نوارب الباب؟

على إثر كتابتي النقدية لمسلسل «أم هارون»، الذي رغم ركاكته الفنية لم أر توجهاً تطبيعياً واضحاً فيه، كتبت إحدى المغردات على «تويتر» تصفني بأنني «أقل حساسية مع اليهودية»، وبالتالي لا أرى ارتباطها بالصهيونية شيئاً مهماً. وحين أخبرتها أنني في الواقع غير حساسة تجاه أي دين «ولا أربطه بالحركات السياسية الإرهابية»، فلا أربط مثلاً الإسلام بحركة داعش.. ردتْ مؤكدة أنه «من منطلق إسلامي، فإن عقيدة اليهود بالنسبة لي عقيدة فاسدة بأصلها وليس فقط بشكلها الظاهر بالصهيونية. لذا، نحن في حرب مع اليهود والصهاينة على حد سواء، طبعاً غير المعاهدين والأصناف الثانية التي لا تمس»، وربما تقصد هنا أن العداء هو تحديداً مع اليهود غير المعاهدين وليس مع اليهود أصحاب المعاهدات مع المسلمين أو مع أصحاب العقائد الأخرى التي يفترض ألا تمس. بالنسبة لها «الإسلام… صالح بأصله، وما لي علاقة بتمثله في الواقع -داعش- لذا مقارنتج غير صحيحة، ووضحت الاعتلال فيها».
في ردودها جمعت السيدة المتناقضات، لا أدري إن كان عن قصد لتدافع عن فكرتها، أم عن غير قصد غرقاً في إيمانيات أقوى من منطقها، حيث رأت أن اليهودية والصهيونية وجهان لعملة واحدة، ما يستدعي معاداة اليهود، لكنها لا ترى أبداً أن الإسلام وداعش وجهان لعملة واحدة، وحجتها حول اختلاف تقييمها للحالتين هو أن «الإسلام صالح بأصله» وأنه لا علاقة لها بتمثله في الواقع. أي جهة تظهر أصل الإسلام إذن إذا لم يكن لأي تمثيل له على أرض الواقع صحة؟ وكيف لا تستطيع هذه السيدة أن ترى أنها بقدر إيمانها أن الإسلام صحيح بأصله، كذا يؤمن المسيحيون أن المسيحية صحيحة بأصلها، واليهود أن اليهودية صحيحة بأصلها، والبوذيون أن البوذية صحيحة بأصلها، وأن هؤلاء يوازونها الإيمان كذلك بأن كل التمثيلات العنيفة لهذه الأديان هي حياد عن العقيدة الحق وعن أصولها الخالصة، وأن هؤلاء يساوونها الاعتقاد كذلك بأن دينهم هو الحق الأوحد وما عداه ضلال؟ بكل تأكيد، وجود كيان استعماري في المنطقة يتخذ من اليهودية ستاراً وتبريراً هو معيق قوي أمام رؤية محايدة للدين وفاصلة له عن ذراعه السياسي الفاسد، لكن السنّة تمكنوا من فصل داعش عن الإسلام، والشيعة تمكنوا من التفريق بين عنف بعض حركات الجنوب اللبناني الشيعية عن الإسلام، إذن التجربة متوفرة للمسلمين والتي تمكنهم كذلك من الفصل بين اليهودية كديانة كان أهلها يعيشون بها بين ظهرانيهم في سلام، وبين حركتها السياسية الفاسدة التي تعيث اليوم في الأرض فساداً.
سألت محاورتي إن كانت تعتقد بفساد بقية الأديان، مثل المسيحية والبوذية والكنفوشية، وما إذا كان اعتقادها بفسادهم يستدعي معاداتهم، فكان ردها أن «أصول الدين إذا اعتنقتيه تعتقدين بصوابيته وعلوه على باقي المعتقدات وعلى خطأ البقية، هو مو بوفيه نتخير منه وعادي نجمع كل الأكلات بطبقنا، أكيد أراها خاطئة والإسلام جاء بصراط مستقيم واحد هو السبيل لله، وأما مسألة العداء فلها ضوابطها الكثيرة مو نعادي أي أحد، والله أعلم». والحقيقة أنني أتفق معها، فالاعتناق الديني، كما أي اعتناق أيديولوجي آخر، يعني أن الإنسان يرى الحق في عقيدة واحدة وأن غيرها خاطئ، أو في أفضل الظروف.. أن عقيدته هي الأصح وغيرها ملأى بالثغرات والأخطاء. ونعم، أتفق معها كذلك في أن الدين ليس بوفيه، إما تأخذه كله أو تتركه كله، عكس الأيديولوجيات الأخرى التي تستطيع أن تتخير منها وتنقدها وتخلطها بغيرها. تبقى المشكلة في تحديد «كله» و«أصله»، فالكل يدعي امتلاك هذين، والكل يدعي أن الأنماط الموجودة على الساحة التي لا تتفق فكرياً وأخلاقياً مع فكره هي ليست من كل أو أصل الدين، فمن يفصل في الموضوع؟
تفصل محدثتي بين العداء العقائدي والعداء المادي أو الحربي، والذي -طبقاً لكلامها- ممكن أن يتم وفقاً للضوابط الإسلامية. وفي حين أنني أوافقها أن الأول من حقها، فلكل إنسان الحق في رفض أي فكرة ومعاداتها وذمها وعدم احترامها (مع وجوب أن يكفل هذا الحق للجميع) إلا أن استخدام هذا العداء الفكري لتمهيد الطريق لعداء مادي هو الطريق الخطر الذي أدخلنا كبشر ولا يزال في حروب طويلة على امتداد تاريخنا القصير. لربما هنا نقطة الخلاف الحقيقية، فأنا لا أرى أي مبرر للعداء المادي الفعلي مع أي دين آخر، فيما هي ترى أن الضوابط الإسلامية هي ما يحكم هذا العداء. الحوار مستمر لحد الآن، فيما مساحة المقال انتهت، لكنني لم أحصل بعد فعلياً على إجابة مقنعة، لماذا نستطيع أن نرى الفرق بين «داعش» الذين تدعو منهجيتهم لقتل كل من هو غير مسلم (الإسلام الذي على مقاييسهم الأصولية العنيفة) وبين الإسلام كديانة متسامحة، ولا نستطيع أن نرى الفرق بين الصهيونة كنظام سياسي استعماري إرهابي، واليهودية كديانة مسالمة؟ في اليهودية ما يدعو لمحاربة أو معاداة الآخر؟ في الإسلام كذلك ما يدعو لمحاربة اليهود والمسيحيين، وكل من هم على غير ملة الإسلام، وهذا بإقرار محدثتي بحد ذاتها بل وبسردها لآيات فسرتها هي بهذا الاتجاه. إذن كيف تستنكر على اليهودية ما تراه مقبولاً في الإسلام؟ أو بالأحرى، لماذا لا تستطيع أن تصنع هذا الفرق بين اليهودية كدين وبين حركة فاسدة معتمدة على بعض القراءات المتشددة، كما صنعت هذا الفرق بين الإسلام كدين وحركة فاسدة معتمدة على بعض القراءات المتشددة كذلك؟
الإيمان لا يفترض أن يستدعي كل هذا التناقض وكل هذا العداء المؤلم، «أنا على صواب يحتمل الخطأ»، توارب الباب بعض الشيء، فتريح وتستريح.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خالد مصطفى الجزائر:

    دين الإسلام من أكبر المتسامحين مع اليهود والمسيحيين فاليهود أضطهدو من كل الإمبراطوريات تقريبا من الرومانية الى الفارسية وغيرهم لم يعيشوا في سلام إلا في دولة الإسلام ولم يكن عليهم إلا دفع الجزية حتى أقباط مصر لم يمسو بسوء أبدا إلا إن أرادو إسلاما يركبون بواسطته على ضهورنا فهذه لن تكون لهم لأنهم يريدون إسلام توابع وتبع لا يوجد دين متسامح كالإسلام أما الدواعش فتاريخنا ملئ بالانحرافات من الخوارج إلى الشيعة المتشددين الى أخره أما أن يقيم الإسلام من خلال إنحرافات البعض فهذا ظلم.

    1. يقول سنتيك اليونان:

      المسلمون أتوا من صحراء الجزيرة احتلوا بلاد الشام (يقولون فتح) وفرضوا عليهم دينهم ولغتهم وعنصرهم فأصبحوا عربًا يتكلمون العربية واتخذوا من الاسلام دينا

    2. يقول سنتيك اليونان:

      وكما فعل مسلمو البادية في بلاد الشام كذالك الأوروبيون احتلوا (فتحوا) امريكا واستوطنوا فيها وفرضوا لغتهم ودينهم على السكان الأصليين

  2. يقول علي:

    -عندما غدر يهود المدينة بالمسلمين ونقضوا العهود والمواثيق كا لابد من محاربتهم. أما المسالمين فلم ماللمسلمين وعليهم ما عليهم. وللأسف فإن العربدة اليهودية الصهيونية في أرجاء البلاد العربية تقابل بحفاوة من الحكام الجلادين الطغاة، وينتجون المسلسلات ويأمرون الأبواق لتجميل السعار المحموم الذي يمارسه القتلة الصهاينة، بينما ننشغل نحن بتغريدة هنا ومقولة هناك. ولا غالب الآ الله.

  3. يقول _خليل _@ عين باء:

    في الماضي الثقافي الغير بغيد كان هناك سجال بين رجل فكر مع نده او رجل ادب بع قرينه

    اما اليوم و مع اختفاء المثقفين الوازنين او اتوايهم عن المشهد بتنا ننام و نصحو على مساجلات

    افتراضية بين كاتب مقالات هنا و هناك و شخص من العوام هل من عطب في الامر ام انا المعطوب

    تحياتي

  4. يقول عربي حر:

    تحية للقدس العربي
    أعتب على الكاتبة المحترمة عتبا شديدا بخصوص تجاهلها لكل المعلقين بعمودها بجريدة القدس العربي سواء أكانوا مؤيدين او معارضين لما تطرحه من آراء وقد ابانوا عن ثقافة واطلاع عاليين وكذلك احتراما لاختلاف الآراء وسجالا جعل الاطلاع على التعليقات متعة حقيقية .
    ان تتجاهل الكاتبة هذا الكم من التعليقات لقراء محترمين وتتجاهل معها عشرات الأسئلة والردود وتهتم بتعليق افتراضي لشخص في تويتر محدود الثقافة في الأغلب وتجعل من التعليق الذي يكون في الأغلب شاذا ومتطرفا هو المعيار وان يتم من خلال هذا التعليق إسقاط أفكار ودمجها مع معتقدات لتصفية حسابات قد تكون سياسية أو عقائدية او…
    نحن جميعا ضد الفكر المتطرف سواء أكان دينيا او علمانيا اما التركيز على الاستثناء ومع التكرار يصبح الاستثناء في الاوعي هو القاعدة وهذا أخطر ما في الأمر.

  5. يقول نزار حسين اشد ...كاتب عالمي وشاعر معروف.:

    لم أر توجهاً تطبيعياً واضحاً فيه” ماذا رأيت بالله عليك؟ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا.لم تري؟فما هي الرسالة التي أراد منتجوه إيصالها.وماذا عن التوقيت والظرف السياقي التي يقتل فيها اليهود الفلسطيني على الحواجز ويمنعون إسعافه ويتركونه ينزف حتى الموت.إدارة الظهر لهذه الحقائق وإظهار اليهودي جاراً وشريكاً طيباً أما المصري”أقطهم عالبر”. هذا أيضاً لم تريه،ولم تري كيف أسرع اليهود عقب المسلسل يطالبون باستعادة أملاكهم أو التعويض وصولاً لخيبر.يعني وصلتهم الرسالة بوضوح أما أنت فلم تريها.
    أنا رأيت وجه العجوز الشمطاء وهي تغلي حقدا على المصريين وتهددهم وتتحدث عن اليهود بلطف وتسامح ماذا رأيت انت؟

  6. يقول إبن كسيلة:

    قاعدة علمية ثابتة ” نفس الأسباب تخلف نفس الآثار ” ……إذا علميا كل ما حصل للديانات من تشويه و تحريف يكون بالتساوي ….الأرض هي الأرض و البشر هم البشر و المحيط هو المحيط ……لا فضل لأحد على أحد …..”سورة النجم ” إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ “

  7. يقول كريمي صالح:

    لا للتطرف بكل أشكاله و أسوأ شكل له هو العلمانية الإستئصالية. حساسيتك أكثر اتجاه الإسلام و أظن أن المسألة شخصية فأنت لا تتحلين بالموضوعية التي يتحلى بها كتاب غير مسلمون كديفيد هيرست مثلا.

  8. يقول الكروي داود النرويج:

    (سنتيك اليونان مايو 8, 2020 at 9:17 ص
    المسلمون أتوا من صحراء الجزيرة احتلوا بلاد الشام (يقولون فتح) وفرضوا عليهم دينهم ولغتهم وعنصرهم فأصبحوا عربًا يتكلمون العربية واتخذوا من الاسلام دينا)
    عزيزي سنتيك: لم يكن في الشام وقت الفتوحات غير القبائل العربية التي كانت مستوطنة هناك آلاف السنين!
    راجع التأريخ وسترى بأن العماليق العرب من كانوا بفلسطين, والفينيقيون العرب من كانوا بلبنان, والغساسنة العرب من كانوا بسوريا, وقبائل بكر وتغلب ووووووو كانوا بالأردن!! هل تذكر ملكة تدمر زنوبيا؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول سنتيك اليونان:

      الى الكروي
      تدمر مملكة آرامية وأمورية وكانت آللغة تدمرية وهي مشتقه من الآرامية لغة المسيح وكانت اليونانية اللغة الرسمية حتى اسم زنوبيا مشتق من زيوس وهذا الآه يوناني اذهب الى تدمر ترى كتابات باللغة التدمرية واليونانية
      الفنيقيون ساميون مثل اليهود والعرب وكان لهم لغاتهم الخاصة وكتاباتهم الخاصة اللتي هي أساس الأبجدية اليونانية لا علاقة لهم بالعرب لا من بعيد ولا من قريب مع الاسف اختفت كتاباتهم ولم يبقى منها الا القليل موجود في قرطاجة اذهب الى هناك لترى
      كانت بلاد الشام جزء من الإمبراطورية البيزنطية حتى القبائل العربية في الجزيرة كانت تلجىء الى الإمبراطور المسيحي لحل مشاكلها ومنهم الشاعر امرء القيس

  9. يقول المغربي-المغرب.:

    عندما نريد ياسيدتي ان ندمج جملة من المعطيات المختلفة. ..المتعلقة بموضوع واحد. ..فإنه لابد أن نسلك منهجيا مسلك العلوم الدقيقة في ترتيب المقدمات. ..بعد تصنيفها وتمييزها تاريخيا ومعرفيا وموضوعيا. .حتى يتسنى عدم تغليب صبغة مجالية محددة على الباقي الذي قد لايحتمل إخراجه من سياقه الخاص لمجرد الرغبة في تكريس مفهوم قد يرتبط بالمزاج أكثر من خضوعه لمبدأ الموضوعية. ..ومن هنا فإن تناول أحداث ذات صبغة سياسية أو قبلية أو تصارعية بمنطق الهيمنة. ..واسقاطها على الدين السابق عليه. .والمستغل فيها هو نوع من معاندة بديهيات اختلاف الدين نفسه عن المذاهب التي الصقت به كعنوان للاستغلال وليس للارتباط والاستمداد. .؛ اما مسألة التطبيع فهي ترتكز على عدم مهادنة من يغتصب ارضك ووطنك. .ويمتهن كرامتك وسبادتك بغض النظر عن كونه يهوديا أو فارسيا أو ملحدا. ..واذخال الفرق بين اليهودية والصهيونية في هذا المجال هو نوع من المماحكة. ..بالاعتبار المذكور…وشكرا.

  10. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية للدكتورة ابتهال وللجميع
    الحقيقة ان الاديان التي تسمى سماوية كانت كارثة على البشرية ولا زالت فكل ذنب الفلسطينيين ان ارضهم مقدسة عند اتباع تلك الديانات فاليهود يعتبروها ارضهم التي منحها الله لهم والمسيحيين والمسلمين بسبب قدسية بعض اماكنها عندهم والنتيجة فتوحات وحروب صليبية واحتلال صهيوني وطرد شعب وتهجيره من ارضه والسؤال المطروح هنا لماذا اراد الله ذلك فان كانت الكتب محرفة فلم لم يمنع الله التحريف لكي لا تحصل الكوارث بالفلسطينيين

    1. يقول علي:

      “الحقيقة ان الاديان التي تسمى سماوية كانت كارثة على البشرية ولا زالت”،”المسلمون أتوا من صحراء الجزيرة احتلوا بلاد الشام (يقولون فتح) وفرضوا عليهم دينهم ولغتهم وعنصرهم “،هذه بعض التعليقات المنشورة اليوم ترفض الإسلام وتتهمه بما ليس فيه، وللأسف لآ أحد يدافع عنه.

    2. يقول المغربي-المغرب.:

      يا اخ علي لا أعتقد أن الإسلام الذي يستحوذ على حصة الاسد من الإلتزام الديني الإيماني في القارات الخمس. .مقابل الإنتساب الشكلي لأغلب المسيحيين مثلا…؛ يحتاج إلى الدفاع من أحد…خاصة وأن من أهم خواص هذا الدين. .القدرة الشديدة للانتشار في الطبقات المثقفة. .والمتميزة علميا. ..التي لاتستجيب لدعوة أحد. .ماعدا دعوة العقل والبحث عن الحقيقة. ..ولذلك استثمر الإستعمار كثيرا في عملية التشويه التي كانت من منتوجاتها مايسمى بداعش وأخواتها. ..؛ ولعل مما يثير الانتباه هو ميل البعض إلى الإسقاط من دون اعتبار لبديهيات تاريخية وجغرافية ..ومنها حصر المنطقة في العربية الحجاز. ..رغم أن القبائل العربية كانت ممتدة قبل الاسلام الى تخوم الشام والعراق. ….وكثير منها تخلت عن النصرانية بعد ظهور الإسلام. ..

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية