يُعرض حالياً في دور السينما والمنصات الرقمية الفيلم الأردني «الحارة» الذي شهد الكثير من الجدل انطلاقاً من مطابقته للواقع، والصيغة التي تمثلها في عرض رسالته، غير أن معظم الجدل توجه إلى جزئية تتصل باستخدام الشتائم التي بدت غير مألوفة في السينما العربية عامة، على الرغم من أننا معتادون عليها في الأفلام الأجنبية، بيد أن هذا الانشغال (الهامشي) غيب بعض الملحوظات التي تتصل برؤية الفيلم ورسالته، كما القيمة التي يحملها على الصعيدين: السلبي أو الإيجابي. يُشار إلى أن الفيلم من كتابة وإخراج باسل غندور، ومن بطولة الممثلين: نادرة عمران، ومنذر رياحنة، وعماد عزمي، وبركة رحماني، وميساء عبد الهادي.
التأطير السينمائي
اعتمد الفيلم على تشكيل سردي تؤطره حبكة تعضدها رؤى بصرية ودلالية، لكن يبقى السؤال الأهم الرسائل التي يحتملها، أو التشكيل الثقافي لهذه المقاصد غير المسبوقة بهذه الصيغة في السينما الأردنية، التي غالباً ما تعتمد في أفلامها التي تنتجها بعض الهيئات، على التركيز على معالجة الواقع ضمن معايير تتناسب والذوق العام، مع قدر من الحرص على تعويم القضايا، كما التخلي عن البحث في المفصلية الحقيقية للأزمة، أو أنها قد تلجأ إلى تقديم أفلام ذات طابع وطني، أو قومي أو تراثي، كما استثمار الجغرافيا التي تنبهت إليها السينما العالمية مبكراً، علاوة على أن المعالجات السابقة، بدت بعيدة عن القضايا التي تتصل بالمهمش والمسكوت عنه بوصفهما قيمة منسية، ولاسيما في تكوينهما الشعبي، غير أننا نبقى ضمن مقولة دانييل فرامبتون، بأن السينما ليست مجرد نسخ مباشر للواقع، إنما هي عالم قائم بذاته، ربما تسكنه الظلال الرمادية، أو ربما يسهل التلاعب به بمرونة.
قد ينظر البعض إلى الفيلم على أنه يمثل نوعاً من الواقعية، غير أنه يحتمل مع ذلك الكثير من المقولات الكنائية المضمرة، فالفيلم يُبنى على مقولة سردية يطلع بها سارد أو راوي – إحدى شخصيات الفيلم- تتمحور حول حكاية عائلة: أم (أسيل) وابنتها (لانا) إذ تتعرضان للابتزاز نتيجة علاقة تقوم بها الابنة مع الشاب (علي) فتتطور الأحداث عبر تدخل أحد رجال العصابات لحل المشكلة (عباس) غير أن الحكاية تتخذ مسارات أخرى حين ينتقم (علي) من عباس (قائد العصابة) ومن ثم يقتل (علي) عن طريق الخطأ من قبل أسيل (والدة لانا) لتتعرض مرة أخرى إلى الابتزاز بعد تصوير واقعة القتل، غير أنها تتمكن في ما بعد من حل اللغز بمساعدة طليقها.
يمكن ملاحظة أن الأمور تؤول إلى شكل من أشكال الرؤية التي اعتمدها كاتب الفيلم ومخرجه، ونعني مقصديته التي تحتاج إلى التأمل والبحث، ذلك أن قدرة المخرج على تثمين البيئة، أو الفضاء المكاني للفيلم من خلال مشاهد بعيدة للمدينة (شرق عمان) حيث تظهر البنية الجبلية، وتراكم البيوت التي تشكل حارات متعددة تبدو أقرب إلى جزرٍ معزولة، لكنها تنطوي على قضاياها، ومشاكلها وأسرارها، وحكاياتها، مع شيء من الحقيقة والكذب والخيال، كما يسرد الراوي في الفيلم، ولعل استخدام أسلوب الراوي قد أضفى جاذبية، بالتوازي مع تموضع الكاميرا، التي عملت على رصد الحارة، ولاسيما أزقتها، ومحلاتها التجارية، وأدراجها بغية الاقتراب من الواقع، وتثمينه بصرياً، ودلالياً. تبدو الحارة فضاء معزولاً ومؤطراً في سياقه الداخلي، له بنيته، ونظامه المجتمعي، وهنا نلاحظ أن عاملي المكان، بالإضافة إلى اللغة، قد شكلا بعض مستويات الفيلم، غير أن جزئية اللغة من حيث الإفاضة باستخدام الشتائم قد جاءت رغبة من المخرج في تأطير رؤية واقعية، انطلاقاً من مدرسة إخراجية ترى أن السينما ينبغي لها أن تحتمل أكبر قدر من المصداقية التي تبدو في بعض الأحيان صادمة.
