في عام2020 نشرت في صحيفة «القدس العربي» مقالاً حول قراءة الأكاديمي الفرنسي المختص بشؤون العالم الإسلامي أوليفييه روا لمستقبل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا. كان روا لا يرى في «العثمانية الأردوغانية» صورة دينية، بقدر ما يرى أنها نسخة أكثر محافظة من القومية، وكان يدلل على ذلك بحادثة تحويل متحف «آيا صوفيا» إلى مسجد، ليقول إن دوافع تلك «الاستعادة» لم تكن التعصب الديني، وإنما لأن فيها استعادة للمجد العثماني، الذي يمثل روح القومية التركية. هذا يفسر، وفق روا، ابتهاج أحزاب علمانية قومية ودعمها لهذا القرار.
شيء آخر كان لافتاً في قراءة روا وهو أنه لم يكن ينظر لحزب «العدالة والتنمية» كحزب إسلامي، ويلاحظ في هذا أن الحزب لم يسع لفرض أيديولوجية إسلامية في الفضاء العام، بل ترك جماعات كجماعة فتح الله غولن تتمدد عبر المساجد والمدارس من دون مضايقة. السمة الإسلامية الأبرز كانت إقرار حرية ارتداء الحجاب ومن المعلوم اليوم أنه ليس شيئاً خاصاً بالحزب الحاكم، حيث تابعنا إصرار القوميين المعارضين على تثبيت هذا الحق، بل ذهب كليجدار أوغلو زعيم «حزب الشعب الجمهوري» وأحد أبرز الوجوه المعارضة، إلى ما هو أكثر من ذلك وهو، الاعتذار عن الفترة السابقة التي دعم فيها تياره قوانين حظر الحجاب.
تبقى الانتخابات التركية مهمة بسبب تأثيرها المحتمل على سياسات الهجرة واللجوء ومصير المقيمين الأجانب، في حال تم تبني سياسة مضادة لسياسة «الباب المفتوح» الحالية
قراءة روا كانت موضوعية، لأنها لم تسع لاختزال المشهد الانتخابي التركي في صورة المعركة بين علمانيين وإسلاميين. في الحقيقة فإن الإسلام لم يكن يشار إليه في أدبيات ومخاطبات الحزب، إلا كجزء من الهوية التركية، حيث لم يحدث أن صرّح أحد المسؤولين بأن هدف الحكومة هو إسلام الناس، أو تحقيق الشريعة، أو غير ذلك من الدعايات المشابهة التي تطلقها الأحزاب الإسلامية التقليدية الواصلة للسلطة أو المقتربة منها. كان برنامج الحكومة الرئيس هو مضاعفة المكاسب الاقتصادية وتعزيز المكانة السياسية والثقل الجيبولوتيكي لتركيا، إضافة إلى ترسيخ الديمقراطية عبر الحد من تدخل العسكريين في السياسة، كل تلك أهداف لم يكن أحد ليختلف عليها، فكان الجميع يرغبون بحياة أكثر رفاهية، كما كان الجميع يرغبون في أن تستعيد بلادهم أمجادها ووزنها التاريخي. منذ بداية القرن الجديد كان الاقتصاد التركي في حالة صعود ساعد عليها الاستقرار السياسي، كان ذلك الاستقرار طويلا مقارنة بعموم تاريخ الدولة التركية الحديثة، الذي تراوح ما بين الانقلابات والحكومات الضعيفة والائتلافات الهشة، التي كانت تجعل مهمة الاتفاق الحكومي على سياسة ثابتة وموحدة صعباً. يبدو هذا الأمر واضحا على الصعيد الاقتصادي، فالاستقرار السياسي عامل مهم لجذب الاستثمارات، وكسب ثقة رجال الأعمال وفقدانه سببا أساسيا في هروب رؤوس الأموال. أثر الاستقرار لم يكن اقتصاديا فحسب، وإنما ظهر في الجيبوبوليتيك أيضاً، فلا نظن أنه كان بإمكان تركيا أن تحظى بهذه المكانة في منطقة البحر الأسود، أو أن تلعب الدور الدبلوماسي الذي لعبته إبان الحرب الأوكرانية، والذي كان الوصول لاتفاق تصدير الحبوب من أهم منجزاته، إن كانت القيادة تمتلك أصواتا مختلفة.
الجديد في انتخابات هذا العام، التي تتصادف مع مئوية ولادة الجمهورية الحديثة على يد كمال أتاتورك، هو أنها ستجري والاقتصاد في حالة تعثر مع نسبة تضخم كبيرة جعلت رواتب ومدخرات المواطنين تتآكل وتضعف. إئتلاف المعارضة يحاول الاستفادة من هذه الظروف محاولاً طرح نفسه بديلا ومنقذا. على الصعيد الشعبي يبدو الانقسام واضحا بين أنصار الحزب الحاكم، وأعداد ممن يرون أنه حظي بفرصة كافية، وأنه حان وقت تنحي الرئيس، الذي حظي بمنصب رئيس الوزراء لأول مرة قبل عشرين عاما. يركز الفريق الأول على المنجزات الكبيرة التي تم تحقيقها خلال عقدين من الزمان، وعلى صمود تركيا أردوغان في وجه تحديات استثنائية كالإرهاب وأزمة اللاجئين ومحاولة الانقلاب وجائحة كورونا، فيما يرى الفريق الثاني أن «العدالة والتنمية» تلاعب بمشروع أتاتورك، وبدأ بتغيير هوية البلاد التي لم تعد علمانية بالشكل الذي يريدونه، كما يحمّل هؤلاء الحزب مسؤولية انكماش الليرة وتراجع الاقتصاد. بين الفريقين يقول محللون إن فقدان «العدالة والتنمية» مؤخراً لمنصب العمدة في مدن مهمة كإسطنبول وأنقرة وإزمير يدل على التراجع الكبير في نسبة الشعبية، ما قد ينبئ بمفاجأة على مستوى الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية. انتخابياً يتوزع المشهد ما بين التحالف الحاكم بقطبيه «العدالة والتنمية» و»حزب الحركة القومية» وما بات يسمى بـ»الطاولة السداسية»، التي تجمع الأحزاب الأربعة المعارضة لمشروعات الرئيس أردوغان، وعلى رأسها رئاسية النظام، بجانب حزبين انشق قادتهما عن «العدالة والتنمية» وهما: «المستقبل» برئاسة أحمد داود أوغلو و»الديمقراطية والتقدم» برئاسة علي باباجان. من ناحية يمكن النظر لهذه «الطاولة» كتحدٍ إضافي لـ»العدالة والتنمية»، خاصة أن وجود الحزبين المنشقين كان على حساب جمهور التحالف الحاكم، لكن من ناحية أخرى فإن التشاكس واختلاف الرؤى بين الأحزاب المعارضة، التي لم تستطع حتى اليوم تقديم مرشح موحد لها، يجعل هذا التحدي معكوساً، فحتى الآن يُظهِر جميع قادة الأحزاب أنفسهم بصورة القادرين على إدارة المجموعة، وعلى النجاح في حال الترشح لرئاسة البلاد، وهو ما يجعل خوض الانتخابات بعدد من المرشحين المنفصلين خيارا واردا. أحمد داود أوغلو الداعم لفكرة المرشح الواحد لكن القلق من وزن حزبه في مقابل أحزاب أخرى، يرى أن من المهم أن تستمر أعمال «الطاولة السداسية»، حتى بعد الفوز بالانتخابات، وأنه يجب على الرئيس الذي تقدمه المجموعة أن يتشاور مع التكتل قبيل اتخاذ أي قرار. بهذا الصدد يقترح البعض أن يحظى قادة الأحزاب الأخرى، التي لا يكون الرئيس من بينها، بمناصب نواب الرئيس وبوزارات. السؤال هنا هو أنه، وفي حالة القبول بذلك، فإلى أي مدى يمكن أن يخلق هذا التوزيع توازناً ومشاركة مرضية في توزيع السلطة واتخاذ القرار؟ حل معروض آخر لمشكلة التوافق يقترح أن يكون الرئيس، ممثل المجموعة، من خارج الأحزاب الستة. من الناحية العملية تكمن صعوبة هذا الحل في أنه يفترض أن تكون هذه الشخصية المطلوبة قومية ووسطية ومقربة للجميع بشكل لا يجعل أي أحد يعترض عليها. خارج إطار التنافس الحزبي تبقى الانتخابات التركية مهمة بسبب تأثيرها المحتمل على سياسات الهجرة واللجوء وعلى مصير الملايين من المقيمين الأجانب، في حال تم تبني سياسة مضادة لسياسة «الباب المفتوح» الحالية، والتي سمحت لأعداد كبيرة بالإقامة والتجنس والعمل. على سبيل المثال تبدو مدينة «إسطنبول» اليوم كوزموبوليتانية وأقرب لصورة إسطنبول التاريخية، التي كانت تجمع بين ضفتيها جميع الأديان والثقافات والأعراق. هذه الصورة يخشى كثيرون أن يتم فقدها، إذا ما تصدر معادون للأجانب المشهد السياسي.
على صعيد الخريطة الدولية، وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات، تبدو تركيا في مرحلة مفصلية من تاريخها الحديث، فالدولة التي تملك الترسانة الأكبر في حلف الناتو، بعد الولايات المتحدة، والتي استطاعت لعب أدوار مهمة لخدمة أمنها الوطني في جوارها، كما استطاعت أن تخلق نفوذاً وتأثيراً يمتد من البلقان والبحر المتوسط وحتى القارة الافريقية، هذه الدولة هي الآن في مفترق طرق، فإما أن تواصل طريق النهضة أو أن تغرق لوقت طويل في برك التشاكس السياسي.
كاتب سوداني
بسم الله الرحمن الرحيم
العلويون هم ثلث سكان تركيا اختاروا أن يكونوا طائفةمستقلة عن الإسلام وهذا امر في غايه النزاهه ومن أبناء الطائفة كليجدار أوغلو زعيم «حزب الشعب الجمهوري الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية القادمة
وبسبب تهميش العدالة والتنمية التركي للعلويين استقطبهم حزب الشعب الجمهوري والذي اصبح اسمه الحقيقي لو صح التعبير :حزب العلويين الأتراك!
استبعاد أكرم إمام أوغلو (رئيس بلدية إسطنبول) بصدور حكم قضائي عليه ديسمبر/كانون الأول الماضي بالسجن نحو 3 سنوات، بعد إدانته بإهانة أعضاء الهيئة العليا للانتخابات خدم فرص فوز كليجدار أوغلو بالرئاسة التي يريدها وفق نظام برلماني وهذا في قمه التوازن بينما ارادها رفقاؤه في الطاوله السداسيه المعارضه ان تتحول الى مجلس رئاسي يرافق الرئيس في قراراته بما يشبه الوصاية
كليجدار أوغلو لوحده بمشروعه الوطني سينقذ تركيا
“على سبيل المثال تبدو مدينة «إسطنبول» اليوم كوزموبوليتانية وأقرب لصورة إسطنبول التاريخية، التي كانت تجمع بين ضفتيها جميع الأديان والثقافات والأعراق. هذه الصورة يخشى كثيرون أن يتم فقدها، إذا ما تصدر معادون للأجانب المشهد السياسي”
أعجبتني تلك الفقرة في المقال كله، والحقيقة أن انتخابات تركيا مهمة للغاية في هذه السنة لأن الغرب الذي أطاح بالخلافة العثمانية وأقام مقامها حكومة منزوعة الأظافر وعميلة وتابعة دوماً للفلك الغربي، وحاول فاشلاً بكل السبل الإطاحة بالرئيس أردوغان يريد أن تعود المياه إلى المجاري التي أرادوا أصلا من إسقاط الدولة العثمانية قبل مائة عام، الاّ أنه يبدو أن مشيئة الله تريد غير ذلك.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.