40٪ من الاقتصاد المصري غير رسمي والهيئات الإدارية تنتفع من عدم الترخيص بالتربح والحكومة لا تحاسب

حسنين كروم
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: لا تزال الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 12 ديسمبر/كانون الأول تنشر بتوسع عن العلاقات المصرية مع الدول الإفريقية واستثمارات مصر فيها، والتوقعات باتساعها، وذلك في صورة تحقيقات ومقالات، وفي الوقت نفسه احتلت مظاهرات «السترات الصفراء» مساحات متزايدة من الصحف، ولدى الرأي العام أيضا، وتوقعات بانتقالها إلى مصر والدول العربية، وسط خلافات حول أسبابها واتهام أمريكا بأنها وراءها، ومقارنة بين مواجهة ماكرون للأزمة ونجاحه فيها، وفشل مبارك وزين العابدين، وذكاء السادات. ورئيسة تحرير «الأهالي» تعتبر أن ظروف مصر أسوأ من فرنسا، وتسخر من حالة الاطمئنان لعدم تحرك الشعب.

جدل حول الاحتجاجات في فرنسا… ورسام «المصري اليوم» يرى الصحافة في مصر أشد اصفرارا من سترات المتظاهرين

وبروز مشاكل أخرى أمام النظام بسبب زيادة أسعار الأرز، نتيجة تراجع المساحات المزروعة توفيرا للمياه، وتراجع إنتاج الفول، ما رفع أسعاره في المطاعم، ورغم كل هذا نجد وزير المالية يطمئن أعضاء مجلس النواب بنجاح الحكومة في تجاوز الأزمة الاقتصادية.
وفي ما يخص الاهتمامات الأخرى نجدها موزعة بين احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية ومباريات كرة القدم. وإلى ما عندنا من تفاصيل الأخبار وآراء ومقالات لكتاب الصحف التي تناولت مواضيع متعددة.

المسرات والمباهج

ونبدأ بصحيفة «الأهرام» حيث تعجب سمير الشحات من الذين ينكرون الإيجابيات في حياتنا وقال: «من الحقائق التي تكاد تكون ثابتة في حياتنا ثبات اليقين أننا، نحن المصريين، بتنا في هذه الأيام نبحث عن كل ما هو سلبي ومحزن وسيئ من الأخبار، فنغرق أنفسنا فيه أكثر من تعمقنا في الأخبار المفرحة المبهجة التي بالكاد نمر عليها مرور الكرام، فكأنها خطيئة أو رجس من عمل الشيطان، طبعا سوف تجادل سيادتك ساخرا متسائلا: وأين هي تلك المبهجات المفرحات السعيدات يا فالح؟ صدق أو لا تصدق ثمّة المئات، بل الآلاف منها، والذى يُفرح القلب الموجوع ويشرح الصدر الحزين، غير أننا نأبى الانتباه أو الالتفات. المقصود أن نلفت الانتباه إلى أن حياتنا فيها الكثير جدا من المسرات والمباهج، لكننا لا نريد الوقوف عندها والتمعن فيها، ولو أن سيادتك أمسكت ورقة وقلما وعددت ما يمر بك وبأسرتك في كل يوم، بل في كل ساعة فسوف تجد من المفرحات ما تمتلئ به الصفحات، فلماذا هذا التعامي؟ يا عمنا ألست تصحو كل صباح فتشرب ماء عذبا قراحا ينعش الروح فيرويك؟ ألست تفطر وتتغدى وتتعشى، وهل في بلدنا أحد لا قدر الله مات من الجوع؟ ثم ألست تنام آمنا فتحلم أحلاما بعضها سعيد أحيانا فلماذا تتوقف فقط عند الكوابيس وتنسى جميلات الأحلام؟».

الاستثمارات الجديدة

وفي «الأخبار» قال المحرر الاقتصادي محمد الهواري: «لا شك في أن الاستثمارات الجديدة في المنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس وشرق التفريعة، واستمرار الاكتشافات الجديدة للغاز والبترول، وكل إضافة لتعمير وبناء مصر الجديدة، سواء في البنية الأساسية أو الطرق والكباري، أو المدن الجديدة في العاصمة الإدارية والعلمين والمدن الجديدة في المحافظات، واهتمام العالم بما يحدث في مصر من ثورة عمرانية واقتصادية، كل ذلك يصب في مصلحة المواطن المصري الصابر على معاناته في غلاء الأسعار والدروس الخصوصية، وارتفاع رسوم المدارس والجامعات الخاصة، ومعاناته في الازدحام المروري، وبحث الشباب عن فرص عمل لهم، لذلك فإن حركة البناء والعمران والتصنيع والإنتاج هي التي تقودنا لمزيد من التقدم، وتحقيق طموحات المواطنين في تحسين مستوى المعيشة، من خلال الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وتحسين المؤشرت الاقتصادية والحجم الضخم من الإسكان الاجتماعي، وإزالة العشوائيات وتوفير سكن لائق وصحي للمواطنين وحماية البيئة ومكافحة التلوث لحماية صحة المواطنين».

خطة الإصلاح

أما وزير المالية الدكتور محمد معيط فقد قدم عرضا للموقف المالي للبلاد في حديثه مع أعضاء لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس النواب وقال نقلا عن عبد اللطيف صبح في «اليوم السابع»: «الدولة المصرية مرّت خلال السنوات الماضية بظروف صعبة تسببت في ارتفاع خدمة الدين بالتزامن مع ضعف إيرادات الدولة، واستمرار العجز الأولي، ما يضطر الدولة للاقتراض باستمرار لسد العجز الأولي الخاص بالأكل والشرب وخدمة الدين، وأقساط الدين وهو ما تغير خلال العام المالي الماضي، بعد أن تمكنت الدولة لأول مرة منذ 15 عاما من تحقيق فائض أولي قائلا «وهذا يعني أن أكلنا وشربنا من إيراداتنا»، وأوضح الوزير أن خفض العجز والدين والبطالة والتضخم انعكس على تصنيف مصر في تقارير المؤسسات الدولية، حيث أكدت تلك المؤسسات في تقاريرها على الاستقرار السياسي والمؤسسي وتحسن المؤشرات الاقتصادية. في مصر نشهد زخما استثماريا بعد التأكد من جدية والتزام الدولة بخطة الإصلاح. وأكد وزير المالية على أنه كلما تحسنت الإدارة الائتمانية انخفضت معدلات الدين، مؤكدا على أن تحسن المؤشرات والتقارير عامل أمان للمستثمرين الأجانب والمحليين، مشيرا إلى أن هناك زخما استثماريا لوجود نوع من الثقة في الاقتصاد المصري، بعد التأكد من جدية والتزام الدولة بخطة الإصلاح الاقتصادي، الحكومة لا تستطيع توفير فرص عمل جديدة إلا أن القطاع الخاص يستطيع ذلك، قائلا «الحكومة عندها 5 ملايين موظف مش لاقيين ليهم حتى كراسي والحل في زيادة الاستثمارات في الدولة».

مصر والسترات الصفراء

وإلى أبرز ردود الأفعال على مظاهرات أصحاب «السترات الصفراء» حيث حذرت أمينة النقاش رئيس تحرير صحيفة «الأهالي» من انتقالها إلى مصر التي تعتبرها الأسوأ من فرنسا اقتصاديا وسياسيا، وقالت في مقالها: «على الذين تطوعوا للقول بأن مصر ليست فرنسا، تعليقا على مظاهرات «السترات الصفراء» أن يعيدوا قراءة تلك الاحتجاجات، حيث يتبين لهم في منتهى اليسر والسهولة، أن مصر أسوأ من فرنسا بكثير. مظاهرات السترات الصفراء هي إعلان بفشل الاختيارات الاقتصادية لليبرالية الجديدة، التي ألغت على مدار نحو أكثر من أربعين عاما نظم الرعاية الصحية والاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا، تحت مسمى تحرير قانون السوق، وغير ذلك من الإجراءات التي دمرت ثروات الدول، وخلقت أمتين في الدولة الواحدة إحدهما تزيد فقرا، والأخرى تعظم من أرباح الأثرياء وتزيدهم ثراء. وكما هو معروف فهي السياسات نفسها التي يجري تنفيذها حرفيا في مصر، بإلغاء الدعم ورفع يد الدولة عن كافة الأنشطة الاقتصادية، وترك السوق بدون أي مراقبة، ليطحن الغلاء الفقراء ومحدودي الدخل، ويظل الفارق بين مصر وفرنسا أن الأولى تفتقد لثراء الثانية، كما تفتقد لمؤسسات ديمقراطية راسخة تستطيع أن تدير حوارا مع أبناء الوطن الواحد، حتى مع الأحزاب والقوى الاجتماعية مهما طال وقته لاحتواء كافة أنواع الأزمات، بما فيها حراك السترات الصفراء».

المخربون

ويبدو أن كلامها هذا أغضب زميلها أحمد أيوب رئيس تحرير مجلة «المصور» فقال مهاجما أصحاب السترات ووصفهم بأنهم ليسوا رجالا وقال: «يخطئ من ينظر إلى ما شهدته فرنسا على مدى الأيام الماضية، على أنه ثورة مطالب مشروعة، أو غضب شعبي له حقوق أو رجولة، كما يحاول بعض الفوضويين ترويجه لنا، فليس من الرجولة تخريب أو تدميرها بحجة المطالب المشروعة وليس من الوطنية إشعال النيران في مرافق الدولة واقتحام مؤسساتها وضرب استقرارها، فلا يفعل ذلك إلا من يطلق عليهم وصف المخربين أو المرتزقة، ولذلك لا يمكن النظر إلى المتظاهرين بعين واحدة، أو التعامل معهم برؤية موحدة فالمتظاهر الملتزم بحدود المطالب والوقفات القانونية والحفاظ على ثروات وممتلكات الدولة لا يمكن مساواته بالمخرب المدمر الذي لا يراعي سوى مصالحه الشخصية، ولأن الغالبية ممن خرجوا إلى الشوارع الفرنسية، وتحديدا بعد قرار تعليق الضرائب على الوقود لجأوا إلى التخريب، ولم ينظروا لأمن بلادهم، ولم يستمعوا لصوت العقل، فهم لا يمكن وصفهم بأصحاب المطالب ولا يمكن اعتبارهم متظاهرين، أو رجالا، وإنما مجرمون في حق دولتهم التي من حقها أن تواجه الخروج على حدود الشرعية بقوة القانون وفرض إرادة الدولة».

كاريكاتير

وأخبرنا الرسام مخلوف في «المصري اليوم» بانه ذهب لزيارة صديق له ومسؤول كبير فوجد أحد معاونيه يقول له وهو يمسك بصحف: عندنا صحافة صفرا أكثر صفارا من ستراتهم الصفرا محدش أحسن من حد.

الثلاثاء الأسود

ليس لدى محمد أمين في «المصري اليوم» أدنى شك في أن «الكتالوغ الأسود» تم تطبيقه في فرنسا. احتجاجات على أسعار الوقود، يسبقها غضب عارم على (فيسبوك)، ثم نزول إلى الشارع لاختبار قوة الدولة، ثم شل حركة البلاد ومطالبة بوقف ارتفاع الأسعار، وبعدها مطالبة برحيل الحكومة وحل البرلمان وإسقاط الرئيس، صورة بالكربون مما جرى لنا. فلم يكن وارداً أن يثور البعض في فرنسا على أشياء تتعلق بالحريات، إنها بلاد الحرية والنور، إذن فليكن اصطياد فرنسا عبر طُعم الأسعار والوقود والرواتب، وتم تمرير استمارة للتوقيع عليها، مرت شهور لم يوقع عليها أكثر من ألف شخص، ثم تم التقاط القصة عبر صحيفة محلية، وبدأ الزلزال، والتقطتها صحيفة كبرى فوصلت التوقيعات إلى المليون. مفهوم أن فكرة «السترات الصفراء» ظهرت من سترة عمال المحطات، وأخذت الاحتجاجات منحنى خطيراً، وهنا تأخرت الدولة في استيعاب الفكرة، وفوجئ الجميع بأنها احتجاجات دموية فوضوية وليست مظاهرات سلمية، كما عهدتها فرنسا، وتم الحرق والسلب والنهب، والكلام عن فوارق طبقية لم تظهر فجأة، لكنها كانت إشارات شعبوية يغازلون بها المواطنين. فلا أحد لم يحزن على باريس، وقد عاشت أسوأ موجة غضب منذ الثورة الفرنسية، وتم حرق السيارات والتهديد بثلاثاء أسود، تليه جمعة الغضب، وستسمعون عن إقالة الرئيس والدعوة لانتخابات مبكرة، ومعناه أن تنازلات ماكرون لتفويت الفرصة على السترات الصفراء لا تكفي، مع أنها تقدر بعشرة مليارات يورو، وستكتشف أنه «الكتالوغ الأسود» كل يوم. فما الذي يجعل الطلبة ينضمون للاحتجاجات؟ وما الذي يجعلهم يهددون بالثلاثاء الأسود؟ ما المصلحة أن تشتعل النار في كل شيء؟ كيف يقبلون بحرق باريس؟ كيف لا يغضبون لما جرى؟ لقد أعطاهم ماكرون أكثر مما طلبوا، فلماذا يواصلون الاحتجاج؟ ما الذي حوّل الاحتجاجات من احتجاجات اجتماعية إلى سياسية؟ ولماذا يواصلون التصعيد هكذا؟ الآن، فتش عن المستفيد من استمرار الاحتجاجات، وفتش عن الذين يغذّون الفوضى، أحد الفرنسيين قال إن الأحداث سوف تهدأ لو خرج العرب من اللعبة، إذن هناك «لعبة»، وهناك مأجورون تغذيهم أيد أجنبية وتدفع لهم، هؤلاء المأجورون يحرقون فرنسا، وينفذون أجندات سياسية وليست اجتماعية، وهم من يطالبون برحيل ماكرون ولا يعرفون ما نهاية الاحتجاج. هذه ثورة أخرى صنعها «فيسبوك»، ولا أدري كيف ينتهي هذا الوضع، ولا أدرى كيف يتصرف ماكرون، هل يقيل الحكومة باعتبارها حكومة أثرياء، أم أن كل ذلك لا يشفع له، وسيصل الأمر إلى حد إقالته شخصياً؟ هل ينتصر المتطرفون وينجح الكتالوغ الأسود؟».

