طوى عام 2013 دفاتره ورحل تاركا وراءه إرثا ثقيلا وأسئلة حارقة… عام ازدهرت فيه تجارة الموت والقتل وعلت على مشاهده أصوات التفرقة والطائفية البغيضة والمدمرة والعرقية، في ظل شعوب رازحة تحت مطرقة الأزمات وسندان الفقر والحاجة والبطالة، وكالعادة نطلق عبارات التمنيات الكلاسيكية والأمنيات والآمال العريضة بالتغيير نحو الأحسن، وأن يكون عاما ملؤه السلام والمحبة، ويسود الأمن والاستقرار في منطقتنا، وأن تتحسن ظروف كل الناس نحو الأفضل. غادرنا عام 2013 ولا زالت جراحنا مفتوحة وساحاتنا محترقة، بعد أن توهمنا ذات يوم بأننا سنرى فيه ‘الربيع يزهر’ لكنه لم يخلّف ويترك لنا وراءه سوى ‘الصقيع’! تحطمت أحلامنا في بناء أوطان حقيقية، وبناء مجتمعات مدنية متحضرة زاهرة بالعلم والتعددية السياسية والفكرية والرخاء الاقتصادي عندما صحونا على مشهد أسوأ مما كنّا فيه زمن الانظمة الديكتاتورية، بعد أن تزايدت مظاهر الفتنة الطائفية، وتنامى الاصطفاف المذهبي بين مكونات الأمة، وأصبحت الشعوب متوترة ومضطربة تعاني القلق من المستقبل، بعد أن بدأت الانقسامات تنخر تلك المجتمعات من مصر مرورا بالعراق وليبيا واليمن حتى سوريا. ودعنا عام 2013 والفوضى والتخبّط والموت والدمار، وأزيز الرصاص والمتفجّرات تعنون واقعنا وترسم مشهد ‘ثورات ربيعنا العربي’، ثورات لم يستفد منها الا طرفان اساسيان، وهما اسرائيل وتنظيم ‘القاعدة’ والجماعات التي تدور في فلكها وتتبنى ايديولوجيتها… ها نحن نعايش أوطانا لم تعرف الاستقرار بعد، مصر أضاعت البوصلة وغرقت بالفوضى والتخبط وتحطمت انتصارات ثورة 25 يناير تحت أقدام القمع والعسكر. سوريا تحترق كل يوم بنار جيشها وعصابات القتل والطائفية، ومشهدها أقرب ما يكون لحرب أهليّة لا يمكن التنبّؤ بمتى تنتهي. أما السودان فقد خسر جنوبه ويبدو أنه مهدد بنذر انقسامات أخرى، وها هو اليمن الذي لم يعد سعيدا، ولا هانئا بكل المقاييس.. وليبيا ما بعد القذافي يتخطفها رجالات القبائل والميليشيات، ولم يستطع الثوّار لغاية اليوم من بناء دولة، أو حتى شبه دولة. أما تونس البوعزيزي، تونس الثورة فنراها تغرق في فوضى أمنيّة لها أول وليس لها آخر، والانتفاضات العربية تاهت في الصحراء، وضاعت هويّتها ما بين إسلامية وعلمانية. أما العراق فاقرأ على عراق اليوم السلام، إذ لازال هذا البلد تنخره الطائفية البغيضة، ومازال العراقيون يعانون الويلات والآهات نتيجة لها، وأضحى عراق الرشيد ينوء بثقلها وثقل حكّامه الفاسدين.. وما أكثرهم. أما جيوشنا العربية ‘الباسلة’ فحدّث ولا حرج إذ أصبحت عبارة عن شرطة وحرس سجون، بعدما طغت مشاكلها الداخلية على ما عداها. بهذا المشهد غادرنا عام 2013 وخلّف وراءه فوضى وعنفا، دماء، دمارا، قتلا، متفجرات، اشلاء وحقدا وكراهية تنوء بها مجتمعاتنا المتشظية المصابة بفيروس الطائفية المسلحة التي تهدم ولا تبني، فأي شجاعة تلك التي تجعلنا نقيّم هذا العام بأزماته وإحصاء ضحاياه الذين تساقطوا على امتداد الجغرافيا المهددة بالتقسيم والمعبّدة بلون الدم.. قد تكون أحوالنا في 31 كانون الأول (ديسمبر) مشابهة لما في 1 كانون الثاني (يناير)، فالأحوال الصعبة في العام الماضي امتطت العام الجديد من دون ان تستأذنه أو تنتظر موافقتنا ورغباتنا وطموحاتنا. حصاد عام 2013 مضى بكل تجلياته وارهاصاته، ونحن اليوم نعيش في أحضان 2014، ونتلمس ملامح المنطقة وصورتها المؤلمة، غادرنا عام ونحن نشعر بالخوف من الحاضر والفزع من أحداث هذا العام.. شعورنا يمتزج بمرارة الانكسار السياسي بعدما رأينا ما حصل في مصر ودول الثورات العربية الأخرى، وما يجري في لبنان والعراق، وما يزيد من كوارثنا وأزماتنا ويزيد أحوالنا توترا وإرهاقا رؤيتنا للسواد الأعظم من الشعوب العربية والإسلامية وهي تتجرع العلقم وترى الصراعات والاحترابات التي قد تؤدي إلى تفكيك الاوطان، وفي أحسن الأحوال إلى إضعافها وحرمانها من نعمة الاستقرار! ودعنا عام 2013 ونحن نضع أيدينا على قلوبنا، فنهاية عام لا يعني اغلاق صفحاته ولا التخلص من اعباء وآثار بصماته الثقيلة، بل مجرد ترحيل أزمات وملفات ستبقى مفتوحة، وجراح عميقة قد تبقى نازفة وعالقة حتى إشعار آخر! صدقوني أنني حاولت ان أبحث عن بقعة ضوء في مشهدنا هذا تبعث فينا التفاؤل والأمل، ولكن جميع الشواهد والدلالات تقول ان الصورة ليست وردية كما تبدو لي… وأقول قولي هذا واستغفر الله!