رواية «خليل» لياسمينا خضرا: كيف يصنع التهميش إرهابيين؟

حجم الخط
0

في مجمل روايات ياسمينا خضرا (تحليل عميق لعقلية الإرهاب وأسبابه، لأن محاربة كل التنظيمات الإرهابية، التي تُروع العالم بتفجيرات وجرائم يندى لها الجبين، تتطلب معرفة الأسباب والعقلية والمُعتقدات التي تنجح إلى حد كبير في غسل عقول شباب في عمر الورود وتدفعهم وهم بمنتهى السعادة والفخر والمنافسة في ما بينهم من أجل تفجير أنفسهم وقتل الكثير من الناس إضافة إلى الدمار.
في رواية «خليل» التي تبدأ الرواية بسطرين: (كنا أربعة انتحاريين، مُهمتنا تحويل الاحتفال في ملعب – ستاد دو فرانس – إلى مأساة يلبس العالم بأسره الأسود حداداً على باريس). كان لإلياس أخت توأم يحبها كثيراً اسمها زهرة، لكنه كان يكره أمه وأباه وأخته العانس الحاقدة (يزة) ووالده المثير للشفقة بائع الخضار. عائلة خليل أصدقاؤه، وبيته الشارع، وناديه الخاص الجامع. صديقه (إلياس ما كان يعرف رباً ولا رسولاً كان سيئ المزاج وعديم الفائدة، ولا يفعل شيئاً سوى التطاول على الشبان وضربهم، لكن إلياس اهتدى وبات يرتدي عباءة بيضاء ويُحنّي ذقنه وبلغ مرتبة (أمير) في تنظيم (التضامن الأخوي). وتأثر خليل وصديقه إدريس بإلياس، وانتسبا إلى تنظيم (التضامن الأخوي) وهو تنظيم إرهابي يخطط لتفجيرات كبيرة في عدة دول.
كان خليل الذي غادر المغرب مع أسرته وسكن في بروكسيل يعمل لدى نجار وبائع مفروشات تركي يظلمه كثيراً ويحمّله فوق طاقته، وكان عمله في نقل المفروشات التي يختارها الزبون ويركبها، وفي الليل كان التاجر التركي يقفل باب المحل على خليل ويتركه في وحشة قاتلة خوفاً من أن يهرب. توزعت مهام العملية الإرهابية على الأصدقاء الأربعة، إدريس سيدهس حشود الناس الخارجة من ستاد دو فرانس، ومهمة خليل تفجير قطار الضواحي السريع حين يكون في أوج اكتظاظه، وفعلاً وضع خليل الحزام المتفجر حول خصره وارتدى سترة خاصة، كان متحمساً جداً لضغط زر التفجير ليتلاشى أشلاء ويقتل ركاب قطار الضواحي السريع، لكنه حين ضغط على زر الحزام الناسف لم يحصل التفجير، أعاد الضغط مراراً ولم يحصل أي تفجير. وخاف أن يتهمه الشيخ بالخيانة، وأنه تراجع عن أداء المهمة، كان يريد أن يلتقي الشيخ بسرعة ليشرح له مسألة الحزام، خاصة أنه وجد بعد أن نزع الحزام والسترة جهاز موبايل موصول بالحزام وخليل لم يكن يعلم بوجود جهاز الموبايل، لكن الشيخ صدقه وقال له: لا تحزن لا نزال نثق بك وسنوكلك بمهمة أخرى، واستأجر له شقه يشاركه فيها مجاهد اسمه هادي، كان كثير الكلام وهو تونسي ويحمل شهادات علمية، لكن وظيفته في التنظيم كانت محاطة بسرية تامة، وكان هادي يصلي دوماً ويختار أطول الآيات ليصلي ويسجلها على (الآيفون) لكن خليل تفاجأ حين رأى هادي يضع علبة من الواقيات الذكرية في الحمام، فصرخ خليل: ما هذا؟ رد عليه هادي بسخرية وهدوء: إنني ألبي رغبة طبيعية ليس إلا. رد خليل: ليس من حقك.
أجابه هادي: بل من حقي ومن حقك أيضاً، إن كان مكتوباً علينا أن نضحي بأعظم ما نملك في هذه الدنيا فما الداعي لنترك خلفنا أرملة وأيتاماً ؟ فثمة فتوى تتيح لنا التمتع بملذات الجسد، تلك الفتوى هي استثناء للمحاربين أمثالنا. أمسكت صادق في منزله ورحلته إلى الرباط وتصدر الشيخ صادق نشرات الأخبار المسموعة والمرئية وكثرت استضافة المحللين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ونجوم السياسة ليستعرضوا آراءهم بقرار الترحيل. أما في الرباط فكان الشارع يشهد حراكاً احتجاجياً رافضاً أن يتحمل عبء (أصولي) يحمل جواز سفر بلجيكياً سبق للمملكة الشريفة أن جردته من جنسيته. لكن تنظيم (التضامن الأخوي) لم يتأثر كثيراً. واختفى الأمير (إلياس ) بعد أن سلم رضوان زمام المرحلة الانتقالية.
كانت ابنه خاله خليل قد ماتت في سان دوني في عملية الدهس، ماتت يوم عيد ميلادها.
زهرة توأم خليل كانت تحبه وتصدق أنه في بروكسل ليتعلم مهنة النجارة، وكانت تريد تزويجه من صديقتها وتغويه أن يُنشئ عائلة لكنه رفض فسألته زهرة: لماذا ترفض الشابة ممتازة، رد: لا تملك الذي أريده، سألته زهرة: وماذا تريد: قال: النقاب.
قررت قيادة تنظيم (التضامن الأخوي) أن تكون العملية الإرهابية التالية في مراكش، إما في حديقة مارجويل، أو ساحة جامع الفنا وسيكون مع خليل شاب بلجيكي اسمه (برونو) اعتنق الإسلام وصار اسمه زكريا.
قال الشيخ: نريد تفجير المكان الأكثر إزدحاماً لنثير عدداً كبيراً من ردود الفعل على الصعيد الإعلامي. لقد تم قتل الإمام صادق، ولا بد إذن أن يكون المغرب، إما من خلال الحديقة أو الفنا مثالاً للدولة المسلمة التي قد تتجرأ على تجنيب الغرب تلطيخ يديه بدماء إخواننا. قبل السفر إلى مراكش كان هادي يتابع راديو وتلفزيون بلجيكا الناطق بالفرنسية، (أرتي بي أف ) وكانت مشاهد غير واضحة لأشخاص يركضون في كل اتجاه وكانت فتيات يبكين منهارات أسفل المباني وظهر الخبر العاجل: اعتداء على مترو بروكسل وبعد ساعات أعلن تنظيم (داعش) تبنيه العملية، بعد أيام علم خليل أن أخته (توأمه) زهرة كانت في مترو بروكسل وماتت. بعد موت زهرة تحطمت نفسية خليل تماماً لدرجة أن أمير التنظيم سأله إن كان لا يزال مُستعداً لعملية مراكش، وإن لم يكن مستعداً لأنه انهار بعد موت أخته زهرة فهو سيتفهم وضعه ويعفيه من مهمة مراكش، لكن خليل أصر على أنه جاهز لهذه المهمة، بل ومستعجل ومتحمس. فكر خليل طويلاً وهو يزور قبر أخته، زهرة كيف كان إلياس يلح عليه لسماع كلام الشيخ، كذلك صديقه إدريس يقول إلياس لخليل: يجب أن تحضر اللقاءات مع إمامنا، تعال معنا، لا يُلزمك الأمر بشيء ولن يأخذ الكثير من وقتك. ماذا ستخسر وظيفتك؟ ليس لديك وظيفة؟ وقتك؟ لا قيمة لوقتك بالنسبة إليك.. إن الحشرية هي الأم الراعية لكل الإغراءات والإغراءات بطبعها خائنة، والإمام يملك الأجوبة على كل الأسئلة، يُعيدك إلى الهزائم التي تكبدتها، وخيبات الأمل التي اعتقدت أنك تجاوزتها، وجروحك التي لم تلتئم يوماً، ويصبح البائس شبيهك، والثائر توأمك، والعظات متنفسك الوحيد والعنف مشروعيتك.
تنتهي الأحداث بأن يسافر خليل إلى مراكش لكنه قبل موعد التفجير بجامع الفنا بيوم يقوم هو نفسه بتبليغ السلطات الأمنية في مراكش بموعد التفجير، فتتخذ السلطات الأمنية الإجراءات اللازمة وتفشل العملية الانتحارية والتفجير.
رواية خليل تطرح تساؤلات عميقة حول حال الشباب في عالمنا العربي كذلك الشباب الذين يشعرون بالتهميش والظلم والفقر في أوطانهم فيهاجرون إلى الغرب ويشعرون أيضاً بالغربة، وبأن الغرب (يكيل بمكيالين) وبأنهم لن يتساووا مع أبناء البلد الأصلي. الشعور بالغربة والتهميش والإحباط وعدم الاندماج مع المجتمعات الغربية، وتشويه القيم النبيلة للدين الإسلامي وسقوطهم في فخ الإرهاب مصوراً العمليات الإرهابية كأعمال بطولية يباركها الله.
في رواية خليل الصادرة عن دار نوفل مقطع: (إذا كنا نحن الدول المسلمة متخلفة عن الركب، فالسبب هو الأذى الذي نلحقه بالمرأة، يكفي أن أنزل إلى الشارع أو أتوجه إلى إحدى الإدارات الرسمية كي أكتشف مدى الإساءة التي تتعرض لها المرأة في بلادنا. مهما سطع نجم موهبتها وذكائها، ونكران ذاتها، لا يجد فيها الرجل سوى صفتي التبعية وعدم النضج، يستحيل لأي أمة أن تتطور من دون أن تمنح المرأة حريتها أولاً، لكن كيف نحث تلك المؤسسات الذكورية على ذلك؟).

 كاتبة من سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية