23 سنة وعودة للمربع الأول

حجم الخط
3

23 سنة تقريبا مرت على توقيع اتفــاق أوسلو المشؤوم في حديقة الورود في البيت الأبيــض، تحت رعاية الرئيس الأمريــكي بيل كلينتون وشهود دوليين غير مسبوقين في علو المناصب والأعداد.
23 سنة مرت على «اتفاق السلام» كان يفترض خلالها أن ينقل معظم أراضي الضفة الغربية، إلى سيادة السلطة الفلسطينية، التي كانت نتاج هذا الاتفاق، ليس عبثا ولا غباء ولا كرما من إسرائيل، بل إلهاء للفلسطينيين في حكم ذاتي، في إطار خطة مدروسة ومحكمة للتخلص من أعباء الاحتلال سياسيا واقتصاديا وماليا وديمغرافيا وأمنيا، وإحكام القبضة على المناطق الإستراتيجة في الضفة الغربية، ومنها منطقة الاغوار والقدس ومقدساتها وتفتيت الضفة إلى معازل.
23 سنة مرت كان يفترض خلالها، أي في نهاية اتفاق إعلان المبادئ المؤقت في عام 1999، اعلان الدولة الفلسطينية التي كان يفترض أن تتفاوض مع دولة الاحتلال على قضايا الحل النهائي.. القدس واللاجئين والحدود والمياه. والفلسطينيون اليوم أبعد ما يكونون عن حلم الدولة.
23 سنة مرت، بني فيها المطار في أقصى جنوب غرب قطاع غزة، وكان يفترض خلالها بناء الميناء، والمحصلة الحالية، لا ميناء ولا مطار بعد أن دمرته طائرات الاحتلال عن بكرة أبيه.23 سنة مرت كان يفترض أن يتم خلالها إخلاء معظم المستوطنات، لا سيما تلك الموجود خارج التكتلات الاستيطانية الرئيسية الثلاثة في منطقة نابلس والقدس وبيت لحم، فجاءت النتيجة عكسية ومخالفة للحلم الفلسطيني، فازداد عددها وجرى تسمينها، بينما ارتفعت أعداد المستوطنين أضعافا وأصبحوا أكثر عدوانية وتغولا وتسليحا تحت رعاية وحماية جيش الاحتلال. وكما يقول المثل «مين فرعنك يا فرعون.. قال ما لقيت من يردني». 23 سنة مرت.. فقد الفلسطينيون في السنوات الأولى منها السيطرة على الحرم الإبراهيمي في خليل الرحمن، وفي نهايتها تحاول اسرائيل إفقادهم الأمل في استعادة القدس وحتى الحرم القدسي، من خلال عمليات تهويد مبرمجة للمناطق من حوله والموصلة إليه لخنقه، وكذلك عبر الاقتحامات اليومية لغلاة المستوطنين والسياسيين، التي سيتعود عليها الفلسطينيون وتصبح أمرا مألوفا، وهو ما تأمله اسرائيل قبل أن تفرض التقسيم الزماني والمكاني عليه، كما فعلت في الحرم الابراهيمي من غير «شوشرة».23 سنة لم يتغير فيها الخطاب السياسي للمسؤولين المعنيين كافة، بل أصبحت تصريحاتهم وتهديداتهم موضع سخرية ولا تؤخذ على محمل الجد، لا من صديق وطبعا لا من عدو.. مصطلحات وتعابير من قبيل «خط أحمر لن نسمح بتجاوزه، سنوقف التنسيق الأمني.. سنتوجه إلى مجلس الأمن.. سنعمل على طرح مشروع دولي.. سنطالب المجتمع الدولي للقيام بدوره.. وسنذهب إلى الجنايات الدولية.. سنقاطع المنتجات الاسرائيلية.. حكومة الاحتلال تعمل على إنهاء حل الدولتين… ودولة الاحتلال تواصل البناء الاستيطاني.. ونطالب بوقف الاستيطان (مطلب فاقد للمعنى).. ولن نعود إلى المفاوضات إلا بعد وقف الاستيطان.. والقائمة تطول..
وتحضرني في هذه المناسبة مسرحية دريد لحام «كاسك يا وطن» التي من كثرة وعود المسؤولين الكاذبة والمتكررة أصبح الجمهور يحفظها عن ظهر قلب ويسبق المسؤول إلى ترديدها تأكيدا على أنه لم يعد يصدق بها. فكم من مرة اضطر فيها المسؤولون الفلسطينيون إلى لعق تهديداتهم والتراجع عن تصريحاتهم؟ وكم من مرة اضطر هذا المسؤول أو ذاك إلى مسح خطوطهم الحمراء. وآخر هذه التصريحات ما نشر في الأسبوع الماضي ومفادها أن منظمة التحرير ستتخذ حلولا غير مألوفة.
23 سنة والوجوه المسؤولة عن ملف المفاوضات وغيره هي الوجوه نفسها بأغلبيتها باستثناء من «أسقطت ورقته» نتيجة خلافات لا ترتقي إلى مستوى الخلاف السياسي، بمعنى أن الخلاف لم يكن بالتأكيد من أجل فلسطين وقضيتها، وليس لسوء أداء او تقصير او رغبة في التغيير وحقن دماء جديدة..
23 سنة من المفاوضات حول ما تفاوضوا عليه مثنى وثلاث ورباع وخماس وسداس… مفاوضات حول ما توصلت إليه المفاوضات مع حكومات سابقة للكيان الصهيوني، لعدم اعتراف أي من الحكومات اللاحقة بالاتفاقيات السابقة.. وهكذا دواليك.. مفاوضات من أجل المفاوضات، وكما ذكرت في مقال سابق، فإن هذه هي السياسة التي وضع قواعدها اسحق شامير، رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي أجبر أمريكا، أو هكذا بدا حينها، على المشاركة في مؤتمر سلام مدريد في اكتوبر 1991. وقال في وقتها مقولته المشهورة وأعلنها بكل رباطة جأش ومن دون أن يرمش له جفن «إنكم إذا اردتم مني المشاركة فاننا سنتفاوض لعشرات السنين» وهذا ما يحدث على أرض الواقع..23 سنة وها هم الفلسطينيون يتفاوضون من أجل تثبيت حق دفعوا ثمنه غاليا.. الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني.. ومارسوه على الأرض لتجردهم منه سلطات الاحتلال.. وبعد 23 سنة ها هي اسرائيل تعيدهم لمربع المفاوضات الاول.. وها هم يتفاوضـــــون من أجل استعادة السيادة الامنــــية الفلسطينـــــية على ما يسمى بمناطق «أ» أو مناطــــق السلطة… صفحة يفترض أن تكون قد طويت وأكل الدهر عليها وشرب. ويفترض أن يصعد الفلسطينيون السلم الآن من جديد خطوة خطوة.
23 سنة تدهورت فيها اوضاع الفلسطينيين وسارت من سيئ إلى أسوأ.. وها هي غزة السجن الكبير تعيش أبشع انواع الحصار شرقا وغربا.. ولا تقولوا أن السبب هو الانقسام الذي أصبح المنشر الذي تعلق عليه كل المشاكل… الجائعون والمحتاجون للغذاء والدواء والدراسة والعلاج ليسوا من حماس أو فتح.. بل هم شعب غزة الذي يدفع ثمن خلافات قد تبدو سياسية في ظاهرها، وهي ليست كذلك بل خلافات حول مصالح ونفوذ وسلطة سياسية بحتة.
23 سنة بلغت خلالها أعداد الشهداء والجرحى والأمهات الثكالى والأيتام والأرامل أضعافا.. أعمال قتل وحرق واعدامات ميدانية، شارك فيه جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين. والمصيبة أن القيادة الفلسطينية والعالم يتوقعون من الفلسطينيين المحتلّين والمضطهدين والمظلومين والمقهورين والمحرومين،، ضبط النفس، وهم الذين يعدمون ويقتلون ويحرقون وتحرق محاصيلهم وتقتلع أشجار زيتونهم في مواسم قطفها وتسلب اراضيهم.23 سنة تضاعفت فيها أعداد الأسرى بينما كان يفترض أن تنتهي قضيتهم بعيد اتفاق اوسلو المشؤوم.. والواقع هو أن عدد الاسرى تضخم ليصل إلى حوالي 7 آلاف وحوالي 750 معتقلا اداريا من دون تهم معينة. وتنتهك قوات الاحتلال وسلطاته المواثيق الإنسانية الدولية وحقوق الإنسان في كل شيء حتى في قضية اعتقال القاصرين والأطفال. 23 سنة طورت فيها حكومة نتنياهو مطالبها وشروطها وتصر على اعتراف الفلسطينيين بيهودية اسرائيل، وما ينطوي عليه هذا الاعتراف من انعكاسات على فلسطينيي الداخل.
زد على ذلك تصريحات نتنياهو بشأن الجولان السوري المحتل، التي كان آخرها في موسكو التي قال فيها إن الجولان خط احمر، وإنها جزء لا يتجزأ من دولة اسرائيل. وللتذكير فقط فان نتنياهو تعهد في يوم الانتخابات في العام الماضي بان لا يتحقق حل الدولتين في زمنه.23 سنة طغت فيها اسرائيل وفرضت خلالها مصطلحاتها السياسية واسماءها اليهودية التهويدية حتى على القدس وشوارعها والمسجد الاقصى. وأصبحت تطالب العالم بالاعتراف بحق اليهود في الحرم القدسي الشريف وباستخدام تعبير جبل الهيكل، وجن جنونها عندما رفض طلبها في منظمة اليونيسكو. 23 سنة فرضت فيه اسرائيل اتفاقا اقتصاديا جائرا يعرف باسم بروتوكول باريس الاقتصادي كان يفترض أن يستمر خمس سنوات فقط، ولا يزال قائما ومعمولا به ولا تحرك السلطة ساكنا لانهائه رغم تهديداتها.
باختصار 23 سنة كان معظم، إن لم يكن كل ما شهدته من تطورات صب في المصلحة الإسرائيلية.
اكتفي بهذا القدر وهو ليس إلا غيض من فيض فهناك الكثير الكثير الذي حصل خلال السنوات الـ23 منذ اتفاق أوسلو لا تتسع لها المساحة المخصصة لهذا المقال.
وأخيرا إذا بقي حال القيادة الفلسطينية وتخبطها على هذا الحال.. وإذا لم تقدم على اتخاذ القرارات الحاسمة التي تأخذ بالاعتبار المحرمات الفلسطينية وتصب في صالح شعبها لا خدمة عدوه.. وإذا لم تأخذ شعبها أولا وأخيرا ومصالحه فوق كل شيء وفوق كل المصالح.. وإذا لم تكف عن الاستجداء بشقيه المالي والسياسي الذي أوصل القضية إلى قاع جديد في الحضيض وجرد الفلسطيني من كرامته.. فلنقرأ جميعا السلام على فلسطين وأهل فلسطين… ولا تلوموا سوى أنفسكم.

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالحميد الدكاكنــــــي /شاعر كاتب وسفير منظمة حقوق الانسان الدولية:

    شكـــــــرا للاستـاذ على الصالح لتناوله ل اوسلو النحس وزوابعه وتوابعه لعل وعسى يدرك البعض فيستدركون !خلال قراءة التناول كانت تتوالى في مخيلتي صور نتنياهو مع اوباما ومع بوتين …صور تتسم بالندية !!! ..تداعيات ذلك يأس يحمل المرء على القول بأن باطن الارض خير من ظاهرها ! لولا فسحة الامل من خلال استذكار تضحيات الجزائر في ثورة وحركة مقاومة مسلحة بقيادة شريفة رسمت الهدف تصفية الاحتـــــلال والاستيطان الاجنبيين !ونجحت ..سقط الشهداء بمئات الآلاف …ولكن في ساحات المقاومة والكفاح ! والشعب الفلسطيني متى ما انعم الله عليه بقيادة ثورية أصيلة لن يكون شأنه خلاف شأن الجزائر او فيتنام ! ومن العار ان تسقط فلذات اكبادنا في مسالخ يومية لأن لدينا عباقرة يواصلون الاعتقاد بأن مقاومة الاحتلال لتحقيق الاستقلال هي رجس من عمل الشيطان !!!!

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    يا أمتي وجب الكفاح فدعي التشدق والصياح
    ودعي التقاعس ليس ينصر من تقاعس واستراح
    ودعي الرياء فقد تكلمت المذابح والجراح
    كذب الدعاة إلى السلام فلا سلامُ ولا سماح
    ما عاد يجدينا البكاء على الطلول ولا النواح
    لغة الكلام تعطلت إلا التكلم بالرماح
    إنا نتوق لألسنٍ بكم على أيد فصاح
    يا أمة الاسلام هبوا واعملوا، فالوقت راح
    الكفر جمع شمله فلم النزاع والانتطاح؟
    فتجمعوا وتجهزوا بالمستطاع وبالمتاح
    يا ألف مليون, وأين همو إذا دعت الجراح؟
    هاتوا من المليار مليونا, صحاحا من صحاح
    – للعلامة المجدد يوسف القرضاوي –
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول فادي / لبنان:

    الأحرى بالشعب الفلسطيني في الداخل وحتى في الخارج
    والدول المحيطة ان يهبوا ضد النظام القائم ويثوروا عليه والاعتراف
    بفشل اوسلو والغاءه والترحم على منظمة التحرير واقامة مجالس
    العزاء وتصفية النفوس…
    واضيف على سجل العباقرة الذين يعتبرون المقاومة رجس
    من عمل الشيطان كما يعتقدون التنسيق الأمني عمل مقدس
    دهشة لا مثيل لها تتملكني كلما ادركت كيف لهؤلاء العباقرة
    ان يعمروا ويستمروا في مناصبهم بيننا ويتحدثون ولا حرج !

إشترك في قائمتنا البريدية