أثر المفردات الفنية في منجز المغربية كريمة الحطري

استطاعت الفنانة التشكيلية كريمة الحطري، أن تصنع مفردات فنية ذات أثر قوي في منجزها التشكيلي، وفق قيم جمالية عميقة الدلالات، وبأسلوب حداثي، إذ تتخذ منه مادة لبناء شخوصات انطباعية وأشكال متنوعة المضامين ببُعد فني رائق، وهي توظف لذلك تجربتها المميزة في هذا المجال؛ بتحويل أبجدية الواقع بأسلوب تعبيري غزير الدلالات، تجعل منه عنصرا فاعلا تتحكم بواسطته في الفضاء عبر مجموعة من الألوان والوجوه والشخوصات.


الفنانة تبني أعمالها في فضاء يسمح بتمظهر الأثر الفني لعدد من المفردات بكثير من المهارة والتقنيات العالية، وهو ما تسمح به تجربتها في الحركة التشكيلية المعاصرة، بل إنها تعمل جادة لصنع أشكال شخوصية مبتكرة وذات معان، على خامات ناعمة، وتوظف تقنيات هائلة لمزج الألوان ووضعها بشكل دقيق ومنظم، كونها تتخذ من التعبير اللوني والشخوصي، على حد سواء مادتين أيقونيتين للتعبير عن خلجاتها، وما يجيش به شعورها، وفق تصورات فنية حداثية عميقة الدلالات. وتعتمد طرائق متعددة لصنع مجموعة من العلاقات الجدلية، فتسخر لها رصيدا من الأشكال التعبيرية التي تتجلى في صور فنية معاصرة، تروم البعد الجمالي من جهة، وتتقصد الاستجابة للأبعاد الرؤيوية الشخصية للمبدعة، بما تختص به ضمن نسيجها الثقافي، فهي المثقفة التي خبرت الثقافة الفنية من خلال مؤهلاتها العلمية وبحوثها الجامعية، ومن خلال رصيدها المعرفي الذي كونت حيزا منه في المغرب، وجزءا آخر في تونس. ما أثرى حمولتها الفنية علميا ومعرفيا، لتتسم أعمالها بجماليات مخضرمة، وبلغة تشكيلية تتعدد فيها المفردات الفنية المؤثرة، كما أن تنوع الألوان والأشكال يبعث الحركة، بما يوحي بالحياة والتفاؤل في سياق إبداعي وجمالي، فأعمالها تترابط على نحو جمالي يرصد الواقع بخلفيات فنية ودلالية، تعج بالإيحاءات والإشارات والدلالات، التي تعزز الوجود الواقعي بنوع من الانطباع، فترقى بالمادة التشكيلية إلى مستوى يباشر البصر والإحساس على حد سواء.
فالأساليب التحاورية، وبعض الأشكال التعبيرية، والتداخلات العلاماتية، والاستعمالات اللونية تدعم المجال التعبيري الحديث، والمسار الإبداعي المعاصر، في حين تشكل عملية التوظيف الانطباعي فلسفة عميقة الدلالات. وتكمن سحرية الفن الشخوصي المعاصر لدى الفنانة كريمة الحطري في انتهالها من خزان من الأشكال والوجوه والألوان المتنوعة، وهي في عمقها عناصر تُفضي إلى تحويل أشياء الواقع وعناصره إلى وحي جمالي وإحساس مغاير، برؤية فنية مغايرة منبثقة من الواقع ومنزاحة عن المألوف، وفق طقوس ومفردات فنية لا تنحصر، لأنها تستمد وجودها من خزان ثقافي ومعرفي متعدد المناحي والتوجهات. ويعد هذا في واقعها التشكيلي إرساء لمقومات العمل الفني المبني على أسس من المعرفة والثقافة التشكيلية المعاصرة.
إن لجوء الحطري للمنحى المعرفي والفلسفي والثقافي هو في الأصل لجوء إلى عالم فني جديد بمكتسبات حضارية، فلوحاتها تنطق بأشكال وعوالم جديدة، ذات منحى فني تفاعلي يدحض البناءات الفراغية، لتصنع مجالا تراكميا، مختلف الألوان ومتنوع العلامات، بتدقيق ونظام واختيارات موفقة، وهي ميزات تشع بوادرها في إبداعاتها الرائقة، سواء على مستوى التقنيات المستعملة، أو على مستوى المادة اللونية أو الأشكال بكل عناصرها الإبداعية، أو على مستوى التعبير الفني الشخوصي، أو على مستوى التصورات والرؤى التي تنطق بالجديد. وفي هذا الدور يكمن سر المعاصرة وحداثة الأسلوب. وهو ما يجعل القارئ يجول بعمق في أعمالها لاكتشاف عوالم جديدة تساعد على فهم عالمها الإبداعي.
لقد استطاعت كريمة الحطري، أن تثبت فنيا ما حملته تجربتها الغنية من تقنيات جديدة، للتدليل على تصوراتها الحداثية، من خلال تعبيراتها بالشخوصات والألوان والأشكال المتنوعة، وبمفردات لغتها التشكيلية الخصبة، لتنحت أسلوبا راقيا في مجالها الفني الرائع، ليبرز جليا في صفوة الفن التشكيلي المعاصر.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية