الحرية الفكرية الإعلامية بترول لبنان

حجم الخط
26

أياً كانت محصلة التحركات الشعبية الغاضبة في لبنان، من المهم المحافظة على حرية الأبجدية قولاً وكتابة.
فما يخطه الصحافي مثلاً في لبنان يعبر غالباً عن شجاعته وصدقه، بل وعن القدرة على النبوءة حتى بالتظاهرات الحالية، مما يجعل من لبنان (على الرغم من عثراته وكوارثه الأخرى) عاصمة للحرية الشعبية ترفض الفساد الفاجر الفخور بنفسه، لكن حرية القول في لبنان ما زالت مصانة، (حتى لحظة كتابة هذه السطور!)، ولم يستطع أحد المس بها، فصناعة الكمامات لم تصل إلى لبنان على الرغم من المحاولات الكثيرة لجعلها صناعة محلية.. والحرية خط أحمر!

أبجدية بلا أقنعة وفساد فاجر

يكتب مثلاً عبد الوهاب بدرخان تعليقاً على شكر «حزب الله» للبنان برئاساته الثلاث (أي الدولة) وجيشه وشعبه وإعلامه على حسن سلوكهم (!) خلال الفصل الأخير من المواجهة بين «المقاومة» وإسرائيل.. ويجد بدرخان الشكر ملتبساً ومدعاة للقلق. لماذا؟ لأنه يكرس واقع الدويلة» التي تحكم «الدولة»! ويختم قوله: «الدويلة» خرجت أقوى من «الدولة» وأكثر خطراً على لبنان واللبنانيين. وقد اخترت هذا القول وسواه مما نشر قبل الانفجار الشعبي لما فيه من براعة رصد المأساة اللبنانية حتى النبوءة بالتحركات الحالية، كصفارة إنذار.

أفرغتم الخزينة في جيوبكم

يكتب الياس الديري تحت عنوان «.. ولمن يشكو اللبناني البائس» معرياً تعاسة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين حيث اختلطت المسؤولية (بالفلتان). مضيفاً: إن أحداً لم يسمع بقرار أو خطوة أو اجراء في حق ميليشيات المليارات.
أما راجح خوري فيلخص المأساة اللبنانية في عنوان اتهامي واحد بارع هو «افرغتم الخزينة في جيوبكم».

نايلة تويني وصرخة مختزلة

تحت عنوان «لبنان الغارق في السجالات: المطلوب واحد»، تكتب التويني: البلد في أزمة اقتصادية خانقة، ويكاد يواجه خطر الانهيار فيما هو منشغل بما قاله السيد حسن نصر الله وبالعميل عامر فاخوري. وينطبق علينا قول السيد المسيح لمرتا «مرتا يا مرتا، أنت مشغولة بأمور كثيرة والمطلوب واحد» وتضيف: قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله: نحن نخوض معركة كبرى، ومخيمنا تحاول أمريكا وإسرائيل أن تحاصره. قائد مخيمنا اليوم هو الإمام الخامنئي ومركزه الجمهورية الإسلامية الإيرانية…»، وتتابع بشجاعة: يمكن للسيد حسن نصر الله قول ما يشاء، وقوله لا يعني أكثرية اللبنانيين، بل إن الأكثرية تعارضه. صحيح أنه يمسك ببعض القرار الأمني، خصوصاً إدخال لبنان في الحرب، لكنه لا يملك القرار السياسي ولن يملكه في بلد متعدد إلى هذا الحد الانقسامي». وباختصار: حين تطالع معي بعض ما كُتب قبل الانفجار الشعبي تجد نفسك أمام نبوءة بها.

قطر على «صخرة الروشة»

إنها تلك الصخرة الشاهقة في البحر البيروتي ـ منطقة الروشة، وكانت من زمان تدعى «صخرة الانتحار» لأن أحدهم تسلقها ورمى بنفسه من علٍ ليموت منتحراً.. وقد شاهدت (حين كنت في بيروت قبل أسابيع) على تلك الصخرة بالضوء ليلاً شعار مونديال 2022 في قطر، وقد استوحي الشعار من الشال (الوشاح) الذي يرتديه الناس في المنطقة العربية. وأحببت ذلك لأنه يعبر عن روح بيروت المنفتحة لكل عطاء والمعانقة لكل نشاط عربي إنساني حيوي بما في ذلك الرياضي. وذلك لن ينسينا طبعاً المآزق المالية والسياسية التي يعيشها الوطن الحبيب لبنان، لكن قدرته على الاحتضان تظل مثار إعجاب.

فن الكاريكاتير يلخص واقع الحال اللبناني

يعجبني في «القدس الأسبوعي» نشر اسم رسام الكاريكاتير تماماً كما يتم نشر اسم كاتب أي مقال من مقالات الصحيفة.
في بيروت ثمة ظاهرة غير حضارية لم تعجبني، وهي أن بعض المجلات والصحف لا تنشر اسم راسم الكاريكاتير، وفي بعضها يوقع الفنان باسم غير مقروء غالباً.
الكاريكاتير فن راق كما كتابة الأبجدية، بل إنه يمتاز على الأبجدية بأنه ليس في حاجة إلى ترجمة إلى لغة أخرى، ويمكن أن يصل لأي قارئ في العالم بلا مترجم…
وفن الكاريكاتير اللبناني في بعض الصحف بالغ الرقي.
كاريكاتير أرمان حمصي، مثلاً، يعادل مقالاً كاملاً.. أذكر على سبيل المثال كاريكاتيراً له يمثل «معصرة حامض» ضخمة، وعشرات الأيدي تمتد نحو اللبناني (الليمونة) لمزيد من (عصره) مالياً، كما لو كان ليمونة فقط في نظر بعض كبار المسؤولين لا تصلح لغير عصرها!.. ويغيظني في لبنان كثرة المجلات والصحف التي تنشر كاريكاتيراً دون ذكر اسم مبدعه.

طفل نبشوا قبره لأنه سوري!

أتضامن بلا تحفظ مع المنظمات اللبنانية التي تتعاطف مع النازحين/اللاجئين السوريين مطلقة حملة ضد العنصرية. أتفهم ضيق صدور اللبنانيين بأكثر من مليون لاجئ سوري في وطن عدد سكانه ثلاثة ملايين فقط تقريباً، ما يسبب أزمة في اللقمة وفرص العمل. لكن السوري اللاجئ ليس مسؤولاً عن تلك المأساة المشتركة.
كسورية/لبنانية، يؤلمني أن يضيق صدر مقبرة لبنانية بجثمان طفل سوري ويتم طرده منها بعد نبش قبره. وأشكر من قلبي كله ذلك اللبناني الذي تبرع بأرض يملكها لتكون مقبرة خاصة بالسوريين.. وأصلي لعودة السلام إلى الأوطان، فاللاجئ لا يحلم بغير العودة إلى بيته وداره ويعرف المثل الشامي: «من غادر داره قَلَّ مقداره»، وأيضاً «الحجر في مكانه قنطار».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية للسيدة غادة وللجميع
    لا شك ان لبنان كان ولا زال في مجال الصحافة والاعلام يعتبر رائدا للحريات على عكس دول الخليج التي تمتلك وسائل اعلام كبيرة لكن اعلامها المحلي وحرية الراي لابناءها معدومة باستثناء الكويت نوعا ما واختلف مع راي الفنانة افانين كبة بان الرخاء الأقتصادي يقود الى التعايش السلمي في اية مجتمع مهما اختلفت أجناسهم وأطيافهم لذا نراهم يرحبوا باللاجئين في الدول النامية فلو ان الامر صحيح لكانت دول الخليج كذلك وهي التي تعامل العمال الاجانب باسوء الاساليب .

    1. يقول أفانين كبة - كندا:

      الأخ سلام عادل ، شكرا على الملاحظة . الصحيح وما قصدته هو في الدول المتقدمة ( كما صححته ملحقا بالتعليق ) التي فيها القانون قوي يحترم ويحمي المواطن والأجنبي معاً مازال انه في اراضيه ولا يسمح بأية تجاوز للقانون ، وهذا ما تفتقر اليه الدول النامية حيث القانون فيها ضعيف وله استثناءات في تطبيقة . أما عدم استقبالهم للاجئيين فأسبابها سياسية أكثر من اقتصادية .

  2. يقول موسى الخميسي:

    لماذا هذا الصمت من قبل الكتاب العرب الذين حملت لهم قلوبنا محبة واعتزاز، عن المجزرة المفتوحة في العراق التي راح ضحيتها اكثر من ٢٥٠ شاب وشابة، انتفضوا منذ الأول من شهر أكتوبر ولا زالوا إلى هذه اللحظة في ساحات وشوارع المدن العراقية، ضد فساد برابرة الإسلام السياسي؟

    1. يقول اسامة كلية:

      حياك الله ياأخي موسى الخميسي، تعليق رائع اعتقد السبب هو هذا الصمت الاعلامي ويعود الى التعتيم الاعلامي الذي تمارسة السلطات العراقية والدعم الفاضح من نظام ايران المتسلط. الامر في الوقت الحاضر شبيه الى حدما بالثورة السورية، الا ان الحقيقة هي ان الشعب العراقي يقوم بثورة رائعة والثورة مستمرة وليس فقط في العراق

    2. يقول تونس الفتاة:

      @موسي ….كما تعرف انا من تونس و ان كان هناك شئ امقته مثل اغلب التونسيين هو الطائفية و التقسيم على اساس دينى و طائفى…و استعمال الدين فى السياسة و التجارة به…..نعم هناك صمت على قتل الشباب العراقى و الشابات العراقيات ( شباب مدنى بالأساس ) من طرف حكومة اسلام سياسي بالتعاون مع مليشيات طائفية أو مذهبية من اتعس ما يكون….نعم لعراق مدنى ديمقراطى يكون فيه العراقى ….مواطن قبل ان يكون شيعى او سنى او مسيحى ….نعم يجب الوقوف لهؤلاء الطائفيين و مستعملى الدين فى السياسة و فضح اجرامهم سوى كانوا شيعة او سنة ….

  3. يقول تونس الفتاة:

    ليس هناك سر الديمقراطية و واحترام القيم الانسانية لا تنحح فى المجتمعات الامية والجاهلة و الموميائية ….بل تنجح فى المجتمعات المتشبعة بالمدنية و المواطنية و احترام الاختلاف و المساواة بين المواطنين و المواطنات بدون تميز. يعنى المجتمعات الحية و العقلانية فى نفس الوقت….اقرب شعب لتفكير لبنان المدنى ( الذى يرفض الطائفية ) هى تونس و هذا ليس غريب فنحن احفاد لنفس الاجداد و نتقاسم جزء كبير من التاريخ….كل الحب للبنان الغالى على قلوب التونسيين واكيد الحراك اللبنانى فيه رائحة الياسمين التونسي ….

    1. يقول Ahmad/Holland:

      كلام تونس الفتاة هو صحيح.و تأكيدا على كلامه اول ما قامت الثورة في تونس كانت هناك مقابلة مع محمد حسنين هيكل باعتباره خبير و مخضرم وكان السؤال موجه لحسنين هيكل :هو هل ستمتد الثورة لبلد عربي اخر؟فأجاب حسنين هيكل وقال اتوقع ان تبدأ في لبنان لأن لبنان مشابه لتونس ويوجد اشياء مشتركة .

    2. يقول اسامة كليٌة:

      اخي تونس الفتاة، الأصل واحد فينيقي

    3. يقول تونس الفتاة:

      شكرا ايها الاصدقاء على التفاعل …انا لم اشاهد تعليق السيد حسنين هيكل ….لكن نفس الاسباب الموضوعية تؤدى الى نفس النتائج….انطلاقا من ثقافتنا اصعب شئ فى الديمقراطية هو قبول الاخر المختلف مهما كان الاختلاف ….اذا وصلت بعض المجتمعات الى ادنى قبول بالاختلاف ….فهى فى الطريق الصحيح….و اللبنانيين كما التونسيين اغلبهم يقبلون الاختلاف و لو باستعمال عين واحدة !!! ….و ثقافة الاختلاف هى كسر لنمط مجتمعى كامل بنى على القوالب الجاهزة و المستعملة منذ قرون ….عجلة التاريخ لا تعود الى الوراء و المجتمعات التى نعيش فيعا قررت ان تنهى الاستعباد والدكتاتورية و الاستبداد مهما كان نوعه و على راسه الدينى و العشائرى و القبلى و الطائفى….و كما قال السيد سعيد العصفور خرج من القفص و لن يعود اليه …..

  4. يقول Abdelaziz Ananou (المغرب):

    بادئ ذي بدئ، تحية لأديبتنا المتألقة دائما غادة السمان.
    .
    قولكَِ يا تونس الفتاة : “(…) وهذا ليس غريب فنحن احفاد لنفس الاجداد و نتقاسم جزءً كبيراً من التاريخ (…)”… هكذا تكون(ين) دخلتَِ في الطائفية والعشائريه والنرجسية… لا ينبعى أن نتعب من أن نقول ونعيد بأن الديموقراطية تربية وثقافة، لا خطابات لا سلطان لها ولا معنى …
    .
    لبنان عرف حربا أهلية طائفية عشائرية على أكثر من عقدين… ومن أسبابها أرضية التعايش كانت هشة ولم يكونوا يدرون… فانفجر الوضع في أول امتحان… وتونس عرفت ديكتاتورية وحزبا واحدا على عقود…
    والآن فالشكر كل الشكر ل صاحب فايسبوك، وكل وسائل التواصل العصرية الأخرى التي سهلت الأمور وفتحت العيون وألغت المسافات… وجعلت التضامن بين الأفراد والجماعات والشعوب، ضد الفسدة الطغاة، عقيدةً… فأخرجته من عالم الإديولوجية إلى الإنسانية وقيمها…

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية