ما من حدث يمكنه أن يفوق في أهميته على إعلان دولة الخلافة، في حزيران 2014، إذا فكرنا بجردة لأحداث العام الذي نودعه. ليس بالنسبة إلى منطقتنا المضطربة فقط، بل على مستوى العالم. ولا تقتصر عالمية تداعيات ظهور هذه «الدولة الإسلامية» على قيام تحالف دولي ضم أكثر من ستين دولة بقيادة الولايات المتحدة لمحاربتها بهدف تحجيمها والقضاء عليها، بل تتجاوز ذلك إلى مصير خرائط راسخة أخذت تتداعى، ومجتمعات أخذت تتفكك، وأفكار وقيم وبداهات سقطت في اختبارات الواقع.
على المستوى السوري، كاد ظهور داعش واستيلاؤه على مساحات واسعة، في الشمال والشمال الشرقي، أن يقضي على آخر آثار ثورة الحرية والكرامة التي اندلعت في وجه نظام دمشق الكيماوي ربيع العام 2011، لولا الحرب المستمرة على المدنيين التي يشنها النظام المذكور بثبات ومبدئية، فتذكرنا بأصل المشكلة في سوريا.
وأدى التنافس على الشرعية الإسلامية بين تنظيم داعش والمنظمات الجهادية الأخرى، وأبرزها جبهة النصرة – الفرع السوري لمنظمة القاعدة، إلى تمدد الأخيرة في بعض المناطق على حساب بقايا الفصائل المسلحة المحسوبة على الجيش الحر، كما إلى تطبيقها لرؤيتها للشريعة الإسلامية على السكان في تلك المناطق، أسوةً بداعش، بعدما كانت تتجنب ذلك مرحلياً.
ودخلت فصائل الجيش الحر في مأزق خوض الحرب على جبهتين معاً ضد عدوين قويين هما النظام من جهة، وداعش وأخواتها من جهة ثانية في الشمال، وضد النظام وجبهة النصرة في الجنوب. الأمر الذي أضعفها وقلص إلى حد كبير المساحات التي تسيطر عليها.
وعلى مستوى الدول المتدخلة في الحرب السورية، تضاربت الأولويات وتغيرت التحالفات. قبل كل شيء حل التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية» عملياً محل مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» فسقط هدف إسقاط النظام السوري، في أجنداتها، ليحل محله هدف القضاء على داعش أولاً بعد «تحجيمه» الذي قد يستمر سنوات وعقوداً وفقاً للرؤية الأمريكية القائدة للتحالف. وتم احتواء الخلاف القطري – السعودي لمصلحة المنظور السعودي الغالب في المجموعة الخليجية التي ترى في الإسلام السياسي الخطر الأكبر على أمنها القومي. فيما بقيت تركيا أردوغان تغرد وحدها خارج سرب التحالف الدولي، وتقاوم ضغوط حليفها الأمريكي.
وفي العراق، أدى اجتياح قوات داعش السريع للموصل وإعلان دولته الإسلامية إلى إسقاط حكومة المالكي وقيام تحالف جديد بين بغداد وأربيل، بعدما كان بارزاني مضى بعيداً في طريق الاستقلال بإقليم كردستان عن السلطة المركزية. ومن جهة أخرى، ابتعدت قيادة الإقليم عن أنقرة بمقدار اقترابها من طهران، لينعكس ذلك بصورة مباشرة في الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل، إضافةً إلى التعاون الحربي بينهما ضد «الدولة الإسلامية».
لكن تداعي أحلام الاستقلال عن بغداد لدى بارزاني، قابله صعود لافت لحزب العمال الكردستاني من خلال فرعه السوري (PYD) بمناسبة معركة كوباني التي لم تنته بعد. فقد شكل تقاطع الأجندات بين هذا الفصيل الكردي والولايات المتحدة إزاء خطر مشترك هو «داعش» فرصةً للتيار العام لحزب العمال الكردستاني العابر لحدود الدول القائمة ليكون في صف الأقوياء. وهناك دول غربية أخذت تطرح بجدية رفع اسم الحزب الكردستاني من قوائم المنظمات الإرهابية.
وهكذا تدفقت مساعدات الدول الغربية من السلاح والعتاد، بسبب داعش، على كل من إقليم كردستان وكوباني معاً. كما أن التنافس التقليدي بين التيارين البارزاني والأوجلاني تراجع لمصلحة التعاون بينهما، سواء في معركة شنكال العراق أو معركة كوباني سوريا. وكان ذا قيمة رمزية كبيرة وصول تعزيزات من بيشمركة بارزاني إلى كوباني لمؤازرة قوات «الحماية الشعبية» ذات المرجعية الأوجلانية، عبر الأراضي التركية. وقد تم هذا العبور على رغم القيادة التركية التي كانت تتمنى سقوط كوباني بيد داعش، لا حباً بهذا التنظيم الإرهابي، بل لأن من شأن نتيجة مماثلة أن تضعف حزب العمال الكردستاني الذي تخوض حكومة العدالة والتنمية معه «معركة» السلام.
بعيداً عن هذه التداعيات السياسية الكبيرة لإعلان دولة الخلافة، أدى سلوك هذه وطريقة تعاطيها مع السكان حيثما حكمتهم، إلى انطلاق نقاش اجتماعي واسع حول الإسلام ودوره في دنيا الناس. نقاش لا يشبه الجدل العقيم السابق بين العلمانية والإسلام والصراع الوجودي بين أنصارهما الإيديولوجيين. فللمرة الأولى، في العصر الحديث، يخوض دين الإسلام اختباراً عملياً بهذه الجدية ويلاقي ردود فعل اجتماعية قوية وواسعة النطاق من داخل الاجتماع الإسلامي، وليس من خارجه كما حدث بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001. من المحتمل أن يشكل هذا الاختبار منطلقاً لإعادة نظر جذرية في المفاهيم السائدة لدى التيارات الإسلامية وعنها.
الحدث الكبير الثاني، في العام الذي نودعه، هو التدهور الدراماتيكي في أسعار النفط الذي يتوقع له الخبراء أن يستمر لفترة طويلة. من المحتمل أن كلاً من إيران وروسيا سيزداد وضعهما الاقتصادي والسياسي ضعفاً وهشاشةً في العام الجديد. إيران في مفاوضاتها النووية مع الستة الكبار، وفي صراعها الإقليمي مع جوارها العربي (العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين). وروسيا في نزاعها مع الغرب حول المشكلة الأوكرانية.
مع تمنياتي لقراء «القدس العربي» بعام جديد كله خير.
٭ كاتب سوري
بكر صدقي
مقال جميل لخص ما احتوته المنطقة الشرق أوسطية من أزمات بعام 2014
لكني متفائل بالعام الجديد الذي ستخرج فيه مفاجآت أتمنى أن تكون سارة
شكرا لك يا أستاذ بكر وكل عام وأنت والجميع بخير
ولا حول ولا قوة الا بالله
من النتائج المرتقبة لإنخفاظ أسعار البترول أن تتحول روسيا إلي بلد صناعي وخاصة أن لها البنية االتحثية لذلك وربما إيران كذلك