من أجمل التطبيقات التي نستفيد منها على الهواتف المحمولة، wase تطبيق الطُرق الذي يسمى (ويز)
أعرف الطريق إلى القدس جيدا، ولكن التطبيق يُرشدك إلى الطرق الأقرب، يدخلك في طرق لم تحلم بها ولم تطرقها من قبل، ولهذا أحرص على تشغيل هذا التطبيق عند خروجي في سفر طويل.
في الطريق حسبته قد أخطأ عندما وجّهني إلى طريق فرعي وأدخلني في بلدة صغيرة، ولكن بعد تجربتي مع هذا التطبيق، صرت أثق به كثيرا فأذعنت له، بمثل هذه الأجهزة والتطبيقات يعرفون تحركك في أي شارع، وعلى كل عمارة كاميرات، أنت مكشوف ومراقب تماما، بمثل هذه الأجهزة وغيرها من التكنولوجيا الدقيقة يغتالون من يسمونهم مطلوبين، من غزة إلى يمنٍ إلى مصر فتطوان.
صحيح أن التطبيق يعمل عن طريق القمر الصناعي، ولكن الفتاة التي تنطق وتوجه ملايين السائقين في اللحظة نفسها هي نفسها، كل واحد حسب موقعه، ليس سهلا عليّ استيعاب طريقة عمل هذه التكنولوجيا.
بعد تجربتي معه صرت أعرف أنه لا يخطئ، عاندته مرة، ورفضت الانصياع له في إحدى المدن العربية، أصرّ بأن أدخل يسارا وأنا أنظر فلا أرى شيئا على اليسار سوى الأشجار، فأدور وأبتعد، فيعيدني إلى الطريق نفسه ويلح عليّ بأن أدخل يسارا، حينئذ توقفت وهبطت من السيارة ومشيت لأرى سبب عناده، وإذا به طريق ضيق على عرض السيارة حجَبته أغصان الأشجار المهملة، حتى بدا مغلقا، ولكنه يفضي إلى شارع يختصر الطريق، كانت نية التطبيق طيبة، هذه المرة طاوعته، وتبين لي أنه على حق للسبب نفسه، فأخبرني بأنه وفّر عليّ ست دقائق. شكرا وبارك الله بهكذا تكنولوجيا.
عندما اقتربت من القدس أدخلني في أنفاق وعلى جسور جديدة وطويلة تختصر المسافات، لا شك أنهم صرفوا على شبكة الطرق والأنفاق في القدس ومحيطها مليارات الدولارات. في أثناء سيري خففت السرعة وطلبت منه توجيهي إلى القدس القديمة، فقال لي: أووووه أنت تقود ولا يجوز أن تكتب، وكالعادة خدعته، وكتبت له يا «زلمة أنا راكب»، فوافق، ولكنه بهذا حمّلني مسؤولية فعلتي بأنني أكتب أثناء القيادة.
أدخلني في طرق فرعية في حارات يهودية لم أدخلها في حياتي قط، من يخطئ ويدخل في هذه الحارات في يوم سبت يغامر بحياته، ولكن في يوم عادي لا بأس ما دام أنه ليس هناك حادث أمني، ولكن إذا وقع حادث أمني لا سمح الله وأنت هنا وعرفوا أنك عربي، فسيكون وضعك حرجا جدا.
في أحد التوجيهات أخطأت، ويبدو أنني لم أحسب جيدا ما هو المخرج الثاني فخرجت في الثالث، فنبهني بعد عشرين مترا للخطأ، ولكن لا أستطيع العودة، وخسرت الدقائق التي سبق ووفرتها.
بدأنا نقترب من القدس الشرقية، وبدت الأسوار والمآذن والقباب من بعيد، ولكن السيارات تتحرك ببطء شديد، وهو يعلمني بوجود حواجز شرطة وبانسداد مروري طويل، وبعد هدر كثير من الوقت أوصلني إلى موقف سيارات كبير وقال لي وصلت الهدف! لا هذا ليس الهدف الذي قصدته، أنت متحيز حضرة التطبيق (ويز)، أنا أريد القدس العربية وليس اليهودية، كان هنا الآلاف من اليهود الإسرائيليين واليهود الأجانب من الأعمار كافة ينتظرون الدخول إلى ساحة البراق من جهة باب المغاربة، وذلك في الذكرى الخمسين لاحتلال القدس القديمة وما يسمونه تحرير الهيكل.
استأت من السيد (ويز)، هذا ليس الجانب الذي أريده من القدس، ولكن هذا ليس ذنبه، عدت وكتبتُ له «شارع صلاح الدين»، فقال لي: نحن جاهزون انطلق.
وجّهني مرة أخرى، وهذا استغرق وقتا طويلا، أكثر من نصف ساعة لقطع مسافة مئات الأمتار حول السور، حتى وصلت شارع السلطان سليمان، بموازاة باب العمود ثم باب الساهرة، وعلى يسارك تدخل إلى شارع صلاح الدين، فكرتُ، هل سيبقى اسمه شارع صلاح الدين وإلى متى! ألن يأتي يوم تقرر فيه بلدية الاحتلال تغيير اسمه إلى اسم لقائد عسكري صهيوني شارك باحتلال القدس! وما الذي يمنعهم من فعل ذلك، وقد غيّروا ملامح القدس كلها! صلاح الدين الذي حررها يوما من الغزو الأجنبي لم يسلم هو أيضا من منشار الهجوم والاستصغار والشيطنة، وكأن الروائي يوسف زيدان يتهمه بتأسيس دولة داعش.
مواقف السيارات في الجانب العربي صغيرة وممتلئة، وليس سهلا أن تعثر على موقف لسيارتك، بعد لأي وصلت الهدف، وهو مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية بإدارة الأستاذ زياد الحمّوري، يعتني المركز بقضايا أهل القدس ويكافح في وجه سياسة تهجير أهلها وحرمانهم من الخدمات، بالصدفة ولم أكن قد جلست بعد، دخل شاب وسأل: هل من جديد من رام الله أستاذ زياد! فرد عليه الرجل: للأسف ما في جديد، الحكي نفسه.
وفهمت من الشاب وهو من حارة العباسية في حي سلوان أن سلطات الاحتلال، حكمت على والده بمخالفة بناء غير مرخص تقدر ب 100 ألف دولار منذ سنوات التسعينيات، الرئيس الراحل ياسر عرفات وقّع مرسوما منذ العام 1996 بمساعدة هذه الأسرة بنصف قيمة المخالفة دعما لصمودها، ولكن المبلغ لم يُصرف، وتصاعدت الأحداث عام 2000 فالحصار حتى وفاة عرفات عام 2004 وجاء أبو مازن، وأكثر من رئيس مكتب رئيس وزراء، ولكن المساهمة التي وقعها أبو عمار لم تصرف.
قال الشاب: لقد كلفتنا محاولة الحصول على ترخيص البناء القائم وأجرة محامين حوالي 200 ألف دولار ولم نحصل على الرخصة بعد، في الفترة الأخيرة تساعدنا في الجانب الحقوقي جمعية من المحامين النرويجيين تطوعا، هناك تهديد بالهدم، تحت هذا الضغط جاءت لجنة التنظيم التابعة لبلدية القدس التي خالفتنا وهي نفسها ساومتنا على إلغاء المخالفة شرط أن نبيعهم البيت، وهم حينئذ سيحولون قطعة الأرض من منطقة خضراء إلى منطقة بناء، يعني التراخيص للبناء تجوز لهم فقط. والدي قال لهم: لو دفعتم في كل ذرة تراب منها مليون دولار فلن أبيعكم، البيع خيانة، قال الشاب وهو يتعرق. سألته ما هو عملك؟ فقال: محسوبك أشرف أبو ذياب، عندي محل للكعك والحلويات بالقرب من هذا المكان..ثم أضاف وهو يبتسم بمرارة: شايف يا أخي، نحن نحلّي أفواه الناس والاحتلال يمرمر لنا عيشتنا، اكتب لو سمحت: حكومة رام الله لم تقدّم لدعم أهل القدس سوى الوعود والكلام الجميل، أطلب منهم تنفيذ وصية أبو عمار دعما لصمود المقدسيين..
سهيل كيوان
بوركت كاتبنا العزيز سهيل كيوان فقد صوبت حرفك نحو صوره على الطريق ونقلت الواقع المؤسف بكل حذافيره بكل أسف الشعب المقدسي يكافح بنفسه ووحده لأجل القدس ومتشبت بها ويأبى ان يتخلى عنها مهما تيهودت ..الرئيس ياسر عرفات دافع عن القضيه مات لا بل اغتيل ومن يستلم زمام امورها الان يساند في يهوديتها لكن للقدس رب يحميها ومهما غيروا الطرقات واخفوا مالمعالم فيها ستبقى القدس تعرفنا ونحن نعرفها ..ستبقى الطيف الذي لن يهجرنا ابدا ولن نهجرها ..ستبقى قدس عربية حتى تنجلي الغمامة السوداء من فوق سماءها ..