كان منخي رِخي يلقب نفسه بالكاتب العالمي ويحلم بإصدار أعماله الكاملة، رغم أنه لم يكتب حرفاً واحداً. ولم يكن يأبه بنصائح والديه وأصدقائه بالكفّ عن هذا الجنون، فقد تملّكه اعتقاد مرَضي راسخ بأن كل من يثنيه عن تطلعاته هذه يفعل ذلك عن شعور بالغيرة والحسد، وكان رده الوحيد على توسلات أُمه لعدم تمكنها من بيع قطعة الأرض التي ورثتها عن أبيها، لطبع أعماله، بأن لا تقف في وجه انطلاقته الأدبية المقبلة، التي ستسحق في طريقها، كلّ الكتّاب.
كان منخي قد دخل للتو العشرين من عمره ولا شيء لديه يفعله، خاصة بعد تركه المدرسة، سوى التسكّع في المقاهي وملاحقة الفتيات في الأسواق، أو عند أبواب مدارسهن. كان في ذلك يقلّد آخرين يسميهم الأساتذة، هؤلاء الذين يقولون باغتراف الأدب من مصادره المباشرة، كالشوارع والأزقة. وحين يُنصح منخي بضرورة القراءة، يرد بتحامل إثر سماعه ذلك، أن ليس لديه وقت لإضاعته، وأنه ينتظر ذلك اليوم الذي يمكن أن تتم فيه قراءة أضخم الكتب خلال ثوانٍ، بمجرد تمرير الكتاب على الرأس.
وبسبب إلحاح منخي على أُمه بأهمية بيع الأرض، اضطُرّت هذه إلى مغادرة بيتها والالتجاء إلى بيت شقيقها الكبير، رغم الكراهية المتأصلة بينها وبين زوجته. وحين عجز عن التأثير عليها حتى بعد التوسل إلى خاله لإقناعها، فكّر منخي بخطف شقيقه الأصغر، ذي الثماني سنوات ومساومة أُمه عليه، وهي موضة دائرة هذه الأيام بين عوائل البلد العجيب. كان مخططه يقوم على الاستعانة بأحد أصدقائه المُخلصين أو المخَلْصين، بالتعبير العراقي، أي الذي لا يتوانى عن الإقدام على أي فعل، ومَهمة هذا الأخير تقتضي الاتصال بأم منخي مهدداً بذبح ابنها إذا لم تدفع فدية لتحريره خلال 24 ساعة، بدون نسيان، وكما يحدث في الأفلام والواقع على حد سواء، بإسماعها صوت ابنها لثوانٍ.
كان منخي متحرقاً جداً لطبع أعماله الكاملة، وليس مهماً لديه تحديد جنس هذه الأعمال!
في تحديد المهلة بأربع وعشرين ساعة، بدا واضحاً، أنّ منخي كان متحرقاً جداً لطبع أعماله الكاملة، وليس مهماً لديه تحديد جنس هذه الأعمال! غير أن مرض أخيه وملازمته الفراش لأكثر من أسبوع أفسد مخطّطه. فكّر حينها بخطف والده فهو متزن وقد يتفهّم الدوافع! لكن هذه الخطة أُلغيت بعد أن قلّبها منخي في رأسه الصغير، كثيراً. وأخيراً اهتدى إلى حل لا يكلف قطرة دم واحدة. وسارع إلى تنفيذه على الفور، فقد عمد الى سرقة سند ملكية الأرض المسجّل بِاسم أُمه، فلم تكن هذه تفكر للحظة واحدة أن يصل هوَس ابنها واستهتاره إلى حد سرقتها، لهذا كان السند مع أوراق أُخرى مهمة أو لا قيمة لها في سلة صغيرة، غالباً ما تكون تحت سريرها. وبما أنّ إمكانات التزوير صارت متفشية في كل مكان، وبأحدث التقنيات، فقد زوّر الأبن النابغة، بمساعدة محامٍ فاسد، وكالة من اُمه تفوّضه البيع والشراء والرهن. وما أن أصبحت الأوراق المطلوبة في حوزته، حتى سارع إلى مطبعة تجارية لطبع بطاقات الأعراس والإعلانات وتمكن من إقناع صاحبها بخوض تجرية طباعة كتابه حتى لو كان فارغاً، رغم صفحاته السبعمئة، من سوى اسم منخي وصورته المفروشة على كامل الغلاف وعنوان ثخين بخط حديث «الأعمال الكاملة»، عارضاً عليه سند ملكية الأرض كرهن، حتى تسديد المبلغ الذي سيتم الاتفاق عليه. انتهت مغامرة منخي بأُمه إلى المستشفى إثر جلطة وبأرضها إلى مجرد ورقة بحجم الكف كإيصال من بنك «النابغين» يؤكد إيداع منخي أعماله الكاملة في البنك، كرصيد أبدي.