500 إعلان تقض مضجع نتنياهو

حجم الخط
0

لم تكن أكثر من بضع مئات من الملصقات الإعلانية، تعري إسرائيل وتكشف الوجه الحقيقي لها ومن يقف معها ويدعمها ويساندها، في غيها واحتلالها واستعمارها وإجرامها وعنصريتها وقتلها للفلسطينيين، في المؤسسة الرسمية البريطانية..
500 ملصق دعائي فقط تظهر في قطارات لندن تحت الأرض، تقيم إسرائيل ولم تقعدها، وتقض مضاجع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ومنافسيه في الأحزاب الاخرى.. وتجعلهم يدورون حول انفسهم.
500 ملصق إعلاني تقزم، بل تفضح الإعلام الفلسطيني الرسمي منه والفصائلي بكل تنوعاته وأشكاله، وتبين عجزه عن خلق رأي عام.. ولهذا ترى كل رجال الإعلام والصحافة في العالم يلجأون للاعلام الإسرائيلي للاستيضاح والاستفسار.. وهذا ليس انقاصا من قدرة الصحافي والإعلامي الفلسطيني، الذي يصعد جبالا في سعيه وراء الخبر ويواجه اخطارا، وليس ذنبه أن يفضل المسؤولون تسريب المعلومات والأسرار عبر وسائل الإعلام الاسرائيلية، ولا يكنون الاحترام لوسائل الاعلام المحلية، خلافا للمسؤولين الاسرائيليين او غيرهم من الدول المتقدمة.
500 ملصق فقط في قطارات لندن كان لها مفعول أكبر بمئات المرات من مفعول كل القنوات العربية مجتمعة، ووزارات الإعلام. نحن نتحدث بالطبع عن زمن غير هذا الزمن الذي يسمى بـ»الربيع العربي».. ولا نتحدث عن مئات الدكاكين الفضائية في وقتنا الحاضر، التي لا يمكن تفريق العديد منها عن القنوات ووسائل الإعلام الإسرائيلية، سوى باللغة فقط، أما النهج والسياسة فواحدة.. ويا خوفي أن تصبح العبرية هي اللغة السائدة.. وكما قال مغن لعب في كلمات أغنية المطرب الكبير سيد مكاوي «الارض بتتكلم عربي الارض الارض.. يا خوفي تتكلم عبري الارض الارض». وهل يمكن أن يكون استقبال عضو مجلس الشعب المصري الجديد توفيق عكاشة بهلوان الإعلام المصري سابقا، للسفير الاسرائيلي حاييم كورين في منزله، أول الغيث؟
500 ملصق فقط كان لها أضعاف أضعاف تأثير دائرة الاعلام في جامعة الدول العربية وفروعها في العالم، على مدى عقود من تأسيسها، إن كان لها أي مفعول أصلا.
500 ملصق فقط أثارت ارتباكا وذعرا في دولة الكيان الصهيوني، لم تثره مجتمعة الجيوش العربية عندما كان هناك جيوش عربية.
500 ملصق كان لها مفعول الصاعقة في اسرائيل، لتؤكد الخطورة التي بدأت لجنة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات «BDS» صاحبة هذه الملصقات، تشكلها على إسرائيل، والأهمية التي تكتسبها في أماكن وجودها في العالم.
نعم 500 ملصق فقط كشفت هشاشة دولة اسرائيل وفقدانها الثقة بنفسها.. لا نتحدث عن دولة عادية، بل عن دولة تشكل خامس أكبر قوة عسكرية في العالم.. دولة لديها من السلاح أحدثه وأكثره تطورا.. دولة نووية ولديها ما يقارب 200 قنبلة نووية.
لا أحد يستطيع أن يتصور الرعب وحالة الارتباك اللذين عاشتهما لساعات فقط اسرائيل ممثلة برئيس حكومتها وزعماء الاحزاب الاخرى، فتحركت اذرعها السياسية والإعلامية وزبانيتها في بريطانيا، بأقصى سرعة مستغلة نفوذها ونفوذ الجالية اليهودية الصهيونية في المؤسسات الرسمية البريطانية وفي بلدية لندن.. ولم يهدأ لها بال قبل أن تنجح في ازالة هذه الملصقات.
وها هي قصة هذه الملصقات الـ 500.
استيقظ أهالي العاصمة البريطانية لندن، أو بالاحرى مستخدمو قطارات المترو ‘الأندرغراوند» وهم يعدون بالملايين صباح يوم الاثنين، اول أيام عمل الأسبوع الماضي على إعلانات لم يألفوها من قبل.. إعلانات تدين اسرائيل وعنصريتها وسفكها لدماء الفلسطينيين مستخدمة، حسبما جاء في أحد الملصقات، سلاحا مصنعا في بريطانيا.
والتقطت هذه الاعلانات عيون إسرائيل الساهرة في المدينة وعسسها وزبانيتها، وهم كثر ومهمتهم مراقبة كل ما ينشر في العاصمة من إعلانات وكل ما يقال في نشرات الأخبار، المصور منها والإذاعي والبرامج الاخبارية وغيرها، باختصار أي شيء وكل شيء. وعلى وجه السرعة تحركت المؤسسة السياسية الاسرائيلية، فأصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي تعليمات فورية لمدير عام وزارة الخارجية دوري غولد للتواصل مع مسؤولين في لندن لحثهم على وقف التحريض الفوري ضد «إسرائيل» وإزالة هذه الملصقات المناهضة لها.
وفي إطار التنافس السياسي الذي لا يضيع فيه أي مسؤول أي فرصة بادر يئير لبيد زعيم حزب «هناك مستقبل»، الذي كشفت آخر استطلاعات الرأي ازدياد شعبية حزبه وتدهور شعبية حزب نتنياهو، إلى مهاتفة بوريس جونسون عمدة لندن، الذي يعتبر نفسه صديقا لإسرائيل، وأبلغه رفض إسرائيل هذه الإعلانات وطلب منه التدخل. ووعده جونسون بأن يصدر أوامره بإزالتها، زاعما أن هذه الإعلانات وضعت بدون ترخيص.
ولم يكذب جونسون خبرا وأزيلت هذه الملصقات بدعم من الحكومة ورئيس وزرائها ديفيد كاميرون، الذي يخدر كالعادة القيادات الفلسطينية والعربية من ورائها، أو من لا يزال منها يرى في القضية الفلسطينية قضية عادلة، وليست عبئا عليها، بالاقوال بينما يوفر الافعال لصالح اسرائيل. ففي حين كانت الاعلانات تزال من على القطارات الأرضية كان رئيس الوزراء كاميرون يشبع غرائزنا بعبارات رفضه للاستيطان، لاسيما في القدس المحتلة، ويرى فيه امرا صادما ومزعجا. ولا ينسى طبعا أن يشفع هذا التصريح بالتذكير بأنه نصير قوي لإسرائيل… إلى درجة أن مسؤولين اسرائيليين لم يصدقوا ما سمعوه منه وفسروه بأنه تغطية على قرار الحكومة منع مقاطعة اسرائيل.
نزلت إعلانات «BDS» في ذكرى «اسبوع الأبرتهايد»، يقول أحد هذه الإعلانات إن أسلحة بريطانية الصنع استخدمتها إسرائيل لذبح الفلسطينيين خلال الحرب على قطاع غزة صيف2014 ، بينما يتهم إعلان آخر «بي بي سي» بالانحياز لإسرائيل، وينتقد إعلان ثالث شركة الخدمات الأمنية البريطانية «جي فور إس» تقديم خدمات أمنية لمصلحة السجون الإسرائيلية.
ووصل خوف اسرائيل من نشاطات «BDS» إلى درجة التفكير باستحداث وزارة لمكافحتها. وعقد في الايام الاخيرة مؤتمر مغلق نظمه وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي غلعاد اردان، تحت عنوان «الائتلاف الدولي لأجل اسرائيل، حسبما ذكر موقع اسرائيلي.
وشارك في المؤتمر 150 زعيما يهوديا من أنحاء العالم منهم، رؤساء وناشطو الدعاية والإعلام، بحثوا خلاله كيفية مواجهة «BDS»، وكيفية توحيد الخطاب الاسرائيلي وامتلاك الوسائل الخاصة لمحاربة ناشطي الحركة الذين نجحوا في اختراق قلاع اسرائيل في الولايات المتحدة واوروبا وحتى استراليا وكندا وغيرها.
وافتتح المؤتمر بمعطيات إحصائية وصفت بالمقلقة تتعلق بتدني مستوى الدعاية الاسرائيلية حول العالم، قدمها الباحث الامريكي المختص فرانك لونتش، الذي درس فعالية وزارة السياحة الاسرائيلية ونشاطها تحديدا في اوساط الطلاب الاسرائيليين، وخلص إلى نتيجة أن هذا النشاط لم يسفر عن أي نتائج، وفشلت الوزارة في تمثيل إسرائيل بشكل جيد وتسويقها حتى بين الطلبة اليهود. وأظهرت نتائج استطلاع في اوساط طلبة يهود في الولايات المتحدة أن 22٪ يعتقد أن اسرائيل دولة عنصرية
و٭21 يعتقد أن على الولايات المتحدة أن تدعم الفلسطيني. كما بينت معطيات البحث أن وزارة السياحة واساليبها القديمة التقليدية البالية لم تعد تجدي شيئا، أمام رواية BDS.
والشيء بالشيء يذكر، وفي محاولة لتحسين صورتها تعرض وزارة السياحة على المرشحين لجوائز الاوسكار، رحلة سياحية لإسرائيل من الدرجة الاولى. لكن حتى هذه المحاولة تجد من يعارضها في اوساط بعض المرشحين، أمثال مارك ريلانس وعاصف كباديا اللذين وعدا بعدم زيارة اسرائيل مهنيا. وحسب صحيفة «واشنطن بوست» فان هذه المبادرة تأتي ردا على القوة المتنامية لـ«BDS».
ويعكس التصرف الإسرائيلي والسرعة التي تحرك بها المسؤولون فيها، الخطورة التي بدأت BDS تشكلها، وأهمية ما تمثله من اختراق للمجتمعات الغربية وما يمكن أن تحققه.. فالمقاطعة هي سلاح حاد وقد يكون فتاكا اذا ما احسن استخدامه… سلاح هجومي من العيار الثقيل ليس كالسلاح العربي. ويعكس أيضا أن نشاطات حركة المقاطعة بدأت تؤتي أكلها. وعليه فإن على السلطة الفلسطينية واجبا وطنيا أن تتخذ خطوات جدية وفعالة ليس شكلية، كما في الماضي بالدعوة لمقاطعة اسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال، بدون لف او دوران. ويجب أن تكون الدعوة المباشرة والواضحة لمقاطعة اسرائيل، سياسة عامة تطالب بها الجميع، اصدقاء وغير اصدقاء، بدون حياء أو خجل او خوف او تردد، وليس «كمن يعض البردعة بدلا من الحمار»، المطالبة فقط بمقاطعة المستوطنات. فلتترك ذلك لدول الاتحاد الاوروبي التي اتخذت قرارا في هذا الشأن وبعضها لا يلتزم به. فالمستوطنات هي النتيجة وليس السبب.. واسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال هي التي أقامتها وهي التي توفر لها الحماية والدعم. فالمقاطعة يجب أن تكون ضد الأصل وليس فقط الفرع وليتخذوا من نجاحات «BDS» نموذجا ناجحا.
خلاصة القول إن «BDS» تسبب فعلا صداعا قويا لإسرائيل.. ولكن رغم الانجازات التي حققتها «BDS» فان الطريق لا يزال طويلا لتحقيق ما حققته حركات مكافحة التمييز والفصل العنصري واسقاط نظام دي كليرك العنصري في جنوب افريقيا.. آخذين بعين الاعتبار أن اسرائيل ليست جنوب افريقيا وهناك قوة النفوذ اليهودي. ولكن بالعمل والمثابرة والصبر والدعم المعنوي والسياسي وتوحيد الجهود ستحقق «BDS» ما حققته حركة مقاطعة عنصري جنوب افريقيا، شاء من شاء وأبى من أبى.

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية