في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، أجبرت الصين وبعد عمليات عسكرية خاطفة أهالي التبت على توقيع اتفاقية مذلة، فرضت من خلالها الهيمنة الصينية على المنطقة، ومسحت من الوجود الدولة الناشئة لأهالي التيبت التي كان يتمتع خلالها الدالاي لاما بسلطة دينية ودنيوية واسعة، ووجهت الصين إهانات متواصلة للقائد الديني الأعلى لديهم، وهو الذي يحظى بمرتبة القداسة، وفق معتقدات أهالي التيبت، وفوق ذلك قامت بهدم مئات أماكن العبادة وقتلت أعداداً كبيرة من الرهبان، وفي النهاية طردت الدالاي لاما نفسه، وما زالت قضية التيبت تستخدم بصورة موسمية في الضغط على الصين، التي يبدو أنها لا تبالي كثيراً بالمقولات الغربية حول حقوق الإنسان، ولا تعترف أصلاً بما يمكن تسميته بحقوق الشعوب في تحديد مصيرها.
الأمر نفسه يجري بالنسبة لمسلمي الأيغور، الذين يعيشيون في إقليم تركستان الشرقي، الذي ضمته الصين بالطريقة نفسها التي استخدمتها ضد التيبت، والصين لا تستهدف هذه الأقلية نتيجة موقفها من الدين الإسلامي، والدين أصلاً ليس العلة الأساسية في القرار السياسي الصيني، وما يخضع له الأيغور هو مصير محتمل لأي فئة من الشعب الصيني، ستحاول الحديث عن تقرير المصير أو الاستقلال. الحياة في الصين ليست النموذج الذي يمكن أن يغري أي إنسان ليلتحق به، الصين تنجح وتتقدم كدولة، ولكن ذلك لا ينعكس على الصينيين بالضرورة، هم يعيشون في حياة أفضل مما كانوا عليه قبل عقود من الزمن، ولكن التحليل النهائي يوصل إلى فكرة أن العيش تحت وطأة النمط الصيني، ليس طموحاً لأي أقلية أو عرقية، مهما بلغت من القوة والتأثير، والأيغور كما أهالي التيبت ضحايا للنموذج الصيني، إلا أنهم يجدون في خصوصيتهم الثقافية وتاريخهم السياسي ما يدفعهم للمطالبة بالخروج من المشروع الصيني.
الصين ليست فاعلاً ثقافياً، ولا تحاول أن تنمط العالم لقبولها، كما تفعل الولايات المتحدة، وفعلته من قبل فرنسا في تجربتها الاستعمارية، فالصينيون الذين يغزون العالم، من خلال شركاتهم، لا يختلطون بالمجتمعات المحلية، ولا يحاولون نشر لغتهم أو ثقافتهم، ولا حتى يحاولون التبشير بالفكر الشيوعي، كما كان الاتحاد السوفييتي يروج لفترة طويلة من الزمن، كما أنهم من أكبر الدائنين للرفاه الأمريكي، الذي يمول منذ سنوات طويلة أيضاً على الاقتراض، ولذلك فإن سنوات طويلة من الاضطهاد كانت تقع على كاهل الأقليات في الصين، من دون أن يسمع أحد صوتاً في الإعلام العالمي يتحدث عن معاناة الأقليات، فالصين عرفت طويلاً كيف تتحرك على رقعة الشطرنج الكبرى في الاستراتيجيات العالمية. يأتي المتغير الأساسي حالياً من واقع دخول الصين في حرب تجارية مفتوحة مع الأمريكيين، يستدعي للذاكرة النموذج الأفغاني، الذي تحرك من قبل الأمريكيين، وبتحالفات واسعة مع الدول الإسلامية، لإثارة الدافع لبناء حركة جهادية واسعة أرهقت الجيش السوفييتي في الحرب على رقعة جبلية وعرة، وكانت من الأسباب التي أدت إلى تداعي تجربة الاتحاد السوفييتي.
الصين لا تبالي كثيراً بالمقولات الغربية حول حقوق الإنسان، ولا تعترف أصلاً بما يمكن تسميته بحقوق الشعوب في تحديد مصيرها
تدفع الولايات المتحدة والإعلام الغربي الكتلة السكانية الكبرى للمسلمين للدخول في صراع مع الصين، وهو الصراع الذي لا يمكن أن يتطور إلى الحل الجهادي، على الطريقة الأفغانية، نتيجة طبيعة شروط اللعبة القائمة بين بكين وواشنطن، وغيرها من العواصم المؤثرة في لعبة السياسة الدولية، إلا أنه سيستدعي توتراً ممتداً، يلقي ببعض الضغوط على الصين، ويغلق الباب أمام مرحلة من التقارب تحركت تجاهها المجموعة العربية للبحث عن حلول خارج أوراق اللعب الأمريكية، وفي هذه الحالة بالطبع سيتحقق للأمريكيين ما يريدونه، بإعادة كتلة الدول الإسلامية، وتحت ضغط المشاعر الشعبية التي تتحرك بدوافع التعاطف الديني، إلى موقف يجعلها مضطرة دائماً للبحث عن ضمانة أمريكية على المستوى الوجودي، وبالتالي استمرارها في الخضوع الكامل للأمريكيين. يريد الغرب صراعاً بالوكالة، ولذلك فإنه يتحرك بعيداً عن مساحة هونغ كونغ، التي بقيت تحت السيطرة البريطانية طويلاً، لتجنب أن تحرجه الصين، ويترك تفاعلات الحديث عن اضطهاد المسلمين في الأيغور لتجد أرضية لبناء صراع جديد، خاصة أنه سيجد تحالفات كبيرة في أعداد المتحمسين له بين المسلمين، وفي توزعهم الجغرافي في مناطق تعتبر فضاء حيوياً حول الصين.
خبرة الصين في ملف التيبت تقف أمامها اليوم، وهي تحاول ألا تسمح بتفاقم قضية الإيغور، ولكن يبدو أن الخبرة التي تحملها الدول العربية في تجربة أفغانستان، والثمن الباهظ جداً الذي دفعته نتيجة ذلك غائبة تماماً، ويبدو أن ماكينة الاستشراق تعمل بكامل طاقتها حالياً لتسخين الصراع في قضية بدأت أصلاً منذ زمن طويل، وتجاه ممارسات تعتبر من نوافل الحياة في الصين، وفي مرحلة تاريخية حرجة تشهد إعادة تموضع عالمي وتمضي إلى عالم متعدد الأقطاب. إدانة الصين لممارساتها ضد الإيغور يجب أن تكون جزءاً من إدانة ممارسة العنف المنهجي من قبل أي من الشعوب على شعوب أخرى، ورفض ممارسات الضم والتوسع والطموحات الإمبرطورية بصورة مبدئية، وليس باختلاق صراع يقوم على أسس واهية، لأن ذلك سيؤدي إلى صراع يقطع الطريق على أي تفاهم، ربما يكون ضرورياً مع الصين في المستقبل، ويجعل الدول العربية الإسلامية تخوض من جديد حرباً ليست حربها، وبتكلفة غامضة في المدى البعيد.
كاتب أردني
هناك من المحسوبين على الإسلام يتهمون المسلمين الإيغور بالإرهاب! الإسلام بريئ ممن لا يهتم بأمور المسلمين!! ولا حول ولا قوة الا بالله
أسوا ما يحصل لجالية مهاجرين أو مواطنين مسلمين تقل عن 10% بأي دولة غير مسلمة أن تتمرد على قوانين وأعراف ومعاملتها كعدو وبالتالي العمالة لأجنبي واستعانة به أو مطالبة بإنفصال حيث لم يحصل نتيجة ذلك إلا مذابح ولاجئين كما علمتنا التجارب، بل المطلوب من الدول الإسلامية تشجيع الجاليات المسلمة مهاجرين أو مواطنين للتعقل والحكمة والإخلاص للدولة التي يعيشون بها والسعي لتحصيل حقوقهم بطرق سلمية وسياسية وقانونية بل والعمل على أن يكونوا جسر لعلاقات صداقة بين دولتهم وبين الدول الإسلامية ثقافياً وتجارياً وعلمياً.
لصين تاريخيا تربطها علاقات طيبة مع العرب وهي حتما ليست دولة معادية للإسلام ، الإسلام دين محلي هنا ، الطرح العربي بعكس هذا لا يؤدي الا الى مزيد من صب الزيت في طاحونة المتطرفين القوميين او المتدينين في الدول الاخرى الذين يطرحوا سياسة ” الإسلام هو العدو ” . في الواقع هذا ينطبق ايضا على الدول الكبرى الاخرى كامريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي وإيران وتركيا ، الدول الكبرى جميعها تؤسس استراتيجيتها وسياستها في اول المطاف وآخره وفق مصالحها في الوصول الى أموال وموارد الدول الاخرى ، وليس حبا او كرها في ثقافاتها او دياناتها . آلاف الضحايا العرب الذي سقطوا ومازالوا في العراق وسوريا واليمن وليبيا سقطوا كذلك بسبب مصالح دول عربية وإسلامية – إيران – يصدح خطابها دوما باكثر الشعارات الإسلامية بريقاً ولمعاناً، وكأنه كان لابد من هذا العدد الكبير من الضحايا والقتلى من الشباب العرب للوصول إلى هذه الحقيقة البديهية. عموما، آلية عمل وتفاعل العلاقات الدولية والمصالح الاقتصادية البينية والدولية اكثر تعقيدا وليست بهذه البساطة، لكن كما يقول الكاتب المحترم ماكينة الاستشراق بدأت تعمل مجددا ، وكاننا العرب بارعين فقط في خسارة الأصدقاء ، خسرنا الهند ويبدو أننا في طريقنا لخسارة الصين
مع الأسف يبدو الكاتب متعصبا للصين ضد الإيغور المسلمين.. فإذا كان الدين لا يهم الحكومة الصينية فلماذا تقيم الصين معسكرات العزل للمسمين وتجبرهم على تغيير دينهم وأسماءهم الإسلامية وتحرق مصاحفهم وكتبهم الدينية وتهدم مساجدهم.. وكأن لسان حال الكاتب يقول: على المسلمين في ربوع العالم عدم الاعتراض على تنكيل الصين بالمسلمين الإيغور حتى لا يخدموا أمريكا..!!!!!