بعد فوات الأوان

عماد الدين حسين في «الشروق» يتساءل في مقاله: «هل نلوم حسني مبارك لأنه لم يستجب لمطالب المتظاهرين في 25 يناير/كانون الثاني 2011، حينما كانت قليلة جدا في البداية؟ لماذا نطرح هذا السؤال الآن؟ السبب هو احتجاجات أصحاب «السترات الصفراء» ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التي طالبت فقط بإلغاء زيادة الضريبة المفروضة على الوقود، ثم توسعت لتصل إلى 40 مطلبا. مع عنف المظاهرات استجاب ماكرون لمطلب المتظاهرين الرئيسي، وألغى الزيادة نهائيا، لكن المظاهرات تواصلت يوم السبت الماضي، وارتفع سقف المطالب ليصل إلى حد إقالة ماكرون، وإجراء انتخابات مبكرة، رغم أنه استجاب مساء الاثنين لبعض المطالب الأخرى، مثل رفع الحد الأدنى للأجور. لكي نجيب على السؤال الذي بدأنا به ــ ينبغي علينا أن نسأل، وهل نلوم ماكرون لأنه تأخر في الاستجابة لمطالب المتظاهرين؟ أم نلومه لأنه استجاب أصلا ورضخ لمتظاهرين فوضويين؟ أم نلومه لأنه انحاز إلى حفنة من شديدي الثراء على حساب الطبقتين المتوسطة والفقيرة؟ يتحدث كثير من المعلقين الأوروبيين، عن أن ماكرون خيّب آمال غالبية مواطنيه، رغم أنه صعد بسرعة الصاروخ في سماء السياسة الفرنسية، سواء كرئيس أو زعيم لحزب لم يكن شيئا مذكورا، وحقق الأغلبية فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة. يقول المتظاهرون إن ماكرون صار فقط رئيسا للأغنياء. هو خفف الضرائب عنهم ويريد أن يحمّلها للفقراء، ووصل لمرحلة صار يتعالى فيها على الفرنسيين، ويركز على القضايا الكونية الكبرى فقط. ماكرون وهو يواجه المظاهرات في البداية، تعامل معها مثلما فعل حسني مبارك مع مظاهرات 25 يناير/كانون الثاني، ومثلما فعل أيضا الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي. ماكرون كان مسافرا إلى الأرجنتين لحضور قمة العشرين، وفوّض رئيس وزرائه إدوار فيليب بالتصرف. هو وحكومته راهنوا أن المظاهرات أمر مؤقت سوف يتلاشى سريعا بدون دفع أي مقابل. تفكير ماكرون لم يختلف كثيرا عن تفكير أي حاكم في دولة نامية. هو كان يفكر ويتصرف بعجرفة منقطعة النظير، لكن الفارق حتى الآن هو أن ماكرون استعاد إلى حد ما زمام المبادرة وبدأ يلعب سياسة. الفارق أيضا بين فرنسا وكل من مصر وتونس وسوريا واليمن وليبيا قبل الربيع العربي، هو وجود آليات سياسية ومنافذ للتهوية والتنفيس. ماكرون لم تأخذه العزة بالإثم، وعندما أدرك أن الرياح قوية رضخ للمتظاهرين، بل دعاهم إلى التحاور أكثر من مرة، رغم أنه وصفهم بالمخربين والفوضويين في بداية الأزمة. نرجع للسؤال الأول، والمؤكد هو أن كل الحكام يتصرفون بطريقة واحدة في مواجهة التظاهر والاحتجاج. يعتقدون أنها سحابة صيف مؤقتة وستنقشع، ويراهنون على شراء الوقت بكل الطرق. الفارق أنه فى البلدان الديمقراطية، مؤسسات قوية، وتوازن قوى وسلطات تمنع انهيار الدولة، والحلول فيها تكون وسطا. في البلدان النامية، إما يستمر الحاكم للأبد، بعد قمع المظاهرات، أو يسقط ويدخل السجن، بعد أن صم أذنيه عن كل المطالب. في العالم الثالث الرئيس أو الزعيم يستجيب لمطالب المحتجين بعد أن يكون الوقت قد فات. وبالتالي فإن مبارك ــ وأي حاكم في مثل ظروفه ــ تصرف بطريقة طبيعية جدا حينما رفض الاستماع أصلا لمطالب المتظاهرين لأن آلية الحكم لم تكن تفرز إلا هذا. اللوم الحقيقي لمبارك وبن علي والقذافي والأسد وعلي عبدالله صالح وقبلهم صدام حسين وحافظ الأسد، هو الإصرار على الحكم المطلق والمنغلق، وعدم الاستماع أساسا لمطالب الناس، أو حتى الإحساس بمشاكلهم. وحتى حينما يستجيبون فإن ذلك يكون بعد فوات الأوان».

«مصانع بير السلم»

وعن المجتمع غير المرخص يكتب سامح فوزي في «الشروق»: «أثناء طرح مشروع قانون إصدار وتشغيل وإدارة المحال العامة والصناعية والتجارية المقدم من الحكومة، ذكر أن نحو 80٪ من محال شرق وغرب القاهرة تعمل بلا تراخيص، وتكرر الأمر نفسه أثناء نظر مشروع قانون للتصالح في مخالفات البناء، أن نحو نصف الثروة العقارية مخالفة بدرجات متفاوتة، منها نسبة لا يستهان بها (غير محصورة بدقة) نظرا لأن هناك مناطق بالكامل لا تعرف معنى الترخيص مما يطلق عليه «عشوائية»، ومن آن لآخر نجد قرارات إغلاق لمؤسسات وهمية في مجال التعليم العالي، ومراكز دروس خصوصية، ومقاهٍ غير مرخصة إلى حد أن «الشيشة» التي غزت كل مقاهي مصر لا يوجد لها ترخيص من الأساس، ومصانع غير مرخصة يُطلق عليها «مصانع بير السلم» تعمل في مجالات متعددة من صناعة مواد غذائية مرورا بالدواء غير المطابق للمواصفات وانتهاء بالخمور، وقنوات فضائية وصحف غير مرخصة، وأطباء يمارسون مهنة بدون شهادة جامعية أو ترخيص بمزاولتها، وبضائع تباع على الأرصفة مجهولة المصدر، وأكشاك غير مرخصة، وأسواق تنشأ لبيع سلع غير مرخصة، حتى بعض السيارات الملاكي تُطلى باللون الأبيض الذي يجعلها تقترب في الشكل من سيارات التاكسي، مما يمكن أصحابها من تشغيلها تاكسي بدون تحمل أي أعباء وغير ذلك. أدى عدم ترخيص الأنشطة المتعددة إلى أن يصبح هناك اقتصاد غير رسمي (تسمية مهذبة) يصل حجمه إلى نحو 40٪ من الاقتصاد المصري، تعمل فيه طاقة عاملة تصل إلى نحو سبعة ملايين شخص، ويحصل على الخدمات العامة التي تقدمها الدولة، إما عن طريق الاستيلاء عليها أو دفع مقابل لها مثل حالات «الممارسة» ــ أي دفع مقابل سرقة التيار الكهربائي الذي تدفعه بعض المحلات أو الاكشاك أو العربات المتنقلة، التي تستولي على الشارع، وتحتل الرصيف الذي لم يعد للمارة، بل لممارسة انشطة غير مرخصة. نحن في مجتمع غير مرخص، ولا يعني ذلك أن الإدارة الحكومية ــ غالبا الإدارات المحلية ــ غائبة أو مغيبة، بل هي مستيقظة وحاضرة لديها معلومات، لكن هيئتها الإدارية تنتفع من عدم الترخيص في التربح، والإفادة من الوضعية غير القانونية للشخص حتى يحصل الموظفون المعنيون على عوائد منتظمة من المخالفين، نظير غض الطرف عنهم، أو الصمت حيالهم أو تغطيتهم بالتواطؤ معهم. المجتمع إذن يحتاج إلى ترخيص. يعني الترخيص سلطة الدولة، ومراعاة الضوابط القانونية والصحية والبيئية في تشغيل الأنشطة، والحساب عند الخطأ، وتطبيق القانون على الشخص المخالف، وهو ما يستدعى عدة اشتراطات، أولا: قانون عقلاني يحقق مصالح المواطنين بدون شطط أو غلو، يشجعهم على الالتزام به، ثانيا: جهات إدارية تطبقه بشفافية، بعيدا عن الفساد والإفساد، وتضع القواعد الواضحة بدون محاباة، وثالثا: مساعدة الناس على تنظيم أمور حياتهم من خلال تقديم حزمة مميزات لهم تجعلهم حريصين على ترخيص حياتهم بدلا من العيش في الهامش، في ظل عدم الترخيص، مما يستدعي سد الثغرات في القوانين، ومحاسبة الموظفين الذين يتربحون من بقاء هذه الأوضاع على ما هي عليه».

قضية الأسمدة

توفير الأسمدة بات قضية يعاني منها المزارعون كل عام، لدرجة أنهم يصفونها بالكارثة تحل سنويًا على رؤوسهم، وبمثابة ضربة موجعة تزيد من معاناتهم، خاصة صغار المزارعين الذين يمتلكون أو يزرعون في مساحات قليلة، يقول وجدي زين الدين في «الوفد»، صحيح أن هناك زيادة في أسعار هذه الأسمدة لكنها لا تؤثر على أصحاب المساحات الواسعة، والمتضرر فيها صغار المزارعين. وصحيح أن معظم هذه الأسمدة مستورد من الخارج، إلا أن ذلك ليس مبررًا أبدًا لارتفاع أسعارها بهذا الشكل المغالى فيه، زيادة الأسمدة تجعل الفلاح أمام موقفين لا ثالث لهما، الأول أن يمتنع عن تسميد الأرض، وبالتالي يكون المحصول هزيلاً ويتعرض الفلاح لخسائر فادحة، ولا يعطي المحصول ثمن التكلفة التي صرفها طوال فترة النمو وحتى الحصاد، والثاني هو هجران الفلاح الأرض وتبويرها، وفي كلتا الحالتين هناك خسائر، بل كوارث لا تحل فقط على المزارع، بل على الجميع. المفروض على الدولة أن تنتهج سياسة زراعية جديدة تواكب الواقع الجديد الذي تعيشه البلاد، والسياسة الزراعية الحالية فاشلة بنسبة مئة في المئة، وهي وراء قلة إنتاج المحاصيل، ما يجعل الدولة تلجأ إلى الاستيراد من الخارج لاستكمال الغذاء الذي نحتاجه سنويًا، لو أن هناك تجديدًا في الفكر الزراعي، لاختلفت الصورة السيئة الآن، المزارع الذي يمتلك مساحة قليلة من الأرض أو يؤجرها للعمل فيها، لم يعد يحتمل أبدا الارتفاعات الباهظة في الصرف على المحصول منذ وضع البذرة وحتى إنتاج المحصول. البذرة غالية وتكاليف الري باهظة والسماد يرتفع بشكل جنوني وحتى السماد البلدي زاد سعره بشكل خطير، ما جعل الفلاح يصاب بحالة قرف شديدة. والحقيقة أن سعر توريد المحاصيل الزراعية بلا استثناء زهيد، والرابح الوحيد في هذا الأمر هم التجار الجشعون الذين يشترون الإنتاج بسعر قليل، ويعرضونه على المواطنين بأثمان باهظة، ولا أحد في الحكومة حتى الآن يحاسب هؤلاء التجار الجشعين المحتكرين الذين يمصون دماء الفلاح والمواطن على السواء. ونجد ارتفاعًا جنونيًا في أسعار المنتجات الزراعية. هذه السياسة طاردة للفلاح من الأرض الزراعية، ولابد من ضرورة إعادة الفكر مرة أخرى مع السياسة الزراعية الحالية، التي لم تعد تواكب الواقع المعاش حاليًا، فما أصعب ما يعانيه الفلاح وأسرته حاليًا، ويرحم الله المقولة الشهيرة التي كان المصريون يتغنون بها «ما أحلاها عيشة الفلاح». مصر بعد ثورة 30 يونيو/حزيران، تحتاج إلى تغيير في السياسة الزراعية، وبناء الدولة الحديثة لا يتحقق إلا بتطوير السياسة الزراعية، وتوفير الراحة للفلاح الشقيان بطبيعة الحال. ولذلك لابد على وزارة الزراعة أن تنتهج سياسة جديدة تتماشى مع اتجاهات الدولة في رفع المعاناة عن المواطنين، والتصدي بكل حزم وحسم للتجار الجشعين الذين يمصون دماء الفلاحين بشراء المحاصيل بسعر زهيد وبيعه للناس بأسعار مغالى فيها».

مساجد على الترع

وعن هموم الوطن يكتب طارق يوسف في مقاله في «الوفد» قائلا لوزير الأوقاف هل يجوز؟: «ربما يتهمني من يقرأ هذا المقال بأنني أقف ضد بناء المساجد، أو وقف العبادة بها أو التأثير على وزارة الأوقاف، لعدم ضم مساجد جديدة من هذا النوع مستقبلاً. ولكن ومن منطلق تطبيق قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، أبدأ حديثي عن المساجد التي يقيمها الأهالي على حواف نهر النيل والترع، ويتم تصميم الصرف الصحي لها لتلقي مخلفاتها في المياه وتؤدي إلى تلوثها ونقل الآثار الضارة بها إلى الإنسان والنبات والحيوان، وربما تجد بعض النقد ممن فقد الأمل في إصلاح هذه المفاسد، التي تندرج تحت قول (يا سيدي هي جت على المساجد)، ما المنازل والمصانع ومحطات غسيل السيارات وسيارات المسح تلقي مخلفاتها في النيل وفي الترع والمستقيم والمراوي. وهذه الدفوع تندرج تحت مقولة حق يراد به باطل انطلاقاً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي يرويه عنه معاذ بن جبل، الذي يقول (اتقوا الملاعن الثلاثة البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل) والمقصود بالبراز في الموارد المياه الجارية، وهي الموارد المائية التي ذكرناها والتي تتسبب في صب اللعنات على صاحبها، الذي في الظاهر يريد خيراً وهي عمارة مساجد الله، وفي الجانب الآخر يتسبب في الإضرار بالناس، التي ينطبق عليها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكبر الكبائر الشرك بالله والإضرار بالناس»، وأي ضرر هذا الذي يصيب الإنسان بأمراض خطيرة تتسبب في وفاته، ومن هول وفداحة كبيرة الإضرار بالناس وضعها رسولنا الكريم بعد الشرك بالله مباشرة. والسؤال الذي أوجهه لوزارة الأوقاف هنا هل أصدرت الوزارة فتوى بتحريم بناء هذه المساجد أو كراهة الوضوء والصلاة فيها، وهل تصدت لظاهرة تلوث المياه على المستوى العام بإصدار تعليمات للخطباء في المساجد بتحريم إلقاء مخلفات الصرف في المياه الجارية؟ أم أنها تخشى أن تتهم بالآية الكريمة التي تقول: «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون». المشكلة أن ما يحدث هو العكس. فالوزارة تقوم بضم هذه المساجد إليها وتقوم بتعيين موظفين وخطباء فيها على نفقتها، وهي تعلم أن هناك مساجد ملاصقة لهذه المساجد المقامة على الترع ولا يرتادها إلا القلة، وكان من الأولى أن تتدخل الوزارة منذ بداية البناء بالمنع والوعظ والإرشاد وتبصير الناس بوجود مساجد مجاورة تغني عن بناء مساجد جديدة على حواف الترع. وأعلم أن القاسم الأعظم يقع على تهويل الناس لمن يمنع هذا الأمر من المسؤولين بحجة منع بناء المساجد، ويخشى أي مسؤول أن يتخذ أي إجراء بشأن بناء المساجد، حتى إن كانت مخالفة خوفاً من الازدراء والتعنيف لمن يتجرأ على هذ الفعل والله أعلم».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية