تحقق مبيعات الكتب في العالم أرقاما مذهلة، قد لن يصدقها من يعتقد أن الكتاب يعيش أزمة حادة، خاصة الكتاب الورقي. ففي إحصائيات أخيرة قام بها موقع «توب توب توب» باع من كتاب «اقتباسات للرئيس ماو تسي تونغ» 800 مليون نسخة، في ما باع من «دون كيخوت دي لامانشا» لميغيل دي سرفانتس 500 مليون نسخة، كما حقق كتاب «هاري بوتر في مدرسة السحرة» مبيعات بـ450 مليون نسخة، تأتي بعدها «قصة مدينتين» للكاتب البريطاني تشارلز ديكنز في المرتبة الرابعة، يليها «سيد الخواتم» للكاتبة ج.ج.ر تولكين في المرتبة الخامسة، ثم «الأمير الصغير» لأنطوان سانت إكزوبيري في المرتبة السادسة.. في المرتبة الأخيرة لقائمة من ثمانية عشر كتابا، تأتي ثلاثية الكاتب السويدي ستيغ لارسون بخمسين مليون نسخة.
كتب كثيرة اختصرت ذكرها، مبيعاتها أقل من خمسين مليون نسخة سنويا عبر العالم. فلماذا كل هذا الصراخ على أن الناشرين والمكتبيين أفلسوا، خاصة في زمن الجائحة؟ الاحتمال الأول يقول إن التاجر الذكي يعلن إفلاسه حين تقل مداخيله بشكل ملحوظ، لكن هذا لا يعني أن خزينته فارغة. أمّا الاحتمال الثاني فيقول إن عمالقة النشر حققوا مداخيل مرعبة خلال الجائحة، وإن الإفلاس أو الأزمة أصابت الناشرين والمكتبيين الصغار فقط. فالكتاب الورقي لا يزال بخير، وحركة البيع الإلكتروني للكتاب جيدة، وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار فعل القراءة بخير، حتى في عالمنا العربي، الذي يعتمد على ما يبدو على الكتاب المقرصن، أكثر من الكتاب الورقي والإلكتروني المسوّق بشكل شرعي.
في القارة الأوروبية لا تخلو الأماكن العامّة والقطارات والمطارات والطائرات وغيرها من وسائل النقل، من منظر القراء، الذين ينغمسون في أجهزتهم «الكيندل» بشكل لافت، فالحصول على أي كتاب إلكترونيا دعم هذه الوسيلة في الانتشار، وهي وسيلة سهلة وعملية لنقل عدد هائل من الكتب إلى أي مكان، إنّه مكتبة متنقلة. يمكن شراء أي كتاب بكبسة زر، كما يمكن قراءته في أماكن مظلمة أو معرّضة للشمس. لا يؤلم العينين، لأن شاشته تشبه الورق تماما، إضافة إلى امتيازات أخرى يتميز بها.
ثورة الكيندل في أوروبا تحديدا، ساهمت في إنقاذ سوق الكتاب من نكسة حقيقية، وهي النّكسة التي يعرفها العالم العربي، رغم دخول هذا الجهاز إلى عدد من الدول، فهذا الاختراع عملي أكثر بالنسبة للكتب باللغة الأجنبية، أمّا الكتب العربية فتصادف بعض الصعوبات. لا يزال القارئ العربي في دول كثيرة لا يستطيع بمدخوله الضعيف أن يقتني كتابا واحدا شهريا، في ما نسبة كبيرة لا يمكنها شراء الكتاب الإلكتروني لتعذر استعمال بطاقات الدفع الإلكترونية، والحل الوحيد أمامها «قرصنة الكتاب»، أو الحصول عليه ورقيّاً إن توفر، فقد ساهمت الجائحة في تعطيل وسائل النقل، وتأجيل معارض الكتب، ما قلّص بشكل كبير في عملية توزيع الكتاب الورقي.
القراءة ليست منتجا للاستهلاك، إنها مجهود فكري، وإن كان الإنسان يتأقلم ويتجاوب مع تطورات الحياة حوله، فإن القراءة تبقى نشاطا مرتبطا بتطوير ذاته، وملكاته العقلية.
إن كان هناك من تسجيل خسارات بشأن الكتاب، فالورقي باللغة العربية هو الذي أصيب بنكسة لا مثيل لها في تاريخ القراءة. فالإحصائيات أعلاه تجعلنا نقف أمام استنتاج غريب، لا أدري إلى أي مدى هو صحيح، وهو أن الكتاب الورقي لم يهزم مثلما هزمت الجرائد الورقية، وانتعاش سوق الكيندل، لا يعني تراجع مبيعات الكتاب الورقي، ويبدو أن قراءة الأخبار اليومية تختلف تماما عن قراءة كتاب. يجد قارئ الصحيفة متعته وهو يتصفح الأبواب التي تهمه فقط على الموقع الإلكتروني، وفق اشتراك شهري بمبلغ زهيد جدا، مقارنة مع ما كان يدفعه سابقا من أجل صحيفته الورقية. غير ذلك بقي جيلٌ في طور الانقراض يحنُّ لجريدته الورقية، وأعتقد أنني أنتمي إليه، إذ ارتبط خروجي لشراء الجريدة اليومية بقصص لا يكفيني بحر من الحبر لكتابتها، إلى هذه اللحظة أحنُّ للورق، أقتني مجلات وجرائد وكتبا، أعشق رائحة الورق، وأعتقد أنها مرتبطة بطفولتي، وبذكرياتي المدرسية، مع أنّي أشعر بأنْ عالمنا أيضا سيودع الورق صحافيا لا محالة، عكس الكتب التي تحمل بين طياتها الكثير من النوستالجيا، التي يصعب التخلّص منها، حتى ونحن نمارس هوايتنا المفضلة بقراءة ما نريد على كيندل.
في إحصائيات جادة بُحثت في هذا الموضوع، كشفت الأرقام أن الكتاب الإلكتروني يمثل نسبة ضئية جدا تقترب من 2% مقارنة مع الورقي، ربما تحدثت في هذا الأمر سابقا، منتصرة دوما للكتاب الورقي، والسبب شخصي جدا، كوني أنتمي لهذه «الفئة التي شارفت على الانقراض» – كما يحب أن يسمينا البعض – لكن ماذا بالنسبة للقارئ الغربي؟ هل لديه هذا الحنين نفسه الذي نكنّه للورق؟ تقول لغة الأرقام إن إجمالي أرباح الكتاب في الولايات المتحدة تجاوز الـ23 مليار دولار عام 2018، تأتي ألمانيا في المرتبة الثانية بمبيعات بلغت 6.1 مليار دولار، تليها المملكة المتحدة بـ5.4 مليار دولار. إنها أرقام مُبهرة، تشبه ألعاب النار في ليلة عيد، خاصة حين نعرف أن عام الجائحة، سجّل ارتفاعا بنسبة تراوحت بين 2% و7% في مبيعات الكتاب الإلكتروني، مع تراجع طفيف لمبيعات الكتاب الورقي، رغم كل الصعاب التي واجهها في السنة الأخيرة.
في الولايات المتحدة 27% من الكتب الورقية يقتنيها الأطفال، وهي تنافس الألعاب الإلكترونية والقصص التي قد تروى عبر برامج مصورة. زادت مبيعات الكتاب الصوتي متجاوزة 37%، محققة أرباحا تقدر بـ133 مليون جنيه استرليني في المملكة المتحدة على سبيل المثال. يُفضِّل طلبة الجامعات الكتب الإلكترونية المحملة على أجهزة الكيندل، إنها أخف، وأوفر سعرا، وأسهل استعمالا خلال إنجاز بحوثهم ودراساتهم. أمازون العملاقة قررت تخفيض أسعار الكيندل، وهذا ما جعل الإقبال عليه يزداد بشكل جنوني مؤخرا، وما جعل اقتناء الكتاب الإلكتروني يزداد أيضا. من جهة فالقارئ الإلكتروني موعود بتطويرات على جهازه، وهذه إحدى مغامرات أمازون لجذب مزيد من الزبائن. وقد يكون تحدٍّ آخر تنتصر فيه لإحداث ثورة أخرى في عالم القراءة الرّقمية.
وفي النهاية ما الذي يهمنا نحن غير انتصار الكتاب سواء كان رقميا أو ورقيا؟ إنّ ازدهار هذا السوق أصبح واضحا، ويثير الشهية. لكن في ما نحن الكلاسيكيين منشغلون برائحة الورق، وملمسه، وخوفنا من انتهاء العصر الورقي، هناك تنافس على أشُدِّه لتطوير أجهزة الكيندل. ولتتوضح الصورة أكثر، لنتذكّر معا التنافس الحاد الذي حدث بين شركات تصنيع أجهزة الكومبيوتر والهواتف النقالة، قبل أن تصبح هواتف ذكية تتحكم في حياة الفرد وتقرر مصيره أحيانا. إن الإصغاء لنص يُقرَأ يختلف تماما عن قراءته، واقتناء كتاب وتكوين مكتبة يختلف تماما عن المكتبة الصغيرة المحمولة التي تتسع لها حقائبنا، وإن كان فعل القراءة هو هدفنا، فإن هدف عمالقة التسويق مثل، أمازون هو تحقيق أرباح خرافية. ستُبتكر أجهزة أخرى لتروي لنا القصص، وتنقل لنا شتى المعارف، لكن كما قال أحدهم «الكتاب الورقي سيدفننا جميعا». ستقاوم الكتب حتى إن تحوّلت إلى قطع نادرة ثمينة يتباهى بها هواة تجميعها، لكنّها لن تموت.
تبقى نقطة مهمة يجب الإشارة إليها، وهي أن القراءة ليست منتجا للاستهلاك، إنها مجهود فكري، وإن كان الإنسان يتأقلم ويتجاوب مع تطورات الحياة حوله، فإن القراءة تبقى نشاطا مرتبطا بتطوير ذاته، وملكاته العقلية. وفي هذا الصدد يقول أحد خبراء القراءة، إن أي تأسيس لفعل القراءة يقوم على التّعلّم يدويا، إذ لا مفرّ من استعمال الورقة والقلم منذ نعومة أظفارنا، إنّه السر الذي يجعل رائحة الورق تسكن أعماقنا الدّفينة، وتجعلنا نعود إلى الكتب الورقية بشوق العاشق المشتاق، حتى حين يستهوينا هذا «الكيندل» العجيب كابتكار يشبع نهمنا للتنقل بمكتبة تحتوي آلاف الكتب التي نحب.
شاعرة وإعلامية من البحرين
ثورة الكيندل نعم، اما الوضع الثقافي، و اقتناء الكتب والاطلاع عليها، في كل الوطن العربي لايبشر بالخير، العتمة تخيم على شعوب
المنطقة، مع الاستثناء طبعا.
قتلت السياسة الثقافة، حتى الجرائد لا تغري أحدا بقراءتها… الاحصاءات الجادة من قبل المنظمات الدولية، التي لها مصداقية تقول عكس ما ذهبت اليه،
سيدتي… جميل أن تكوني متفائلة إلى هذا الحد.
أحلى ما في مقال (ثورة الكيندل) هو التّعرّف على فلسفة التغيير أو الثورة كأسلوب تفكير وتحليل وزاوية رؤية عند جيل الكاتبة البحرينية (بروين حبيب)،
في سياق ما يحدث في الهند، من جهة، أو في فلسطين من جهة أخرى، كوسيلة التعبير أم الهروب، الله أعلم؟!
التقنية، والأتمتة، والروبوت، والإنتاج بشكل عام، هل الأفضل، أن يكون من زاوية حكمة التكامل والتعايش بين الأجيال،
أم يجب أن يكون فلسفة الصراع، والإبدال، وضياع وظيفة الإنسان، إلى الآلة أو (الروبوت)، حتى كمفهوم سوق (آلة الكيندل)؟!
في عصر التعامل عن بُعد بواسطة الآلة، التي بيد كل إنسان، في أجواء سوق العولمة والإنترنت بعد عام 1992، عندما تم تعيين نائب رئيس أميركا (آل غور) كمسؤول التسويق الأول في حينها،
ما فات الكاتبة، مفهوم إقتصاد أي دولة، يعتمد على اعتراف الدولة، من أنّها (عالة على) الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمنتجات الانسانية أولاً،
الآن، كيف يجب أن تستوفي الضرائب والرسوم والجمارك، هل بواسطة السلبطة/التحايل/الجباية؟!
أم يجب تقديم خدمة بجودة وكفاءة أفضل من جارك في سوق العولمة، مقابل أي رسوم وضرائب وجمارك، وإلّا سيهاجر،
إلى دولة تقدم خدمات أفضل من دولتك، أليس كذلك؟!
أي حاكم أو نخب حاكمة، لم تنتبه لذلك، تعاني من أزمات كثيرة أوضح ذلك في عام كورونا في 2020، وفي العام الذي يليه عام اللقاحات ضد كورونا في 2021، بداية من القدس في فلسطين.??
??????
كلام في الصميم ، من كاتبة عملاقة ، فقد وضعت الأصبع على الجرح تماما و هو كلام صادق لا شك ، و أنا كقارئ من الجزائر أقول لها شكرا بروين حبيب، فنحن جيل يحن إلى مجلة كالجيل التي توقفت عن الصدور أو مجلة العربي و الفيصل و الدوحة ..إلخ ( أعني هنا الجزائريين مثلي ) و يحن كذلك إلى رائحة الورق و لمسه حتى.