كُرد سوريا… رهان الحسم

حجم الخط
0

يبدو أن إرهاصات انتهاء الحرب السورية الممتدة منذ مارس/آذار 2011 باتت تظهر الآن، وعليه فإن البلد الذي يقف على أعتاب العام التاسع من عمر مأساته، سيكون على موعد مع بداية نهايتها، لكن لكل ولادة مخاض، ومخاض سوريا المستقبل يواجه عوائق جمّة، والطلق يحمل معه العديد من الصعوبات التي تواجه خروج المولود الجديد إلى النور.
ما من قوة إقليمية أو دولية إلا وشاركت، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الصراع، لكن الخواتيم تختلف عن البدايات، فالكلام الفصل في النهاية هو للقوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا.
أصبحت الجغرافية السورية الآن مقسمة النفوذ بين كل من روسيا التي تسيطر على ما اصطُلِحَ على تسميته بسوريا المفيدة، وتركيا التي تسيطر على جزء كبير من شريطها الحدودي مع مناطق غرب نهر الفرات من الجانب السوري، والبلدان ينسقان، مع إيران، تحت مظلة محور أستانة.
الجغرافيا الوحيدة التي بقيت خارج سرب «المحور» ذاك كانت مناطق شرق الفرات، التي تسمى سوريا الغنية؛ وذلك لوجود خزان سوريا النفطي والغازي والمائي والزراعي الأكبر، وهي ضمن النفوذ الأمريكي، حسب اتفاقات كيري لافروف منتصف عام 2016. لكن ما كان جلياً أن لا هدف استراتيجياً للولايات المتحدة في تلك المنطقة، وكانت تستخدمها كورقة للمساومة مع خصمها الدولي روسيا، وعدوها في المنطقة إيران، وكذلك حليفها المتمرد تركيا. غياب الاستراتيجية الأمريكية كان واضحاً في تردد الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس باراك أوباما في التدخل بشكل مباشر في المعضلة السورية، إلا في التلويح بالتدخل العسكري أواخر عام 2013 الذي انتهى حينها بصفقة مع الجانب الروسي قضت بتسليم الحكومة السورية لترسانتها الكيماوية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية. واختلف الأمر قليلاً مع الرئيس دونالد ترامب الذي شن ضربتين عسكريتين، بالاشتراك مع فرنسا وبريطانيا، ضد أهداف للجيش السوري قالت إنها تصنع مواد كيماوية تستخدم ضد المعارضين.

سيكون على الكرد الاختيار من بين خيارات قاسية وهم الذين كانوا أكبر المنتصرين في الحرب السورية التي خسرها الجميع

لكن إعلان الرئيس الأمريكي في مارس 2018 عن خطط لسحب قواته من سوريا لغياب النجاعة الاقتصادية لوجوده هناك، أكد الفرضية القائلة بالتعامل التكتيكي لواشنطن مع الملف السوري، ولم يكن التدخل الفرنسي حينها وضغوط المستشارين العسكريين وكذلك الدعم المالي السعودي للبقاء في سوريا، سوى تأجيل للقرار الرئيسي المتمثل بالخروج، ولم يثنِ كل ذلك ترامب عن العودة إلى قراره بالانسحاب من سوريا، وهذه المرة بجدول سريع وكامل للانسحاب، ولا تلغي تصريحات المسؤولين الأمريكيين اللاحقة، حول تشذيب الخروج من سوريا شيئاً من وضوح هدف إدارة الرئيس ترامب، الذي ضرب آراء كل المنتقدين عرض الحائط، بدءاً بوزير دفاعه جيمس ماتيس، الذي استقال بعد خلافاته المتكررة مع الرئيس ترامب، مروراً بالمبعوث الأمريكي للتحالف بريت ماكغورك، وليس انتهاءً بنواب بارزين في الكونغرس.
الانسحاب الأمريكي خلط الأوراق في المشهد السوري بطريقة درامية، فتركيا باتت اليوم مترددة أكثر من أي وقت مضى في إطلاق عمليتها المرتقبة للهجوم على مدينة منبج (غرب الفرات) كمقدمة لعملية أكبر في شرق الفرات (منطقة النفوذ الأمريكية) والقضاء على مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي المتمثل بالإدارة الذاتية المعلنة منذ يناير/كانون الثاني 2014 بالمقابل فإن روسيا الاتحادية تشكك بجدية الانسحاب الأمريكي، وتربطه بالأفعال، لا بالأقوال، وهذا ما ينطبق على موقف حليفتيه؛ دمشق وطهران. تريد واشنطن إعادة تركيا إلى الحضن الأمريكي وإبعادها تدريجياً عن موسكو، وكذلك ضمّها لمحور الدول المحاصِرة اقتصادياً لإيران. أما دمشق فتريد إعادة سيطرتها على كامل شرق الفرات قبل أي عملية تفاوض في مسار جنيف، ولن ترضى بنفوذ تركي أكبر من ذلك الذي تراه الآن في سوريا، حيث تسيطر أنقرة على أجزاء كبيرة من الشريط الحدودي مع سوريا في محافظة إدلب ومدن عملية درع الفرات (الباب وإعزاز وجرابلس) بالإضافة لمدينة عفرين.
سيكون على الكرد الاختيار بين خيارات قاسية للغاية، وهم الذين كانوا أكبر المنتصرين في الحرب السورية التي خسرها الجميع، فمناطقهم كانت الأكثر أمناً في البلاد، لكن بقاء الحال من المحال. خيارهم الأول هو المواجهة مع تركيا في سيناريو مكرر لذلك الذي كان في عفرين، والذي دفعوا على إثره أثماناً باهظة، ولم يقبلوا العروض أو النصائح التي طلبت منهم التصرف بواقعية في مواجهة دولة أطلسية لها مصالح كبيرة مع القوى الكبرى. هذا الخيار سيكون بمثابة غلطة اللغّام، التي لن يستطيع الحصول على فرصة أخرى بعدها. أما الخيار الآخر فهو التفاوض مع الحكومة السورية، الرافضة بصلابة لأي طرح للإدارة الذاتية القائمة في شمال وشرق سوريا، وتريد أن يتم الاتفاق وفق قانون الإدارة المحلية رقم 107 المثبت دستورياً بالمادتين 130 و131.
المرحلة الآن دقيقة للغاية في الشمال السوري، وعليه فإن على حزب الاتحاد الديمقراطي الابتعاد عن الصلف السياسي الذي يتبعه مع مخالفيه، وإيلاء الاهتمام اللازم بالآراء التي لم يعتد سماعها طيلة فترة حكمه، والتخلي عن المشاريع الطوباوية التي تدفع بالمنطقة إلى الهاوية. قد تكون روسيا الاتحادية هي التي تملك مفتاح الوصول لحل مقبول بين الكرد والحكومة السورية، عبر الضغط على الجانبين لتقديم تنازلات تفضي إلى حل ينهي هذه القضية بأقل الخسائر، وتجنب المنطقة وأهلها مصيراً مجهولاً قد يتعدى ما حصل في عفرين.
*كاتب سوريّ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية