لا تُصدّقوا هاريس فهي على خطى أوباما

تعهدت كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالعمل على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وشددت أمام أنصارها في مؤتمر الحزب الديمقراطي، على أن الوقت قد حان لإنجاز اتفاق حول الرهائن والسجناء.. وقالت إن (الرئيس بايدن وأنا نعمل من أجل إنهاء الحرب بطريقة تجعل إسرائيل آمنة وتحرر الرهائن، وتُنهي المُعاناة في غزة، وتُعطي الفلسطينيين حقهم في الكرامة والحرية وتقرير المصير). هكذا كذبت كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة في خطابها في ختام مؤتمر الحزب الأخير، فقد عادت للحديث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، لكنها تجنبت القول بحل الدولتين، الذي أيدته عندما كانت عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي. وإذا كانت هي فعلا مع الحق الفلسطيني في الكرامة والحرية وتقرير المصير كما تقول، وتملك تصورا لحل الوضع المعقد في غزة، فلماذا لم تفعل ذلك وهي في خضم إدارة أمريكية ولايتها ما زالت متواصلة، بدلا من توظيف الشأن الفلسطيني في حملة انتخابية تطمح من ورائها إلى الوصول إلى الرئاسة؟
إن ما يجب قوله هو أن أولويات المرشحة هاريس داخلية وليست خارجية، وما هو معروف عن رؤيتها في السياسة الخارجية قليل جدا. هي تساعد الفقراء من الأقليات داخل الولايات المتحدة، ولديها اهتمامات في قضايا السكن والمعيشة والبنية التحتية، وعليه داخليا يمكن القول إنها تقدمية. أما في السياسة الخارجية فلن نشهد أي تغيير جوهري في كيفية تعاطيها مع الملفات الدولية حالة فوزها بالرئاسة، وإذا كان هنالك من يجادل في القول إن خطابها عن غزة في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي كان يُعطي ضوءا في آخر النفق عن ما يجري فيها، لكن الحقيقة تقول، إنه تم استخدامها من قبل إدارة بايدن لإلقاء بعض النفاق إلى الأمريكيين من أصل عربي، حيث كان هنالك امتعاض واسع النطاق من قبل هذه الشريحة من سياسات بايدن المؤيدة لإسرائيل، ودعمه الكامل لها، وتبنيه لأجندة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد غزوة السابع من أكتوبر/تشرين الأول المجيدة، ولربما طُلب منها اتخاذ ذلك الموقف لتهدئة الشارع الأمريكي، خاصة بعد انتفاضة الجامعات وخروج الطلاب بمسيرات كبيرة مناهضة لإسرائيل وللسياسة الأمريكية. إن إلقاء نظرة فاحصة على السلوك السياسي لكامالا هاريس يتطلب النظر الى مستويين: المستوى الأول رؤية هاريس للسياسة الخارجية، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط. أما المستوى الثاني فهو مستوى السلوك والفعل السياسي. بالنسبة للمستوى الأول فهي تنتمي إلى النخبة التقليدية نفسها، في السياسة الخارجية، التي ينتمي اليها الرئيس الأسبق باراك أوباما والرئيس الحالي جو بايدن، وليست لديها أية آراء مختلفة أبدا عن هؤلاء، خاصة بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي. هاريس كباقي الساسة الأمريكيين يقولون إنهم يؤمنون بحل الدولتين، لكنهم جميعا لم يسعوا لصياغة سياسات تؤدي إلى هذا الفعل مطلقا. كما أنهم ينظرون إلى أمن إسرائيل من عدسة إسرائيل فحسب، مضافا إليها متطلبات العلاقة الخاصة التي تربط الولايات المتحدة بها. ولو عدنا إلى عام 2017 نجد النائبة الحالية والمرشحة للرئاسة كامالا هاريس في خطاب لها أمام أكثر لجنة مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، تقارن ولادة ونشأة إسرائيل بما يسمى حركة تحرير الأقليات والسود في الولايات المتحدة. آنذاك هي قالت إن نشأة إسرائيل تدل على قضية العدالة والكفاح من أجل الحرية، أي هي قارنت ولادة الولايات المتحدة كدولة (ديمقراطية) بولادة إسرائيل. هذا يعني أنها تنظر إلى إسرائيل، من خلال هذه العدسة على أنها دولة ديمقراطية وحيدة في بحر السلطوية في الشرق الأوسط. وعليه فإن عدسة أمن إسرائيل هي العدسة الأهم للنخبة التقليدية الأمريكية، ومنها كامالا هاريس، وبذلك فهي مؤيدة بالمطلق لإسرائيل وهي جزء من السردية المؤيدة لتل أبيب في السياسة الأمريكية.

