الشعر هو النبض الحي لموسيقى الحياة، حيث تتبع موسيقى الكتابة الفكرة حتى آخر لحظة في حياة القصيدة، في محاولة ليكون للموسيقى شكل مرئي، ورسم شاعريتها بالكلمات، وهذا ما يجعلنا نتساءل هل الموسيقى مرئية..؟ وهل يحق لنا أن نراها كذلك..؟، وهي تتماوج وتتكاثف في متواليات حضورها الأنيق، وتتشكل، وتمتد بعاطفتها، وتتحول إلى كلمات في تشكيل الصورة الشعرية المتناغمة في الرؤيا، حد «التسلطن» وهي تدخل في مقامات حضورها ولهاً وشغافاً وتأملاً، وحلماً نقتفي في اكتماله أثر الموسيقى في ذاكرة الضوء، وسحراً يتشكل عبر تجانس النغمات في فيضها المنتشي، كنهر لا ضفاف له فهو البحر، هذا ما دونه الشاعر عمر السراي في قصيدته «بانوراما عاشق» التي فتحت لنا أبواب المجاز:
رشـــّي مساماتي .. بما يتساقط ُ
من عشبكِ النشوان فوقَ حديقتي ..
مدّي خمارَ الحبِّ بين أكفــِّنا ..
كي نبتدي .. أرجوحةَ الولهِ المراهقِ من جديد.
أنتِ .. ملهمتي ..
أنا .. أُملي كتاباتي على ورقِ السجائر ِ..
أنتقي قلماً .. يؤاخي مقلتيك.
وينتقيني كي أبوحَ له بشعري الحائط
الشعر يسكن جسد القصيدة، ويتخذ منه مسرى للأحلام ودربا للقمر، وهذا يبين لنا الكيفية، التي يتشكل من خلالها المعنى، الذي يأخذه الصوت، خلال الجملة الموسيقية في الصورة الشعرية، ويتحول إلى فعل جمالي. وهذا منتهى الشاعرية في القصيدة. فالشاعر عمر السراي روض الموسيقى، عبر الكلمات، للوصول إلى ما بعد الدهشة من الانبهار، وماذا بعد الدهشة غير الانبهار، وهو يتحول إلى حلم في حلم يسعى إلى الكمال، كمن يعبر نهرا لا وجود له، وهذا الشيء هو الخيال أبداً، حالماً بخياله القادم:
جرِّبي .. أن لا نكونَ سوى حبيبينِ استقلا مركبَ الطرقات ِ..
بحثا عن ظلامٍ .. من قـــُـبــَـل ..
وتعانقا في السرّ
والميلانِ يقتصــّانِ عنقوداً ..
تكوّر من دمائهما .. وبسملَ في غزل ..
هذه الموسيقى المتأهبة للتسامي هي الأثيرة لدى الشاعر.. موسيقى الكتابة وموسيقى الكلمات، التي استجابت وانسجمت مع غنائية القصيدة، تلك الموسيقى التي نراها ونسمعها، إذ يمتزج فيها السحر بالدهشة، والتي تكون دوما على وشك الانفتاح على تجهم الأيام. فهذه القصيدة الرومانسية بامتياز وكل ما ينبع منها هي قصيدة للحياة، وهي كالحياة أيضاً:
تولدُ الغاباتُ بينَ أصابعي .. في وجنتيك..
ونستمرُّ إلى الأزل ..
هل .. تسمحينَ .. ؟
تمنــَّـعي ..
ثم استديري .. باتــِّئادِ الصحو ِ
وابتسمي .. وقولي .. لي .. : أجل ..
ما لون القصيدة؟ هل هو الأبيض، بحضوره الكلي النقي، أم الأزرق تحيط به موسيقى النهاوند بتدرجاته إلى لازوردي؟، فالشاعر سعى جاهدا في مغامرته لرسم الأفكار على شكل موسيقى شفافة، فرسم المودة والمسرات التي يشكلها الحضور في الحياة، وجعل الموسيقى هي التي تقود المعنى في القصيدة:
ودَعي بساتينَ التذكــُّرِ نائمة ..
أفرطتُ في الترحال..
ردّيني لشرفتنا .. الأثيرةِ .. والوثيرة..
للطواويسِ التي خبــَّأتــِها في بصمتي ..
قبلَ السماءِ الغائمة ..
للنهرِ يعرى .. مثقلا بالريش ..
موسيقى القصيدة تمثل الحالات المتوالية لها، والمتناغمة مع طبيعة الشاعر وفكرة القصيدة، القادرة على استحضار الصفاء الهادئ الناصع الحضور، وهذه هي قوة الشعر، التي تجعل هذا يحدث في الروح، والتأثير الذي تستمر هذه الكلمات في إحداثه، في التوقيت والإيقاع المثاليين، لمثل هذا الأداء الجميل:
كل الدروبِ..
كل الشجيرات الرخيمة في تضاريس الغروبِ..
كل انحناءات السواقي وانثناءات الندوبِ..
وسنى..
تذكرني بعطر وسادةٍ أرّختُها في مقلتيكِ..
فماد معصمها على شفة الشحوبِ…
في تدوين النوتة الشعرية
دوّن الشاعر، بعد الفكرة والسيناريو، نوتة معزوفته الشعرية «بانوراما عاشق» على مقامات الإبداع، بحضور الموسيقى، معتمدا على إيقاع نبضات القلب، وزيادة ترددات المشاعر، وجعل «أوكتافها» (الفاصل الزمني) يمتد بين نقطتين، ليس صمتاً بل همساً متناغماً، وكأنه نغمة مزدوجة تدوم لنقطتين، وتهمس بأسرار الشعر المرئي بملفوظات الكلام، فهذه القصيدة، التي تحمل مشاعرنا كمقطوعة موسيقية، رسمت بالكلام، وهذه هي وصفة الشعر السحرية
بانوراما عاشق «1»
رشـــّي مساماتي .. بما يتساقط ..
من عشبكِ النشوان فوقَ حديقتي ..
مدّي خمارَ الحبِّ بين أكفــِّنا ..
كي نبتدي .. أرجوحةَ الولهِ المراهقِ من جديد ٍ
أنتِ .. ملهمتي ..
أنا .. أُملي كتاباتي على ورقِ السجائر
أنتقي قلماً .. يؤاخي مقلتيك..
وينتقيني كي أبوحَ له بشعري الحائط ُ
جرِّبي .. أن لا نكونَ سوى حبيبينِ استقلا مركبَ الطرقات ِ..
بحثا عن ظلامٍ .. من قـــُـبــَـل ..
وتعانقا في السرّ
والميلانِ يقتصــّانِ عنقودا ً
تكوّر من دمائهما .. وبسملَ في غزل ..
ولنركبِ الباصات..
نكتبُ فوقَ جلدِ قميصها ..
معنى .. ( متى ) .. أو ( كيف ) .. ( أين ) .. ( لـ ما ) .. وهل ..
سأقولُ .. : إنــِّـي ………….. ثم تندثرُ الحروف ..
: إنــِّـي .. أحبكِ .. في هدوء..
طأطئي خصلاتكِ الذهبيةَ النجوى ..
وردّي .. : كم .. أحبك َ
تولدُ الغاباتُ بينَ أصابعي .. في وجنتيك ..
ونستمرُّ إلى الأزل ..
هل .. تسمحينَ .. ؟
تمنــَّـعي ..
ثم استديري .. باتــِّئادِ الصحو ِ ..
وابتسمي .. وقولي .. لي .. : أجل ..
لنجرِّبِ الحبَّ المكحّلَ بالمشيب..
فشيبــُـنا .. غنــّـى .. ورقصتنا الأمل ..
بانواما عاشق «2»
ودَعي بساتينَ التذكــُّر ِ نائمة ..
أفرطتُ في الترحال ِ ..
ردّيني لشرفتنا .. الأثيرةِ .. والوثيرة ..
للطواويسِ التي خبــَّأتــِها في بصمتي ..
قبلَ السماءِ الغائمة ..
للنهرِ يعرى .. مثقلا بالريش ..
حينَ تفورُ ألوان ُ اللقاءِ العائمة ..
لمساءِ قــُـبلتنا ..
لرعشةِ وحدتي ..
للشوكِ يندى حينَ ترتبكُ الأسرَّةُ تحتنا ..
للأمنياتِ الباذخاتِ سمارهنَّ خريطة ..
كيما تكوني .. لي .. بقلبي .. العاصمة ..
بانوراما عاشق «3»
كل الدروبِ..
كل الشجيرات الرخيمة في تضاريس الغروبِ..
كل انحناءات السواقي وانثناءات الندوبِ..
وسنى..
تذكرني بعطر وسادةٍ أرّختُها في مقلتيكِ..
فماد معصمها على شفة الشحوبِ…
كاتب عراقي