على المستوى الرمزي، يعتبر غلق منافذ العاصمة على المواطنين ضربة موجعة تبين الهوة بين المركز والأطراف. وأن المدينة لا تقبل بالغرباء. فهل ما زالت تبعات غلق الأبواب التاريخية للمحروسة على من ليسوا من سكان حاراتها ولأنهم “برّانية “؟
وهل بقيت في المدينة تلك الأبواب في زمن الفوضى العمرانية واقتلاع الأبواب والأسوار. لم يبق من الأبواب إلا أسماءها. تفشي لقطات التلفزيون الرسمي سر الحواجز على كل منافذ الجزائر العاصمة والتي ضيقت على عشاق المدينة وعلى من هم بحاجة لخدماتها الكثيرة، التي لا تعد ولا تحصى. حالها حال المدن المركزية جدا جدا.
عاصمة من العواصم التي لا يمكن العيش خارجها وباستقلالية عن مؤسساتها ووزاراتها ومستشفياتها. القاطنون فيها يغادرون خارجها للعمل، والخارجون عنها يأتون إليها للعمل. حركة دؤوبة مستعصية زادها الغلق المحكم سوءا، الأمر الذي يجعل الوافدين عليها في وضع محرج. فمن يدخل العاصمة إلا من له قلب حديدي مقاوم، وفي ظروفه قاهرة. موعد عند طبيب، دراسة في الجامعة وامتحانات آخر السنة التي علقت للدخول الجامعي الجديد. تلاميذ الأطوار الأولى من يدرسون بعيدا عن مقر سكناهم.
كل المنافذ لا توصل للمدينة ولا سيما الشرقية منها. الطرق مقطوعة، وحتى الرجوع عن العزم في مغازلة المدينة غير اللعوب ليس بالسهل أبدا.
يمكن أن يموت المتألم بسيارة الاسعاف، ويرتفع ضغط وسكري المتنقل بسيارته. ولنعد الحوامل والمسنين والأطفال ومعاناتهم. وينقضي اليوم بتوتر الأعصاب وانقطاع الأنفاس. ولسنا ندري هل ستكون التغيرات
في البلاد بحجم المسيرات السلمية ذات النفس الطويل.
وهل ستتغير ملامح المدينة وتصبح هوى الجميع وهي تفتح ذراعيها للسهر والحياة الثقافية والنشاطات المختلفة وأن لا يحس الإنسان الغريب عنها بالعداء وهي تصد أبوابها قبل المغرب، وتنظر بعين الازدراء لمن يمشون في شوارعها بعد ساعات الحظر الاجتماعي والثقافي.
المحروسة تختنق من الحصار المضروب عليها لحمايتها والخوف عليها من بشر يأتون إليها مستبشرين خيرا في أن تحل مشكلاتهم اليومية المزمنة.
بأي لغة سيتكلم الموريتانيون؟
هل ستتغير المقولة بأن موريتانيا بلد المليون شاعر؟وهل حتما هؤلاء الشعراء كلهم عرب بمختلف لهجات؟ هل ستصبح المقولة أن موريتانيا بلد الأقوام المختلفة لسانيا وثقافيا؟ هل فعلا ستختفي العربية كلغة تؤطر جميع اللغات بالتعالي أو بتفاوت الانتساب الى المركز والرقي الاقتصادي والثقافي والاجتماعي؟ هل المشكل في اللغة في حد ذاتها أم المشكل سياسي يدفع بالمشكل اللغوي للواجهة لتغذية مختلف النعرات النائمة؟
قد يكون كل ذلك موجودا وتغذيه المناسبات العالمية التي صنعت لكل شيء عيد. أعياد يمكن أن يحدث الاجماع عليها بكل أريحية، وأخرى تبدو كقنابل موقوتة في المجتمعات المغلوبة على أمرها والمثقلة بالمشاكل البيئية والاقتصادية والثقافية. فالاحتفال العالمي باللغات الأم لا يمكنه أن يمر في موريتانيا وبلداننا المغاربية دون وقفة أحيانا تصالحية، وأحيانا أخرى استفزازية ومنغصة لطرف على طرف آخر.
والمتأمل لهذه المناسبة يدرك أنها جاءت للحفاظ على اللغات التي باتت هشة والتي تنقرض كل يوم وبذلك ينقرض عالم من التجارب والمعارف. موريتانيا المختلفة طوعا أو كرها عن باقي بلاد المغارب بسبب موقعها وتكوينها الاجتماعي والثقافي. لا يمكنها أن تشذ عن اشكالية اللغة العربية التي أصبحت تطرح فيها بحدة في كل مناسبة. واللغة العربية وموقعها الامتيازي وأفضليتها أصبحت في عين الاعصار. لغة قوم من الأقوام للسيطرة على باقي الأقوام الأخرى والقبائل، بإلباسها لباس الدين لإحكام شرعيتها. والدين بريء من ذلك لأن المجتمعات الإسلامية لا تحكمها قوانين اللغة العربية، بل خلقت المجتمعات مختلفة الألسن والطبائع. والمجتمع الموريتاني في غالبيته من المكونات الزنجية والتي لا تتكلم العربية كلغة يومية. هكذا يمكن للمبالغة أن تبين أن اللغة الأولى والمتفق عليها هي الفرنسية. فلا يمكن أن يجتمع الموريتانيون على طاولة واحدة لمناقشة أمر من الأمور إلا بالفرنسية، فلا وجود للعربية. فأولى لموريتانيا أن تعيد النظر في مكانة اللغات الموجودة بها كالبولار وغيرها من اللغات المحلية إلى جانب العربية. وليس اعتماد الفرنسية وفرضها على المجتمع وإن رغبت في ذلك النخب.
لكن وبالرغم مما يمكن قوله فإن العربية شقت طريقها لغرب افريقيا منذ القديم وكتبت ملايين المخطوطات بها وشكلت تاريخا حضاريا لا يمكن إهماله أو الاستغناء عنه وإن أهملته الشعوب المحلية. فاللغات لا تحيا بمراسيم دولية ولا بقرارات سياسية. اللغات تحييها المجتمعات وسياقاتها المتطورة والمتوازنة.
ورطة شدى تيفي وعادل الميلودي
أثارت تصريحات الفنان عادل الميلودي في برنامج “ذا كتبي تونايت”، ليس فقط ردود أفعال مندّدة، بل دفعت بالمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري في المغرب أن يوقف البرنامج مدة ثلاثة أسابيع وأن تذاع القرارات بشأن ما حدث في البرنامج نفسه وبنفس توقيته. جاء القرار خلال جلسة السابع عشر من الشهر الجاري وتم نشره في الجريدة الرسمية.
منذ أكثر من شهرين وفي جو من التندر وأحداث أجواء المرح، مهما كلف الأمر. وبردود فعل تلقائية أكثر من اللزوم صرح الفنان أن “من لا يضرب زوجته ليس برجل” وأضاف أن “أي رجل لديه زوجة يحافظ عليها بضربها أو بقتلها، فهذا يعود إليه”. هي ترجمة لعبارات باللهجة المغربية تستعمل في كل الأوقات في البيوت والشوارع. ويؤمن بها الكثير من الناس ومن مستويات مختلفة. لكن التصريحات في قنوات رسمية، تبدو سابقة خطيرة وجنحة يعاقب عليها القانون، باعتبار ذلك محرضا على العنف ضد النساء ومشيدا به وربط كل مظاهر العنف ضد المرأة بالرجولة. وتكريس الصورة النمطية التي تقلل من قيمة المرأة كإنسان وكفاعلة في المجتمع. وإن كان عادل الميلودي “مجنون” فالمحاور عليه أن يكون عاقلا. لكنه لم يأبه لخطورة هذه التصريحات. بل تفاعل معها بالضحك والفكاهة. ربما هي الصورة التي تقبع في المخيلة الجماعية عن العلاقات بين الجنسين وتفوق الرجال على النساء والتي أصبحت تروج لها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. الخلل أصاب جميع الفضاءات والمؤسسات.
تصرف “الهاكا” بهذه الطريقة، جاء أيضا نتيجة الشكاوى العديدة التي تقدم بها نشطاء وجمعيات الدفاع عن حقوق المرأة.
عادل الميلودي من الشخصيات المثيرة للجدل. وربما أعطيت له قيمة أكثر مما يستحق، كما صرح بذلك أخوه الأستاذ الجامعي بعد قضية إثبات النسب التي رفعت ضده من طرف شابة وشاب يدعيان أنهما إبناه.
أصبح دور الإعلام الانشغال بالحياة الخاصة للفنانين وجعل مشاكلهم من صميم قضايا الرأي العام، بعدما زهد الناس بالسياسة وقضايا المجتمع الكبرى. وبعدما أصبحت القضايا الجوهرية مجرد أخبار متفرقة، ونزوات الأفراد حديث الناس ومصدر اهتماماتهم!
كاتبة من الجزائر