أصبحت تقنية حكم الفيديو المساعد، المعروفة باختصار أحرفها الثلاثة بالانكليزية باسم “فار”، “موضة” دارجة في عالم كرة القدم، بل يعتبرها البعض حاجة ملحة لفك الاشتباك وجلاء الحقائق في معترك المباريات.
لكن منذ اقتراح الفكرة في مطلع عام 2010 من الاتحاد الهولندي لكرة القدم، والبدء في تطبيقها في موسم 2012-2013 في الدوري الهولندي، وحتى اليوم، مروراً باستخدامها وتطبيقها بالكامل في نهائيات كأس العالم الاخيرة كأكبر مسابقة كروية في العالم تطبق الفكرة، لم تخل مباراة من المزيد من الجدل المثار حول هذه التقنية.
قبل أكثر من أسبوع، كانت هناك واقعة مهمة خلال ذهاب نهائي دوري أبطال افريقيا بين الاهلي المصري والترجي التونسي، حيث وضح لكثيرين مدى عقم الحكم في التعامل مع أحداث مثيرة للجدل، فرغم ان ملايين المشاهدين خلف شاشات التلفزيون تيقنوا من ان واقعة خطأ مهاجم الاهلي وليد أزارو لم تكن سوى تمثيل من اللاعب المغربي بفضل مشاهدة بعض الاعادات التلفزيونية، الا ان الحكم الجزائري لم يأخذ قرارا قاطعا من مساعديه داخل غرفة “الفار” فاستدعي بنفسه لمعاينة الواقعة، ومع ذلك فانه لم ير ما رآه الملايين بمشاهد أقل تقنية مما تقدمه خدمة تقنية حكم الفيديو المساعد، واحتسب ركلة جزاء غير صحيحة، رغم القانون الذهبي في عالم التحكيم يحتم على الحكم عدم اصدار قرار في أمر لم يره، فهو قد يخطئ بعدم احتساب ركلة جزاء صحيحة بحجة انه لم يرها، لكن لا يمكن ان يحتسب ركلة جزاء غير صحيحة لانه ببساطة لم يرها لانها لم تحدث أصلاً.
وفي حين ان الدوريات الاوروبية تتطلع الى استخدام هذه التقنية وجني الفوائد منها، مثلما أصدر الاتحاد الانكليزي قرارا بالبدء باستخدام التقنية بدءاً من الموسم المقبل، بعد قرارات كارثية في الاسابيع الاخيرة من الحكام، الا ان المخيف في الأمر ان هذه التقنية لا أرى الفائدة المرجوة منها في الوقت الحالي في عالمنا العربي، لأسباب عدة، أبرزها فقدان التعقل في التعامل مع هذه التقنية، في ظل سيادة العقليات المتعصبة النابعة من التنافسية الشديدة والغيرة من المنافس، لتصبح “فار” بدل ان تكون نعمة على عالمنا الكروي، فانها ستكون نقمة على مشغليها ومراقبيها، فالمطالبات ستكون على أوجها مع كلمة لمسة للكرة او خطأ صغير، لتضيع روح اللعبة، مثلما رأينا العديد من الأمثلة في دوريات عربية عدة، اتهم في احداها حكام “الفار” في احدى غرف التحكم بانهم “غشاشون” ويحابون المنافس، حتى انهم أعفوا من مهمتهم، رغم ان التقنية جاءت لجلي الحقائق واظهار ما لا يمكن نكرانه.
من الجميل انتظار بطولاتنا العربية عامين أو ثلاثة قبل ان تنتقل الى التطبيق العملي، وبعد مناقشة تفصيلية لنماذج مهمة من استخدام تلك التقنية، كي تأخذ الخلاصة، فالى الآن ما زال الأوروبيون يتخبطون في ادارة هذه التقنية، وما زالت في طور التجربة والتحديث، ويجب ان يكون واضحا ان هذه التقنية تستخدم فقط في حالة الجدل على ركلات الجزاء والاخطاء التي تقع داخل منطقتي الجزاء، ويجب على خبراء “فار” ان يكونوا من الحكام السابقين لفك اللبس في الكثير من الاحداث، فكثير من المشاهدين في المدرجات او خلف شاشات التلفزيون، سيرون اعادات فيها لمسة يد داخل منطقة الجزاء، لكن الحكام والمخضرمين يعلمون ان ليس كل لمسة يد في منطقة الجزاء هي “بنالتي”، فهل كانت اليد ثابتة ام متحركة؟ وهل كانت في وضع طبيعي او في غير موضعها؟ ولهذا مثل هذه القرارات، اضافة الى الاخطاء التي تقود الى بطاقات حمراء وحالات الطرد المباشر تستحق طلب “فار”، مع حالات الالتباس في شخصية اللاعب المعاقب وأيضاً التأكد من الخلو من الاخطاء عند تسجيل الأهداف، هذه هي الحالات الأربع التي يجب ان يستدعى فيها “الفار”، ولو انتظرنا قليلاً فان المسؤولين سيجدون انه من الاجدى ابلاغ الحكم بقرار “الفار” عوض دعوته لمشاهدة الواقعة عبر شاشة صغيرة في الملعب.
“الفار” اليوم في بيتنا، فاما نتريث ونعصر فوائده لمصلحة بطولاتنا، او نجعله يفر من بين أيدينا وتصبح التقنية نقمة علينا.