1437ميلادي/1437هجري!

حجم الخط
2

ما كان لاوروبا، على ما يبدو، ان تخرج من قرون الظلام، من القرون الوسطى، إلى عصر النهضة والتنوير، إلا بعد تلك الحروب بين ملوكها وامرائها وطوائفها ومقاطعاتها وقبائلها. كانت تلك حروب ونزاعات دموية، حيث الكل يقاتل الكل، وحيث كلا المتقاتلين في جميع الجبهات وخطوط المواجهات الدموية، جميعهم دون استثناء، غارقون في قعر القعر، حضارة ومدنية وعصرية، حتى بمقاييس ذلك العصر والزمان.
كانت احداث القرن الخامس عشر الميلادي، في اوروبا، بين ملوكها ومن حولهم الأُمراء والنبلاء والاقطاعيين، بين انظمة حكم ومقاطعات ودول، اشبه ما تكون باحداثٍ نشاهدها وتشهدها منطقتنا العربية والإسلامية في القرن الخامس عشر الهجري. القرن الذي نعيشه هذه الايام، وقد تخطينا، (والحمد لله)، ثلثه الاول وبدأنا بتخطي مطالع ثلثه الثاني.
كانت سنوات ثلثي القرن الرابع عشر ميلادي، ونصف القرن الخامس عشر ميلادي هي سنوات ما تسمّيه كُتب التاريخ «حرب المئة سنة»، رغم حقيقة انها مئة وست عشرة سنة، تخلّلتها ستون سنة قتال ومعارك، موزعة على اربع مراحل.
لعلّه من المصادفات، او لعلّه ربما من سخرية القدر، ان يكون عام اندلاع حرب المئة سنة، هو العام 1337 ميلادي، في حين ان العام 1337 هجري هو العام 1918 ميلادي. هذا العام الذي صدر قبل ابتدائه باقل من شهرين وعد بلفور، وحيث كانت منطقة المشرق العربي قد قُطِّعت قبل ذلك باشهر، بموجب «اتفاقية» سايكس- بيكو، التي بكينا بسبب فرضها، وبكينا بسبب ما تخللها وما نتج عنها، وكان اقساه الاستفراد بفلسطين،.. ونبكي الآن مع ما يلوح في الأُفق من امكانية لالغائها وتجاوزها. سواءً كان ذلك من اجل اعادة توحيدها، او من اجل تقطيع قِطعها، المُسمّاة دول.
كوارث رافقت اقرار سايكس ـ بيكو، وكوارث تخلّلت حقبتها، وها نحن نشهد كوارث لا تحصى مع احتمال اقترابها من لفظ انفاسها. عانينا من فرضها، وها نحن نعاني من محاولات الغائها.
في العام 1431 ميلادي، وهو من اواخر اعوام حرب المئة سنة الاوروبية، احرق البريطانيون الفتاة الفرنسية جان دارك حيّةً، (واعتُمدت»شفيعة» لفرنسا، وطُوّبت قديسة لاحقا). وفي العام 1436 هجري احرقت وحوش داعش الطيار الشاب الاردني، الشهيد معاذ الكساسبة حياً. وفي نفس العام الهجري والذي سبقه احرقت وحوش «داعش اليهودية» الفتى الشهيد محمد ابو خضير حياً، وبعده احرقت هذه الوحوش البشرية عائلة الدوابشة: الرضيع علي، وابوه سعد، ووالدته ريهام احياءً. في ملاحظة هذه الاحداث الفظيعة، وما سبقها وما تبعها وما يلحق بها هذه الايام، من احداث لا تقل فظاعة، ليس لنا إلا ان نقول مع طرفة بن العبد: «ما أشبه الليلة بالبارحة». وما أشبه احداث القرن الخامس عشر هجري في العالم العربي الإسلامي، باحداث القرن الخامس عشر ميلادي في اوروبا المسيحية.
خرجت اوروبا المسيحية من عصور الظلام، من القرون الوسطى، من عار الحضارة البشرية، مع انتهاء حرب المئة سنة، إلى عصر النهضة والتنوير المتواصل حتى ايامنا هذه، رغم سقطات دموية لا تغتفر. إلا ان هذه السقطات، رغم ما فيها من ظلم وعدوان واستعباد واستعمار ودموية، ظلّت محدودة الزمن، ومحدودة العدد، ولا تقارن بما كانت عليه الاوضاع في عصور الظلام السالفة، ولم تقف حجر عثرة وحاجزا امام استمرار التقدم على كل صعيد.
رافق ابتداء عصر النهضة والتنوير انطلاق حركة اصلاح ديني، وبدء فصل الدين عن شؤون الدولة، وتغيير طرق واساليب التعليم والبحث، وانطلاق الاستكشافات الجغرافية، وترسيم خطوط الملاحة الدولية. وتزامن هذا مع انطلاق الثورة الصناعية وتوسيع التجارة، ومواكبة الفنون والفلسفة وجميع العلوم النظرية، لهذا التحول الجذري في احوال المجتمعات والشعوب والدول الاوروبية. كل ذلك باتجاه التطور والتقدم بخطى ثابتة ومتواصلة، على مدى قرون وعقود من الزمن، وبطفرات وقفزات هائلة احيانا، على شاكلة ما نشهده من تقدم مذهل منذ عدة عقود.
انتهت حرب المئة سنة عام 1453 ميلادي. ويفصلنا عن العام 1453 هجري ستة عشر عاماً. فهل نحن على عتبات انتهاء حرب المئة سنة الخاصة بنا؟ وهل يسعفنا الحظ لتكون نهاية «المئة سنة»، التي ابتدأت بسايس – بيكو ووعد بلفور عام 1917، في العام المقبل؟ والأهم من ذلك: هل ستكون نهاية هذه الحرب، هي اعلان بداية عصر نهضة وتنوير عربي؟
لا يغيِّر في الواقع الذي نعيشه، ولا في مستقبل الايام، لا تفاؤل ولا تشاؤم. ما يغيِّر في كل هذا هو الفكر وما يلحقه ويترتب عليه من عمل جدي ومن جهد حقيقي. لا بد من الإعداد والاستعداد لاصلاحات تطول كل مناحي الحياة العربية، في جميع الدول العربية، بل وفي جميع البيوت العربية دون استثناء. اصلاح في وسائل واهداف وطرق التعليم، في وسائل البحث العلمي، في التربية، وتحرير المرأة، وفي انظمة الحكم.
لا بد من اصلاح ديني جذري وحازم وشامل، يفصل السماء عن الارض، ويضبط العلاقة بينهما، لتتعاملا بانسجام وتكامل، دون تناحر وتنابُذ، ودون سيطرة طرف على طرف، حيث «ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، وحيث «الدين لله، والوطن للجميع». وحيث الوطن هو كل ما في الوطن من خيرات ومن موارد، لجميع الافراد دون أي تمييز.
انطلقت اوروبا نحو التقدم والرقي، بعد فصل الدين عن الدولة، بل بفضل فصل الدين عن الدولة.
صحيح ان هذا الفصل بين الدين والدولة، اسهل في المسيحية مما هو في الإسلام. لكن لا يجوز ان تكون هذه الصعوبة عائقا ازليا، يقف في وجه التقدم لبناء مستقبل ينافس فيه العرب بجدارة، ويساهمون في بناء صرح الحضارة البشرية، كما كانوا في تاريخهم، وكما هو جدير بهم ان يكونوا عليه من حال، في الحاضر وفي المستقبل.

٭ كاتب فلسطيني

عماد شقور

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ع.خ.ا.حسن:

    الفرق ياعزيزي ان تمسكنا بتعاليم ديننا جعلنا سادة العالم علما وسياسة وحضارة.وتخلينا عن هذه التعاليم جعلنا في ذيل الذيل

  2. يقول عطية ابوهاشم:

    سيد عماد لقد قرأت مقالك وفيه الكثير من الأفكار الجميلة
    لكن عبارة تحرير المرأة حقيقة لم أفهم ما تقصده أو ما يقصده كل من ينادون بتحرير المرأة
    يا سيدي هل المرأة أسيرة
    هل هي مسلوبة الإرادة تعال شوف الجامعات والمدارس انظر إلى المستشفيات إلى الشركات انظر الى كل مناحي الحياة تجد المرأة شريك فعال للرجل و بدون شراكتهما لاينجح بيت أو مجتمع
    المرأة حرة يا سيدي حرة عندما تتمسك باخلاقها و عفتها و أصولها وتربيتها و تحافظ على كيانها و أن لا تكون سلعة يتاجر بها الآخرون

إشترك في قائمتنا البريدية