في خلفية مداولات محكمة العدل العليا حول التشريع القضائي والأزمة الداخلية المحتدمة، ثمة جبهة ضد إيران وفروعها في المنطقة تتطور إلى تهديد خطير للغاية، تهديد يستوجب كامل اهتمام القيادة السياسية ورص الصفوف في الجيش والشعب – تمهيداً لإمكانية تصعيد في عدة ساعات بالتوازي.
لا سبيل آخر لتفسير الرسائل التي يطلقها أعلى المسؤولين في الجهاز، على أمل أن يستمع الجمهور والقيادة المنتخبة أيضاً. أول أمس، كان رئيس الوزراء دادي برنياع، الذي يحوز إخطارات جديدة وكثيرة عن نوايا إيرانية لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية في العالم. كان خطاب برنياع شاذاً لأنه تضمن تهديداً مباشراً على القيادة الإيرانية وبياناً لم يعد بموجبه مجال حصانة، وكل مس بإسرائيلي و/أو يهودي سيؤدي بالضرورة إلى جباية ثمن في قلب طهران. كما أشار برنياع إلى ما كتب في هذه الصفحات عشرات المرات في الأشهر الأخيرة: الجسارة الإيرانية تتعاظم لجملة أسباب، من انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وحتى الشرخ في إسرائيل.
وثمة مثال على هذه الجسارة، وهو ما كشف النقاب عنه وزير الدفاع يوآف غالانت أمس: إيران أقامت في جنوب لبنان، على مسافة 20 كيلومتراً فقط عن إسرائيل مطاراً معداً لأهداف إرهابية. في الصور التي عرضها غالنت كان يمكن رؤية علم إيران يرفرف على مسارات الطيران، التي يعتزم النظام العمل منها ضد إسرائيل بالتعاون مع “حزب الله”. “الأرض لبنانية، السيطرة إيرانية، الهدف – إسرائيل”، قال.
يستخدم المطار في هذه المرحلة لإطلاق طائرات مسيرة، لكن الخطة الأكبر هي خلق محور بديل لتهريب الوسائل القتالية من سوريا، التي ينجح الجيش الإسرائيلي في إحباطها في غارات دقيقة من الجو منذ أكثر من عقد، في إطار المعركة ما بين الحروب. يعرف الإيرانيون بأن إسرائيل لا تهاجم في لبنان؛ كونها مردوعة أمام “حزب الله”، والفكرة هي خلق مجال حصانة يساعد في مساعي تعاظم القوة، إلى جانب قاعدة قريبة من الحدود، يمكن إطلاق طائرات مسيرة منها لمهام هجومية خلف الحدود مع إسرائيل. بالمناسبة، ثمة تقدير بأن هذه ليست القاعدة الوحيدة التي أقامها الإيرانيون مع “حزب الله” في المنطقة.
في هذا السياق، ينبغي الانتباه إلى الخطاب الثالث للمسؤول في الجهاز، رئيس الأركان، ففي الكلمة التي ألقاها أمام المهرجان العسكري المركزي لإحياء 50 سنة على حرب يوم الغفران، قال الفريق هرتسي هليفي إن “علينا التعاطي مع أي تصريح لأعدائنا، بالأقوال أو الأفعال. وألا نستخف بهم ولا نعظم قوتنا. علينا أن نكون جاهزين أكثر من أي وقت مضى لمواجهة عسكرية واسعة ومتعددة الجبهات تتضمن مناورة في اشتباك قتالي واحتكاك عال مع العدو ستنطوي على خسائر وإصابات تشارك فيها أيضاً الجبهة الداخلية. حين تمتلئ وسائل الإعلام بالمناقشات حول دروس حرب 1973، فمن الجيد أن ننصت إلى النص الواضح والصريح لقائد الجيش في 2023.
غالنت هو الآخر أجرى ربطاً واجباً يحذر منه الجيش الإسرائيلي، بين الأزمة الداخلية وثقة الأعداء الذاتية. “في السنة الأخيرة، نواجه صدعاً آخذاً في التعمق في المجتمع الإسرائيلي حول التوازن بين السلطات”، وتابع: “قد يكون الثمن باهظاً، باهظاً جداً في سياقات الأمن القومي، وعليه فإن التغييرات المركزية تجرى بتوافق واسع. كمن يقف على رأس جهاز الأمن، أقضي هنا بأن استمرار الصراع الداخلي بين تيارات صقرية في دولة إسرائيل يتسلل داخل الجيش وداخل أجهزة الأمن الأخرى، ويجبي ثمناً لا يمكن للجيش وجهاز الأمن أن تحتمله”.
غير أن العدو الذي يستمع لكبار مسؤولي الجهاز، كفيل بالوقوع في خطأ اللامبالاة. لعلهم هناك يرون تفوقاً في تهديد متعدد الساحات في فترة التفكك. لكن من الأفضل لهم معرفة أن التهديد محرك قوي لتجنيد كل المقدرات؛ لوضع الخلافات جانباً وللهجوم المشترك بهدف حماية البيت. هكذا كان في حرب يوم الغفران، وهكذا سيكون اليوم أيضاً إذا ما طولبنا بذلك لا سمح الله.
يوسي يهوشع
يديعوت أحرونوت 12/9/2023