور خوجا…من تثبيط للهمم ونشر لمشاريع الفتن…، اما الاستدلال بخطاب الملك الذي انتقد فيه ضعف انعكاس ما تم انجازه …على الجانب الاجتماعي للحكم على فشل النموذج كله…فهذا تعميم وتغيير مقصود لتحريف الابعاد…لان الخطاب المشار اليه تضمن نقدا للحكومة بمكوناتها المختلفة في العجز عن مواكبة تلك المشاريع بالاصلاحات المطلوبة وبالعمل الموازي في كل القطاعات…وتوجهها فقط الى تقليص الارقام التي تراها سلبية ….على حساب جيوب المواطنين…وهو التوجه الذي تطرف فيه بنكيران ….حينما انهال بلا هوادة على كل المكاسب الاجتماعية التي تحققت في السابق …وفتح المجال للمضاربين لكي يتحكموا في سوق المحروقات وباقي السلع …بينما كان هو يواجه الناس بخطاب شعبوي مغرق في السطحية بغية تمرير كل توصيات صندوق النقد الدولي التي استنكفت الحكومات السابقة عن القيام بها…وهذه نتيجة ساهمت شراءح من الشعب في حصولها بسبب الجري وراء وهم الديماغوجية المتاجرة بالدين… ، وبغض النظر عن كوارث التجربة البنكيرانية غير الماسوف عليها…فان الرهان الحقيقي هو في ضمان استمرارية المشاريع والاوراش الكبرى التي يرعاها الملك نفسه…والتي جعلت كبريات الشركات العالمية تتهافت على تواجد نشاطها بالمغرب…مع تجنب اسباب وقوع الانهيارات التي عرفت في اسبانيا والبرتغال رغم الطفرة التي عرفاها في التسعينات بسبب الارتباط غير المؤسس بالنظام البنكي الامريكي المستند الى هيمنة الدولة عالميا..وشكرا.