ومن هنا نقرأ هذه الفجاجة اللغوية باعتبارها جزءاً من جمالية التكوين القائم على إبراز الحيوية في حوار الشخصيات، التي تعبر عن ذوات واقعية، وباستثناء هذه الجزئية فإن سائر الحوارات بدت وظيفية نمطية بداعي تمكين الحبكة، حيث لم تعنَ كثيراً بتكريس خطابات موجهة أو عميقة باستثناء مشهدين: الأول ما اضطلع به الراوي في تعريف الحارة، والتعليق على أحداثها، والثاني الحوار بين علي وصديقه على سطح المنزل.
إن الرغبة في التخلص من المكان والهجرة، والبحث عن معنى الحياة يعني اختزالاً لأحلام ملايين الشباب الذي يحلمون بتجاوز واقعهم، كما تلك الأمكنة التي علقوا فيها رغماً عنهم، غير أن الرؤية والأسلوب يختلف؛ ولهذا نرى أن صديق علي (الكوافير) يظهر في نهاية الفيلم على سطح منزله وهو يمارس حياته بصورة طبيعية نتيجة القناعة التي يتمتع بها، لكن هل يمكن قراءة هذا بأنه عبارة عن رسالة سلبية تتمثل بأن نتقبل الواقع، ونستسلم له!
إن القيمة الحقيقة للفيلم تتصل بمركزية الذوات التي تحتكم لمرجعيتها الجيوثقافية، فالحارة تبدو كناية عن وجودين: الأول إحالة إلى العالم كما تؤكده محورية الصراع بين الشخصيات، واختلاف وجهات النظر، وهيمنة مقولتي الصراع، والأقوى، والثاني الإنسان المحاصر في واقعه نتيجة انسداد الأفق في عالم مهمش ومنسي. فالشاب (علي) يعيش أكذوبة يصدرها لعائلته والحارة بأنه تخرج، ويعمل في شركة لها فرع في إسطنبول، في حين أنه حقيقة لم يتخرج، ويعمل سمساراً للنوادي الليلية عبر تصيد السياح من الفنادق. قد تبدو شخصية (علي) تكويناً جدلياً فعلى الرغم من ظاهره غير أنه يبدو طيباً، لكن واقعه جعله يطور رؤيته الخاصة بالعالم، متبوعاً بحلم الخروج من الحارة، والزواج من الفتاة التي يحبها، ونعني (لانا). ولعل هذه الطيبة تتضح من خلال حرصه على صحة جده، ومساعدته له في البقالة، غير أن أحلامه تبدو أكبر من الحارة، ولهذا يحاول أن يختصر الطريق كما يتضح من خلال الحوار الذي يقيمه مع صديقه على سطح المنزل، حين يقول بأنه لا يريد أن يعيش في المكان نفسه، ويمارس الأفعال عينها، كما يفعل صديقه (الكوافير) الذي يبدو قانعاً بعالمه.
ثقافة المكان وتوابعه
ضمن تكوين المكان الدلالي نلاحظ أن الحارة في جملة أحداثها ومروياتها، كما مشاكلها، تبرز في ظل غياب أو انعزال عن المحيط الآخر، فهي تعد الجزء الفقير من المدينة؛ ولهذا تبقى مرتهنة لواقعها، ونظامها الخاص. ولعل من أشد الملحوظات التي يمكن أن تؤخذ على الفيلم مستوى واقعية الأحداث ومنطقيتها، ومن ذلك تداعي بعض الأفعال التي بدت غير مقنعة للقارئ.. الذي عليه أن يسهم في إنتاج هذا المقصد تأويلياً، ذلك أن هذا ربما يعلل برغبة المخرج في تمرير رسالة تكاد تقترب من بنية ذرائعية بداعي وضع هذه الأحداث في سياقاتها.. بيد أن أهمها تزوير حادثة مقتل علي من قبل صديقه (الكوافير) رغبة منه في عدم التسبب في صدمة لعائلة علي المتورط بالسمسرة والكذب، كما تصادمه مع العصابة، علاوة على علاقته مع (لانا) وكأن المخرج تعمد ذلك كي يشير إلى أن هذه الأحداث قد تبدو لنا قائمة في مكان لا توجد فيه سلطة، فهذا الجزء من المدينة مهمش، أو منسي، فلا عجب ألا نرى سيارة شرطة واحدة، أو محققا يقوم بالتحقيق في حادثة قتل (علي) أو انتقام هنادي من متحرشها، وغير ذلك من أحداث.
نلاحظ أن ثمة تغييباً للسلطة، وكأن الحارة عالم قائم بذاته، وهذا يتعزز حين نرى والدة (لانا) وقد لجأت إلى عباس (رئيس العصابة) كي يخلصها من المتحرش، ولم تلجأ إلى الشرطة، وفي المرة الثانية تصرفت بمساعدة زوجها، في حين أن صديق علي زوّر عملية موت صديقه بأن جعلها حادثة سيارة فيظل هناك غياب تام للسلطات… وهذا ينطبق على قتله لعباس الذي لم يلتفت إليه أحد أو يحقق فيه.
وكأننا نقرأ أن الحارة لها قانونها الخاص، أو أنه لا أحد يعبأ بها، وعلى كل شخص أن يتعامل مع مشاكله بمعزل عن السلطة التي تغيب عن المشهد كلياً، فليس هناك من سلطة سوى سلطة القوة، وهذا يأتي ضمن تسلسل واضح، فالكل يسعى لأن يقلع شوكه بيده، ومن هنا نقرأ جمالية هذه الواقعية التي تحتاج إلى شيء من التأويل بغية القبض على النموذج النسقي المضمر، فالقيمة الحقيقة للفيلم تخلص إلى أن هذه الذوات بوصفها الجمعي مهمشة، ومنسية ضمن مقولة إفرازات الواقع الطبقي والثقافي.
إن الرغبة في التخلص من المكان والهجرة، والبحث عن معنى الحياة يعني اختزالاً لأحلام ملايين الشباب الذي يحلمون بتجاوز واقعهم، كما تلك الأمكنة التي علقوا فيها رغماً عنهم، غير أن الرؤية والأسلوب يختلف؛ ولهذا نرى أن صديق علي (الكوافير) يظهر في نهاية الفيلم على سطح منزله وهو يمارس حياته بصورة طبيعية نتيجة القناعة التي يتمتع بها، لكن هل يمكن قراءة هذا بأنه عبارة عن رسالة سلبية تتمثل بأن نتقبل الواقع، ونستسلم له! أم يمكن القول إنه ينبغي البحث عن وسائل أخرى؟ لكن كيف يمكن تجاوز إكراهات المكان، وبنية الإقصاء والتهميش، وسيطرة مبدأ الأقوى! من ناحية أخرى يمكن أن نضيف أن الحارة، أو هذا الفضاء يبدو مكشوفاً، أو مُعرى؛ ولهذا نرى أن المشاهد التي تعتمد التلصص، أو المراقبة من سطوح المنازل قد أمست جزءاً من ثقافة مجتمع لا يحترم الخصوصية، يرغب بالتدخل في شؤون الآخرين، ومن هنا يمكن تعليل كثرة لقطات عمليات المشاهدة أو التجسس عبر السطوح لما يجري في داخل الغرف، ومن ذلك مشهد علاقة لانا وعلي، ومشهد مراقبة (علي) لعباس، ومراقبة أسيل للمبتز، وغير ذلك، فتبرز هذه المشهدية بوصفها ثيمة مهيمنة على تكوين العمل، وجزءاً دلالياً مركزياً قوامها فعل التجسس والمراقبة.
وضمن البناء الدلالي للمكان، نرى أن الحارة قائمة على نماذج تحتمل الخير والشر، فنرى الجد، وصديق (علي) من جهة، وهناك عباس والمبتز وهنادي، وأفراد العصابة من جهة أخرى، وبينهم تكمن شخصيات رمادية (علي- لانا) وبهذا يمكن تفسير الصراع بين هذه الذوات من منطلق أفعال التعويض.
أنماط الإزاحة والتعويض
تبرز قيمة القوة عبر محاولة بناء ثنائية الإزاحة والتعويض، وهي صيغة ما فتئت تتكرر في الفيلم ضمن وتيرة واحدة، ونعني بأن كل حكاية تحتمل مرجعية سابقة، فعباس أزاح (قائد العصابة السابق) ليصبح البلطجي الأول، وبعد ذلك تمكنت هنادي من ترؤس العصابة بعد وفاة عباس، كما أن أفراد عصابة عباس سعوا للتخلص منه، ولانا تمكنت من تجاوز أمها حين سرقت المال، واتخذت لنفسها صالوناً، كما أن الأم تخلصت من الأب والمبتز، بينما صديق علي تمكن من تصفية عباس، وهكذا نرى بأن مركزية القوة، وعملية الإزاحة تبدو جزءاً من متوالية الفيلم.
وختاماً، نلاحظ أن ثمة نزعة لبناء تكوين نسوي واضح في مواجهة الذكورية، فنرى أن الشخصيات النسائية (هنادي- أسيل- لانا) تمكّن من البقاء، فالأولى ترأست عصابة عباس، والثانية تخلصت من طليقها، وقتلت علي، كما عاقبت المبتز، والأخيرة هربت وأسست وجودها بعيداً عن الجميع لينتهي هذا الفيلم بهذه الصيغة التي بدت في وقائعها وتشكيلها باعثة على جملة من الاعتراضات والجدل، لكن يبقى الفيلم محاولة معقولة لإزاحة النمط السائد في معالجة القضايا المجتمعية.
كاتب أردني فلسطيني
أضع كلمة قصيرة جد ا في سماء هد ا الفن العظيم الدي لايشيب ولا يمكن لكن ادا سمحثم وكدالك كاتب السطور السينمائي المحترم بين قوسين وليس خروجا عن التقرير نقول من فوق هد ا المنبر السينما لها علاقة بالاخلاق العالية والفنان يختلف عن لانسان العادي في كل تصرفاته وبالاخص ادا كان سينمائيا فهو سينمائي حيت كان يدخل وبعمق المجتمع لكي يعرف القضية التي ليست في باله ليجعلها في صورة ثم يرمي بها لسينما فاالسينما لاردنية واحدة مثل أخواتها العربيات تعيش قضايا أجتماعية محيرة ومضحكة وقد يكتب النجاح الدائم لصورة السينمائية الاجتماعية التي رسمت بأتقان الخالية من الكلمات الزائدة اي التي لاتصلح للدن
الفلم غريب عن المجتمع الأردني الكاتب من دائرة وطبقة اجتماعية لا علاقة لها بالأردن وهو ابن عائلة جاءت من لبنان واتخذت من دبي!!! مركز لانطلاق البزنس بتاعها. مع إن الفلم م لا عقل أن كو واقعا فلم نر أبدا أردنية تصبح زعيمة لعصابة ولم نسمع شتائم بوزن شتائم الرياحنة ولم نرى صورا مكشوفة. كان من الممكن أن يكون الفلم رائعا لو راعى الذوق وتصدى لمشكلة التنمر و العصابات وفارضي الأتاوات القليلة جدا في الأردن دون الدخول في صدام مع قيم المجتمع.
الحمدلله ان الفلم عن حاره فقط .. ولو كان عن البلد كلها بكل مفاصلها وزواياها وخباياها وفوقاها وتحتها كان جابلنا العيد