هاريس كباقي الساسة الأمريكيين يقولون إنهم يؤمنون بحل الدولتين، لكنهم جميعا لم يسعوا لصياغة سياسات تؤدي إلى هذا الفعل مطلقا. كما أنهم ينظرون إلى أمن إسرائيل من عدسة إسرائيل

أما في المستوى الثاني وهو السلوك والفعل السياسي، فإذا أردنا أن نفهم سلوكها وفعلها السياسي، فإن هاريس صوتت 100% على كل قرارات دعم إسرائيل في مجلس الشيوخ الأمريكي. وعندما أصبحت عضواً في هذا المجلس، كانت خطوتها الأولى هي رفض اعتبار المستوطنات في الضفة الغربية غير شرعية. ولو نظرنا الآن إلى الطبقة السياسية ورجال المال والأعمال الأمريكيين، نجد أن كل الذين دعموا انتخابات أوباما وبايدن سياسيا وماليا هم الآن يهرولون لدعم هاريس، والأثرياء منهم من أهم داعمي إسرائيل. وعليه فإن سياسات كامالا هاريس الخارجية بالنسبة للمنطقة لن يتغير بشكل أساسي عن سياسات باراك أوباما وبايدن. ولا عليكم بما أعلنته النائبة المسلمة إلهان عمر عن أنها تؤيد مواقف هاريس، فهي ليست وحدها من تملك الحقيقة، وما قالته ليس بالتزكية، التي يجب أن تنسحب على الجميع فيصفقوا لها كما فعل القوم مع تصريحات أوباما آنذاك. وهنا لا بد من القول والتذكير بأن أوباما الذي كان أكثر تقدمية من هاريس، وكان أستاذا جامعيا له صيت ومكانة كبيرة، عندما بدأ حملته الانتخابية قال، أنا أشعر بمُعاناة الفلسطينيين، وعندما بات قاب قوسين أو أدنى من فرصة الوصول إلى البيت الأبيض زعيما للولايات المتحدة حوّر كلامه وقال، أنا قصدت معاناة الفلسطينيين هي من قياداتهم وليس من إسرائيل. وبعد كل المشاهد التمثيلية التي مارسها علينا خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، ابتداءً من كلمة السلام عليكم التي أطلقها في جامعة القاهرة فخررنا صرعى مسحورين به، وقلنا إنه مسلم واسمه حسين أبو عمامة، لكنه يمارس التقية ولا يعلن إسلامه، خوفا من فقدانه المنصب، بعد كل ذلك عندما خرج من البيت الأبيض في نهاية ولايته، قام بتوقيع أكبر معاهدة دعم عسكري لإسرائيل بمقدار 35 مليار دولار أمريكي لعشر سنوات.
وإذا كانت هاريس حنينة جدا على الكيان الصهيوني، فهي كذلك مع إيران. فقد دعمت خطة العمل المشتركة لعام 2015 مع طهران، وأدانت الضربة العسكرية التي شُنت في يناير/كانون الثاني عام 2020 والتي قُتل فيها زعيم فيلق القدس قاسم سليماني. كما شاركت في رعاية تشريع لم ينجح في الكونغرس في منع شن المزيد من الأعمال العسكرية ضد القادة والأهداف الإيرانية. ومع كل ذلك لا بد من القول إن كامالا هاريس أكثر عقلانية من الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري الحالي دونالد ترامب، الذي أصدر قرارا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المُحتلة، واعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المُحتلة، ثم دوره الفاعل في ما يسمى الاتفاقيات الإبراهيمية سيئة الصيت. ربما ستسعى هاريس لتجنب حرب إقليمية واسعة، وسوف تحاول الإبقاء على الوضع الراهن، كما هو عليه، ومنع تفجر الصراع إلى مناطق أخرى.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية