الدرس
ألّفت قصصي الأولى في مرحلة الحضانة، كل يوم كان بابا يسألني: ماذا تعلمتم؟ فأقول إننا درسنا القرآن وإنني أستطيع تسميع بعض ما تعلّمناه، ثم أرتجل نصوصاً عن الطيبين الذين سيذهبون حتماً إلى الجنة، هذا لأن الأشقياء بالتأكيد هم من سيتلقى العقاب.
لكنني في المرحلة الابتدائية حبكت قصتي الأولى، عندما قرّرت أنني يجب أن أتوقّف عن الذهاب للمدرسة، جحيم الأطفال وسجنهم؛ وبناءً عليه حكيت لأمي عن مرضي في المدرسة، وكيف فقدت الوعي وارتطمت رأسي بالأرض، ثم كيف حملني المدرسون إلى عيادة المدرسة ومن هناك تم شحني مع الأخصّائي الاجتماعي إلى الوحدة الصحية التابعة للإدارة التعليمية، وكيف أعطوني إبراً وأقراصاً مسكنة وقطرة في عيني. أمي الطيبة احتضنتني، أحسّت بتعب ضناها الصغير الذي يكابد في سنته الدراسية الأولى ويعاني لينتظم في المدرسة ويبني مستقبله.
لكن بابا لا.
أبي خرج للعمل وهو يفكر في الأمر، وعندما عاد أخبرني بأنه التقى بالصدفة بأستاذ عطيّة مدرسي في الصف الأول الابتدائي. نزل الخبر عليّ كالصاعقة، ولم أتركه ليكمل، انهرت واعترفت وبكيت وصرخت بما يعتمل في صدري: «يا بابا أنا أكره المدرسة. كفاية تعليم لحد هنا»! وكم أصبت بالغيظ والقهر والإحباط عندما أخبرني بابا أنه لم يقابل أستاذ عطية، وأنني وقعت في الفخ الذي نصبه لي.
منذ ذلك اليوم قررت أن أؤلف قصصاً متماسكة، بلا ثغرات، وقابلة للتصديق.
شكراً بابا
صدقة
بينما أجلس في سيارتي منتظراً أن يتحوّل ضوء الإشارة من الأحمر إلى الأخضر، لمحتُ متسوّلاً مبتور الذراعين، له لحيةٌ شيباء تتخلّلها خطوطٌ سوداء. أثار مشاعري، وخمّنت أنه من مصابي الحرب. عندما وقف قرب شبّاك سيّارة قريبة، أدركتُ أنه أخرس، إذ كان يطلقُ أصواتاً مبهمةً توحي بالعرفان والمسْكَنة.
قبل أن تتحوّل الإشارة إلى اللون الأخضر بعشر ثوانِ، أشرت له ليقترب، هزَّ رأسَه وأقبل، ألقى نظرة على الإشارة. كانت هناك سبع ثوانِ فقط قبل أن ينفتح نهر الطريق، بدأ يُهروِل ناحيتي، ورحتُ أستحثّه على الإسراع. فتّشتُ جيبي عن عملة معدنية. وصلَ هو أمامي بينما تتبقى ثلاث ثوانٍ فقط. وقفَ جوار الشبّاك، وابتسم بامتنان، أخفض جسمه بحيث يكون جيب قميصه موازٍ لمستوى بصري، تناولت الجُنيه لأدسّه في جيبه، لكن بدلاً من ذلك كمشت كل الفلوس البنكنوتية والمعدنية الموجودة فيه، وانطلقت بالسيّارة متجاهلاً صراخه الشبيه بعواء ذئبٍ مُعاق.
حياة جديدة
مارس أبي حِيَل الحواةِ وسحَرة الشوارع، كان يبصقُ مناديل ملوّنةُ ويجعل الأطفال يرتفعون عن الأرض. عندما داهمته سكَرات الموتِ أعطاني تعويذةً مُطلْسمةَ وقال: «سأزورك طالما احتفظتَ بها صوب قلبك». بعد أن عُدنا من الدفنة، رميتُ التعويذة في المرحاض، وشددتُ عليها السيفون.
٭ قاص مصري
أحمد مجدي همام
نعم ثلاث قصص قصيرة جدًا بالألفاظ لكنها ( طويلة ) جدًا بالمعاني ؛ رائع ياابن مصرالمحروسة.فيك شقاوة من أدب برنارد شو.لكن لا تنقطع عن المدرسة مرّة ثانية ولو: ( قررت أن تؤلف قصصاً متماسكة، بلا ثغرات، وقابلة للتصديق ). مودتي.
شكراً لك د.جمال البدري.. رأيك أسعدني
موهبة قصية واعدة وواضحة تتبع القول العربي الأصيل.. /خير الكلام ما قل ودل/..
عندما كنت تلميذة في المرحلة الابتدائية وما قبلها.. كنت دائما أميل إلى كتابة هذا النوع من القصص القصيرة جدا..
لكنني للأسف الشديد لم أتابع لنيل العلم والفكر فيما بعد قسطا كبيرا من حياتي كلها..
تابع في هذا الدرب يا أخ أحمد وسدد الله خطاك..