واقع التعليم العالي في الأردن يتصدر القلق: جامعات تعمل وسط «مدرعات» وجدل بعنوان مركز وأطراف

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان ـ «القدس العربي» ـ بسام البدارين: ما الذي يعنيه ان يضطر رئيس واحدة من أكبر الجامعات في الأردن للعمل والذهاب لمكتبه محاطا مع أسوار الجامعة بمدرعات قوات الدرك؟
ذلك السؤال يطرحه على نفسه وعلى غيره رئيس جامعة آل البيت الأردنية الدكتور ضياء الدين عرفه بعد تداعيات القلق الأمني عليه من السلطات إثر مواجهة «إدارية» مع موظفين محليين شرقي الأردن ومن المجتمع المحلي الذي يحول أي خلاف إداري إلى مسألة «جهوية».
الدكتور عرفه وهو أكاديمي بارز جدا في الأردن لجأ للقضاء واتهم بعض الموظفين وأربعة أساتذة يعملون معه بالتهديد بقتله بعد اقتحام مكتبه وطرده احتجاجا على تسميته مجددا رئيسا للجامعة نفسها.
الأهم بالنسبة للدكتور عرفه وكما فهمت «القدس العربي» ليس ما حصل ولا مجريات التحقيق القضائي. بل السؤال التالي الذي طرحه على علماء أصدقاء له: كيف يمكنني قبول فكرة أن أقود جامعة وأعمل مع طلابي في مقر جامعة تحيط بها المدرعات؟
طبعا هذا سؤال من الصنف المستعصي في الأردن لأن ناشطا ومعلقا عميقا من أبناء المنطقة التي تتواجد فيها الجامعة وهو نائل الزبيدي اكتفى بعبارة هادفة ومخيفة سياسيا وهو يتحدث عن مفارقة التحول «إلى عاصمة وأطراف». زبيدي لم يربط تعليقه اللاذع على صفحته التواصلية بما حصل في جامعة آل البيت لكن الترميز واضح هنا.
وما يطرحه الدكتور عرفه بعد ما حصل في جرح «خدش» مؤسسة جامعية كبيرة وبلا مبرر أعمق وهو يظهر استعداده للانسحاب مع كل مؤشرات الحسرة على واقع مؤسسات التعليم العالي اليوم.
قبل جامعة آل البيت ظهرت المدرعات مرارا وتكرارا في محيط جامعة الحسين في مدينة معان جنوبي البلاد، وظهر فيها وفي محيط جامعة مؤتة أيضا في مدينة الكرك السلاح والرصاص وحتى في العاصمة عمان ثمة أشخاص في جنوبي المدينة أعاقوا عدة مرات العمل في الجامعة الألمانية.
الدكتور عرفه وجد نفسه وخلال ساعات فقط الأسبوع الماضي وسط أزمة وطنية من العيار الثقيل قد لا تكون علاقتها منحصرة برئيس جامعة وموظفين غاضبين ففي مشهد محبط للغاية اقتحم موظفون في جامعة تحمل اسم «آل البيت» برفقة عضوين من مجلس أمناء الجامعة يعملان بها ويحملان درجة الدكتوراه مكتب رئيس الجامعة.
في ذلك المشهد الذي قرع كل أجراس الانذار في أهم دوائر صناعة القرار الأردنية وكان حديث المجالس الشعبية لثلاثة أيام متتالية، حوصر الدكتور عرفه في مكتبه وقيلت له عبارات وألفاظ نابية ورفض الموظفون الغاضبون إياهم السماح له بدخول مكتبه ومزاولة عمله. بمعنى آخر طرد رئيس الجامعة من مكتبه كما طرد معه نائبه رغم ان الدكتور عرفه أكاديمي لامع ويعتزل أضواء الإعلام والسياسة والوظائف وسبق له ان خدم في مواقع متقدمة في هيكل التعليم العالي.
المجتمع الأكاديمي في الدولة يعرفه الدكتور عرفه تمام المعرفة، فقد كان نائبا لرئيس الجامعة الأردنية أم الجامعات ثم رشح لرئاسة الجامعة الألمانية وهي أهم الجامعات الأجنبية قبل ان يتدخل رئيس الوزراء الأسبق عبد الله النسور لإقصائه. يتكرر المشهد وتقلق أكثر نخبة المجتمع الأكاديمي حيث يوجد منجز من المعيب ان نحاول خدشه أو المساس به كما يؤكد وزير التعليم العالي الأسبق وأحد أهم مؤسسي الجامعات الدكتور أمين محمود، فحماية العملية التعليمية والصروح العلمية واجب الجميع.
عمليا فتح ما حصل مع أستاذ أكاديمي كبير يترأس جامعة لها اسم ديني وتراثي ووطني وسياسي، الباب على مصراعيه أمام كل التساؤلات الوطنية التي لا تقف عند استنكار واستهجان ما يحصل في قطاع التعليم العالي، بل تتجاوز في اتجاه إقلاق الأردنيين على مؤسساتهم التعليمية وفتح الملف المسكوت عنه في العادة والذي يتعلق اليوم بالانطباع الخاطئ عند بعض المجتمعات المحلية حول آلية التعاطي مع مؤسسات تعليمية كبيرة تأسست لخدمة المجتمع المحلي.
ما قاله الموظفون المتمردون هنا هو ان رئيس الجامعة لا ينصفهم ودور الجامعة في المجتمع المحلي يتراجع. تلك اتهامات مطاطة في طبيعة الحال من النوع الذي لم يوفر المعترضون عليه أدلة وقرائن. لكن حتى في أضيق قنوات القرار في الدولة سمعت «القدس العربي» عبارات تعبر عن القلق والانزعاج من السلوك الحراكي لنخبة موظفين قرروا تنصيب أنفسهم بدلا من مجلس التعليم العالي ومجلس الأمناء والوزارة المختصة وهم يحاولون طرد رئيس جامعة والضغط في اتجاه بديل له.
بعض ما يطرحه هؤلاء قد ينطلق من ملاحظات تستحق النظر والمراجعة لكن الأسلوب في التعبير واستبدال القانون بالذراع ثم مخاطبة المؤسسات المعنية بالتمرد والعصيان الوظيفي يعيد إنتاج العلاقة الغامضة ما بين الحق والباطل خصوصا في ظل ما يتردد عن دور لشخصيات برلمانية لا يعجبها لسبب أو آخر استمرار الدكتور عرفه في موقعه.
يجتمع الأكاديميون بكثافة في عمان هذه الأيام في محاولة لفهم ما يجري والتحذير من عواقبه.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية