10 سنوات على مجزرة رابعة: عقود العار التي تتعاقب

حجم الخط
0

صادف يوم 14 آب/ أغسطس الجاري ذكرى مرور 10 سنوات على واحدة من أشد الفصول قتامة في تاريخ مصر المعاصر، وأشدّها دموية وعنفاً منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي صيف 2013، وذلك حين لجأت وحدات من الجيش وأجهزة الاستخبارات إلى الذخيرة الحية لفض اعتصام أنصار الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية والنهضة. وإذا ظلت الحصيلة النهائية لأعداد الضحايا قيد التدقيق شهراً بعد آخر، فإن الأرقام الرسمية ذاتها اعترفت بما لا يقل عن 618 مدنياً، وأن هذا الرقم يقتصر على الجثث التي وردت إلى مصلحة الطب الشرعي فقط ولا يشمل الضحايا المدنيين الذين استخرج أقاربهم تصاريح بدفنهم ونقلهم بمعرفتهم وهؤلاء تقدر مصادر مستقلة أن أعدادهم تبلغ 200 آخرين.
وما أعقب تنفيذ المجزرة شهد مقاضاة 739 شخصاً في محاكمات جنائية بتهم التجمهر والقتل والعنف وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، صدرت بعدها أحكام بالإعدام والسجن المؤبد، كما أوضحت المبادرة المصرية للحقوق والحريات في تقرير صدر مؤخراً بعنوان «طمس الحقائق». وكان السيسي قد شكل لجنة قومية خاصة لتقصي الحقائق واستقبلها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 بعد انتهاء عملها، لكن تقريرها الذي جاء في 766 صفحة لم يُنشر منه حتى هذه الساعة سوى ملخص تنفيذي وجيز يتبنى رواية السلطة في أن الاعتصام كان «بؤرة مسلحة» وأن المعتصمين لجأوا إلى السلاح رغم أن قوات الفض لم تستخدم سوى «سيارات الطنين وخراطيم المياه وبواعث الغاز المسيل للدموع».
ولم يكن منتظراً من اللجنة أن تستخلص وقائع فعلية وصادقة بالطبع، فالقرار الجمهوري بتشكيلها لم يخولها أصلاً بالتحقيق أو استدعاء المسؤولين أو توجيه الاتهامات أو إحالة الوقائع للمحاكمة، وإنما حصر مهامها في «عقد اللقاءات والمقابلات وإجراء المناقشات وتحليل الأحداث وبيان الوقائع». ومع ذلك فإن التقرير أقرّ بالتالي: «لا تشك لجنة تقصي الحقائق في أنه كان من الممكن إنهاء تجمع رابعة دون أن تسال كل هذه الدماء».
من جانبها توقفت منظمة العفو الدولية عند الذكرى العاشرة للمجزرة فاعتبرت أنه «عقد من العار» و«تذكير صارخ» بأنّ الإفلات من العقاب عن القتل الجماعي لأكثر من 900 شخص قد أتاح الهجوم الشامل على المعارضة السلمية، وانحسار كافة الضمانات للمحاكمة العادلة، وما ترافق مع ذلك كله من «معاملة وحشية» في السجون طوال العقد الماضي.
وإذا كانت المناسبة تفرض استعراض أنماط تدهور حقوق الإنسان في مصر، وبينها قمع الاحتجاجات الشعبية والاحتجاز التعسفي والمحاكمات الجائرة وتكثيف استخدام عقوبة الإعدام وتقليص فضاء العمل المدني والتعذيب والاختفاء القسري والإفلات من العقاب، فإنها على قدم المساواة تستلزم عدم إغفال مسؤولية المجتمع الدولي في السكوت عن المجزرة وسلسلة الانتهاكات، وكذلك تغطية أنظمة الفساد والاستبداد على النحو الذي اختصره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ذات يوم حين أنعم على السيسي صفة «دكتاتوري المفضل».
ذلك بعض السبب في أن أي مجرم لم يحاسب على مذبحة رابعة حتى الساعة، وأن عقود العار في مذابح أخرى تتماثل وتتعاقب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية